MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




حوار مع السيد رئيس منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية، د/ عثمان مودن يستعرض سياقات اعداد مشروع قانون المالية 2025؛ ورهاناته وإكراهاته.

     

في هذا الحوار الذي أجرته جريدة الأحداث المغربية العدد 8293 ليوم الثلاثاء 12 نونبر 2024 مع السيد رئيس منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية، والذي نعيد نشره لتعميم الفائدة

يستعرض السيد رئيس المنتدى سياقات اعداد مشروع قانون المالية 2025؛ الاكراهات الداخلية والخارجية، مستويات تنزيل ورش الحماية الاجتماعية والميزانية المخصصة له، بعض المستجدات الجبائية، التوازن الميزانياتي والرصيد العادي للميزانية، وضعية الموارد الجبائية، والمديونية الخارجية والداخلية ... إخ




يعد مشروع قانون المالية لسنة 2025  رابع مشروع يعد في عهد الحكومة الحالية، مع العلم أن قانون المالية لسنة 2022 جاء في السنة الاولى من الولاية الحكومية الحالية وتداخلت في اعداده انذاك حكومتين السابقة والحالية.

 وقد جاء مشروع قانون المالية لسنة 2025 في ظل ظرفية وطنية تتسم باستمرار الجفاف ودوليا باستمرار وتزايد الثوترات الجيوسياسية، وارتكز على أربع محاور.
 
ومن أجل الحديث عن ابرز محاور مشروع قانون المالية لسنة 2025، استضافت جريدة الصحراء المغربية  السيد عثمان مودن، رئيس منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية، دكتور في المالية العمومية، أستاذ زائر بجامعة محمد الخامس الرباط،  وحاورته حول أبرز مقتضيات هذا المشروع : 

نص الحوار​

في أي سياقات أتى اعداد مشروع قانون المالية لسنة 2025؟


 مشروع قانون المالية لسنة 2025 وإن كان هو رابع قانون مالية في عهد الحكومة الحالية فالحقيقة أنه قانون المالية الثالث الذي تعده الحكومة الحالية، على إعتبار أن قانون مالية 2022 لم تكن حكومة أخوش مسؤولة على إعداداه لكونها لم تبدأ مهمتها إلا في أكتوبر 2021، وتداخلت في إعداداه أنذاك حكومتين السابقة والحالية.

فمن المفترض إذن أن يكون مشروع قانون المالية لسنة 2025 الرهان الرئيسي للحكومة الحالية في سبيل تنزيل برنامجها الحكومي ووعودها الإنتخابية بأكبر نسبة ممكنة ، على إعتبار انه لم يتبقى أمامها سوى مشروع  قانون مالية واحد في ولايتها وهو مشروع قانون مالية 2026 الذي مفترض أن ينزل ما تبقى من البرنامج والوعود الإنتخابية للحكومة الحالية التي ستنتهي ولايتها في شتنبر 2026.


كما أن إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2025  يأتي في مرحلة تميزت اختيار المغرب لاحتضان كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2025 وترشيحه لتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2030. وهو ما يعكس مكانة المملكة كقطب للاستقرار والدينامية الاقتصادية  ويشكل كذلك فرصة استراتيجية تضع المغرب في قلب الساحة الدولية كوجهة متميزة، مما يساهم في تعزيز جاذبيته في مجال الاستثمار وتحفيز نموه الاقتصادي والترويج لصورته وثقافته وتراثه التاريخي.


دون أن ننسى كون مشروع قانون المالية تزامنت مرحلة إعداده مع  ، تنظيم الإحصاء العام للسكان والسكنى في نسخته السابعة  في شتنبر 2024. وتعتبر هذه العملية مبادرة استراتيجية مهمة ستمكن، استنادا إلى معطيات ديمغرافية وسوسيو-اقتصادية محينة ودقيقة، من استهداف حاجيات المواطنين واستشراف تطورها ووضع السياسات العمومية الملائمة.

