نسخة كاملة للتحميل لأسفل الصفحة
يعد تشجيع الاستثمار ودعم المقاولات أولوية استراتيجية للمغرب وضرورة ملحة للنهوض بميدان الأعمال وإعادة هيكلته وتعزيز حوكمته، وفي هذا الإطار تم تنفيذ مجموعة من الإصلاحات التشريعية خاصة تلك التي تهدف إلى تعزيز استقلال القضاء، تحديث المحاكم التجارية، و رقمنة الإجراءات القضائية، وتيسير الوصول إلى المعلومات القانونية والقضائية.
وفي هذا السياق يبرز القانون رقم 73-17 المتعلق بإصلاح الكتاب الخامس من مدونة التجارة، الذي اعتمد ونشر في الجريدة الرسمية في 23 أبريل 2018، كخطوة هامة في مسار الإصلاحات.
حيث أدرك المشرع المغربي أن استمرارية المقاولة المتعثرة في مزاولة نشاطها هي الوسيلة المثلى لترجمة أهداف المشرع من اعتماد نظام صعوبات المقاولة على أرض الواقع وهذا ما جعل المشرع المغربي يفرض هذه الاستمرارية بقوة القانون خلال المرحلة اللاحقة لصدور الحكم القاضي بفتح المعالجة.
وإذا كانت قوة العقد تمكن المدين من استيفاء دينه عند حلول أجله وفق ما تقضيه القواعد العامة دونما الالتزام باتباع إجراءات خاصة في شكل معين ووقت محدد، وإنما وفق ما يقتضيه قانون العقد، فإن فتح مسطرة المعالجة في مواجهة المدين يقلب كل هذه القواعد حيث أن الوفاء بالديون التعاقدية يخضع لإجراءات خاصة غير مألوفة تعتبر غريبة بمنطق القواعد العامة، حيث أن الدائن يلزم بإتباع إجراءات دقيقة ومعقدة وطويلة، وإن إغفاله لمجرد إجراء يجعله يفقد حقه في استيفاء دينه.
كما نجد بأن هذا النظام قد أعاد النظر كذلك في آليات الوفاء بالديون التعاقدية كنظام الضمانات الذي عرف في ظل نظام صعوبات المقاولة اضطرابا كبيرا بفعل الثورة القانونية الذي أحدثها هذا النظام في الضمانات الكلاسيكية وأهميتها في تنفيذ العقد بالإضافة إلى الأزمة التي تشهدها أحكام الشرط في ظل هذا النظام.
وعلى العموم فالإشكالية الأساسية التي يطرحها هذا الموضوع تتمثل في ما يلي: أي مكانة لقواعد وآليات الوفاء بالديون التعاقدية المتعارف عليها في القواعد العامة في ظل مساطر صعوبات المقاولة؟
وعليه فمن أجل الإجابة عن هذه الإشكالية، ارتأينا التحدث أولا عن خضوع الوفاء بالديون التعاقدية لقواعد خاصة (المطلب الأول) لننتقل بعد ذلك للحديث عن تعطيل الآليات المساعدة على تنفيذ العقد في ظل نظام صعوبات المقاولة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: خضوع الوفاء بالديون التعاقدية لقواعد خاصة
إن أول ما يمكن الإشارة إليه هنا أن المركز القانوني للمقاولة الخاضعة لمسطرة المعالجة، وكذا لدائنيها يتأثر نوعا ما نتيجة لصدور الحكم القاضي بفتح هذه المسطرة بحيث ان هناك مجموعة من الإجراءات التي يتعين على كل من السنديك والمحكمة التجارية المفتوحة أمامها المسطرة اتخاذها وذلك من أجل إعداد الحل الكفيل بتجاوز الصعوبات التي تعاني منها المقاولة وأن هذه الإجراءات كان لابد أن يمتد أثرها ليمس بوضعية المقاولة المدينة و وضعية دائييها.
وعليه ففي هذه المرحلة يصبح العقد معطلا تماما من حيث إنتاج أثاره، وغير كاف لوحده من أجل استحقاق الدائنين لديونهم، حيث يتعرضون لمجموعة من القيود تجميد الديون السابقة عن فتح مسطرة المعالجة، كما أن الدائنين وفي إجراء لا يقبله منطق القواعد العامة، يلزمون بالتصريح بالديون خلال أجال حددها المشرع تحت طائلة سقوط الدين الشيء الذي يهدد مصالحهم ضرورة التصريح بالدين والتحقق منه.
الفقرة الأولى: تجميد الديون السابقة لفتح مسطرة المعالجة
ينتج عن فتح مسطرة المعالجة ضد المدين أن دائنيه الذين نشأت ديونهم قبل فتح هذه المسطرة يفقدون حقهم في التمتع بما تخوله لهم القواعد العامة حماية لديونهم وعلى رأسها تجميد الديون السابقة لفتح مسطرة المعالجة ومنع رئيس المقاولة من أدائها للدائنين.
وهكذا تنص الفقرة الأولى من المادة 690 من مدونة التجارة على أنه " يترتب على حكم فتح المسطرة بقوة القانون منع أداء كل دين نشأ قبل صدوره" ويستفاد من المقتضيات السالفة الذكر أنها تتضمن قاعدة يتم بمقتضاها منع كل من رئيس المقاولة والسنديك من أداء كل دين يكون ناشئا قبل صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة.
فإذا كان يمكن القول أن الالتزام النقدي الناشئ عن عقد سابق لحكم فتح المسطرة بالالتزام الناقص وذلك لإبطال القوة الملزمة للعقد، وبالتالي عدم إمكانية إلزام المدين بما التزم به من خلال إعطاء السنديك حق الخيار في استمرارية العقد أو التخلي عنه، فإن التنصيص على منع أداء الديون السابقة يجعلنا أمام التزام معدوم في المرحلة الانتقالية[1] .
وبالتالي فإن أحكام الباب الأول من القسم السادس من الكتاب الأول من ظهير الالتزامات والعقود[2] المنظمة للوفاء معطلة تماما بموجب الفقرة الأولى من المادة 690 من مدونة التجارة .[3]
وإذا كان تقرير هذه القاعدة يعتبر أمرا إيجابيا وضروريا بالنسبة للمقاولة الخاضعة لمسطرة التسوية، وذلك بهدف الحفاظ على الأصول الضرورية لمواصلة النشاط والإنتاج والشغل، حتى تتقوى فرص إنقاذ المقاولة وتصحيح وضعيتها المالية والاقتصادية، فإنه يؤدي من جهة أخرى إلى المساس بأهم الضمانات التي يقرها القانون في مجال التعاقد واستقرار المعاملات، كما يشكل تراجعا في نظام العقد في حد ذاته كآلية لتنظيم المعاملات بين الأفراد داخل المجتمع[4].
