مقدمة :
لم يعد تقييم المقاولات يعتمد على رقم الأعمال الذي تحققه فحسب، ولم تعد كذلك تعتمد في بناء سمعتها على مراكزها المالية فقط، بل ظهرت مفاهيم حديثة تساعد على خلق بيئة عمل قادرة على التعامل مع التطورات المتسارعة في الجوانب الإقتصادية والتكنولوجية والإدارية عبر أنحاء العالم، وكان أبرز هذه المفاهيم مفهوم المسؤولية الإجتماعية للمقاولة.
فالقول التقليدي أن المقاولة ليست مسؤولة إلا أمام أصحابها، ربما لم يعد مقبولا في عالم اليوم، عالم يتسم بتشابك العلاقات والمصالح، عالم يتيح للمستهلكين خيارات عديدة ويبحث فيه المستثمرون عن توفير الإستقرار والأمن لاستثماراتهم.
لكن في واقع الأمر أنه وإن كان مفهوم المسؤولية الإجتماعية للمقاولة من المفاهيم الحديثة والتي حظيت باهتمام دولي محض، فإنه ما زال يكتنفه غموض وعدم دراية لتحديده بشكل دقيق، وذلك نظرا لطابعه المتعدد الأبعاد الذي يخلق أحيانا بعض اللبس في علاقة المسؤولية الإجتماعية بالتنمية المستدامة وبالاقتصاد الأخضر.
هذا ما سنحاول إنشاء الله الوقوف على معالجته وذلك وفق المنهج الآتي :
المبحث الأول : ماهية المسؤولية الإجتماعية
المبحث الثاني : الطابع المتعدد الأبعاد للمسؤولية الإجتماعية
فالتعاريف والمفاهيم المعطاة للمسؤولية الإجتماعية كثيرة، وذلك سواء على المستوى الدولي أو الوطني، إلا أن قاسمها المشترك –أي التعاريف- يتجلى في تلك الأبعاد والمعايير التي تقوم على أساسها مسؤولية المقاولة، والتي تتضمن مستويات العمل، وحقوق الإنسان، والتعليم والصحة والطفولة، والقضاء على الفقر –ولو بشكل نسبي-، والتأثير البيئي.
فما هو مفهوم المسؤولية الإجتماعية للمقاولة (المطلب الأول)، وما هو الأساس الذي تقوم عليه (المطلب الثاني).
إن تحديد مفهوم المسؤولية الإجتماعية للمقاولة قد يبدو صعبا لكونه مفهوما حديثا بالمقارنة مع الأنواع العديدة من المسؤوليات والتي ألفنا الحديث عنها من قبيل المسؤولية الأخلاقية والأدبية، المدنية ثم الجنائية، كما أنه في إطار قانون الشغل ألفنا الحديث عن نوع واحد ألا وهو المسؤولية القانونية لصاحب العمل أو العمال.1
أما عبارة "الإجتماعية"، فهو مصطلح واسع وفضفاض يوحي إلى معالجة القضايا الإجتماعية للمجتمع برمته.
وفي هذا الصدد نجد أن البعض3 ذهب إلى القول أنه كان من الأجدر تسميتها بالمسؤولية المجتمعية "Sociétal" أو إضافة عبارة البيئية "environnemental" إلى عبارة الإجتماعية، ومن ثم القول "المسؤولية الإجتماعية والبيئية للمقاولة"، خاصة وأن عبارة "Social" في فرنسا مثلا توحي مباشرة إلى كل ما يربط العلاقة بين الأجير والمؤاجر فقط، وهو ما يتنافى وأبعاد المسؤولية الإجتماعية.
هذا وقد حظي تعريف المسؤولية الإجتماعية باهتمام فقهي حاد، نتج عنه تعدد على مستوى المفاهيم والتي هي ناتجة بدورها عن تعدد الوظائف والمشاريع التي تقوم بها المقاولة الإجتماعية خاصة منها المتعلقة بالاقتصاد والتدبير.
فقد ذهب الأستاذ سليمان محمد مصطفى إسماعيل في كتابه "معلومات المحاسبة الإجتماعية في القوائم المالية" إلى القول "أن المسؤولية الإجتماعية تعني فيما تعنيه أن لا تكتفي المقاولة باستغلال الموارد المتاحة لها بما تخدم مصالحها الإقتصادية، بل إن مسؤوليتها يجب أن تمتد إلى مواجهة المتطلبات الإجتماعية أيضا".4
والملاحظ بخصوص هذا المفهوم أن الأستاذ محمد مصطفى إسماعيل جعل الجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي وجهان لعملة واحدة سينعكسان إيجابا على نشاط المقاولة، ومن ثم فلا ينبغي وضعهما –أي الجانب الاقتصادي والاجتماعي- كعنصرين متنافسين لكونهما ليس بمجالين مستقلين، بل هما مجال واحد يرى من زوايا مختلفة.
في حين ذهب البعض إلى تصنيف المجالات التي تدخل في تحديد معنى المسؤولية الإجتماعية وفق رأيين :
الرأي الأول : يرى أن وجود إلزام قانوني للقيام بالنشاط يعد معيارا أساسيا في التفرقة بين النشاط الاقتصادي والنشاط الاجتماعي للمقاولة، ومن ثم يعرف هذا الاتجاه المسؤولية الإجتماعية على أنها : "الأنشطة التي تقوم الشركة بتنفيذها اختياريا".