 
·لطالما اعترضت قوانين المالية السابقة اكراهات وطنية ودولية، هل نفس الوضعية يمكن الحديث عنها في ظل مشروع قانون مالية 2025؟


  كما أشرتم دائما ما تأتي فترة إعداد مشاريع قوانين المالية محكومة بسياقات واكراهات وطنية ودولية، وهي سمة ظلت حاضرة في قوانين المالية للسنوات الأخيرة .

فالكل يتذكر كيف أترت جائحة كورونا على التوازنات المالية للدولة وخلخلت الفرضيات التي وضعها معدو قانون المالية لسنة 2020 بالدرجة التي جعلت الحكومة آنذاك تلجأ الى قانون مالية معدل في منتصف السنة، في ممارسة لم يعتد عليها المدبر المالي العمومي بالمملكة، واستمرت تداعيات جائحة كورونا في التأثير على فرضيات قانون المالية 2021 كذلك، وإذا كان قانون المالية لسنة 2022 شهد مرحلة بداية التعافي من تبعات جائحة كورونا، فإنه مقابل ذلك ارتبط بظروف مناخية صعبة، ووضعية دولية غير مستقرة فرضتها الحرب الاوكرانية الروسية التي شكلت تحديا اضافيا بالنسبة لقانون  المالية لسنة 2022  بالشكل الذي جعل الاعتمادات المخصصة لدعم غاز البوتان لوحدها تقفز انذاك من 11 مليار درهم الى حوالي 22 مليار درهم، وتجاوزت اعتمادات المقاصة انذاك 42 مليار درهم بسبب إرتفاع الأسعار على المستوى السوق الدولية،  في حين أن قانون مالية 2023  جاء في ظل  استمرار تبعات الأزمة الاوكرانية الروسية، وتوالي الظروف المناخية الصعبة، بينما  أتي اعداد قانون المالية 2024 في وضعية وطنية متسمة بأثار الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز، وبنشوب أزمة في الشرق الأوسط (الحرب على غزة)  أما مشروع قانون المالية  لسنة 2025 فلم يشد عن القاعدة وتقاطبته كذلك مؤثرات خارجية مرتبطة بتصاعد التوترات الجيوسياسية وتداعياتها الإقتصادية، و مؤثرات داخلية مرتبطة بالأزمات المناخية وغيرها.

هناك  إكراهات عديدة اعترضت ولا تزال تعترض الحكومة أثناء اعداد الفرضيات المرتبطة بمشروع قانون المالية لسنة 2025 ليس أقلها، صعوبة ضبط توقع الموسم الفلاحي المقبل وخصوصا وأننا أنهينا موسم فلاحي حالي يعد من أسوء المواسم خلال السنوات الاخيرة إن لم نقل  الأكثر جفافا في تاريخ المغرب،  بحيث لم يتعدى محصول الحبوب 31 مليون قنطار في هذا الموسم  (2023/2024) حيث سجل تراجع بنسبة 43% مقارنة مع الموسم الفلاحي الماضي (2022/2023) مع العلم أن التوقعات التي ضمنت في مشروع قانون المالية 2024 كانت تشير إلى محصول يقدر ب 75 مليون قنطار، مع ذلك فقد بنت الحكومة مشروع قانون مالية 2025 على  فرضية محصول الحبوب يقدر ب 70 مليون قنطار.

إلى جانب ذلك لا ننسى الإكراهات المستمرة التي فرضها زلزال الحوز وضرورة مواصلة تنزيل برنامج إعادة البناء والتاهيل العام للمناطق المتضررة منه الذي خصص له اعتماد مالي يقدر ب 21 مليار درهم شرع في تنفيذه خلال السنة المالية 2024 ، لتنضاف إلى ذلك إكراهات مرتبطة بالفيضانات التي عرفتها مناطق الجنوب الشرقي للمملكة، والتي تستوجب تنزيل برنامج لإعادة تأهيل هذه المناطق المتضررة رصدت له 2.5 مليار درهم.

