أن مبدأ الفصل بين السلطات هو نتيجة الديمقراطية الحديثة. هذا المبدأ في بداية الأمر لم يكن معروفاً حتى من قبل اليونانية والرومانية القديمتين، بسبب سيادة الأستبداد والأنفراد في السلطة تحت حكم رئاسة واحدة التي كان يقودها الأمبراطور أو الملك أو الحاكم آنذاك. بما أن ديمقراطية العصر الحديث بحثت عن فعاليتها وأنشطتها في العمل السياسي والفني، لذلك فأن مبدأ الفصل بين السلطات أصبح مبدأً عالمياً عرفة الشرق والغرب .
يمكن القول في هذا المجال أنه لايجوز لشخص أو هيئة أن تجمع في يدها سلطتين، أي لايجوز أن تكون السلطات الثلاثة أو أثنين منها في يد شخص واحد أو هيئة واحدة ، حيث كان الفصل بين السلطات عامل محفز لخضوع الدولة للقانون، وهذا هو المعنى السياسي لمبدأ الفصل بين السلطات، وهو عدم الجمع بين السلطات أو عدم تركيزها. من هذا المنطلق تبنى المفكرون والفقهاء مبدأ الفصل بين السلطات بأساليب مختلفة تفادياً للأستبداد والتعسف وليس تجميع السلطات في واحدة ومنهم أفلاطون حيث يرى لكي تتمكن الدولة من تحقيق أهدافها والقيام بوظيفتها في تحقيق الخير العام للشعب، يجب فصل أعمال الدولة، مع أيجاد نوع من التعاون بين بعضها البعض، حتى لاتخرج اي هيئة عن أختصاصاتها الدستورية وأستبدادها في مزاولة سلطاتها.
اما جون لوك فأنه يعتبر أول من أهتم بمسألة الفصل بين السلطات في العصر الحديث في كتابة المعنون ب ( الحكومة المدنية ) الذي صدر سنة ، 1690 أي سنة بعد أعلان وثيقة الحقوق سنة 1689، بما أن جون لوك لم يضع نظرية متكاملة لهذا المبدأ لكنة قسم سلطات الدولة الى ثلاث ( السلطة التشريعية – السلطة التنفيذية – السلطة الأتحادية ). حيث تختص السلطة التشريعية بسن القوانين، أما السلطة التنفيذية فتكون خاضعة للسلطة التشريعية مع ضرورة أن تتولى كل منهما سلطة منفصلة عن الأخرى، أما السلطة الأتحادية فهي صاحبة الأختصاص في الشؤون الخارجية كأبرام المعاهدات وأعلان الحرب ….. الخ.
أضافة الى ذلك دعى لـوك الى وجود سلطة أخرى أسماها ( سلطة التـاج ) أو مجموعة الحقوق والأمتيازات التي يجب أن يحتفظ بها التاج البريطاني. تم نقد نظرية لـوك لمبدأ الفصل بين السلطات كونه لم يعطي أهمية لسلطة قضائية ولم يتحدث عن أستقلاليتها، ولعل السبب في ذلك أن القضاة قبل ما عرف ب ( الثورة الجديدة ) في أنكلترا سنة 1688 كانوا يعينون ويعزلون من قبل الملك، ثم فيما بعد أصبحوا يعينون من قبل البرلمان، وفي كلتا الحالتين لم يتحصلوا على الأستقلالية الا بعد نضال طويل.
أما مونتسكيو فذهب بدورة لمعالجة مبدأ الفصل بين السلطات الذي صاغة صياغة متكاملة في كتابة ( روح القوانين ) الصادر سنة 1748 منطلقاً من الفكرة التي تقضي بتقسيم وظائف الدولة الى ثلاث : الوظيفة التشريعية – الوظيفة التنفيذية – الوظيفة القضائية أي سلطة تطبيق القانون وسلطة البث في الخلافات التي تنشأ عن مخالفة أحكامة أثناء القيام بتلك الوظائف، كما بين المهام الأساسية التي تضطلع بها كل سلطة. هذا التوزيع لوظائف الدولة على السلطات الثلاثة يختلف عن تقسيم جون لوك للسلطات العامة، حيث جعل مونتسكيو القضاء سلطة مستقلة على النقيض من لوك الذي لم يدرج القضاء من السلطات العامة في الدولة.
كذلك أكد مونتسكيو أن توزيع السلطات وفصلها بهذه الصورة أمر ضروري لأنها لو تجمعت في يد هيئة واحدة لأدى ذلك الى الأستبداد، لأن طبيعة النفس البشرية عبر القرون أثبتت الأستبداد قرينة الأستئثار بالسلطة.
مونتسكيو لم يتوقف عند حد الفصل بين السلطات العامة في الدولة، وأنما أستلزم قيام كل سلطة بمراقبة كل السلطات الأخرى لوقفها عند الحدود المقررة لها اذا أقتضى الأمر حتى لاتتجاوزها على الأعتداء على السلطات الأخرى.(1) وهذا ما حددة قانون أدارة الدولة العراقية للمرحلة الأنتقالية للسلطات العامة في العراق خلال المرحلة الأنتقالية وهي الجمعية الوطنية ومجلس الرئاسة ومجلس الوزراء وبضمنه رئيس الوزراء والسلطة القضائية. هذا التحديد حسن في ذاته لأنه يمنع تركيز السلطة.