أما الرأي الثاني : فيرى مؤيدوه أن المسؤولية الإجتماعية للمقاولة تشمل كل الأنشطة ذات الطابع الاجتماعي بغض النظر عما إذا كانت المقاولة ملزمة بها أم لا، وسواء أكان ذلك استجابة لمطالب المجتمع أم لإدراك إدارة المقاولة وتجاوبها مع المشكلات الإجتماعية.5
والملاحظ بخصوص هذه التعاريف أن أنصار الرأي الأول ينظرون إلى المسؤولية الإجتماعية من زاوية ضيقة، حيث اعتمدوا تدخل القانون من عدمه للحكم على طبيعة النشاط ما إذا كان اجتماعيا أم لا، وأهملوا طبيعة النشاط نفسه الذي تؤديه المقاولة، كما يلاحظ أن هناك ازدواجية في الحكم على النشاط مثل قيام المقاولة بالتخلص من مخلفتها ,حيث في هده الحالة يكون نشاطا إجتماعيا بحثا,أما إدا تم أداؤه بإلزام قانوني يكون نشاطا اقتصاديا، و العكس صحيح،
وبالرغم من محاولة العديد من الفاعلين صياغة تعريف خاص للمسؤولية الإجتماعية للمقاولات فإن التعريف الأكثر قبولا هو التعريف الذي قدمته مؤخرا منظمة العمل الدولية مفاده : "أن المسؤولية الإجتماعية للمقاولة تترجم الطريقة التي من خلالها، تأخذ المقاولات في الاعتبار آثار أنشطتها على المجتمع، وترسيخ مبادئها وقيمها سواء عن طريق تطبيق مناهجها وعملياتها الداخلية أو في علاقتها مع الفاعلين الآخرين، فهي بمثابة مبادرة طوعية تحتل فيها المقاولات مركزا رئيسيا وتتعلق بأنشطة تتجاوز مجرد احترام القانون".6
فمن خلال هذا التعريف يتضح أن من سمات المسؤولية الإجتماعية للمقاولات، هي طبيعتها التطوعية، أي أن المقاولة لا تكتفي فقط باحترام القانون وإنما القيام بأنشطة تتجاوز ذلك، ومن ثم يمكن القول أن مفهوم المسؤولية الإجتماعية أشمل من مفهوم المقاولة المواطنة على اعتبار أن هذه الأخيرة تكتفي فقط بما يلزمها به القانون، في حين أن المقاولة الإجتماعية هي تطوع ومشاركة في التنمية بأعمال اجتماعية وبيئية تساهم في تحسين ظروف عيش الإنسان.
أولا : كون المسؤولية الإجتماعية جزء لا يتجزأ من تدبير المقاولات
حيث يستوجب تنظيم المقاولة باعتباره فضاء لعلاقات الشغل تدبيرا معقلنا واختيارا لأفضل الأساليب والتقنيات من أجل التشغيل المنتج والأكثر مردودية كما أن بيئة الشغل تتطلب تنظيما ملائما يسمح بتوليد الطاقات الإنتاجية للشغل.
وباعتبار المسؤولية الإجتماعية مسؤولية المقاولة عن تأهيل العمال وضمان تكوينهم وحمايتهم فإن ذلك يتطلب تدبيرا فعالا خاصة ونحن نعلم أن المقاولة وحرية التدبير مفهومان متلازمان.7
ثانيا : ارتباطها بمفهوم التنمية المستدامة
لقد عرفت اللجنة العالمية للبيئة والتنمية (لجنة برونتلاند) التنمية المستدامة بأنها "التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون الانتقاص من قدرات الأجيال القادمة على الوفاء باحتياجاتها".8
ويرتكز مبدأ التنمية المستدامة في الواقع أربع مبادئ أساسية :
ثالثا : الطبيعة التطوعية للمسؤولية الإجتماعية
تتبنى المقاولات بصفة تطوعية سلوكا مسؤولا من الناحية الإجتماعية يتجاوز مجرد التزاماتها القانونية.
فالمسؤولية الإجتماعية للمقاولة هي مسؤولية إرادية مبنية على النية الحسنة للمقاولة تجاه العمال وتجاه باقي الشركاء، لذلك فإنها في الغالب ليست إجبارية وذلك على الأقل في المرحلة الأولى، ولكن في المستقبل القريب ستصبح إجبارية خاضعة لنصوص قانونية كما بدأ العمل بذلك في العديد من الدول الأوروبية –فرنسا-.