لكن لابد من الإشارة إلى عدة جوانب إيجابية رافقت إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2025 ذلك أنه بالموازاة مع شبه استقرار لمعدلات النمو المعتدلة على مستوى الإقتصاد العالمي (3.2%)، وتراجع معدلات التضخم العالمي (5.8%) والتعافي التدريجي للنشاط الإقتصادي بالإتحاد الاوربي الشريك الرئيسي المغرب ( نمو بنسبة 0.9 % سنة 2024 و 1.3% سنة 2025) فإن الوضعية الإقتصادية الوطنية عرفت تحسنا ملحوظا خلال متم غشت من سنة 2024  نتيجة الارتفاع المتوقع للقيمة المضافة للقطاع غير الفلاحي بنسبة 3.7% (مقارنة ب 3.5% سنة 2023) بفضل المنحى الإيجابي الذي عرفته القطاعات المصدرة، خلال غشت 2024 مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية (صادرات قطاع السيارات التي ارتفعت ب+ 7,6 ،% والفوسفاط ومشتقاته ب+ 11,7 %و التطور الملحوظ الذي يعرفه القطاع السياحي، حيث حقق أرقاما قياسية في عدد السياح الذي بلغ 11,8 مليون سائح ( (+ 16%، وكذلك في المداخيل التي بلغت 76,4 مليار درهم ( (+ 6,7%، والارتفاع المسجل في الاستثمارات الأجنبية ببلادنا والتي عرفت تطورا مهما لتبلغ أزيد من 25,4 مليار درهم ( (+ 13,9% و تحسن الموارد الضريبية التي ارتفعت ب 23,9 مليار درهم أي بزيادة 11,9 % نهاية شهر شتنبر من السنة الحالية مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2023.

الدكتور عثمان مودن رئيس منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية



الاكيد أن أهم ورش مفتوح في المغرب خلال السنوات الأخير هو ورش الدولة الإجتماعية الذي تشكل فيه الحماية الإجتماعية قطب الرحى؟ أين وصل
هذا الورش وماهي الاكراهات التي تواجه تمويله؟


أتذكر اننا خلال السنة الماضية في نفس هذه الفترة تكلمنا هنا عن مشروع قانون المالية 2024 أنذاك  ( العدد 8042 ليوم الإثنين 20 نونبر 2023) وسردنا مختلف مرتكزات و مسارات  تنزيل ورش الحماية الإجتماعية  من طرف الحكومة وفق التصور الملكي السامي وتطور الإعتمادات المخصصة له،

ما ينبغي التأكيد عليه مجددا أن ورش الحماية الاجتماعية ورش غير مسبوق بالمملكة ، دشنه صاحب الجلالة نصره الله في إطار رؤيته المتبصرة للتجاوب مع الآثار الاجتماعية السلبية لجائحة كورونا، ويشكل هذا الورش خطوة مهمة للنهوض بالعدالة الاجتماعية والمجالية وصون كرامة المواطنين، وهو المشروع الذي يوليه جلالة الملك عناية كبيرة  واهتماما خاصا، من خلال حرصه على تمتيع كافة المواطنات والمواطنين، ولا سيما الفئات الفقيرة والهشة بالدعم والحماية الاجتماعيَيْن، بما يصون كرامتهم ويحفظ التماسك الاجتماعي، ويحسن ظروف عيشهم وقدرتهم الشرائية، وقد شرعت الحكومة في تنزيل  تنزيل ورش الحماية الاجتماعية مباشرة بعد الخطاب الملكي السامي في افتتاح الدورة التشريعية لأكتوبر 2020 وكانت البداية مع القانون الإطار رقم 21-09 الذي أكد على المدى الزمني المحدد في خمس سنوات لتنزيل المحاور الاربعة لهذا الورش، ومع مجموعة من المراسيم التطبيقية المواكبة له.