1
كما أن القانون المذكور تبنى مبدأ الفصل بين السلطات، وهذا المبدأ الذي كثر فية الشقاق وأختلفت بل تنافرت فية وجهات النظر، فأول ما نادى به مونتسكيو معتبراً الأستبداد نتيجة لتركيز السلطة في يد واحدة. (2)
كما أشار الفقه الأسلامي الى تزويد الجماعة الأسلامية بقواعد تنظيم الحياة السياسية، فللجماعة الحق في الأشراف على أعمال الحاكم حتى لايستبد برأيه. ومع أن الجماعة، عموماً، تقبلت حكم الخليفة على مدى الحياة عوضاً عن عدد معين من الأعوام، ألا أنه لايوجد ضمان، أو نص ديني على وجوب بقاء الحاكم في السلطة حتى موته، أو من دون موافقة الجماعة. أن سكوت الشريعة عن هذا الأمر يعني حق الجماعة في تحديدها. أن الحاكم ، كأي مسلم آخر، يجب أن يخضع للشريعة لا أن يكون فوقها، بالرغم من أن الممارسة أظهرت العكس وتوظيف الشريعة من قبل الحاكم من أجل مصالحة. ومع هذا وعلى المستوى النظري، كانت الشريعة ذات المقام الأعلى، والجماعة ذات السلطة العليا والحاكم ذا السلطة التنفيذية. ألا أن الحاكم كان له عند سكوت الشريعة شأن كبير في التشريع والتنفيذ والقضاء، أذ لم يوجد أي نص على شرعية المعارضة. وقد أعتبر الفقهاء أن الوظيفة الأساسية للحاكم هي أصدار الأحكام القضائية وتطبيق القانون. (3)
كذلك أحتلت نظرية الفصل بين السلطات مكاناً مهماً في الفقة المعاصر وأصبحت جزءاً من الثورتين الأمريكية والفرنسية ودخلت دساتيرها في القرن التاسع عشر. ألا أن التطورات السياسية والأقتصادية والأجتماعية والتكنولوجية أثبتت عدم أمكان وضع حدود فاصلة بين هيئات الدولة بحيث تمارس كل منها أختصاصاتها بصورة منفصلة عن الأخرى، فتقسيم العمل بين السلطات ما وضع الا لتنسيق العمل، فلكل دولة فلسفة ورسالة وهما لايتحققان الا بعمل صادق وتعاون بناء بين سلطات الدولة الثلاثة حتى تدورعجلة التطور سراعا. أذا كنا نخلص من مجموع الأفكار المتعلقة بمبدأ الفصل بين السلطات الى ضرورة تخصص هيئات الدولة في وظائف و أعمال محددة تتولى القيام بها، فهذا يجب أن لا يجعلنا ننسى أمراً لا يقل عن ذلك أهمية، ألا وهو ضرورة الحفاظ على الدولة. ومعنى ذلك ضرورة الصلات بين السلطات، طالما أن هذه السلطات ليست سوى تروس في آلة واحدة : وهي الدولة. والحفاظ على الدولة هو تعبير عن مدى النضج والتقدم الذي بلغه التنظيم الدولي، وهو مايعكس بدورة مستوى التقدم الذي بلغة الفكر الأنساني. وعلية فأننا نعتقد أن تزويد الدولة بالمخالب القوية وفقاً للقانون هو أنفع للبشرية من تزويد طائراتها ودباباتها بالقذائف والصواريخ، ذلك لأن الدبابات والطائرات تدمر ما بناه الأنسان في عقود، بينما مخالب القانون يمكن أن تحمي ما بناه الأنسان. (4)
من الواضح أن هذا التفسير المعقول هو تفسير مرن وليس جامد، حيث لم يتقبلة واضعوا الدساتير في آواخر القرن الثامن عشر، لأن شاغلهم الأول كان القضاء على الأنظمة الأستبدادية. لقد عرف مبدأ الفصل بين السلطات مجداً لم يلقه أي مبدأ آخر. ولكن في نظمنا المعاصرة ظهرت وسائل لمراقبة الحكام تعتمد على مبـاديء أخرى مثل المعارضة كوسيلة لمراقبة محركي السياسة، غير أن مبدأ الفصل بين السلطات لازالت له اهمية خاصة عند تصنيف النظم السياسية : فهو يعتبر الركيزة الأولى لأحدى أهم التصنيفات المعروفة وهو التصنيف الذي يعتمد على العلاقة بين السلطات العامة. فالنظام الرئاسي قائم على فصل السلطات العامة فصلاً جـامداً، بينما يقوم النظام البرلماني على التعاون بين السلطات وتبادل المعلومات والرقابة.
ومن الوسائل الاخرى هي المشاركة السياسية، تصير أهم عناصر المفهوم الديمقراطي للممارسة السياسية كقيمة عليا، أنتشار السلطة، تعدد الأرادات في عملية صنع القرار، التوازن بين القوى السياسية والأجتماعية – الأقتصادية، والرقابة السياسية على أعمال الحكام وأنشطتهم. (5)
يحقق مبدا الفصل بين السلطات العديد من المزايا وأهمها :
1- حماية الحرية ومنع الأستبداد :
تلك هي الميزة الأولى والأساسية لمبدا الفصل بين السلطات، والمبرر الأساسي للأخذ بهذا المبدأ، فجمع السلطات بيد شخص واحد يتيح الفرصة لإساءة أستعمال السلطة، وأنتهاك حقوق وحريات الأفراد، دون وجود رقيب، ودون أعطاء فرصة للأفراد بالدفاع عن حقوقهم وحرياتهم أمام جهات أخرى. أما توزيع السلطات أمام عدة هيئات مع الفصل بينهما فأنه يفسح المجال لكل هيئة في مراقبة أعمال الهيئتين الأخريين بما يؤدي الى منعهما من التجاوز أو الاساءة وأنتهاك حقوق وحريات الأفراد.