وبالتالي نلاحظ بأن التشريع المغربي قد خطا ذات الخطوة التي تروم التقليص من حقوق الدائنين الذين نشأت ديونهم قبل حكم فتح المسطرة أو - الدائنون السابقون عن الحكم عسى أن تتم تسوية وضعية المقاولة المتعثرة وإنقاذها من الصعوبات المالية والاقتصادية التي تعاني منها إنقاذا للاقتصاد الوطني والشغل والإنتاج والموارد، وتجسد هذه الخطوة أو المبدأ الجديد في منع أداء كل دين بقوة القانون نشا قبل صدور الحكم [5]كما تمت الإشارة إلى ذلك.
وفي هذا الإطار فإن المشرع المغربي يهدف من خلال قاعدة منع أداء الديون إلى تفادي تسابق الدائنين السابقين للحكم، وتجنب محاباة بعضهم على حساب البعض الآخر من جهة، ومن جهة أخرى الحفاظ على أصول المقاولة.
وتشمل هذه القاعدة سائر الديون والدائنين سواء كانوا دائنين عاديين أو دائنين أصحاب امتيازات عامة أو خاصة،[6] واصحاب الرهون كيفما كان شكلها، سواء كانت رهونا رسمية أو حيازية أو دون انتقال الحيازة كرهن الأصل التجاري، وبصرف النظر عن طبيعة الدين أكان دينا مدنيا أو تجاريا، دينا مهنيا يتعلق بنشاط المقاولة أو دينا شخصيا ويرد على هذا المبدأ أي منع أداء الديون الناشئة قبل صدور الحكم، استثناء هام فرضته متابعة النشاط، يسمح للسنديك بإذن من القاضي المنتدب[7] بأداء الديون السابقة للحكم، وذلك لفك رهن أو لاسترجاع شيء محبوس قانونيا إذا كانت متابعة نشاط المقاولة تستلزمه [8]وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 690 من مدونة التجارة.
وهكذا فاستثناء من قاعدة منع أداء الديون الناشئة قبل صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة ضد المقاولة المتوقفة عن الدفع، يمكن للقاضي المنتدب أن يعطي إذنه للسنديك لكي يقوم بأداء هذه الديون للدائن المرتهن رهنا حيازيا أو الحابس للشيء الذي تستلزمه ضرورة متابعة نشاط هذه المقاولة على احسن وجه خلال فترة إعداد الحل المناسب لوضعيتها، وهنا يلاحظ أن الأمر يتعلق فقط بالدين المضمون برهن حيازي أو بحق الحبس مما يستعبد الديون الناشئة قبل صدور حكم فتح المسطرة والتي تكون مضمونة بتأمينات أخرى غير الرهن الحيازي أو حق الحبس، وفي هذا الإطار قررت محكمة النقض الفرنسية أن الاستثناء من القاعدة المنصوص عليها في المادة 33 من قانون 25 يناير ، المطابقة للمادة 690 من مدونة التجارة لا يسري على الديون الناشئة قبل فتح المسطرة كلما كانت هذه الديون مضمونة بتأمين آخر غير الرهن الحيازي أو حق الحبس [9]
وباستقرائنا للمادة 7-4622 من مدونة التجارة الفرنسية نجدها لطفت من حدة هذا المنع وأجازت بصريح العبارة إمكانية الوفاء بدين سابق على حكم فتح المسطرة عن طريق المقاصة وهذا قد يشكل تلطيفا من حدة القيود التي تواجه العقد وتعصف بآثاره في ظل مساطر صعوبات المقاولة.
وتطبق قاعدة منع أداء الديون على جميع وسائل الأداء، سواء أتمت عن طريق رئيس المقاولة أم عن طريق السنديك كما أشرنا إلى ذلك، ومهما كانت الطرق التي تم بها سواء أكان ذلك الأداء نقدا أم بالتحويل البنكي أم بحوالة الديون المهنية أم عن طريق الأوراق التجارية[10]، ما عدا الشيكات [11]التي قد يصدرها رئيس المقاولة قبل تاريخ الحكم القاضي بفتح المسطرة يمكن وفاؤها للمستفيدين منها ولو وقع تقديمها للوفاء بعد هذا التاريخ.
وفي نفس السياق أي تجميد الديون السابقة لفتح المسطرة وتأثيرها على القواعد العامة للوفاء بالديون التعاقدية، فإن ما يزيد من حدة هذا الخروج عن القواعد العامة هو ما أقرته المادة 590 من مدونة التجارة التي نصت على أنه " يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح مسطرة التسوية القضائية والمتعلقة بحاجيات سير هذه المسطرة أو تلك المتعلقة بنشاط المقاولة وذلك خلال فترة إعداد الحل، في تواريخ استحقاقها وفي حالة تعدر أدائها في تواريخ استحقاقها، فإنها تؤدي بالأسبقية على كل الديون الأخرى سواء كانت مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات، باستثناء الأفضلية المنصوص عليها في المادتين 958 و 565...".
ومن ذلك نلاحظ أن المشرع المغربي لم يكتفي بتجميد الديون السابقة عن فتح مسطرة المعالجة لمدة معينة، وإنما تجاوز ذلك ليخلق ديون جديدة تأتي في مرحلة لاحقة للديون المجمدة ويتم أداؤها بالأفضلية عن الديون السابقة[12]، وإن لهذا الأمر تأثير كبير على الدائنين السابقين، سواء منهم العاديين أو اصحاب الضمانات. من كل ما سبق يمكن القول إن العقد وحده غير كاف لاستحقاق الدائن لديونه بعد فتح مسطرة المعالجة، وإنما يلزم التقيد بما تمليه قواعد نظام صعوبات المقاولة التي تعتبر من صميم النظام العام الاقتصادي، وبالتالي تلزم الدائنين السابقين بالتريث والانتظار مع إلزامه باتخاذ بعض الإجراءات وهذا ما نتحدث عنه في الفقرة الموالية.
الفقرة الثانية: ضرورة التصريح بالدين والتحقق منه
بالإضافة إلى تجميد الديون السابقة عن فتح مسطرة المعالجة ومنع المدين من أدائها للدائنين عند حلول أجلها، فإن المشرع المغربي قد ألزم الدائنين بالانخراط في هذه المسطرة من أجل الحصول على دينه وفق شروط المخطط التي تفرضه المحكمة وليس طبقا لقوة قانون العقد.