فإذا كانت الحكومة في توقعاتها الأولية لتكلفة ورش الحماية الإجتماعية  بمحاوره الأربع  على ميزانية الدولة، - كانت - قد حددته في مبلغ سنوي يناهز 23 مليار درهم، وهو المبلغ الذي كان قد احتسب على اساس أن التأمين الإجباري الأساسي عن المرض ، من المفترض أن يكلف ميزانية الدولة سنويا مبلغ يتراوح ما بين 9 إلى 10 مليار درهم، تمثل قيمة دفوعات الاشتراكات لفائدة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، التي تؤديها الدولة عن  فئة الاشخاص غير القادرين على تحمل واجبات اشتراكه، في حين كان من المفترض أن يكلف تعميم التعويضات العائلية ، ما يناهز 14 مليار درهم، فإن  الرؤية الملكية السامية لورش الحماية الإجتماعية كانت اكثر طموحا ، وارتأى جلالته ألا يقتصر المحور الثاني من  هذا البرنامج، على التعويضات العائلية فقط؛ بل أن يشمل أيضا بعض الفئات الاجتماعية، التي تحتاج إلى المساعدة، محددا هذه الفئات في الأطفال في سن التمدرس، والأطفال في وضعية إعاقة؛ والأطفال حديثي الولادة؛ إضافة إلى الأسر الفقيرة والهشة بدون أطفال في سن التمدرس، خاصة منها التي تعيل أفرادا مسنين، وهو ما فرض على الحكومة ضرورة تحيين  المبلغ الإجمالي لتحملات الميزانية برسم ورش الحماية الإجتماعية نهاية سنة 2023 نتيجة برنامج الدعم الاجتماعي المباشر ، لتنتقل من ما يقارب 35 مليار درهم سنة 2024 إلى ما يقارب 37 مليار درهم سنة 2025 .

هذا المبلغ ستخصص منه أزيد 10 ملايير درهم لتمويل تعمميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لفائدة الفئات الهشة، و أزيد من  26 مليار درهم لمواصلة تنزيل الدعم الإجتماعي المباشر، حيث سيتم الرفع من الدعم خلال سنة 2025 ، ليصل إلى 250 درهم عن كل طفل من الأطفال الثلاثة الأوائل المتمدرسين، أو دون 6 سنوات أو في وضعية إعاقة ) 350

درهم(، وإلى  175  درهم عن كل ولد من الأولاد الثلاثة الأوائل غير المتمدرسين، أما بالنسبة للأطفال اليتامى من جهة الأب دون ست سنوات أو الذين يتابعون دراستهم، فسيبلغ هذا الدعم 375 درهم عن كل طفل من الأطفال الثلاثة الأوائل، دون أن يقل الحد الأدنى بالنسبة لكل أسرة عن 500 درهم شهريا،  ليبلغ بذلك الغلاف المالي لبرنامج  الدعم الإجتماعي المباشر حوالي 26.5 مليار درهم برسم سنة 2025 .

 
 في ظل الارواش الكبرى المفتوحة بالمملكة التي من المؤكد أنها تحتاج إلى موارد عمومبة لتمويلها فما هي وضعية مواردنا الجبائية خصوصا؟


لابد أن نسجل هنا تطورا ملحوظا على مستوى تحصيل الموارد العمومية نتيجة غدة أسباب مرتبطة بالانتعاش الذي عرفه الاقتصاد الوطني بعد سنوات الحائحة بالشكل الذي يمكننا معه الحديث عن تعافي كلي من آثار الحائحة، وكدا للمجهودات الكبيرة التي قامت وتقوم بها الإدارات الضريبية بمستوياتها الثلات ، المديرية العامة للضرائبـ الخزينة العامة للمملكة، إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، خصوصا بعد إعادة الاعتبار لبعض الأصناف من الضرائب التي كانت تعرف ركودا على مستوى عمليات فرضها، نتحدث هنا خصوصا على رسمي السكن و الخدمات الجماعية  التي عرفت عمليات فرضها اتساعا وارتفعت الموارد المحصلة في إطارها خلال هذه السنة مقارنة بالسنوات الماضية بنسبة تتجاوز 36 % لرسم الخدمات الجماعية  و 26 بالنسبة لرسم السكن، وذلك بعد انتقال مهمة الإشراف عليها كليا فرضا وتحصيلا إلى  الخزينة العامة للمملكة .