رابعا : من خصائصها أيضا أن أطراف علاقات الشغل لم تعد محصورة على العمال والنقابات وإنما ستصبح أطراف أخرى معنية وهي :
باعتبار المسؤولية الإجتماعية للمقاولة هي المسؤولية التي تضع على عاتق المقاولة القيام بمجموعة من الأنشطة تجاه المجتمع، وهي أنشطة لا تقف فقط عند احترام القانون، فإن ذلك يجعلنا نتساءل عن أساسها ؟
فالحوار الاجتماعي هو وسيلة الإنسان للتواصل والتفاهم والاتفاق، وهو في ميدان العلاقات المهنية جوهر الديمقراطية الإجتماعية وأدائها، إذ يجسد سعي الأطراف الثلاثة من حكومة ومنظمات نقابية ومنظمات أرباب العمل من أجل الوصول إلى اتفاق يتجاوز تلك الخلافات والتناقضات الظاهرة، بهدف تأمين السلم الاجتماعي، ومن ثم فقد أصبح من الضروري التفكير في مقاربة قانونية ومؤسساتية ووفق مقاربات متجددة في مجال الشغل والعلاقات المهنية تعطي للحوار الاجتماعي دوره في أن يشكل عنصرا أساسيا في بلورة هذه المقاربات في اتجاه تحقيق الأمن والسلم الاجتماعيين للمقاولة ولمحيطها.9
فمن باب المقارنة، نجد أن بعض الدول اعتادت على المفاوضة الجماعية –إذ أن الحوار الاجتماعي يعتمد مرجعية المفاوضة الجماعية كأساس- كأسلوب لتحديد شروط وظروف الشغل والتشغيل فيها، ولتنظيم العلاقة بين أطراف الإنتاج، بحيث أنها أصبحت في غير حاجة إلى التدخل بمقتضى نصوص التشريع، أي أنها انتقلت من قانون الشغل المفروض إلى قانون الشغل المتفاوض بشأنه.10
فبالرغم من اعتبار الميزة الأساسية للقواعد القانونية في قانون الشغل، تشكل حدا أدنى من الضمان والحماية، لا يمكن للقواعد الاتفاقية أو التعاقدية أن تنزل عنه، فإنها على العكس من ذلك يمكن أن تتضمن مقتضيات أكثر فائدة للأجراء، وهذا ما رسخته مدونة الشغل في المادة 11 والتي جاء فيها : "لا تحول أحكام هذا القانون دون تطبيق مقتضيات الأنظمة الأساسية، أو عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي أو ما جرى عليه العرف من أحكام أكثر فائدة للأجراء".
لكن التساؤل الذي يبقى مطروحا هو ما مغزى المشرع المغربي من مبدأ تطبيق المقتضيات الأفيد للأجير المنصوص عليها في المادة أعلاه، وهل من الممكن القول أن مقتضياته تدخل ضمن أنشطة المسؤولية الإجتماعية أم أنها لا ترقى إلى حدود أبعادها ؟
بداية يمكن القول، أن مبدأ تطبيق المقتضيات الأفيد للأجير هو تعبير عن مدى العناية التي يبديها قانون الشغل للأجراء، وقد اقتبس من النظرية المسماة بـ"المزايا المكتسبة" والتي تطورت بمناسبة تعاقب الاتفاقيات الجماعية من حيث الزمان، فهي من الأفكار الخاصة بقانون الشغل والتي تبين بوضوح طابعه الاجتماعي، ومن ثم يمكن القول أن لعبارة المنفعة أو لقاعدة الأحكام الأكثر فائدة للأجير. مفهوما مستقلا في قانون الشغل لأن هذا الأخير لم يعرفها وتركها للقضاء والفقه،11 وذلك تبعا للحالات المتعددة التي تندرج ضمنها والتي قد تصل إلى حد القول أنها نفس أبعاد المسؤولية الإجتماعية خاصة المتعلقة منها بالمنح والمكافئات... والتي لن تتأتى بطبيعة الحال إلا بالاقتناع الأكيد للفرقاء الاجتماعيين بأن المفاوضة الجماعية هي أهم وسيلة لتحقيق السلم الاجتماعي.
فنجاح نشاط المقاولة يرجع في الجزء الأكبر منه إلى الإنسان الذي يعمل داخل هذه المنشأة، ومن ثم فمن اللازم الإدارة أن تسعى دائما لتحقيق متطلبات العلاقات الإنسانية الطيبة بين جميع الأفراد العاملين فيها طبقا لأحدث الأسس العلمية للعلوم الإنسانية والنفسية والإجتماعية والإدارية، والمقاولة الناجحة هي التي تعتمد على تنظيم فني سليم يشمل إعداد الوسائل المادية للإنتاج وتنظيم اجتماعي إنساني جيد يوفر بيئة شغل سليمة كما يجب على الإدارة أيضا ألا تقصر عنايتها على أحوال العمل المادية، وإنما أن تأخذ بعين الاعتبار الروح المعنوية للأجراء.12
ويستلزم تحقيق هاته النتائج ضرورة توفير تدبير مقاولاتي يشمل دراسة عوامل الاختلاف الكوني، وتحديد مفاتيح المنافسة الملائمة والمخاطر التي تهدد المقاولة، بالإضافة إلى وضع إستراتيجية للتنمية تعتمد على رؤية واضحة للأغراض المزمع تحقيقها، علاوة على اعتماد الحكامة المقاولاتية بقصد تحديث بنياتها الداخلية و القطع مع الممارسات التقليدية بغية تجاوز ما يصطلح عليه بالمقاولات العائلية، واعتمد مقاولات وفق أسس تستطيع مواكبة التحديث ومجاراة عولمة السوق المغربي، وهذا هو الهدف الذي من أجله وضعت المسؤولية الإجتماعية باعتبارها تشريف للمقاولة وإبعاد للمقولة الرائجة أنها مقاولة منغلقة أو عائلية.13
فالمقاولات على اختلاف طبيعة أنشطتها تسعى إلى تحقيق الأداء الاقتصادي الذي يهدف إلى تعظيم أرباحها، إلا أنها سعيا لذلك تحدث مجموعة من الآثار السلبية على البيئة (التلوث، استنزاف الموارد الطبيعية...)، وعلى المجتمع بالاستغلال غير العقلاني لليد العاملة خاصة من قبل المقاولات الكبرى مما يترتب عنه أثار سلبية على الأجراء والأمن والصحة.