وتتجلى هذه الإلزامية في ضرورة تصريح الدائن بدينه إلى السنديك داخل الأجل المحدد (أولا) ثم خضوع هذا الدين إلى التحقيق (ثانيا) وإلا لما استطاع الحصول على دينه.
أولا: ضرورة تصريح الدائن بدينه خروج عن القواعد العامة
لقد اشترط المشرع المغربي على الدائن من أجل تثبيت[13] دينه ضرورة التصريح به إلى السنديك وفق الأحكام الخاصة بهذا الإجراء وإلا يصبح العقد الذي يثبت علاقة الدائنية عديم الأثر لسقوط الدين الناتج عنه، وعدم تدارك الأمر داخل الأجل المحدد لرفع السقوط وهذا الأمر يشكل خروجا عن القواعد العامة المنظمة للوفاء بالالتزامات.
وهكذا يعتبر التصريح بالدين الخطوة الأولى التي يعلن بواسطتها الدائن عن وجوده وعن مركزه القانوني، [14]حيث يقوم وفق مسطرة معينة، بالإفصاح عن مبلغ دينه وعن طبيعته وكذا ملحقاته إن وجدت، وذلك خلال أجال محددة لا ينبغي تجاوزها واسقاط الدين مالم يقم برفع دعوى السقوط إذا توفرت شروطها، وبالتالي فإن لم يلتزم الدائن بالتصريح بدينه وفق ما سبق ذكر فإنه لا يقبل دينه ضمن لائحة الديون التي يتم التحقيق فيها.
وقد نظم المشرع المغربي التصريح بالديون في المواد من 719 إلى 723 من مدونة التجارة كما تم تعديلها بمقتضى قانون 17-73 سنة 2018
وبذلك تعتبر قاعدة التصريح بالديون من أهم الآليات التي راهن عليها المشرع المغربي من أجل تصفية خصوم المقاولة لحصر العناصر السلبية والإيجابية لها للوصول إلى توزيع عادل لأصولها بين الدائنين وفقا للحل الذي ستتبناه المحكمة لتسوية وضعية المقاولة المدنية[15]. "
وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 719 من مدونة التجارة على أنه " يوجه كل الدائنين الدين يعود دينهم إلى ما قبل صدور الحكم بفتح المسطرة باستثناء الأجراء تصريحهم بديونهم إلى السنديك .... انطلاقا من هذه الفقرة أعلاه يتبين لنا أن قاعدة إلزامية التصريح بالديون يرد عليها استثناءان وهما:
- إستثناء الأجراء من هذه المسطرة، وجاء هذا الاستثناء كحماية من طرف المشرع المغربي للأجراء[16] باعتبارهم الحلقة الأضعف، بالنظر للوضعية المتردية [17]التي يوجد عليها هذا الصنف من المتعاقدين.
- إستثناء الدائنين الذين نشأت ديونهم بعد الحكم بفتح مسطرة المعالجة الدين يستوفون ديونهم في تاريخ استحقاقها، وفي حالة تعذر أدائها في تاريخ استحقاقها فإنها تؤدي بالأسبقية عن كل الديون الأخرى، وهذا ما نصت عليه المادة 190 من مدونة التجارة.
وبالنسبة لأجل التصريح بالدين، فإنه يختلف حسب وضعية الدائنين، وبالتالي فإنه يجب على الدائن التصريح بالدين داخل أجل شهرين ابتداء من تاريخ نشر حكم فتح المسطرة بالجريدة الرسمية، ويمدد هذا الأجل بشهرين بالنسبة إلى الدائنين القاطنين خارج المغرب، بخصوص أطراف العقود الجارية المتخلي عنها من طرف السنديك فإن الأجل ينتهي بمضي خمسة عشر يوما من تاريخ الحصول على التخلي عن مواصلة العقد وهذا ما تنص عليه المادة 720 من مدونة التجارة.
غير أن المادة 719 من مدونة التجارة قد ألزمت السنديك بضرورة إشعار الدائنين المعروفين لديه والمدرجين بالقائمة المدلى بها من طرف المدين بالإضافة إلى الدائنين الحاملين لضمانات أو عقد ائتمان تجاري بالتصريح بديونهم، لكن الاشكال الذي يطرح في هذا الصدد يتمثل في التساؤل عن من هم الدائنين المعروفين لدى السنديك؟ ويعتبر أجل التصريح بالديون إلى السنديك أجل سقوط وليس أجل تقادم، ومن تم فلا يمكن أن يكون الأجل المذكور موضوع إيقاف أو قطع على خلاف ما يعمل به في مجال أجال التقادم، مما يدل على أن المشرع يفرض على دائني المقاولة المفتوحة ضدها مسطرة المعالجة أو مسطرة التصفية القضائية، إن اقتضى الحال التحلي باليقظة والحرص في بدل كل ما في وسعيهم للحفاظ على حقوقهم المترتبة على هذه المقاولة، ذلك أن عدم التقيد بالأجل المحدد بالقانون للتصريح بالديون إلى السنديك يترتب عليه سقوط حق الدائن المعني بالأمر في المطالبة بما له من ديون على المقاولة[18].
وقد أعطى المشرع المغربي للدائن الذي لم يصرح بدينه داخل الأجل وسقط دينه إمكانية سلوك دعوى رفع السقوط من أجل المشاركة في تقسيم التوزيعات الموالية لتاريخ طلبهم، لكن من أجل قبول هذه الدعوى فإنه ينبغي على الدائن إثبات أن سبب عدم التصريح بالدين لا يعود إليه، وذلك داخل أجل سنة ابتداء من تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة، وبالتالي فإنه إذا استطاع الدائن أن يثبت أن سبب عدم التصريح داخل الأجل القانوني لا يرجع إليه فإنه يرفع عنه السقوط.
لكن الملاحظ أن القضاء يتشدد في قبول دعوى رفع السقوط حيث أنه يذهب في اتجاه إقصاء الدائنين ما أمكن وذلك خدمة للمقاولة.
من كل ما سبق يتبين لنا أن اشتراط المشرع الدائن بضرورة التصريح بدينه وفق الأحكام والشكليات السالفة الذكر يعد ضربا لمبدأ القوة الملزمة للعقد ومبدأ كفاية العقد لإلزام أطرافه وهذا فيه خروج واضح عن القواعد العامة.