وعموما فإنه الموارد الضريبية عرفت تطورا ملحوظا منذ سنة 2021 إلى الآن (2024)، حيث توقع قانون المالبة لسنة 2021 تحصيل ما يقارب 201 مليار، بينما انتقلت التوقعات في قانون المالية لسنة 2022 ما يقارب 230 مليار درهم، واستمر منحى التطور مع قانوني المالية لسنتي 2023 و 2024 بما يتجاوز 264 مليار درهم و 280 مليار درهم على التوالي، هذا ويتوقع قانون المالية لسنة 2025 تحصيل موارد ضريبية تتجاوز 329 مليار درهم.
وتجدر الإشارة إلى أنه إلى حدود شتنبر المنصرم بلغ مجموع الموارد الضريبية المحصلة ما يقارب 224 مليار درهم من أصل 280 مليار درهم المتوقع تحصيلها هذه السنة .
 
 نفقات متزايدة وموارد محدودة، تعني عجزا ميزانياتيا مستمرا ومديونية متصاعدة للخزينة؟


هذا الأمر يرتبط بنقاش جدلي حول الأولوية لمن؟ هل للبحث عن موارد عمومية عبر إجراءات ضريبية وغيرها أم لتدبير معقلن للنفقات العمومية، وهنا يستحضرني ما ذكره السيد الخازن العام للمملكة في إحدى محاضراته حول " المالية العمومية بين السياسة القانون والإقتصاد" من كون " أهم مورد يمكن ان توفره الدولة هو الاقتصاد في النفقات" فمهما كانت موارد الدولة متعددة ومرتفعة ومهما قامت الإدارات الجبائية بمجهودات للرفع من نسبة التحصيل، فإن ذلك سيبقى بدون اثر يذكر على ميزانية الدولة مادامت سياسة الإنفاق غير معقلنة وتفتقر للنجاعة وتنعدم المساءلة، وبالتالي سيفاقم العجز الميزانياتي، وهو ما سيدفع المدبر المالي العمومي إلى البحث عن موارد أخرى في الغالب يكون مصدرها الإقتراضات  وتعميق مديونية الخزينة.

وبالعودة إلى مشروع قانون المالية لسنة 2025 وفي علاقة بتوازن الموارد والنفقات ، وخصوصا توازن الموارد العادية مقابل النفقات العادية، وهي التي تعطينا حاصلا يسمى الرصيد العادي للميزانية، هذا الرصيد الذي ظل خلال السنوات الأخيرة منذ جائحة كورونا يسجل عجزا غير مقبول ويعبر عن سوء حكامة التدبير المالي وضعف التحكم في المستوى الأول من التوازن الميزانياتي أي العلاقة بين الموارد العادية والنفقات العادية التي يفترض ان يكون رصيدها إيجابيا، والملاحظ أن مشروع قانون المالية لسنة 2025 هو أول قانون المالية منذ الجائحة يعيد الرصيد العادي للميزانية إلى وضعيته الإيجابية وإن كان هذا الرصيد الإيجابي لا يتجاوز 2,7 مليار درهم، غير أنه مؤشر إيجابي على عودة التحكم في العلاقة الميزانياتية بين الموارد العادية والنفقات العادية.

غير ان هذا الرصيد العادي غير كاف لتغطية باقي نفقات ميزانية الدولة وخوصا نفقات الإستثمار ونفقات خدمة الدين العام وغيرها من النفقات الأخرى، لنكون امام عجز في الميزانية يصل إلى ناقص 188 مليار درهم ، وهو المستوى الثاني من التوازن الميزانياتي، وإذا اخدنا بعين الإعتبار مبلغ 125 مليار درهم الذي تضمنه مشروع قانون المالية لسنة 2025 كمجموع موارد الإقتراضات المتوسطة والطويلة الأمد، سنصبح امام عجز بقيمة تتجاوز 63 مليار درهم، وهو المستوى الأخير من التوازن الذي يطلق عليه الحاجيات المتبقية لتمويل الميزانية.