فبالرغم من تعدد تعاريف المسؤولية الإجتماعية كما سبق وأشرنا لذلك، إلا أنها تدور كلها على ركائز أساسية يجب مراعاتها وهي :14
أما عن البعد الاجتماعي، فيقصد به النشاط الذي يهدف إلى تعظيم المساهمة الإجتماعية للمقاولة (تلك المساهمة التي يجب أن يتحقق منها العائد للمجتمع)، على اعتبار أن المقاولة جزء من المجتمع الذي تزاول فيه نشاطها وبنياتها لترويج منتجاتها ومصدر مدخلاتها.
فالحديث عن الجانب الاجتماعي مسؤولية المقاولة، هو الحديث عن التزاماتها اتجاه المجتمع، ومن تم يجب عليها أن تأخذ في الحسبان كل الظروف وكذا التحديات التي تواجهه، ولاشك أن المسؤولية الإجتماعية تعد حجر الزاوية وأداة مهمة للتخفيف من سيطرة العولمة الإقتصادية وجموحها، حيث يمثل القطاع الخاص والشركات الجزء الأكبر والأساسي في النظام الاقتصادي الوطني.
وعليه، فإن الصلة بين البيئة والتنمية لن تكون وطيدة إلا في إطار المنظومة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، ولن تتحقق التنمية وتسلم البيئة إلا في ظل استقرار سياسي ونمو اقتصادي ورفاه اجتماعي وتطور ثقافي وحضاري باعتبارها من الأبعاد الشمولية للتنمية المستدامة.19
فهذا المصطلح –التنمية المستدامة- ظهر لأول مرة عام 1987 في تقرير "بروتلاند" الذي نشرته اللجنة العالمية للبيئة والتنمية تحت اسم "مستقبلنا المشترك" والذي طرح مفهوما جديدا للتنمية يهدف إلى الاستعمال العقلاني للموارد الطبيعية وانتهاج سلوك وقائي ضد كل أنواع الاعتداءات البيئية.
ويعكس مفهوم التنمية المستدامة التطور الحاصل في مفهوم التنمية الذي شهد جدلا واسعا بحيث في عقد التنمية الأول الذي تبنته الأمم المتحدة (1960-1970) اقترن مفهوم التنمية بالنمو الاقتصادي وفق مؤشرات ترتكز أغلبها على اعتبارات اقتصادية محضة، وفي العقد الثاني للتنمية (1970-1980) اكتسب مفهوم التنمية أبعادا اجتماعية وسياسية وثقافية إلى جانب البعد الاقتصادي، فأصبح مفهوم التنمية لا يعني النمو الاقتصادي فحسب، وإنما يشمل إحداث تغييرات هيكلية في المتغيرات السياسية والثقافية التي تسود المجتمع، وخلال عقد التنمية الثالث (1980-1990) اكتسب مفهوم التنمية بعدا حقوقيا وديمقراطيا يتمثل في المشاركة السياسية والشعبية في اتخاذ القرارات التنموية.
لكن سرعان ما استحوذ موضوع التنمية المستدامة على اهتمام العالم من جديد منذ أن طرح في "قمة الأرض" أثناء انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الثاني للبيئة والتنمية بروديجانيرو البرازيلية عام 1999، حيث يبقى أهم ما صدر عن هذا المؤتمر هو جدول أعمال القرن 21-21 Agenda- وهي مخطط عمل يوضح كيفية تطبيق التنمية المستدامة بكافة جوانبها الإقتصادية والإجتماعية والبيئية.
واستمرت النقاشات الدولية بخصوص التنمية المستدامة، حيث انعقد في عام 2002 أهم مؤتمر دولي في "جوهانسبورغ" والذي حاول استعراض أهم التحديات والفرص التي يمكن أن تؤثر في تحقيق التنمية المستدامة، وتقويم التقدم المحرز في تنفيذ أعمال (أجند) القرن 21 -21Agenda-، وصدر عن القمة خطة عمل أطلق عليها اسم "خطة جوهانسبورغ" والتي تستهدف الإسراع في تنفيذ ما تبقى من الأهداف والأنشطة الواردة في جدول أعمال القرن 21، وذلك بالعمل على كافة المستويات في إطار التعاون الدولي والإقليمي، مع مراعاة العمل على تخفيف وطأة الفقر وتغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدام وحماية الموارد الطبيعية، بوصفها أهدافا مشتركة لتحقيق التنمية المستدامة.
لذا فالتوجهات البيئية الدولية من خلال المؤتمرات السابقة الذكر، تؤشر على بداية توجه اقتصادي جديد قائم على أساس بيئي يراعي الانشغالات البيئة في مساراته التنموية ويعمل على تحقيق الاستدامة البيئية والإقتصادية والإجتماعية، حيث يمكن أن نطلق على هذا التوجه الجديد مصطلح الاقتصاد المستدام أو الأخضر، إذ أضحت كافة الأطراف الإقتصادية ملزمة بالانخراط في هذا التوجه المسؤول من خلال تحسين أدائها.
لكن ما يجب التأكيد عليه أنه من الصعب على الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني تحقيق التنمية المستدامة بشكل متكامل، خاصة تلك التي تمس مختلف الشرائح الشيء الذي يفرض تعزيز الشراكة بين مختلف الأطياف عبر تبني إستراتيجية المسؤولية الإجتماعية.
في هذا الصدد يمكن أن القول أن من مزايا المسؤولية الإجتماعية ما يلي :
تسهيل الحصول على الائتمان البنكي : إذ نجد مثلا أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب قام بمفاوضات مع مجموعة من المؤسسات من أجل تسهيل الإجراءات ومنح الائتمان للمقاولة المسؤولة اجتماعيا، وقد توجت هذه المفاوضات بتوقيع اتفاقات مع كل من البنك المغربي للتجارة والصناعة، ومؤسسة القرض الفلاحي ومجموعة البنك الشعبي.
تحسين سمعة المقاولة : والتي تنبني على أساس الكفاءة في الأداء، والنجاح في تقديم الخدمات والثقة المتبادلة بين المقاولات وأصحاب المصالح ومستوى الشفافية الذي تتعامل به هذه المقاولات ومدى مراعاتها للاعتبارات البيئية واهتمامها بالاستثمار البشري. ولا بأس أن نستحضر هنا مثالا دراميا استطاعت فيه السمعة الجيدة أن تحمي "ماكدونالدز" باعتبارها مقاولة اجتماعية، خلال أعمال الشغب التي حدثت في لوس أنجلوس سنة 1992، حيث قال مدير ماكدونالدز التنفيذيون : "إن جهود الشركة في سبيل علاقتها بالمجتمع من خلال برنامجها المسمى "كاكن روناك ماكدونالدز" وانخراطها في تنمية وتطوير فرص الموظفين أكسب الشركة سمعة قوية لدرجة أن مرتكبي أعمال الشغب رفضوا أن يمسوا منافذها بسوء، في حين تسببت أعمال النهب والتخريب في إحداث أضرار جسيمة في منشآت الأعمال التجارية في المنطقة، فقد نجت جميع المطاعم الستين الحائزة على امتياز ماكدونالدز ولم تصب بأي أذى.23
استقطاب أكفأ العناصر البشرية حيث يمثل التزام المقاولة بمسؤوليتها اتجاه المجتمع الذي تعمل به عنصر جذب أمام العناصر البشرية المتميزة خاصة بالنسبة للمقاولات عابرة القارات أو كبرى المقاولات المحلية التي تعمل في مجالات متخصصة وتستخدم تكنولوجية حديثة.
إن العبرة بخواتم الأمور والختام مسك...
لذا حاولنا أن تكون خاتمة هذا المقال المتواضع مسكا له يجعلها تختزل عصارته.
فلقد اتضح لنا بجلاء مدى الغموض الذي ما زال يكتنف مفهوم المسؤولية الإجتماعية للمقاولة انطلاقا من أساسها وأبعادها، إلا أن ذلك لا يمنعنا من القول أن مسؤولية المقاولة اجتماعيا لا تنحصر في خدمة أجرائها وعمالها فقط، بل هي مسؤولية اتجاه المجتمع المحيط، إذ بات واضحا أن العمليات التي تقوم بها المقاولات ينتج عنها آثارا خارجية كثيرة تتسبب في إحداث مشاكل واختلالات بيئية على وجه الخصوص، لذلك وجب الاهتمام بمفهوم التنمية الإقتصادية والتي تأخذ بعين الاعتبار القيود البيئية والإجتماعية لنشاطات المقاولات.
والجدير بالذكر أنه في إطار هذا المقال اقتصرنا على الإطار المفاهيمي للمسؤولية الإجتماعية لعل وعسى نساهم في توضيح الرؤيا للقارئ الكريم، على أن نقوم إن شاء الله تعالى بمحاولة للحديث عن واقع المقاولة المغربية وعلاقتها بالمسؤولية الإجتماعية في مقال لاحق.
وأخيرا فإذا كانت هناك محاسن قد يشهد له بها إنصافا فإنها ثمرة حلمنا وسعة صدرنا وتشبعنا بالإيمان في البذل والعطاء للآخر وإن اكتنفه نقص من غير تقصير ولا تفريط من لدنا فهو من طبيعة أي عمل بشري.
المراجع المعتمدة :
لم يعد تقييم المقاولات يعتمد على رقم الأعمال الذي تحققه فحسب، ولم تعد كذلك تعتمد في بناء سمعتها على مراكزها المالية فقط، بل ظهرت مفاهيم حديثة تساعد على خلق بيئة عمل قادرة على التعامل مع التطورات المتسارعة في الجوانب الإقتصادية والتكنولوجية والإدارية عبر أنحاء العالم، وكان أبرز هذه المفاهيم مفهوم المسؤولية الإجتماعية للمقاولة.
فالقول التقليدي أن المقاولة ليست مسؤولة إلا أمام أصحابها، ربما لم يعد مقبولا في عالم اليوم، عالم يتسم بتشابك العلاقات والمصالح، عالم يتيح للمستهلكين خيارات عديدة ويبحث فيه المستثمرون عن توفير الإستقرار والأمن لاستثماراتهم.
لكن في واقع الأمر أنه وإن كان مفهوم المسؤولية الإجتماعية للمقاولة من المفاهيم الحديثة والتي حظيت باهتمام دولي محض، فإنه ما زال يكتنفه غموض وعدم دراية لتحديده بشكل دقيق، وذلك نظرا لطابعه المتعدد الأبعاد الذي يخلق أحيانا بعض اللبس في علاقة المسؤولية الإجتماعية بالتنمية المستدامة وبالاقتصاد الأخضر.
هذا ما سنحاول إنشاء الله الوقوف على معالجته وذلك وفق المنهج الآتي :
المبحث الأول : ماهية المسؤولية الإجتماعية
المبحث الثاني : الطابع المتعدد الأبعاد للمسؤولية الإجتماعية
المبحث الأول : ماهية المسؤولية الإجتماعية
أصبح الإهتمام بالمسؤولية الإجتماعية مطلب أساسيا للحد من كل أشكال التهميش والتمييز بين أفراد المجتمع، وكذا توفير بيئة ملائمة والرفع من القدرات البشرية.فالتعاريف والمفاهيم المعطاة للمسؤولية الإجتماعية كثيرة، وذلك سواء على المستوى الدولي أو الوطني، إلا أن قاسمها المشترك –أي التعاريف- يتجلى في تلك الأبعاد والمعايير التي تقوم على أساسها مسؤولية المقاولة، والتي تتضمن مستويات العمل، وحقوق الإنسان، والتعليم والصحة والطفولة، والقضاء على الفقر –ولو بشكل نسبي-، والتأثير البيئي.
فما هو مفهوم المسؤولية الإجتماعية للمقاولة (المطلب الأول)، وما هو الأساس الذي تقوم عليه (المطلب الثاني).
المطلب الأول : مفهوم المسؤولية الإجتماعية
كما سبقت الإشارة، فإن تحديد مفهوم المسؤولية الإجتماعية عرف نقاشا حادا، لم يعرف الإستقرار بعد، وإن كانت جل التعاريف في هذا الصدد لا تختلف إلا من حيث الصياغة فقط (الفقرة الأولى)، أما من حيث المضمون فإنها تعرف نوعا من التشابه بتركيزها على الطبيعة التطوعية، وهي خاصية من أبرز خصائص المسؤولية الإجتماعية (الفقرة الثانية).الفقرة الأولى : تعريف المسؤولية الإجتماعية
المسؤولية الإجتماعية !! مفهوم قد يبدو لأول وهلة بالغريب خصوصا في الوقت احاضإن تحديد مفهوم المسؤولية الإجتماعية للمقاولة قد يبدو صعبا لكونه مفهوما حديثا بالمقارنة مع الأنواع العديدة من المسؤوليات والتي ألفنا الحديث عنها من قبيل المسؤولية الأخلاقية والأدبية، المدنية ثم الجنائية، كما أنه في إطار قانون الشغل ألفنا الحديث عن نوع واحد ألا وهو المسؤولية القانونية لصاحب العمل أو العمال.1
أما عبارة "الإجتماعية"، فهو مصطلح واسع وفضفاض يوحي إلى معالجة القضايا الإجتماعية للمجتمع برمته.
وفي هذا الصدد نجد أن البعض3 ذهب إلى القول أنه كان من الأجدر تسميتها بالمسؤولية المجتمعية "Sociétal" أو إضافة عبارة البيئية "environnemental" إلى عبارة الإجتماعية، ومن ثم القول "المسؤولية الإجتماعية والبيئية للمقاولة"، خاصة وأن عبارة "Social" في فرنسا مثلا توحي مباشرة إلى كل ما يربط العلاقة بين الأجير والمؤاجر فقط، وهو ما يتنافى وأبعاد المسؤولية الإجتماعية.
هذا وقد حظي تعريف المسؤولية الإجتماعية باهتمام فقهي حاد، نتج عنه تعدد على مستوى المفاهيم والتي هي ناتجة بدورها عن تعدد الوظائف والمشاريع التي تقوم بها المقاولة الإجتماعية خاصة منها المتعلقة بالاقتصاد والتدبير.
فقد ذهب الأستاذ سليمان محمد مصطفى إسماعيل في كتابه "معلومات المحاسبة الإجتماعية في القوائم المالية" إلى القول "أن المسؤولية الإجتماعية تعني فيما تعنيه أن لا تكتفي المقاولة باستغلال الموارد المتاحة لها بما تخدم مصالحها الإقتصادية، بل إن مسؤوليتها يجب أن تمتد إلى مواجهة المتطلبات الإجتماعية أيضا".4
والملاحظ بخصوص هذا المفهوم أن الأستاذ محمد مصطفى إسماعيل جعل الجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي وجهان لعملة واحدة سينعكسان إيجابا على نشاط المقاولة، ومن ثم فلا ينبغي وضعهما –أي الجانب الاقتصادي والاجتماعي- كعنصرين متنافسين لكونهما ليس بمجالين مستقلين، بل هما مجال واحد يرى من زوايا مختلفة.
في حين ذهب البعض إلى تصنيف المجالات التي تدخل في تحديد معنى المسؤولية الإجتماعية وفق رأيين :
الرأي الأول : يرى أن وجود إلزام قانوني للقيام بالنشاط يعد معيارا أساسيا في التفرقة بين النشاط الاقتصادي والنشاط الاجتماعي للمقاولة، ومن ثم يعرف هذا الاتجاه المسؤولية الإجتماعية على أنها : "الأنشطة التي تقوم الشركة بتنفيذها اختياريا".