ثانيا: تثبيت الدين مرهونا بالتحقق منه
من أجل تثبيت الدين للاستفادة من الأداءات التي تنتج خلال مخطط الاستمرارية أو التفويت فإنه لا يكفي أن يصرح الدائن بدينه وفق الشكليات السالفة الذكر بل لابد من خضوع تلك الديون للتحقيق لمعرفة ما إذا كانت هذه الديون صحيحة وبالتالي تستحق الاستفادة من المخطط أم غير مقبولة.
وقد نظم المشرع المغربي مسطرة تحقيق الديون في المواد من 724 إلى 735 من مدونة التجارة، حيث تكتسي هذه الأخيرة أهمية بالغة من حيث كونها تشكل مرحلة حاسمة للبت في الديون المصرح بها لدى السنديك، وذلك لإبعاد الديون التي قدمت على سبيل الاحتياط او خرقا للقواعد الخاصة بنظام التصريح، او خارج الآجال القانونية.
وقد أعطى المشرع المغربي للسنديك مهمة تحقيق الديون، وهو ما أشارت إليه المادة 726 من م ت حيث نصت في فقرتها الأولى على أنه " يقوم السنديك بتحقيق الديون بمساعدة المراقبين وبحضور رئيس المقاولة أو بعد استدعائه بصفة قانونية مع مراعاة مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 673 أعلاه".
ويلاحظ أن التشريع الجديد عمد إلى إقصاء الدائنين من المشاركة أو الحضور في عمليات التحقيق، في حين أكد على حضور رئيس المقاولة أو استدعائه بصفة قانونية تحت طائلة بطلان التحقيق لأن هذا الإجراء وجوبي إلا في حالة الاستثناء[19]، وبذلك اختل ميزان العدالة الذي شكل ضربة أخرى لمصالح الدائنين، ولا يغني في منظورنا عن وجود هؤلاء للدفاع عن مصالحهم وجود المراقبين الذين يعينون من بين الدائنين فقط، وأن الحضور والذي أصبحنا نحبذه هو الحضور الفردي لكل دائن يجري التحقيق في دينه [20].
وبعد إعداد السنديك لقائمة الديون المصرح بها يديلها باقتراحاته المتعلقة بقبول هذه الديون أو رفضها ويسلم هذه القائمة إلى القاضي المنتدب، الذي يقرر إما قبول الدين أو رفضه طبقا للمادة 729 من م ت حيث يملك القاضي المنتدب سلطة واسعة[21] تجاه الدين إذ يمكنه قبوله كليا أو جزئيا أو رفضه.
إذن فمن خلال ما سبق يتبين لنا أن المشرع المغربي في ظل نظام صعوبات المقاولة قد وضع مجموعة من العراقيل من منظور القواعد العامة أمام الدائنين يلزم الدائنين تجاوزها وذلك بهدف ضمان استمرارية المقاولة ولو على حساب التضحية بقواعد الوفاء بالديون التعاقدية كما هي منظمة في إطار النظرية العامة للالتزامات وإن هذا الأمر لن يقف عند هذا الحد وإنما سيمتد اثاره السلبي ليمس بنظام الضمانات وكذلك الشروط الاتفاقية.
المطلب الثاني: تعطيل الاليات المساعدة على تنفيذ العقد
إن الكتاب الخامس من مدونة التجارة، ومن أجل تحقيق الأهداف التي وجد من أجلها قد تبنى فلسفة جديدة تقوم وتؤسس على مبدأ تجاوز كل الأسس والأحكام العامة المتحكمة في تنفيذ العقد إذا كان من شأنها أن تشكل عرقلة وحاجز أمام تحقيق هذه الأهداف.
ومن بين الأحكام التي جاء بها نظام صعوبات المقاولة وتشكل خروج عن القواعد العامة، نجد تعطيل الآليات المساعدة على تنفيذ العقد، وأخص بالذكر هنا نظام الضمانات وما عرفه من تعطيل في ظل هذا النظام، (الفقرة الأولى) بالإضافة إلى الشروط الاتفاقية الذي يكون قد اتفقوا عليها المتعاقدين عند إبرام العقد حيث نجد أن مشرع نظام صعوبات المقاولة قد أبطل مفعولها (الفقرة الثانية) وذلك بهدف حماية المقاولة وضمان استمراريتها.
الفقرة الأولى: تعطيل ضمانات تنفيذ العقد
قد يؤدي إخلال أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه إلى تكبد المتعاقد الآخر خسارة مالية كبيرة ولذلك يقتضي الحفاظ على مصلحة الأطراف اشتراط ضمانات يكون من شأنها المساهمة في تنفيذ العقد.
وتنقسم الضمانات إلى قسمين أساسيين ضمان عام، ثم ضمانات خاصة، وينبني نظام الضمانات على مجموعة من الأحكام ويترتب عليه مجموعة من الآثار، إلا أن قانون صعوبات المقاولة قد تمرد على قواعد هذا النظام وجرده من طابعه الحماني وأبطل مفعوله في التحكم في تنفيذ العقد سواء على مستوى الضمان العام أو على مستوى الضمانات الخاصة.
أولا: أقول الضمان العام
على مستوى الضمان العام، إذا كان الفصل 1241 من قانون الالتزامات والعقود المغربي ينص على أن أموال المدين ضمان عام لدائنيه ، و يوزع ثمنها عليهم بنسبة دين كل واحد منهم ما لم توجد بينهم أسباب قانونية للأولوية " بمعنى أن الضمان العام يخول لدائن اقتضاء حقه من أموال المدين، فإن خضوع هذا الأخير لمسطرة المعالجة يبطل مفعول هذا الضمان العام.
حيث أن الحكم بفتح مسطرة المعالجة في مواجهة المدين يترتب عنها العديد من الآثار القانونية التي تهدف من جهة على الحفاظ على المقاولة وضمان استمراريتها لكنها من جهة أخرى تؤثر على المركز القانوني للدائنين الدين تعود ديونهم إلى ما قبل صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة لتمنعهم من سلوك أو الاستمرار في سلوك إجراءات فردية هادفة للتنفيذ على أموال المقاولة كما يمنح ذلك الفصل 1241 من قانون الالتزامات والعقود.
وإذا كان هذا المنع يهدف إلى الحد من التسابق بين الدائنين في تقديم دعاوى ضد المقاولة لمطالبتها بأداء ديونهم وكذلك ممارسة إجراءات التنفيذ الجبري على أموالها وما من شأنه أن يؤثر على مبدأ المساواة بين الدائنين فإنه من جهة أخرى يعصف بأهم الآليات المتحكمة في تنفيذ العقد وهو الضمان العام، وما يخوله للدائن من إمكانية استيفاء دينه.