بلغة بسيطة يفهمها الجميع فالمغرب سيؤدي خلال سنة 2025 ما يناهز 107 مليار درهم لإرجاع جزء من ديونه، لكن مقابل ذلك سيقترض أزيد 125 مليار درهم في نفس السنة لتمويل حاجياته (65 مليار اقتراضات داخلية، و 60 مليار اقتراضات خارجية)، وهذا الذي يجعلنا نتأرجح في دوامة  دين لا ينتهي، وهو الذي يعبر عنه الإقتصاديين بكرة الثلج، حيث تجاوزت مديونية الخزينة 1000 مليار درهم خلال السنوات الأخيرة بما يشكل 69 إلى 70 % من الناتج الداخلي الخام، ويكفي أن نذكر هنا أن هذه المديونية إنتقلت من 746 مليار درهم سنة 2019  (60.3% من الناتج الداخلي الإجمالي) إلى 951.8 مليار سنة 2022 (71.5% من ن ت إ) و إلى 1016.7 مليار سنة 2023  (69.5% من ن د إ) وإلى  ما يفوق 1053 مليار درهم سنة 2024 )794.7 مليار درهم منها برسم  الدين الداخلي و 258.9 مليار درهم كدين خارجي للخزينة ( .

فقط تنبغي الإشارة إلى أن المديونية الخارجية للخزينة البالغة 258 مليار درهم تنضاف إليها، باقي عناصر الدين الخارجي المكون من، الدين الخارجي المضمون وغير المضمون للمؤسسات والمقاولات العمومية وللجماعات الترابية وللمؤسسات المالية العمومية، وكذا الدين الخارجي المضمون من طرف الدولة للمؤسسات ذات المنفعة العامة، ليصل حجم الدين الخارجي العمومي إلى ما يتجاوز 438.8 مليار درهم (30% من ن د إ).


 
أهم المستجدات الجبائية لمشروع قانون المالية لسنة 2025 وغاياتها؟


مشروع قانون المالية لسنة 2025 على غرار سابقيه يأتي في إطار مواصلة تنزيل القانون-الإطار رقم 69.19 المتعلق بالإصلاح الجبائي الذي حدد خارطة طريق السياسة الجبائية للدولة، إد يؤطر السياسة الجبائية لهده الأخيرة  من أجل ضمان الالتقائية مع باقي السياسات العمومية وتعزيز حقوق الخاضعين للضريبة وأمنهم القانوني ومن أجل وضع نظام جبائي مبسط وفعال.

ونحن هنا لن نورد جميع المقتضيات الجبائية لمشروع قانون المالية لسنة 2025 وهي جزئية تحتاج لحوارات خاصة مطولة، لكن يمكن أن نتطرق إلى تلك التي لها علاقة بتخفيف الضغط على الاسر وتحسين القدرة الشرائية، في هذا الإطار يمكن أن نورد كمثال الضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة:
ــ  على مستوى إصلاح الضريبة على الدخل، الذي يندرج في  إطار تنفيذ التزام الحكومة المنصوص عليه في اتفاق أبريل 2024 المتعلق بالحوار الاجتماعي، من أجل تحسين دخول الموظفين والأجراء والمتقاعدين من خلال تخفيض العبء الضريبي عليهم برسم الضريبة على الدخل، تمت مراجعة الجدول التصاعدي لأسعار هذه الضريبة ابتداء من فاتح يناير 2025 وذلك عبر :

مراجعة الجدول التصاعدي لأسعار الضريبة على الدخل: من خلال رفع الشريحة الأولى من الدخل السنوي المعفاة من الضريبة من 30.000 إلى 40.000 درهم، مع مراجعة الشرائح الأخرى للجدول بهدف توسيعها وتخفيض الأسعار المطبقة عليها و تخفيض سعر الضريبة الهامشي من 38% إلى 37% و رفع الحد المخصص لتطبيق حجز الضريبة في المنبع على الدخول العقارية من 30.000 إلى 40.000 درهم.