2
2- إتقان وحسن وظائف الدولة :
الميزة الثانية لمبدأ الفصل بين السلطات هي أنه يحقق مبدأ تقسيم العمل والتخصص، الذي من شأنه أن يحقق إتقان كل هيئة لوظيفتها وحسن أدائها. فمن الثابت أن التخصص وتقسيم العمل يؤدي الى إتقان العمل ليس فقط في مجال علم الإدارة بل أيضاً في المجال السياسي. مقتضى ذلك المبدأ ان يقسم العمل الى عدة أجزاء حسب نوع التخصص لكل جزء منها، ثم يعهد بكل جزء منه الى الخبراء المتخصصين تخصصاً دقيقاً في نوعية المهام والمسؤوليات التي يتضمنها ذلك الجزء ليتولوا إدائها بالكفاءة التي تتناسب مع تخصصهم فيها، وبذلك يدار العمل كله بأكبر قدر ممكن من الكفاءة والدقة. وبتطبيق مبدأ التخصص وتقسيم العمل على الوظائف الرئيسية للدولة، نجد أن تلك الوظائف تتضمن ثلاثة أنواع مختلفة ومتباعدة من المسؤولية وهي مسؤولية التشريع ومسؤولية الحكم والإدارة ومسؤولية إقامة القضاء العادل بين الناس، وقلما يتمكن شخص واحد من الجمع بين تلك المجموعة المتنوعة من التخصصات بما يستلزمه كل منها من خبرات مختلفة، ثم يتكمن من إنجاز مسؤولياته على الوجة المطلوب، ومن هنا كان الأسلوب الأفضل للعمل هو أن يعهد بكل سلطة من تلك السلطات الى مجموعة من الخبراء المتخصصين فيها والذين يمكنهم بالكفاءة المطلوبة وبالسرعة وبالدقة اللازمتين.
3- ضمان أحترام مبدأ سيادة القانون :
وأخيراً من المزايا الهامة لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث أنه يؤدي الى ضمان أحترام مبدأ سيادة القانون في الدولة بحيث نضمن خضوع السلطات الحاكمة للدستور والقانون وليس فقط للأفراد. لأنه إذا أجتمعت وتركزت السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في هيئة واحدة فلا ضمان لأحترام القانون و لأن هذه الهيئة ستقوم بوضع القوانين وتعديلها بناءاً على الحالات الفردية الطارئة مما يفقد القانون صفة العدالة لأنه لم يصبح قواعد عامة مجردة. وكذلك لو مارس القضاء سلطة التشريع أيضاً، فأنه يؤدي ذلك الى عدم عدالة القانون وايضاً عدم عدالة الأحكام.
لذلك فان الفصل بين السلطات وما يصاحبة من رقابة متبادلة بينهما و يؤدي الى ضمان أحترام كل سلطة لحدودها الدستورية وأحترامها لقواعد القانون و بالإضافة الى أن الفصل بين السلطات يجعل السلطة القضائية رقيبة على السلطتين الأخريين ويضمن بوجة خاص خضوع قرارات السلطة التنفيذية لرقابة القضاء وإلغائها عند مخالفتها للقانون.
على الرغم من المزايا الواضحة التي يحققا مبدا الفصل بين السلطات، فانه لم يسلم من الأنتقادات شأنه في ذلك شأن أي مبدا آخر، وأهم هذه الأنتقادات هي :
1- يرى منتقدوا مبدأ الفصل بين السلطات أن القصد من هذا المبدأ كان لمحاربة السلطان المطلق للملوك في القرن الثامن عشر، والقضاء على الملكيات المستبدة. وقد حقق المبدأ الهدف الرئيسي له، وأنقضت هذه النظم الأستبدادية وأندثر عصر السلطان المطلق للحكام، ولم تعد هناك حاجة للأخذ بالمبدأ في الوقت الحاضر.
2- أن الأخذ بالمبدأ ، يؤدي الى تفتيت وحدة الدولة، مما يعطل أعمالها , ويعرضها للخطر في اوقات الأزمات لأن مباشرة خصائص السيادة تستلزم توحيدها وتركيزها و وليس فصلها فهذه الخصائص كأعضاء الجسم البشري، من غير الممكن فصلها عن بعضها وهذا لايتفق في الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات.
3- أن مبدأ الفصل بينهما يؤدي الى تجزئة المسؤولية وتقسيمها وبالتاي صعوبة حصرها أوتحديدها، أذ أن تعدد السلطات في الدولة مع أستقلالها عن بعضها يؤدي توزيع المسؤلية عليها توزيعاً يضعفها عن القدر اللازم، أما أذا كانت السلطة مركزة في يد واحدة أنصبت عليها المسوؤلية كاملة، فيزداد الإحساس بها ويتضاعف أثرها، لأنه في حالة الفصل بي السلطات تستطيع أي منها التخلص من المسؤولية وإلقاء التبعة على عاتق السلطة الأخرى.
4- أن الواقع العملي في دول كثيرة أثبتت أنه لابد وأن تطغى إحدى السلطات على السلطتين الأخريين، بحيث ينتهي الأمر بأن تميل كفة الميزان الى جانب تلك السلطة على حساب غيرها وعلى حساب مبدأ الفصل بين السلطات، أو ينتهي الأمر الى أضطرار السلطات الثلاث الى تحقيق نوع من التعاون فيما بينها تفادياً للوقوع في مشاكل الفصل بين السلطات، وهو ما يؤدي الى أنهيار مبدأ الفصل بين السلطات ذاته.
3
مما يلاحظ على هذه الأنتقادات أن منتقدوا المبدأ أعتقدوا أن المبدأ يقيم سياجاً منيعا بين السلطات العامة في الدولة يفصل بينهما فصلاً مطلقاً و ويمنع كل أتصال أو تعاون فيما بينها و قاموا بتسديد سهام النقد الى المبدأ أنطلاقاً من هذا الفهم الغير صحيح. لم توجه هذه الأنتقادات الى مبدأ الفصل المرن المشبع بروح التعاون بين السلطات فما زال هذا المبدأ مسلماً به فقهاً وقضاءاً ومقدراً في العديد من الدساتير الديمقراطية بل أنه يعد عماد الديمقراطية التقليدية بحيث اذ زال المبدأ أنهدم أساس الديمقراطية وفي تجاهله للديمقراطية ذاتها.
لقد رفض الواقع العملي مبدأ الفصل المطلق بين السلطات، فكان لابد من إضفاء نوع من المرونه في فهم هذا المبدا وتطويره نحو الفصل المشبع بروح التعاون بين السلطات، وهو الفهم الذي قصده مونتسكيو نفسه حيث الفصل المتوازن بين السلطات الثلاث في الدولة، مع قيام قدر من التعاون فيما بينها لتنفيذ وظائفها في توافق وأنسجام ووجود رقابة متبادلة بينها لضمان وقوف كل سلطة عند حدودها دون أن تجاوزها أو تعتدي على سلطة أخرى. وهكذا فالفصل بين السلطات في معناه الحقيقي لايكون الا نسبياً يسمح بعلاقات التداخل بين السلطات المختلفة تتفاوت قوة وضعفاً بحسب النظام السياسي. فإذا كان منح رئيس الدولة الأختصاصات التشريعية الاعتيادية من مظاهر تعاضد السلطات وتعاونها، فانه يمثل في النظام الرئاسي وسيلة لحماية مبدأ الفصل بين السلطات وكفالة التوازن بينها، حيث تعتبر هذه الأختصاصات من أهم وسائل التعاون وتبادل الرأي والتوازن والرقابة بين السلطتيين التشريعية والتنفيذية.
فبالرغم من أن الوظيفة التشريعية هي من صميم عمل البرلمان فأن السلطة التنفيذية في النظام البرلماني تتدخل في الإجراءات التشريعية وتساهم في سن القوانين عن طريق حقها في أقتراح القوانين والأعتراض عليها، كذلك يمارس رئيس الدولة في النظام الرئاسي دوراً تشريعياً ملحوظاً، حيث يمكن أن يقوم رئيس الدولة في الأعتراض على القوانين بغية تحقيق أهدافة التشريعية. (6)
وقد تبنت الدساتير، بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي المعمول به الأختصاصات التشريعية الأعتيادة لرئيس الدولة. حيث راعت الدساتير في منح رئيس الدولة هذه الأختصاصات بأعتبار أن السلطة التنفيذية بحكم أحتكاكها الواضح وأدارتها العامة تكون على جانب كبير من الدراية بأحتياجات المجتمع في مجال التشريعات وتقف على ما يعتري القوانين من عيوب قصور عند التطبيق.
وما يجدر ذكره أن الدور التشريعي لرئيس الدولة لايقتصر على مساهمته في الأختصاصات التشريعية الأعتيادية، فقد أدت المشاكل المعقدة التي يتعرض لها المجتمع الدولي والظروف الأستثنائية التي تنجم عن الحروب الكبرى إلى تقهقر دور وسلطات التشريع البرلماني، فمواجهة هذه المشاكل تحتاج الى سرعة التقرير ووحدته وحزمه، كما تتطلب في كثير من الأحوال إحاطة الأجراءات بسرية تامة، وهي صفات يفتقر اليها التشريع البرلماني الذي يتسم بالبطء والعلانية وقد ترتب على ذلك بما يسمى بالتشريع الحكومي أو ظاهرة المرسوم بقانون، فقد وضعت حالة الضرورة الحكومات المختلفة إلى ممارسة السلطة التشريعية في غيبة البرلمان او في حضوره بقرارات لها قوة القانون. وهكذا أعترفت أغلب الدساتير لرئيس الدولة بقدر معين من الأختصاص التشريعي سواء في الظروف الأعتيادية أو الأستثنائية نتيجة لتطور مفهوم الفصل بين السلطات الأمر الذي أدى الى أن يحكم رئيس الدولة قبضتة على التشريع الوطني.
نرى بأنه تتلخص الفكرة الأساسية التي يقوم عليها مبدأ الفصل بين السلطات في ضرورة توزيع وظائف الحكم الرئيسية : التشريعية والتنفيذية والقضائية على هيئات منفصلة ومتساوية تستقل كل منها عن الأخرى في مباشرة وظيفتها حتى لاتتركز السلطة في يد واحدة فتسيء أستعمالها، وتستبد بالمحكومين أستبداداً ينتهي بالقضاء على حياة الأفراد وحقوقهم الشخصية من جهة، ومنع الأستبداد والتعسف وضمان الحقوق والحريات العامة من جهة أخرى، مراقبة السلطة لأعمالها ومراقبة أعمال كل السلطات الأخرى منعاً لتجاوزها على الحدود القانونية المقررة لغيرها، المساهمة في بناء الدولة القانونية القائم على التعاون بين السلطات. لذلك يجب أن تخضع الدولة للقانون لتحقيق مصالح الأفراد وحماية حقوقهم وحرياتهم ضد تعسف وأستبداد السلطة الحاكمة. فالدولة القانونية هي الدولة التي تخضع وتتقيد في جميع مظاهر أعمالها ونشاطاتها بأحكام القانون، أي أن جميع سلطات الدولة لا يمكن أن تتصرف ألا في حدود أحكام القانون.
4
المصادر
1- طه محمد الحر، مبدأ الفصل بين السلطات، شبكة محامو الحديدة، 10 / أذار / 2012 ، على موقع الأنترنيت : mhamoo.mousika.org/t341-topic
2- أ.د. غازي فيصل مهدي، الدستور العراقي الدائم، أفكار وطموحات، مركز المستقبل للدراسات والبحوث، على موقع الأنترنيت : www.mcsr.net/activitiec/004.html
3- د. أحمد الموصللي، مركز دراسات الوحدة العربية، جدليات الشورى والديمقراطية: الديمقراطية وحقوق الأنسان في الفكر الأسلامي، الطبعة الأولى، بيروت، شباط 2007، ص 50 .
4- د. كمال عبد العزيز ناجي، ، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة أطروحات الدكتوراة (68)، دور المنظمات الدولية في تنفيذ قرارات التحكيم الدولي، الطبعة الأولى، بيروت، كانون الأول 2007 ، ص 457 .
5- الديمقراطية وحقوق الأنسان في الوطن العربي، ، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة كتب المستقبل العربي (4)، علي الدين هلال وآخرون، الطبعة الرابعة، بيروت، آب 1998 ، ص 64 .
6- منذر الشاوي، القانون الدستوري ( نظرية الدولة )، مركز البحوث القانونية، بغداد، سنة 1981 ، على موقع الأنترنيت : thiqaruni.org/lowthises/20/8.doc
النسخة المجهزة للطبع
يمكن القول في هذا المجال أنه لايجوز لشخص أو هيئة أن تجمع في يدها سلطتين، أي لايجوز أن تكون السلطات الثلاثة أو أثنين منها في يد شخص واحد أو هيئة واحدة ، حيث كان الفصل بين السلطات عامل محفز لخضوع الدولة للقانون، وهذا هو المعنى السياسي لمبدأ الفصل بين السلطات، وهو عدم الجمع بين السلطات أو عدم تركيزها. من هذا المنطلق تبنى المفكرون والفقهاء مبدأ الفصل بين السلطات بأساليب مختلفة تفادياً للأستبداد والتعسف وليس تجميع السلطات في واحدة ومنهم أفلاطون حيث يرى لكي تتمكن الدولة من تحقيق أهدافها والقيام بوظيفتها في تحقيق الخير العام للشعب، يجب فصل أعمال الدولة، مع أيجاد نوع من التعاون بين بعضها البعض، حتى لاتخرج اي هيئة عن أختصاصاتها الدستورية وأستبدادها في مزاولة سلطاتها.
اما جون لوك فأنه يعتبر أول من أهتم بمسألة الفصل بين السلطات في العصر الحديث في كتابة المعنون ب ( الحكومة المدنية ) الذي صدر سنة ، 1690 أي سنة بعد أعلان وثيقة الحقوق سنة 1689، بما أن جون لوك لم يضع نظرية متكاملة لهذا المبدأ لكنة قسم سلطات الدولة الى ثلاث ( السلطة التشريعية – السلطة التنفيذية – السلطة الأتحادية ). حيث تختص السلطة التشريعية بسن القوانين، أما السلطة التنفيذية فتكون خاضعة للسلطة التشريعية مع ضرورة أن تتولى كل منهما سلطة منفصلة عن الأخرى، أما السلطة الأتحادية فهي صاحبة الأختصاص في الشؤون الخارجية كأبرام المعاهدات وأعلان الحرب ….. الخ.
أضافة الى ذلك دعى لـوك الى وجود سلطة أخرى أسماها ( سلطة التـاج ) أو مجموعة الحقوق والأمتيازات التي يجب أن يحتفظ بها التاج البريطاني. تم نقد نظرية لـوك لمبدأ الفصل بين السلطات كونه لم يعطي أهمية لسلطة قضائية ولم يتحدث عن أستقلاليتها، ولعل السبب في ذلك أن القضاة قبل ما عرف ب ( الثورة الجديدة ) في أنكلترا سنة 1688 كانوا يعينون ويعزلون من قبل الملك، ثم فيما بعد أصبحوا يعينون من قبل البرلمان، وفي كلتا الحالتين لم يتحصلوا على الأستقلالية الا بعد نضال طويل.
أما مونتسكيو فذهب بدورة لمعالجة مبدأ الفصل بين السلطات الذي صاغة صياغة متكاملة في كتابة ( روح القوانين ) الصادر سنة 1748 منطلقاً من الفكرة التي تقضي بتقسيم وظائف الدولة الى ثلاث : الوظيفة التشريعية – الوظيفة التنفيذية – الوظيفة القضائية أي سلطة تطبيق القانون وسلطة البث في الخلافات التي تنشأ عن مخالفة أحكامة أثناء القيام بتلك الوظائف، كما بين المهام الأساسية التي تضطلع بها كل سلطة. هذا التوزيع لوظائف الدولة على السلطات الثلاثة يختلف عن تقسيم جون لوك للسلطات العامة، حيث جعل مونتسكيو القضاء سلطة مستقلة على النقيض من لوك الذي لم يدرج القضاء من السلطات العامة في الدولة.
كذلك أكد مونتسكيو أن توزيع السلطات وفصلها بهذه الصورة أمر ضروري لأنها لو تجمعت في يد هيئة واحدة لأدى ذلك الى الأستبداد، لأن طبيعة النفس البشرية عبر القرون أثبتت الأستبداد قرينة الأستئثار بالسلطة.
مونتسكيو لم يتوقف عند حد الفصل بين السلطات العامة في الدولة، وأنما أستلزم قيام كل سلطة بمراقبة كل السلطات الأخرى لوقفها عند الحدود المقررة لها اذا أقتضى الأمر حتى لاتتجاوزها على الأعتداء على السلطات الأخرى.(1) وهذا ما حددة قانون أدارة الدولة العراقية للمرحلة الأنتقالية للسلطات العامة في العراق خلال المرحلة الأنتقالية وهي الجمعية الوطنية ومجلس الرئاسة ومجلس الوزراء وبضمنه رئيس الوزراء والسلطة القضائية. هذا التحديد حسن في ذاته لأنه يمنع تركيز السلطة.
1
كما أن القانون المذكور تبنى مبدأ الفصل بين السلطات، وهذا المبدأ الذي كثر فية الشقاق وأختلفت بل تنافرت فية وجهات النظر، فأول ما نادى به مونتسكيو معتبراً الأستبداد نتيجة لتركيز السلطة في يد واحدة. (2)
كما أشار الفقه الأسلامي الى تزويد الجماعة الأسلامية بقواعد تنظيم الحياة السياسية، فللجماعة الحق في الأشراف على أعمال الحاكم حتى لايستبد برأيه. ومع أن الجماعة، عموماً، تقبلت حكم الخليفة على مدى الحياة عوضاً عن عدد معين من الأعوام، ألا أنه لايوجد ضمان، أو نص ديني على وجوب بقاء الحاكم في السلطة حتى موته، أو من دون موافقة الجماعة. أن سكوت الشريعة عن هذا الأمر يعني حق الجماعة في تحديدها. أن الحاكم ، كأي مسلم آخر، يجب أن يخضع للشريعة لا أن يكون فوقها، بالرغم من أن الممارسة أظهرت العكس وتوظيف الشريعة من قبل الحاكم من أجل مصالحة. ومع هذا وعلى المستوى النظري، كانت الشريعة ذات المقام الأعلى، والجماعة ذات السلطة العليا والحاكم ذا السلطة التنفيذية. ألا أن الحاكم كان له عند سكوت الشريعة شأن كبير في التشريع والتنفيذ والقضاء، أذ لم يوجد أي نص على شرعية المعارضة. وقد أعتبر الفقهاء أن الوظيفة الأساسية للحاكم هي أصدار الأحكام القضائية وتطبيق القانون. (3)
كذلك أحتلت نظرية الفصل بين السلطات مكاناً مهماً في الفقة المعاصر وأصبحت جزءاً من الثورتين الأمريكية والفرنسية ودخلت دساتيرها في القرن التاسع عشر. ألا أن التطورات السياسية والأقتصادية والأجتماعية والتكنولوجية أثبتت عدم أمكان وضع حدود فاصلة بين هيئات الدولة بحيث تمارس كل منها أختصاصاتها بصورة منفصلة عن الأخرى، فتقسيم العمل بين السلطات ما وضع الا لتنسيق العمل، فلكل دولة فلسفة ورسالة وهما لايتحققان الا بعمل صادق وتعاون بناء بين سلطات الدولة الثلاثة حتى تدورعجلة التطور سراعا. أذا كنا نخلص من مجموع الأفكار المتعلقة بمبدأ الفصل بين السلطات الى ضرورة تخصص هيئات الدولة في وظائف و أعمال محددة تتولى القيام بها، فهذا يجب أن لا يجعلنا ننسى أمراً لا يقل عن ذلك أهمية، ألا وهو ضرورة الحفاظ على الدولة. ومعنى ذلك ضرورة الصلات بين السلطات، طالما أن هذه السلطات ليست سوى تروس في آلة واحدة : وهي الدولة. والحفاظ على الدولة هو تعبير عن مدى النضج والتقدم الذي بلغه التنظيم الدولي، وهو مايعكس بدورة مستوى التقدم الذي بلغة الفكر الأنساني. وعلية فأننا نعتقد أن تزويد الدولة بالمخالب القوية وفقاً للقانون هو أنفع للبشرية من تزويد طائراتها ودباباتها بالقذائف والصواريخ، ذلك لأن الدبابات والطائرات تدمر ما بناه الأنسان في عقود، بينما مخالب القانون يمكن أن تحمي ما بناه الأنسان. (4)
من الواضح أن هذا التفسير المعقول هو تفسير مرن وليس جامد، حيث لم يتقبلة واضعوا الدساتير في آواخر القرن الثامن عشر، لأن شاغلهم الأول كان القضاء على الأنظمة الأستبدادية. لقد عرف مبدأ الفصل بين السلطات مجداً لم يلقه أي مبدأ آخر. ولكن في نظمنا المعاصرة ظهرت وسائل لمراقبة الحكام تعتمد على مبـاديء أخرى مثل المعارضة كوسيلة لمراقبة محركي السياسة، غير أن مبدأ الفصل بين السلطات لازالت له اهمية خاصة عند تصنيف النظم السياسية : فهو يعتبر الركيزة الأولى لأحدى أهم التصنيفات المعروفة وهو التصنيف الذي يعتمد على العلاقة بين السلطات العامة. فالنظام الرئاسي قائم على فصل السلطات العامة فصلاً جـامداً، بينما يقوم النظام البرلماني على التعاون بين السلطات وتبادل المعلومات والرقابة.
ومن الوسائل الاخرى هي المشاركة السياسية، تصير أهم عناصر المفهوم الديمقراطي للممارسة السياسية كقيمة عليا، أنتشار السلطة، تعدد الأرادات في عملية صنع القرار، التوازن بين القوى السياسية والأجتماعية – الأقتصادية، والرقابة السياسية على أعمال الحكام وأنشطتهم. (5)
يحقق مبدا الفصل بين السلطات العديد من المزايا وأهمها :
1- حماية الحرية ومنع الأستبداد :
تلك هي الميزة الأولى والأساسية لمبدا الفصل بين السلطات، والمبرر الأساسي للأخذ بهذا المبدأ، فجمع السلطات بيد شخص واحد يتيح الفرصة لإساءة أستعمال السلطة، وأنتهاك حقوق وحريات الأفراد، دون وجود رقيب، ودون أعطاء فرصة للأفراد بالدفاع عن حقوقهم وحرياتهم أمام جهات أخرى. أما توزيع السلطات أمام عدة هيئات مع الفصل بينهما فأنه يفسح المجال لكل هيئة في مراقبة أعمال الهيئتين الأخريين بما يؤدي الى منعهما من التجاوز أو الاساءة وأنتهاك حقوق وحريات الأفراد.
2
2- إتقان وحسن وظائف الدولة :
الميزة الثانية لمبدأ الفصل بين السلطات هي أنه يحقق مبدأ تقسيم العمل والتخصص، الذي من شأنه أن يحقق إتقان كل هيئة لوظيفتها وحسن أدائها. فمن الثابت أن التخصص وتقسيم العمل يؤدي الى إتقان العمل ليس فقط في مجال علم الإدارة بل أيضاً في المجال السياسي. مقتضى ذلك المبدأ ان يقسم العمل الى عدة أجزاء حسب نوع التخصص لكل جزء منها، ثم يعهد بكل جزء منه الى الخبراء المتخصصين تخصصاً دقيقاً في نوعية المهام والمسؤوليات التي يتضمنها ذلك الجزء ليتولوا إدائها بالكفاءة التي تتناسب مع تخصصهم فيها، وبذلك يدار العمل كله بأكبر قدر ممكن من الكفاءة والدقة. وبتطبيق مبدأ التخصص وتقسيم العمل على الوظائف الرئيسية للدولة، نجد أن تلك الوظائف تتضمن ثلاثة أنواع مختلفة ومتباعدة من المسؤولية وهي مسؤولية التشريع ومسؤولية الحكم والإدارة ومسؤولية إقامة القضاء العادل بين الناس، وقلما يتمكن شخص واحد من الجمع بين تلك المجموعة المتنوعة من التخصصات بما يستلزمه كل منها من خبرات مختلفة، ثم يتكمن من إنجاز مسؤولياته على الوجة المطلوب، ومن هنا كان الأسلوب الأفضل للعمل هو أن يعهد بكل سلطة من تلك السلطات الى مجموعة من الخبراء المتخصصين فيها والذين يمكنهم بالكفاءة المطلوبة وبالسرعة وبالدقة اللازمتين.