وهكذا نصت الفقرة الثانية من المادة 686 من مدونة التجارة على أنه " يوقف الحكم أو يمنع كل إجراء تنفيذي يقيمه هؤلاء سواء على المنقولات أو على العقارات" من ذلك يمكن القول أن الضمانات العامة للدائنين كما اشار إلى ذلك الفصل 1241 من ق ل ع تصبح في ظل نظام صعوبات المقاولة وخاصة مساطر المعالجة معطلة تماما، وهذا فيه تأثير كبير على الدائنين الدين كانوا يستندون عليه لإستفاء ديونهم في حالة إخلال المتعاقد بتنفيذ التزاماته.
ثانيا: تعطيل الضمانات الخاصة
قد يشك الدائن في ذمة المدين التي تعتبر ضمانا عاما، ويشترط الحصول على ضمانة خاصة تجعله في وضع مريح ويقين من تنفيذ العقد من خلال الحقوق الامتيازية التي تخولها إياه، وتنقصهم هذه الضمانات إلى قسمين ضمانات شخصية كالكفالة والضامن الاحتياطي وضمانات عينية كالرهون سواء الرسمية أو الحيازية، لكن افتتاح مسطرة المعالجة في مواجهة المدين يجعل الدائن صاحب الضانة في وضع أسوأ من الذي إرتاب منه،[22] حيث تعطل هذه الضمانات بصفة كلية، كما يتم منعه من إتمام تأسيس الضمانات التي شرع في تقيدها.
فعلى مستوى تأسيس الضمانات فإنه لكي تقوم صحيحة فلا بد من إتمام إجراءات تقيدها لكي يحتج بها في مواجهة الغير، لكن بمجرد صدور الحكم القاضي بافتتاح مسطرة المعالجة فإنه لا يمكن إجراء أي تقييد لهذه الضمانات، حيث نصت المادة 699 من مدونة التجارة على أنه " لا يمكن تقييد الرهون الرسمية ولا الرهون ولا الامتيازات بعد الحكم بفتح المسطرة".
إن هذا المنع الذي أقره المشرع المغربي بمقتضى هذه المادة نرى فيه تأثير واضح على المتعاقد الذي أخذ الضمانة ولم يستكمل تقييدها بعد، حيث يمنع من القيام بذلك وبالتالي تجرد هذه الضمانة من أثارها وطابعها الحمائي.
ويتميز مبدأ منع تقيد الضمانات بطابعه المطلق والعمومي للمنع، إذ يسري على الضمانات كيفما كانت طبيعتها والأموال التي تقع عليها [23]. "
واستثناء من المبدأ العام الذي يقضي بعدم إمكانية تقييد ضمانات بعد صدور حكم فتح المسطرة أعطى المشرع المغربي للقاضي المنتدب بمقتضى المادة 597 من م ت إمكانية الترخيص لرئيس المقاولة أو السنديك بقبول رهن رسمي، حيث أنه يمكن تقييد هذه الضمانة بعد صدور الحكم القاضي بافتتاح مساطر صعوبات المقاولة، على أساس أن هذا الدين يعد جديدا أو لاحقا لصدور الحكم الفاتح للمسطرة[24]، كما أن المادة 633 من م ت [25] قد خولت للقاضي المنتدب إمكانية الأمر باستبدال ضمانات بأخرى شرط توفر نفس الامتياز في الضمانة الجديدة، وبالتالي يكون تقييد هذه الضمانات ممكنا وصحيحا ولو أن ذلك تم بعد صدور الحكم بفتح المسطرة.
فبالتقييد تكتمل نشأة الضمانات باعتباره إجراء يمكن من الاحتجاج بها في مواجهة الأغيار، فالحق كقاعدة عامة لا يحتج به ضد الغير إلا من تاريخ شهره إن كان خاضعا النظام الشهر أو التقييد، وكل تقييد مخالف لأحكام المادة 699 يقع باطلا ويصير الدائن بعد ذلك مجرد دائن عادي يجري عليه ما يجري على الدائنين العاديين ويخضع بذلك لقسمة الغرماء، وبالتالي يفقد رتبته الامتيازية [26] التي دون شك كانت وراء إقدامه على التعاقد نظرا للوضع المريح الذي توقع وجوده فيه [27]
وعليه فإن الدائنين اصحاب الضمانات الخاصة والامتيازات يتعذر عليهم تأسيس ضماناتهم عن طريق تقييدها بمجرد صدور حكم فتح المسطرة، وهذا الأمر يرتب عليهم مجموعة من الآثار السلبية.
وإذا كان يبدو واضحا مما سبق الوضعية المتردية لأصحاب الضمانات التي لم يتم تقييدها بعد، فإن الضمانات المؤسسة قبل صدور حكم فتح مسطرة المعالجة لم تسلم بدورها من هذه الثورة القانونية التي خلفتها أحكام الكتاب الخامس من مدونة التجارة على ثوابت النظرية العامة للعقد.
خلال سريان القانون التجاري الملغى، كان مبدأ وقف المتابعات الفردية مقتصرا على الدائنين العاديين والدائنين اصحاب الامتيازات العامة الناشئة ديونهم قبل الحكم بشهر الإفلاس، أما الدائنون أصحاب الامتيازات الخاصة وأصحاب الرهون الحيازية والرهون دون انتقال الحيازة، والرهون الرسمية، فلا يطالهم هذا المبدأ، نظرا لما يتمتعون به من أفضلية وأسبقية وحق تتبع للأموال المرهونة وأدوات الامتياز الخاص لاستيفاء ديونهم.[28]
لكن خلاف ذلك فإن المادة 686 من مدونة التجارة الحالية لم تميز بين الدائنين العاديين وأصحاب الضمانات ولم تعر هؤلاء الآخرين الحماية التي تحرص الأحكام العامة على إيلائهم بها، إذ تشهد حقوقهم في المساطر الجماعية تحجيرا وتقزيما يفقدها طابعها الامتيازي الذي تتسم به في ظل القواعد العامة.[29]
فمثلا إذا تعلق الأمر بعقد رهن دون انتقال الحيازة فإن فتح مسطرة المعالجة في مواجهة المدين يجعل من القيام بتحقيق هذا الرهن أمرا مستحيلا القيام به، وإذا فرضنا أن الدائن قام بممارسة حجز تحفظي، فإن هذا الحجز يصبح بدون جدوى ما دام أنه لا يمنح الدائن حق حبس الشيء المرهون.