 رفع مبلغ الخصم السنوي من الضريبة على الدخل عن الأعباء العائلية من 360 إلى 500 درهم عن كل شخص يعوله الخاضع للضريبة. وبالتالي سيتم رفع سقف هذا التخفيض من 2.160 درهم إلى 3.000 درهم، مع الإبقاء على الاستفادة من هذا التخفيض لفائدة سنة (6) أشخاص يعولهم الخاضع.
هذه المقتضيات وان كانت تريد الحكومة من خلالها تخفيف الضغط على فئات كثيرة من المواطنين والرفع من اجورهم فإنها تبقى دون اثر يذكر على المستوى المعيش اليومي للفئات المستهدفة بها بالنظر إلى المستويات المرتفعة التي عرفها معدل التضخم خلال السنتين الاخيرتين بالمملكة والارتفاع الحاد لأسعار المواد الأولية الأساسية والغذائية ونحن نعلم ان هذه المواد تستهلك ما بين 30 إلى 40% من أجور الطبقات المتوسطة،  وحتى وان كانت الحكومة قد أقرت زيادات في الأجور عبر شطرين لكن سيظل اثر هذه الزيادات محدودا بالنظر الى الإصلاحات المتوقع تنفيذها والمرتبطة بإصلاح أنظمة التقاعد والتوجه نحو إلغاء صندوق المقاصة

ــ إحداث صنف جديد للدخول الخاضعة للضريبة على الدخل، لإخضاع جميع الدخول والأرباح التي لا تندرج في أي صنف من الأصناف الخمسة للدخول الخاضعة للضريبة على الدخل حاليا، وذلك طبقا للممارسات الدولية الفضلى، يهم هذا الصنف الجديد الدخول التالية: الدخول التي تم تقييمها في إطار مسطرة فحص مجموع الوضعية الضريبية للأشخاص الذاتيين والتي لم يبرر مصدرها، مكاسب ألعاب الحظ النقدية أو العينية كيفما كانت طبيعتها، الدخول والمكاسب المختلفة المتأتية من العمليات الهادفة إلى تحقيق ربح وغير المدرجة في صنف آخر من أصناف الدخول، وهذا المقتضى جد إيجابي ويأتي في إطار محاولة توسيع الوعاء الجبائي وعدم استثناء أي دخل كيفما كان نوعه، بالشكل الذي يدفع للقول أنه لم يعد هناك شيء بالمغرب خارج نطاق التضريب.

ـــ  على مستوى الضريبة على القيمة المضافة وفي إطار رغبة الحكومة في تخفيض العبء الجبائي ودعم القدرة الشرائية تم إقرار تدبير مؤقت، برسم سنة 2025، بالتنصيص على إعفاء عمليات استيراد كمية محدودة من الحيوانات الحية والمنتجات الفلاحية من الضريبة على القيمة المضافة، من أجل ضمان الإمداد العادي للسوق الوطنية بالمنتوجات بأسعار مناسبة، ويهم هذا الإعفاء الحيوانات الحية من فصيلة الأبقار والأغنام والماعز والجمال، والعجلات للإنسال والعجول ، ولحوم فصيلة الأبقار والأغنام والماعز والجمال طازجة أو مبردة أو مجمدة، والأرز الأسمر المستورد من طرف المصنعين التابعين للقطاع، وزيت زيتون البكر والبكر الممتازة،  غير أن إقرار الإعفاء لوحده غير كاف لتوفير هذه المواد بأسعار مناسبة في الأسواق الوطنية والكل يتذكر تجربة دعم خروف عيد الأضحى، وبالتالي ينبغي أن يكون هذا المقتضى مرفوقا بمجموعة من الإحراءات وان تتوفر الإرادة الحكومية لوقف المضاربات وضبط السوق الوطني،  وهو الامر الذي ينبغي ان يشكل هاجسا حكوميا، على إعتبار أن ارتفاع أسعار بعد المواد والمنتوحات الفلاحية بالمغرب ليس مرده فقط إلى تراجع الإنتاح وتوالي مواسم الجفاف، بل وكذالك  إلى واقع المضاربات والسماسرة الموسميين وإلى توجه العديد من أصحاب رؤوس الأموال ــ المشبوهة  ـ إلى الاستثمار في المنتوجات الفلاحية الموسمية، والإضرار بالمنافسة الشريفة.