3- ضمان أحترام مبدأ سيادة القانون :
وأخيراً من المزايا الهامة لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث أنه يؤدي الى ضمان أحترام مبدأ سيادة القانون في الدولة بحيث نضمن خضوع السلطات الحاكمة للدستور والقانون وليس فقط للأفراد. لأنه إذا أجتمعت وتركزت السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في هيئة واحدة فلا ضمان لأحترام القانون و لأن هذه الهيئة ستقوم بوضع القوانين وتعديلها بناءاً على الحالات الفردية الطارئة مما يفقد القانون صفة العدالة لأنه لم يصبح قواعد عامة مجردة. وكذلك لو مارس القضاء سلطة التشريع أيضاً، فأنه يؤدي ذلك الى عدم عدالة القانون وايضاً عدم عدالة الأحكام.
لذلك فان الفصل بين السلطات وما يصاحبة من رقابة متبادلة بينهما و يؤدي الى ضمان أحترام كل سلطة لحدودها الدستورية وأحترامها لقواعد القانون و بالإضافة الى أن الفصل بين السلطات يجعل السلطة القضائية رقيبة على السلطتين الأخريين ويضمن بوجة خاص خضوع قرارات السلطة التنفيذية لرقابة القضاء وإلغائها عند مخالفتها للقانون.
على الرغم من المزايا الواضحة التي يحققا مبدا الفصل بين السلطات، فانه لم يسلم من الأنتقادات شأنه في ذلك شأن أي مبدا آخر، وأهم هذه الأنتقادات هي :
1- يرى منتقدوا مبدأ الفصل بين السلطات أن القصد من هذا المبدأ كان لمحاربة السلطان المطلق للملوك في القرن الثامن عشر، والقضاء على الملكيات المستبدة. وقد حقق المبدأ الهدف الرئيسي له، وأنقضت هذه النظم الأستبدادية وأندثر عصر السلطان المطلق للحكام، ولم تعد هناك حاجة للأخذ بالمبدأ في الوقت الحاضر.
2- أن الأخذ بالمبدأ ، يؤدي الى تفتيت وحدة الدولة، مما يعطل أعمالها , ويعرضها للخطر في اوقات الأزمات لأن مباشرة خصائص السيادة تستلزم توحيدها وتركيزها و وليس فصلها فهذه الخصائص كأعضاء الجسم البشري، من غير الممكن فصلها عن بعضها وهذا لايتفق في الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات.
3- أن مبدأ الفصل بينهما يؤدي الى تجزئة المسؤولية وتقسيمها وبالتاي صعوبة حصرها أوتحديدها، أذ أن تعدد السلطات في الدولة مع أستقلالها عن بعضها يؤدي توزيع المسؤلية عليها توزيعاً يضعفها عن القدر اللازم، أما أذا كانت السلطة مركزة في يد واحدة أنصبت عليها المسوؤلية كاملة، فيزداد الإحساس بها ويتضاعف أثرها، لأنه في حالة الفصل بي السلطات تستطيع أي منها التخلص من المسؤولية وإلقاء التبعة على عاتق السلطة الأخرى.
4- أن الواقع العملي في دول كثيرة أثبتت أنه لابد وأن تطغى إحدى السلطات على السلطتين الأخريين، بحيث ينتهي الأمر بأن تميل كفة الميزان الى جانب تلك السلطة على حساب غيرها وعلى حساب مبدأ الفصل بين السلطات، أو ينتهي الأمر الى أضطرار السلطات الثلاث الى تحقيق نوع من التعاون فيما بينها تفادياً للوقوع في مشاكل الفصل بين السلطات، وهو ما يؤدي الى أنهيار مبدأ الفصل بين السلطات ذاته.
3
مما يلاحظ على هذه الأنتقادات أن منتقدوا المبدأ أعتقدوا أن المبدأ يقيم سياجاً منيعا بين السلطات العامة في الدولة يفصل بينهما فصلاً مطلقاً و ويمنع كل أتصال أو تعاون فيما بينها و قاموا بتسديد سهام النقد الى المبدأ أنطلاقاً من هذا الفهم الغير صحيح. لم توجه هذه الأنتقادات الى مبدأ الفصل المرن المشبع بروح التعاون بين السلطات فما زال هذا المبدأ مسلماً به فقهاً وقضاءاً ومقدراً في العديد من الدساتير الديمقراطية بل أنه يعد عماد الديمقراطية التقليدية بحيث اذ زال المبدأ أنهدم أساس الديمقراطية وفي تجاهله للديمقراطية ذاتها.
لقد رفض الواقع العملي مبدأ الفصل المطلق بين السلطات، فكان لابد من إضفاء نوع من المرونه في فهم هذا المبدا وتطويره نحو الفصل المشبع بروح التعاون بين السلطات، وهو الفهم الذي قصده مونتسكيو نفسه حيث الفصل المتوازن بين السلطات الثلاث في الدولة، مع قيام قدر من التعاون فيما بينها لتنفيذ وظائفها في توافق وأنسجام ووجود رقابة متبادلة بينها لضمان وقوف كل سلطة عند حدودها دون أن تجاوزها أو تعتدي على سلطة أخرى. وهكذا فالفصل بين السلطات في معناه الحقيقي لايكون الا نسبياً يسمح بعلاقات التداخل بين السلطات المختلفة تتفاوت قوة وضعفاً بحسب النظام السياسي. فإذا كان منح رئيس الدولة الأختصاصات التشريعية الاعتيادية من مظاهر تعاضد السلطات وتعاونها، فانه يمثل في النظام الرئاسي وسيلة لحماية مبدأ الفصل بين السلطات وكفالة التوازن بينها، حيث تعتبر هذه الأختصاصات من أهم وسائل التعاون وتبادل الرأي والتوازن والرقابة بين السلطتيين التشريعية والتنفيذية.
فبالرغم من أن الوظيفة التشريعية هي من صميم عمل البرلمان فأن السلطة التنفيذية في النظام البرلماني تتدخل في الإجراءات التشريعية وتساهم في سن القوانين عن طريق حقها في أقتراح القوانين والأعتراض عليها، كذلك يمارس رئيس الدولة في النظام الرئاسي دوراً تشريعياً ملحوظاً، حيث يمكن أن يقوم رئيس الدولة في الأعتراض على القوانين بغية تحقيق أهدافة التشريعية. (6)
وقد تبنت الدساتير، بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي المعمول به الأختصاصات التشريعية الأعتيادة لرئيس الدولة. حيث راعت الدساتير في منح رئيس الدولة هذه الأختصاصات بأعتبار أن السلطة التنفيذية بحكم أحتكاكها الواضح وأدارتها العامة تكون على جانب كبير من الدراية بأحتياجات المجتمع في مجال التشريعات وتقف على ما يعتري القوانين من عيوب قصور عند التطبيق.
وما يجدر ذكره أن الدور التشريعي لرئيس الدولة لايقتصر على مساهمته في الأختصاصات التشريعية الأعتيادية، فقد أدت المشاكل المعقدة التي يتعرض لها المجتمع الدولي والظروف الأستثنائية التي تنجم عن الحروب الكبرى إلى تقهقر دور وسلطات التشريع البرلماني، فمواجهة هذه المشاكل تحتاج الى سرعة التقرير ووحدته وحزمه، كما تتطلب في كثير من الأحوال إحاطة الأجراءات بسرية تامة، وهي صفات يفتقر اليها التشريع البرلماني الذي يتسم بالبطء والعلانية وقد ترتب على ذلك بما يسمى بالتشريع الحكومي أو ظاهرة المرسوم بقانون، فقد وضعت حالة الضرورة الحكومات المختلفة إلى ممارسة السلطة التشريعية في غيبة البرلمان او في حضوره بقرارات لها قوة القانون. وهكذا أعترفت أغلب الدساتير لرئيس الدولة بقدر معين من الأختصاص التشريعي سواء في الظروف الأعتيادية أو الأستثنائية نتيجة لتطور مفهوم الفصل بين السلطات الأمر الذي أدى الى أن يحكم رئيس الدولة قبضتة على التشريع الوطني.
نرى بأنه تتلخص الفكرة الأساسية التي يقوم عليها مبدأ الفصل بين السلطات في ضرورة توزيع وظائف الحكم الرئيسية : التشريعية والتنفيذية والقضائية على هيئات منفصلة ومتساوية تستقل كل منها عن الأخرى في مباشرة وظيفتها حتى لاتتركز السلطة في يد واحدة فتسيء أستعمالها، وتستبد بالمحكومين أستبداداً ينتهي بالقضاء على حياة الأفراد وحقوقهم الشخصية من جهة، ومنع الأستبداد والتعسف وضمان الحقوق والحريات العامة من جهة أخرى، مراقبة السلطة لأعمالها ومراقبة أعمال كل السلطات الأخرى منعاً لتجاوزها على الحدود القانونية المقررة لغيرها، المساهمة في بناء الدولة القانونية القائم على التعاون بين السلطات. لذلك يجب أن تخضع الدولة للقانون لتحقيق مصالح الأفراد وحماية حقوقهم وحرياتهم ضد تعسف وأستبداد السلطة الحاكمة. فالدولة القانونية هي الدولة التي تخضع وتتقيد في جميع مظاهر أعمالها ونشاطاتها بأحكام القانون، أي أن جميع سلطات الدولة لا يمكن أن تتصرف ألا في حدود أحكام القانون.
4
المصادر
1- طه محمد الحر، مبدأ الفصل بين السلطات، شبكة محامو الحديدة، 10 / أذار / 2012 ، على موقع الأنترنيت : mhamoo.mousika.org/t341-topic
2- أ.د. غازي فيصل مهدي، الدستور العراقي الدائم، أفكار وطموحات، مركز المستقبل للدراسات والبحوث، على موقع الأنترنيت : www.mcsr.net/activitiec/004.html
3- د. أحمد الموصللي، مركز دراسات الوحدة العربية، جدليات الشورى والديمقراطية: الديمقراطية وحقوق الأنسان في الفكر الأسلامي، الطبعة الأولى، بيروت، شباط 2007، ص 50 .
4- د. كمال عبد العزيز ناجي، ، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة أطروحات الدكتوراة (68)، دور المنظمات الدولية في تنفيذ قرارات التحكيم الدولي، الطبعة الأولى، بيروت، كانون الأول 2007 ، ص 457 .
5- الديمقراطية وحقوق الأنسان في الوطن العربي، ، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة كتب المستقبل العربي (4)، علي الدين هلال وآخرون، الطبعة الرابعة، بيروت، آب 1998 ، ص 64 .
6- منذر الشاوي، القانون الدستوري ( نظرية الدولة )، مركز البحوث القانونية، بغداد، سنة 1981 ، على موقع الأنترنيت : thiqaruni.org/lowthises/20/8.doc
النسخة المجهزة للطبع