ولقد خول الفصل 1184 من ق ل ع للدائن الحق في حبس الشيء المرهون، لكن إذا فضل الدائن ممارسة المتابعات الفردية بدل حق الحبس كورقة ضغط مخولة له، فإنه يفقد حق الحبس الذي يملكه، وكذا حق التخصيص من منتج البيع أو حتى الناتج المتبقي[30] ويتحول إلى دائن عادي[31]، وبالتالي تتأثر وضعيته.
كما نجد من بين مظاهر الاضطراب الذي عرفه نظام الضمانات في طابعه الكلاسيكي هو النوع الجديد من الضمانات التي جاءت به المادة 590 من م ت والذي سماه الاستاد عبد الرحيم شميعة " امتياز الامتياز " حيث نصت هذه المادة على أنه " يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم مسطرة التسوية القضائية ... في حالة تعذر أدائها في تواريخ استحقاقها، فإنها تؤدي بالأسبقية عن كل الديون الأخرى سواء كانت مقرونة أم لا بامتياز أو بضمانات ..."
وبالتالي فإن هذا الامتياز يعيد ترتيب الامتيازات في المنظومة القانونية المغربية ليتربع على قمة هرم الامتيازات طبقا للقانون المغربي، ليشكل مظهر من مظاهر التحول الذي يعكس أصالة و تفرد بل وتفوق مفاهيم ومضامين قانون الأعمال على باقي الفروع القانونية الأخرى وانحرافا عن ثوابت القانون المدني، وكذلك عن القانون التجاري الكلاسيكي مما أنبأ عن أفول الضمانات الكلاسيكية التي تحصن بها لزمن طويل دائنو المقاولة، زد على ذلك المس بأحكام الكفالة وأساسها[32]
الذي يمكن استنتاجه من كل ما سبق هو أن نظام صعوبات المقاولة قد أحدث تراجعا مقلقا لوضعية الدائنين أصحاب الضمانات، حيث أصبحت وضعيتهم مساوية عمليا للدائنين العاديين الذين تعاملوا مع المقاولة في جميع أطوار نموها، بحيث تمت التضحية بمصالحهم الصالح فئة جديدة من الدائنين، قد تتكون من مضاربين متخصصين يفضلون التعامل مع المقاولات التي فتحت في مواجهتها المسطرة القضائية نظرا لوجود تحفيز المادة 590 الذي يمنحهم استيفاء ديونهم بالأولوية.
أما بالنسبة للدائنين العاديين فإن معركة استيفاء الديون أصبحت وحدها تدور بعيدا عن ساحتهم حيث قد لا يتمكنون حتى من متابعة مجرياتها، بحسب تعطيل الضمان العام لمدينيهم، وكل ذلك من شأنه أن يؤدي بحكم الواقع، إلى خلق أساليب جديدة للتعامل مع هذه المعطيات القانونية، وخاصة من طرف الجهات المقرضة وعلى رأسها الأبناك، وذلك من أجل ضمان حقوقها في مواجهة المقاولات المقترضة تحسبا لخضوعها لمساطر المعالجة وهذا سيؤدي إلى مزيد من التردد والتأخير في منح القروض، الأمر الذي لن يخدم الاقتصاد الوطني، لذلك يدعو البعض[33] إلى ضرورة العمل على إيجاد توازن بين مختلف المصالح وليس ترجيح إحداها على حساب الآخر، وهذا التوازن لا يتأتى إلا باسترجاع الضمانات لقوتها وآثارها.
الفقرة الثانية: تجاوز مفعول الشروط الاتفاقية المدرجة في العقد
لقد أضحى الشرط تلك النافذة التي يطل منها النظام القانوني على المستقبل ذلك أن النشاط القانوني لا يستطيع أن يقتصر على الحاضر بل لابد أن يمتد إلى المستقبل، فإن أبسط حاجات الإنسان تقتضي منه ذلك وتدفعه إليه دفعا، فكثير من العلاقات التعاقدية لا يمكن البت فيها إلا في ظروف وملابسات غير محددة، والمستقبل وحده هو الذي يكشف عنها ولا يصل إلى تحقيق ذلك إلا عن طريق الشرط، فهو أمر مستقبل يرد إليه مصير العلاقات القانونية، وبالتالي يستطيع الفرد التحكم في مستقبل تصرفه القانوني [34]
وقد عرف المشرع المغربي الشرط في الفقرة الأولى من الفضل 107 من ق.ل. ع بأنه "الشرط تعبير عن الإرادة يعلق على أمر مستقبل وغير محقق الوقوع، إما وجود الالتزام أو زواله، و بالإضافة إلى ذلك فقد أعطى المشرع المغربي لمؤسسة الشرط تنظيما وافيا من الفصل 107 إلى 126 من قل، والهدف من هذا التنظيم الدقيق هو ضمان العدالة واستقرار المعاملات.
وإذا كان قانون الالتزامات والعقود يحافظ على قدسية الشروط الاتفاقية، ويعتبرها بمثابة القانون بالنسبة لأطرافها فإن خضوع أحدهما لمسطرة المعالجة من صعوبات المقاولة يجعل من هذه الشروط عديمة الأثر.
وباطلاعنا على مقتضيات الكتاب الخامس من مدونة التجارة نجده قد أوجد مجموعة من المواد التي تبطل مفعول الشروط الاتفاقية التي تم إدراجها عند إبرام العقد، وهكذا باطلاعنا على الفقرة الأخيرة من المادة 588 من مدونة التجارة نجدها تنص على أنه "لا يمكن أن يترتب عن مجرد فتح التسوية القضائية تجزئة أو إلغاء أو فسخ العقد، على الرغم من أي مقتضى قانوني أو شرط تعاقدي".
وبالتالي إذا افترضنا أنه تم إبرام عقد بين طرفين، وكطريقة لإدارة المخاطر المتوقعة وتفاديها تم إدراج شرط في العقد يقضي إلغاء أو فسخ [35]هذا العقد في حالة صدور حكم فتح مسطرة التسوية القضائية في ومواجهة أحد الأطراف لان من شأن بقائها بالعقد أن يرتب آثار سلبية في مواجهة الطرف الآخر، فإن الفقرة الأخيرة من المادة 588 المشار إليها أعلاه تعتبر هذا الشرط كأن لم يكن وتبطل مفعوله، وذلك حمايتا للمقاولة التي تكون في حاجة ماسة إلى هذه العقود من أجل استمراريتها، وبالتالي فإن لا فائدة من إدراج مثل هذه الشروط في العقد ما دام أن مصيرها العدم بقوة القانون.
كذلك من بين مظاهر تمرد نظام صعوبات المقاولة على أحكام الشرط وقوته الملزمة تجاه أطرافه نجد ذلك أكثر بروزا في مخطط التفويت، وعلى الخصوص عند تفويت العقود الضرورية للحفاظ على نشاط المقاولة.
غير أنه إذا كان الهدف من التفويت القضائي للعقود هو استمرارية هاته الأخيرة في إنتاج آثارها، فإن من شان الاحتفاظ بمفعول هذه الشروط أن يعطل هدف المشرع، كما أن ارتباط تفويت العقود بتفويت المقاولة يستدعي إزالة العراقيل التي من شأنها أن تؤثر على نجاح مخطط التفويت، علما أن هذه العراقيل قد تتخذ شكل شروط مقيدة أو مانعة للتفويت [36]، وقد تعود إلى الاعتبار الشخصي في بعض العقود.
فبالنسبة للشروط المانعة لتفويت العقد، حيث إنه ليس هناك ما يمنع في القواعد العامة أن يتفق أطراف العقد على إدراج شرط في العقد يقضي بعدم إمكانية تفويت هذا العقد أو حوالته.
وإن مثل هذه الشروط تجعل المحكمة أمام خيار صعب، حيث يتعين عليها إما احترام إرادة الأطراف المعبر عنها في العقد أو العمل على إنجاح مخطط تفويت المقاولة، الذي يعد إحدى سبل تسوية المقاومة كما هو مقرر في المادة 595 من مدونة التجارة، وأساس هذه الصعوبة أن المشرع لم ينص صراحة على تعطيل الشروط المانعة للتفويت على خلاف موقفه الصريح تجاه الشروط الفاسخة أو الملغية للعقد عند فتح مسطرة التسوية[37]، كما نصت على ذلك المادة 588 من مدونة التجارة السالفة الذكر.
وهذا ما حدا بالفقه إلى البحث في أساس قانوني لتغطيتها، حيث استند اتجاه،[38] على مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 638 من مدونة التجارة، المقابلة للمادة 7-642 من مدونة التجارة الفرنسية التي جاءت فيها يجب تنفيذ هذه العقود وفق الشروط المعمول بها عند فتح المسطرة على الرغم من كل شرط مخالف".
وبالإضافة إلى الشروط المانعة من التفويت يمكن أن نتصور وجود شروط مقيدة لتفويت العقد كان يشترط إنهاء حياة العقد في حالة خضوع أحد المتعاقدين لمخطط التفويت أو اشتراط موافقته المسبقة قبل تفويت العقد في إطار مخطط التفويت، وإذا كان يمكن القبول بهذه الشروط في إطار القواعد العامة فإن الأمر ليس كذلك عند خضوع أحد المتعاقدين المسطرة التسوية القضائية حيث يتم إبطال مفعول هذه الشروط، وذلك بهدف إعطاء حماية أكثر للمقاولة المتعثرة، ومساعدتها على الاستمرار، ذلك أن هذه العقود تكون هي الكفيلة بتحقيق ذلك، ومن تم رأي المشرع أنه لا بأس أن يضحي بأحكام الشرط في سبيل تحقيق ذلك.
وبالتالي فإن رهان المشرع على نجاح عملية التفويت جعلته لم يعر أي اهتمام للشروط الاتفاقية التي تم إدراجها في العقد عند انعقاده.
ومن زاوية أخرى، فإنه إذا كان المشرع المغربي قد أبطل مفعول الشروط الاتفاقية أثناء تفويت العقود في ظل مخطط التفويت، وبالتالي تقييد سلطان إرادة الأطراف، فإنه في مقابل ذلك فإن المحكمة عند حصرها لمخطط التفويت أن تدرج شرط في هذا المخطط يلزم المفوت إليه بعدم تفويت الأموال المفوتة لمدة محددة وهذا ما نصت عليه المادة .634 من مدونة التجارة.
إلى هنا يمكن القول إن مؤسسة الشرط كما هي متعارف عليها في إطار القواعد العامة، قد عرفت تراجعا واضطراب في ظل مساطر صعوبات المقاولة التي تقوم على قواعد أمرة من قبيل النظام العام الاقتصادي، لا تتردد في ابتعاد وإبطال مفعول أي شرط ترى أنه لا يخدم مصلحة المقاولة.
خاتمة:
من كل ما سبق قد تبين لنا بوضوح أن المشرع المغربي قد أعاد النظر سواء في قواعد الوفاء بالديون التعاقدية، عن طريق تعطيل القواعد التقليدية وفرض طرق وقواعد جديدة تتماشى مع متطلبات حماية المقاولة من قبيل تجميد الديون خلال مرحلة معينة والتصريح بالدين والتحقق منه، أو على مستوى آليات الوفاء بالديون التعاقدية والمتمثلة في نظام الضمانات التي تم تعطيلها وإفراز نوع جديد لها وكذلك تجاوز مفعول الشروط الاتفاقية.
وإن هذه الثورة القانونية على المبادئ الكلاسيكية المتحكمة في تنفيذ الالتزام قد فرضتها ضرورة المصلحة العامة الاقتصادية والتي تشكل المقاولة محورها الأساسي في النسيج الاقتصادي الوطني.
[1] معاد الخيار، خصوصيات نظام التعاقد في إجراءات معالجة صعوبات المقاولة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية، سطات، جامعة الحسن الأول الدار البيضاء، السنة الجامعية 2014- 2015 ،ص 95.
[2] الفصول من 320 إلى 334 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
[3] ينص الفصل 320 من قانون الالتزامات والعقود على ما يلي " ينقضي الالتزام بأداء محله للدائنين وفقا للشروط
التي يحددها الاتفاق أو القانون"
التي يحددها الاتفاق أو القانون"
[4] - عمر السكتاني، نظام التعاقد بين ثوابت النظرية العامة ومتغيرات نظام صعوبات المقاولة ، دراسة تحليلية في ضوء تطور التشريع و موقف الفقه و احكام القضاء، المجلة المغربية للدراسات و الاستشارات القانونية، العدد 6، 2016 ص 70.
[5] - احمد شكري السباعي الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها، دراسة معمقة في قانون التجارة المغربي الجديد و القانون المقارن، الجزء الثالث، في التصفية القضائية و القواعد المشتركة بين مسطرتي التسوية القضائية والتصفية القضائية ، الجزاءات التجارية و الجنائية المتخدة ضد مسيري المقاولة، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الجديدة، السنة 2000 ، ص 247.
[6] - راجع في هذا الإطار، محمد صابر اثر فتح المسطرة على الديون الامتيازية، مجلة المحامي عدد 47 ص 8 وما يليها.
[7] - راجع في هذا الإطار، سمير الستاوي، القاضي المنتدب ودوره في مسطرة التسوية القضائية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط سويسي السنة الجامعية 2003-2004 ص 71 وما يليها.
[8] - احمد شكري السباعي الوسيط في مساطر الوقاية، الجزء الثالث، مرجع سابق ص 248.
[9] - قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 9 أبريل 1991 أورده أحمد الفروجي وضعية الدائنين في مساطر
صعوبات المقاولة، مرجع سابق، ص 60.
صعوبات المقاولة، مرجع سابق، ص 60.
[10]- معاد الخيار، مرجع سابق، ص 96.
[11] - إن هذا الاستثناء قد جاء لكون ملكية مؤونة الشيك تنتقل إلى المستفيد بمجرد الإصدار .
[12]- وإن هذا الأمر قد سماه الأستاذ عبد الرحيم شميعة بالانحراف عن ثوابت القانون المدني وكذلك عن القانون التجاري الكلاسيكي عبد الرحيم شميعة، إجراءات الوقاية والمعالجة من صعوبات المقاولة، مرجع سابق، ص 183.
[13] - استعملت عبارة تثبيت وليس استفاء، لأن الدائن عندما يقوم بالتصريح بالدين فإنه فقط . يعلن عن وجود القانوني.
[14] - كية عموري، اثار فتح مسطرة التسوية القضائية على الدائنين الناشئة ديونهم قبل فتح المسطرة، الجزء الأول مجلة القصر ،العدد 11 ماي 2005 ، ص20 .
[15] - محمد العلوي، آثار حكم فتح التسوية القضائية على التأمينات العينية، المجلة المغربية للدراسات والاستشارات القانونية العدد الرابع 2013 ص 37.
[16] - للتوسع أكثر في هذه النقطة، راجع الفة حكيمة الحماية القانونية للأجراء في ظل نظام صعوبات المقاولة دراسة مقارنة اطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة السنة الجامعية 2007 -2008 .
[17]- عبد الرحيم شميعة الوضعية المتردية للأجراء من خلال نظام معالجة صعوبات المقاولة مجلة القانون والاقتصاد، العدد 25 أبريل 2011 ص 103 -38 .
[18] أحمد الفروجي، وضعية الدائنين في ظل مساطر صعوبات المقاولة، دراسة تحليلية نقدية في ضوء القانون المغربي، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، السنة 2006 ص: 106.
[19] - يبدو أن مسطرة تحقيق الديون تصبح بدون جدوى في حالتين نص عليهما المشرع المغربي في المادة 724 وهما :
- في حالة تقويت أو التصفية القضائية، لا يتم تحقيق الديون العادية إذا تبين أن منتوج بيع الأصول ستستهلكه بالكامل المصاريف القضائية والديون المثقلة بامتياز.
- إذا تعلق الأمر بشخص معنوي تم تحميل مسيريه القانونين والفعلين مأجورين أم لا، كلا أو بعضا من الخصوم طبقا للمادة 738 .وما بعده .
[20] - أحمد شكري السباعي الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها، الجزء الثالث ،مرجع سابق ،ص219.
[21] - إشراق الإدريسي، دور القاضي المنتدب في مسطرة معالجة صعوبات المقاولة مجلة المنارة عدد 8 يناير 2015. ص65 .
[22] - معاد الخيار، مرجع سابق، ص 73.
[23] - حياة حجي، نظام الضمانات وقانون صعوبات المقاولة - دراسة مقارنة أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة محمد الخامس السويسي الرباط السنة الجامعية 2009-2010 ، ص: 83
[24] - تنص المادة 633 من م ت على أنه " إذا كان الملك مثقلا بامتياز أو رهن أو رهن رسمي أمكن عند الضرورة استبدال ضمان بأخر إذا كان للضمان الثاني نفس الامتيازات ويمكن للمحكمة في حال غياب اتفاق أن تأمر بهذا الاستبدال.
[25] - عبد الرحمان السباعي وضعية الدائنين أصحاب الضمانات في مساطر صعوبات المقاولة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ، جامعة مولاي إسماعيل كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية مكناس السنة الجامعية2007 - 2008 ص 110 .
[26] - معاد الخيار، مرجع سابق، ص 74-75.
[27] - السعيد الرقيق، حدود العلاقة بين القانون المدني والقانون التجاري رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس، جامعة مولاي إسماعيل السنة الجامعية 2017-2018، ص 102.
[28] - أحمد شعري السباعي الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها، الجزء الثالث، مرجع سابق، ص 245.
[29]- حياة حجي، أثر مساطر صعوبات المقاولة على وضعية الديون الجبائية :الإشكاليات والآفاق ص: 175.
[30] - حياة حجي، مرجع سابق، ص 186
[31] - عبد الرحيم السباعي ، م ، ص: 102
[32] - عبد الرحيم شميعة، إجراءات الوقاية والمعالجة من صعوبات المقاولة، طبقا للقانون 14-81، الطبعة الأولى مطبعة وراقة سجلماسة الزيتون، مكناس ، السنة 2015 ص 183 و 22
[33] القاسمي سعيد، خصوصيات نظام صعوبة المقاولة دراسة مقارنة، مرجع سابق، ص 103-104.
[34] - أمينة ناعيمي، أحكام الشرط في القانون المبني المغربي على ضوء الفقه والعمل القضائي - دراسة مقارنة – أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة الحسن الثاني عين الشق الدار البيضاء السنة الجامعية 2006-2007، ص 2-3.
[35] - لقد ميز الفقه بين الإلغاء والفسخ، حيث اعتبر الغاء أو إنهاء العقد عبارة عن وضع حد للعقد، ويتحقق الإخلال في هذه الصورة بالنسبة إلى ما بقي من العقد بعد الإنهاء، أما الذي يتم في العقد قبل ذلك فلا أثر للإنهاء عليه، ومعنى ذلك أنه لا يكون بأثر رجعي، أما الفسخ هو حق المتعاقد في العقد الملزم للجانبين، إذا لم يوفي المتعاقد الآخر بالتزامه، في أن يطلب حل الرابطة العقدية كي يتخلل هو من التزامه - إدريس اللوي العبدلاوي م س، ص 634-697
[36] - عمر السكتاني، مرجع سابق، ص 56
[37] - زهير الشرقائي، نظرية العقد بين القانون المدني ونظام معالجة صعوبات المقاولة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية مكناس، جامعة مولاي اسماعيل، السنة الدراسية 2015-2017 ، ص 86.
[38] - معاد الخيار، مرجع سابق، ص30