 
قانون المالية لسنة 2024 كان قد تضمن مقتضيات المادة 10 المتعلقة باعانة دعم السكن، وهو المقتضى الذي سيستمر في  مشروع قانون المالية لسنة 2025  ماهو أثر تطبيق هذا المقتضى على ارض الواقع


 
لا بد ان نشير إلى أن مقتضيات دعم السكن كانت قد تضمنتها  المادة الثامنة من قانون المالية لسنة 2023، والتي لم تجد طرقها للنفاذ خلال تلك السنة بسبب تأخر الحكومة في اصدار مرسومها التطبيقي، الذي لم يتم المصادقة عليه الا خلال المجلس الحكومي المنعقد يوم الخميس 02 نونبر 2023 ويتعلق الامر بالمرسوم رقم 350_23_2 القاضي بتحديد اشكال اعانة الدولة لدعم السكن وكيفيات منحها لفائدة مقتني مساكن مخصصة للسكن الرئيسي، لتأتي المادة العاشرة من مشروع قانون المالية لسنة 2024  لتتمم وتغير المادة السالفة من خلال التنصيص على ضرورة  أن يكون السكن المقتنى يتوفر على رخصة السكن ابتداء من فاتح يناير 2023 وأن يتكون من غرفتين على الاقل ويكون موضوع بيع أول مع ضرورة تخصيص السكن كمسكن رئيسي لمدة خمس سنوات (بدل أربع سنوات كان منصوص عليها في قانون مالية 2023) كما عرفت المادة المقصود بالسكن الرئيسي ، وأكدت على ضرورة ارجاع المبلغ الاجمالي للاعانة من قبل الموثق ومن قبل المستفيد في حالة عدم احترام الشروط المحددة، وهي المقتضيات التي ستظل سارية المفعول ما لم يتم الغاءها أو نسخ مقتضياتها.

إن الأهداف التي تتوخاها الحكومة من وراء المقتضيات التي جاءت في المادة 8 من قانون المالية لسنة 2023 والمادة 10 من مشروع قانون المالية 2024 تمزج بين ما هو إجتماعي (محاربة السكن غير اللائق وتيسيير الولوج للسكن لفئتين اجتماعيتين..) وما هو إقتصادي، (الحفاظ على مكانة القطاع العقاري في الاقتصاد الوطني، تعزيز احداث فرص الشغل...).

ورغم ما كنا قد سجلناه على هذه المادة من ملاحظات في حينها، فإنه إلى حدود اللحظة استفاذ من هذا البرنامج أزيد من 25.000 أسرة  )إلى غاية أكتوبر 2024 ( بمبلغ دعم إجمالي تجاوز 1.971,52 مليون درهم.

غير أنه رغم ذلك وإذا كانت الحكومة قد حققت بعض أهدافها من وراء هذه المقتضيات وهي تمكين الطبقات المتوسطة من الولوج الى الحق في السكن ، وخلق انتعاش نسبي في قطاع العقار بالمغرب، فإن اكراهات عديدة لا تزال تواجه نجاح برنامج الدعم المباشر لاقتناء السكن من قبيل بعض الممارسات على ارض الواقع، كالمضاربة والنوار اللتان تحدان من أهمية مبلغ الدعم بالشكل الذي يؤثر على نجاعة البرنامج ويحد من امكانية تحقيق الاهداف المتوخاة ، الى  جانب سعر الفوائد المرتفعة والتي تحول دون تملك طبقات اجتماعية كثيرة للسكن في المغرب (وحتى مع دخول الابناك التشاركية ) من جهة أخرى فإن حصر العقارات المعنية بالدعم في تلك المشيدة خلال سنة 2023 فما فوق، اضر بالعديد من المقاولين وخلق لديهم ركودا على مستوى بيع العقارات المشيدة قبل هذا التاريخ وضيق نطاق العرض وخلق منافسة غير مشروعة .
 




الخميس 14 نونبر 2024
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter