رغم المجهودات المبذولة لتخليق جهاز القضاء على مر السنين، وعلى تعاقب وزراء العدل، من حكومة عبد الله ابراهيم إلى حكومة عبد الالاه بنكيران، بمشاريعهم الإصلاحية، لمحاولة إعادة الهيبة إليه كسلطة، لتنظيف جسم عليل عشش في جزء كبير من ردهاته الفساد، لا زالت التقارير الدولية المعتمدة الصادرة عن مجلس أوربا تصف بالسواد الأعظم قطاع العدل بالمغرب. مثلها مثل نظيرتها من المؤسسات الوطنية للحكامة، كالشبكة المغربية لحماية المال العام، و الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة التي تتابع عن كثب ملفات الفساد ببلادنا، تقاريرها المعززة بمؤشرات دالة وبرسوم بيانية يغلب عليها السواد في بعض القطاعات وجزء قليل منه بالرمادي وشذرات منه بالبياض الساطع عند ذوي القلوب الحية من موظفي الدولة. لا زالت مؤسسة الوسيط تتلقى أكبر نسبة من الشكاوى من المواطنين ضد العاملين في هذا القطاع العصي على الإصلاح. لكن أكبر الدعاوى هي التي يرفعها المواطن، الأمي قانونيا والعاجز على المواجهة والمسلوب حقه، إلى ديوان المظالم عند لله. فالرأي العام المغربي يعرف جيدا محاكمه وما يجول في جوانبها ويعرف أنه عندما تتكدس الملفات وتضيق مكاتب المحاكم بالقضايا فإن من يحرك الملفات هي اللوبيات المسيطرة على زمام الأمور.
في كل القطاعات العمومية والخاصة، هناك شرفاء بالسليقة وبالمباديء. لكن يصعب الحديث عن الشرف والنزاهة وتعميم هاته القيم على جسد قضاء ينخره سرطان إسمه الرشوة، لا ينفع معها لا حوار وطني، لا عمل المفتشيات، لا التصريح بالممتلكات لمراقبة الغنى السريع والفاحش، لا التحفيزات المالية، لا ميثاق "الشرف" أو "السلوك"، ولا التشديد في العقوبات الزجرية، لا المادة 97 من القانون الأساسي للقضاة، ولا الأرقام الخضراء، ولا حتى كامرات المراقبة قادرة على حراسة ضمير القاضي إذا مات. اذا غابت الرقابة الذاتية عند المفروض فيه إقامة العدل أو تعليم الأجيال أو الإعتناء بصحة المواطن أو تقديم خدمات له، فيصعب أمامه التصدي لبؤر الفساد وتجفيف منابعها. لأن الفاسد يتفنن في التحايل والتلاعب على المساطر، لا يترك الأثر، ويشتغل في الظلام.
الفساد داخل جزء من جهاز القضاء واقع مستشري و بعض من القضاة، المتابعون من طرف القضاء، يتم إما التشطيب عليهم وفق قرارات تأديبية بناء على تقارير وشهادات وأدلة متهمين. فالإغراءات كبيرة والوسطاء في المهنة كثر والنفس الضعيفة أمارة بالسوء. لكن هل تعيد عقوبات المجلس الأعلى للقضاء الحقوق المسلوبة إلى ذويها ؟ وهل تصلح ما أفسده المحالون على التقاعد التلقائي، أصحاب الإنذار، المقصيون مؤقتا عن العمل أو المعزولون نهائيا من سلك القضاء؟ من يعوض المواطن في حقوقه المهدورة ؟
إن المتأمل في شعار الندوة الصحفية التي نظمها السيد وزير العدل والحريات، الذي لا نشك البثة في نيته ولا رغبته الإصلاحية، لتقديم حصيلة عمله لمدة أربعة سنوات، يلاحظ أنها تقول بالبند العريض : من أجل “الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة." لكن هذا الشعار سيبقى شعارا أجوفا إذا لم يصحو ضمير جهاز قضائي يربط عمله بميثاق غليظ مع الله واحترام مقدس لروح العدالة في دولة تنطق فيها الأحكام باسم الملك وطبقاً لأحكام القانون كما ينطق دستورها بربط المسؤولية بالمحاسبة، لإعادة الثقة المعنوية في قضاء فقد الكثير من هيبته ومصداقيته.
من خلال عملنا داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بالبرلمان المغربي، واكبنا ولامسنا معالم طريق الإصلاح و منجزات وزارة العدل والحريات، كوزارة وصية قدمت مقترحات عملية، وسهرت على تفعيلها، ورغم المبادرات التشاركية التي انخرط فيها جل المتدخلين في سلك القضاء، فمواجهة أخطبوط الرشاوى في هذا الجهاز ليست مسؤولية وزارة أو حكومة، بل مسؤوليتنا جميعا كحقوقيين، كمؤسسات منتخبة، كمجتمع مدني، كصحافة و كمواطنين. بل على كل أجهزة الدولة مواجهة هذا الإرث الثقيل. لأن انتشار الفساد في القضاء، إلى جانب قطاعات حيوية وحساسة أخرى، يضرب مبدأ العدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون ويسيء إلى المسار الديمقراطي والحقوقي وإلى صورة وسمعة المغرب، ويؤثر سلبا على مكانته الدولية .
يبقى التركيز على مؤسسة القضاء كجوهر، لأنها هي منطلق إنصاف الإنسان، وأساس كل الأوراش الإصلاحية، وضمان لحرية الأفراد في التمتع بالحقوق والحريات وتشجيع الإستثمار كرافعة للإقتصاد، يتطلب ذلك حشد الإرادة السياسية الجماعية لمواجهة الجرائم الإدارية والمالية دون انتقائية، خاصة أن المغرب وقع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. ما نحتاجه هو قضاء وطني ومواطن تضمن أحكامه الأمن التوثيقي و شخصيته الاستقلالية و تحترم فيه قواعد سلوك المواطنة الحقة، وتساهم في تطبيق روح القانون وفي سيادة واحترام قواعد الأحكام الشرعية وفي ترسيخ دولة الحق والمؤسسات.
إذا كانت سلطة القاضي التقديرية تجتهد في إعطاء الحقوق لذويها، خاصة منهم الأيتام والأرامل والمطلقات وضحايا الحوادث وكل الفئات الهشة، فإنها تساهم في ضمان الكرامة و في الأمن والسلم الإجتماعين. فكلما أصدر قاضي حكما أو إجتهد فيه عليه استحضار، كسيف داموكليس فوق رأسه، قوله تعالى: "إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"، ليصبح العنف القانوني والظلم دخلاء في مجتمع نريده آمنا، و لينام القاضي مرتاح السريرة، ساعيا إلى أن يكون من بين قضاة الجنة.
في كل القطاعات العمومية والخاصة، هناك شرفاء بالسليقة وبالمباديء. لكن يصعب الحديث عن الشرف والنزاهة وتعميم هاته القيم على جسد قضاء ينخره سرطان إسمه الرشوة، لا ينفع معها لا حوار وطني، لا عمل المفتشيات، لا التصريح بالممتلكات لمراقبة الغنى السريع والفاحش، لا التحفيزات المالية، لا ميثاق "الشرف" أو "السلوك"، ولا التشديد في العقوبات الزجرية، لا المادة 97 من القانون الأساسي للقضاة، ولا الأرقام الخضراء، ولا حتى كامرات المراقبة قادرة على حراسة ضمير القاضي إذا مات. اذا غابت الرقابة الذاتية عند المفروض فيه إقامة العدل أو تعليم الأجيال أو الإعتناء بصحة المواطن أو تقديم خدمات له، فيصعب أمامه التصدي لبؤر الفساد وتجفيف منابعها. لأن الفاسد يتفنن في التحايل والتلاعب على المساطر، لا يترك الأثر، ويشتغل في الظلام.
الفساد داخل جزء من جهاز القضاء واقع مستشري و بعض من القضاة، المتابعون من طرف القضاء، يتم إما التشطيب عليهم وفق قرارات تأديبية بناء على تقارير وشهادات وأدلة متهمين. فالإغراءات كبيرة والوسطاء في المهنة كثر والنفس الضعيفة أمارة بالسوء. لكن هل تعيد عقوبات المجلس الأعلى للقضاء الحقوق المسلوبة إلى ذويها ؟ وهل تصلح ما أفسده المحالون على التقاعد التلقائي، أصحاب الإنذار، المقصيون مؤقتا عن العمل أو المعزولون نهائيا من سلك القضاء؟ من يعوض المواطن في حقوقه المهدورة ؟
إن المتأمل في شعار الندوة الصحفية التي نظمها السيد وزير العدل والحريات، الذي لا نشك البثة في نيته ولا رغبته الإصلاحية، لتقديم حصيلة عمله لمدة أربعة سنوات، يلاحظ أنها تقول بالبند العريض : من أجل “الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة." لكن هذا الشعار سيبقى شعارا أجوفا إذا لم يصحو ضمير جهاز قضائي يربط عمله بميثاق غليظ مع الله واحترام مقدس لروح العدالة في دولة تنطق فيها الأحكام باسم الملك وطبقاً لأحكام القانون كما ينطق دستورها بربط المسؤولية بالمحاسبة، لإعادة الثقة المعنوية في قضاء فقد الكثير من هيبته ومصداقيته.
من خلال عملنا داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بالبرلمان المغربي، واكبنا ولامسنا معالم طريق الإصلاح و منجزات وزارة العدل والحريات، كوزارة وصية قدمت مقترحات عملية، وسهرت على تفعيلها، ورغم المبادرات التشاركية التي انخرط فيها جل المتدخلين في سلك القضاء، فمواجهة أخطبوط الرشاوى في هذا الجهاز ليست مسؤولية وزارة أو حكومة، بل مسؤوليتنا جميعا كحقوقيين، كمؤسسات منتخبة، كمجتمع مدني، كصحافة و كمواطنين. بل على كل أجهزة الدولة مواجهة هذا الإرث الثقيل. لأن انتشار الفساد في القضاء، إلى جانب قطاعات حيوية وحساسة أخرى، يضرب مبدأ العدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون ويسيء إلى المسار الديمقراطي والحقوقي وإلى صورة وسمعة المغرب، ويؤثر سلبا على مكانته الدولية .
يبقى التركيز على مؤسسة القضاء كجوهر، لأنها هي منطلق إنصاف الإنسان، وأساس كل الأوراش الإصلاحية، وضمان لحرية الأفراد في التمتع بالحقوق والحريات وتشجيع الإستثمار كرافعة للإقتصاد، يتطلب ذلك حشد الإرادة السياسية الجماعية لمواجهة الجرائم الإدارية والمالية دون انتقائية، خاصة أن المغرب وقع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. ما نحتاجه هو قضاء وطني ومواطن تضمن أحكامه الأمن التوثيقي و شخصيته الاستقلالية و تحترم فيه قواعد سلوك المواطنة الحقة، وتساهم في تطبيق روح القانون وفي سيادة واحترام قواعد الأحكام الشرعية وفي ترسيخ دولة الحق والمؤسسات.
إذا كانت سلطة القاضي التقديرية تجتهد في إعطاء الحقوق لذويها، خاصة منهم الأيتام والأرامل والمطلقات وضحايا الحوادث وكل الفئات الهشة، فإنها تساهم في ضمان الكرامة و في الأمن والسلم الإجتماعين. فكلما أصدر قاضي حكما أو إجتهد فيه عليه استحضار، كسيف داموكليس فوق رأسه، قوله تعالى: "إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"، ليصبح العنف القانوني والظلم دخلاء في مجتمع نريده آمنا، و لينام القاضي مرتاح السريرة، ساعيا إلى أن يكون من بين قضاة الجنة.