أما الرأي الثاني : فيرى مؤيدوه أن المسؤولية الإجتماعية للمقاولة تشمل كل الأنشطة ذات الطابع الاجتماعي بغض النظر عما إذا كانت المقاولة ملزمة بها أم لا، وسواء أكان ذلك استجابة لمطالب المجتمع أم لإدراك إدارة المقاولة وتجاوبها مع المشكلات الإجتماعية.5
والملاحظ بخصوص هذه التعاريف أن أنصار الرأي الأول ينظرون إلى المسؤولية الإجتماعية من زاوية ضيقة، حيث اعتمدوا تدخل القانون من عدمه للحكم على طبيعة النشاط ما إذا كان اجتماعيا أم لا، وأهملوا طبيعة النشاط نفسه الذي تؤديه المقاولة، كما يلاحظ أن هناك ازدواجية في الحكم على النشاط مثل قيام المقاولة بالتخلص من مخلفتها ,حيث في هده الحالة يكون نشاطا إجتماعيا بحثا,أما إدا تم أداؤه بإلزام قانوني يكون نشاطا اقتصاديا، و العكس صحيح،
وبالرغم من محاولة العديد من الفاعلين صياغة تعريف خاص للمسؤولية الإجتماعية للمقاولات فإن التعريف الأكثر قبولا هو التعريف الذي قدمته مؤخرا منظمة العمل الدولية مفاده : "أن المسؤولية الإجتماعية للمقاولة تترجم الطريقة التي من خلالها، تأخذ المقاولات في الاعتبار آثار أنشطتها على المجتمع، وترسيخ مبادئها وقيمها سواء عن طريق تطبيق مناهجها وعملياتها الداخلية أو في علاقتها مع الفاعلين الآخرين، فهي بمثابة مبادرة طوعية تحتل فيها المقاولات مركزا رئيسيا وتتعلق بأنشطة تتجاوز مجرد احترام القانون".6
فمن خلال هذا التعريف يتضح أن من سمات المسؤولية الإجتماعية للمقاولات، هي طبيعتها التطوعية، أي أن المقاولة لا تكتفي فقط باحترام القانون وإنما القيام بأنشطة تتجاوز ذلك، ومن ثم يمكن القول أن مفهوم المسؤولية الإجتماعية أشمل من مفهوم المقاولة المواطنة على اعتبار أن هذه الأخيرة تكتفي فقط بما يلزمها به القانون، في حين أن المقاولة الإجتماعية هي تطوع ومشاركة في التنمية بأعمال اجتماعية وبيئية تساهم في تحسين ظروف عيش الإنسان.
الفقرة الثانية : خصائص المسؤولية الإجتماعية
للمسؤولية الإجتماعية للمقاولة خصائص كثيرة ومتعددة سنقتصر على أهمها كالآتي :أولا : كون المسؤولية الإجتماعية جزء لا يتجزأ من تدبير المقاولات
حيث يستوجب تنظيم المقاولة باعتباره فضاء لعلاقات الشغل تدبيرا معقلنا واختيارا لأفضل الأساليب والتقنيات من أجل التشغيل المنتج والأكثر مردودية كما أن بيئة الشغل تتطلب تنظيما ملائما يسمح بتوليد الطاقات الإنتاجية للشغل.
وباعتبار المسؤولية الإجتماعية مسؤولية المقاولة عن تأهيل العمال وضمان تكوينهم وحمايتهم فإن ذلك يتطلب تدبيرا فعالا خاصة ونحن نعلم أن المقاولة وحرية التدبير مفهومان متلازمان.7
ثانيا : ارتباطها بمفهوم التنمية المستدامة
لقد عرفت اللجنة العالمية للبيئة والتنمية (لجنة برونتلاند) التنمية المستدامة بأنها "التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون الانتقاص من قدرات الأجيال القادمة على الوفاء باحتياجاتها".8
ويرتكز مبدأ التنمية المستدامة في الواقع أربع مبادئ أساسية :
- التداخل القائم بين ما هو اقتصادي وبيئي.
- الانشغال بالمستقبل على المدى البعيد.
- الوعي بضرورة تحقيق العدالة فيما بين الأجيال.
- الاحتياط من خطورة السياسات التنموية على البيئة.
ثالثا : الطبيعة التطوعية للمسؤولية الإجتماعية
تتبنى المقاولات بصفة تطوعية سلوكا مسؤولا من الناحية الإجتماعية يتجاوز مجرد التزاماتها القانونية.
فالمسؤولية الإجتماعية للمقاولة هي مسؤولية إرادية مبنية على النية الحسنة للمقاولة تجاه العمال وتجاه باقي الشركاء، لذلك فإنها في الغالب ليست إجبارية وذلك على الأقل في المرحلة الأولى، ولكن في المستقبل القريب ستصبح إجبارية خاضعة لنصوص قانونية كما بدأ العمل بذلك في العديد من الدول الأوروبية –فرنسا-.
رابعا : من خصائصها أيضا أن أطراف علاقات الشغل لم تعد محصورة على العمال والنقابات وإنما ستصبح أطراف أخرى معنية وهي :
- المجتمع المدني.
- الهيئات المحلية.
- الزبناء.
المطلب الثاني: أساس المسؤولية الإجتماعية
باعتبار المسؤولية الإجتماعية للمقاولة هي المسؤولية التي تضع على عاتق المقاولة القيام بمجموعة من الأنشطة تجاه المجتمع، وهي أنشطة لا تقف فقط عند احترام القانون، فإن ذلك يجعلنا نتساءل عن أساسها ؟
الفقرة الأولى : الحوار الاجتماعي والمسؤولية الإجتماعية
إن مسار المسؤولية الإجتماعية للمقاولة متوقف على مدى اهتمام المنظمات النقابية وهيئات المجتمع المدني بالسياسة الإجتماعية والبيئية داخل الدولة، ذلك أن المقاولة وحدها لا يمكن لها أن تقوم بكل شيء في المجال الاجتماعي ولا في المجال البيئي، بل لابد من شركاء أي محاورين أو مفاوضين يرصدون مواقع تدهور البيئة وعوامل ذلك ومظاهر واختلالات التوازن الاجتماعي في ميدان العلاقات المهنية.فالحوار الاجتماعي هو وسيلة الإنسان للتواصل والتفاهم والاتفاق، وهو في ميدان العلاقات المهنية جوهر الديمقراطية الإجتماعية وأدائها، إذ يجسد سعي الأطراف الثلاثة من حكومة ومنظمات نقابية ومنظمات أرباب العمل من أجل الوصول إلى اتفاق يتجاوز تلك الخلافات والتناقضات الظاهرة، بهدف تأمين السلم الاجتماعي، ومن ثم فقد أصبح من الضروري التفكير في مقاربة قانونية ومؤسساتية ووفق مقاربات متجددة في مجال الشغل والعلاقات المهنية تعطي للحوار الاجتماعي دوره في أن يشكل عنصرا أساسيا في بلورة هذه المقاربات في اتجاه تحقيق الأمن والسلم الاجتماعيين للمقاولة ولمحيطها.9
فمن باب المقارنة، نجد أن بعض الدول اعتادت على المفاوضة الجماعية –إذ أن الحوار الاجتماعي يعتمد مرجعية المفاوضة الجماعية كأساس- كأسلوب لتحديد شروط وظروف الشغل والتشغيل فيها، ولتنظيم العلاقة بين أطراف الإنتاج، بحيث أنها أصبحت في غير حاجة إلى التدخل بمقتضى نصوص التشريع، أي أنها انتقلت من قانون الشغل المفروض إلى قانون الشغل المتفاوض بشأنه.10
فبالرغم من اعتبار الميزة الأساسية للقواعد القانونية في قانون الشغل، تشكل حدا أدنى من الضمان والحماية، لا يمكن للقواعد الاتفاقية أو التعاقدية أن تنزل عنه، فإنها على العكس من ذلك يمكن أن تتضمن مقتضيات أكثر فائدة للأجراء، وهذا ما رسخته مدونة الشغل في المادة 11 والتي جاء فيها : "لا تحول أحكام هذا القانون دون تطبيق مقتضيات الأنظمة الأساسية، أو عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي أو ما جرى عليه العرف من أحكام أكثر فائدة للأجراء".
لكن التساؤل الذي يبقى مطروحا هو ما مغزى المشرع المغربي من مبدأ تطبيق المقتضيات الأفيد للأجير المنصوص عليها في المادة أعلاه، وهل من الممكن القول أن مقتضياته تدخل ضمن أنشطة المسؤولية الإجتماعية أم أنها لا ترقى إلى حدود أبعادها ؟
بداية يمكن القول، أن مبدأ تطبيق المقتضيات الأفيد للأجير هو تعبير عن مدى العناية التي يبديها قانون الشغل للأجراء، وقد اقتبس من النظرية المسماة بـ"المزايا المكتسبة" والتي تطورت بمناسبة تعاقب الاتفاقيات الجماعية من حيث الزمان، فهي من الأفكار الخاصة بقانون الشغل والتي تبين بوضوح طابعه الاجتماعي، ومن ثم يمكن القول أن لعبارة المنفعة أو لقاعدة الأحكام الأكثر فائدة للأجير. مفهوما مستقلا في قانون الشغل لأن هذا الأخير لم يعرفها وتركها للقضاء والفقه،11 وذلك تبعا للحالات المتعددة التي تندرج ضمنها والتي قد تصل إلى حد القول أنها نفس أبعاد المسؤولية الإجتماعية خاصة المتعلقة منها بالمنح والمكافئات... والتي لن تتأتى بطبيعة الحال إلا بالاقتناع الأكيد للفرقاء الاجتماعيين بأن المفاوضة الجماعية هي أهم وسيلة لتحقيق السلم الاجتماعي.
الفقرة الثانية : المقاربة الإدارية والتنظيمية للمقاولة
جدير بالذكر أن المسؤولية الإجتماعية ذات طبيعة تطوعية، لذلك فالالتزام بمقتضياتها مبني على إرادة إدارة المقاولة، والتي تعتبر المحرك الأساسي لنشاط المقاولة والمتحكم في زمام التسيير والتدبير.فنجاح نشاط المقاولة يرجع في الجزء الأكبر منه إلى الإنسان الذي يعمل داخل هذه المنشأة، ومن ثم فمن اللازم الإدارة أن تسعى دائما لتحقيق متطلبات العلاقات الإنسانية الطيبة بين جميع الأفراد العاملين فيها طبقا لأحدث الأسس العلمية للعلوم الإنسانية والنفسية والإجتماعية والإدارية، والمقاولة الناجحة هي التي تعتمد على تنظيم فني سليم يشمل إعداد الوسائل المادية للإنتاج وتنظيم اجتماعي إنساني جيد يوفر بيئة شغل سليمة كما يجب على الإدارة أيضا ألا تقصر عنايتها على أحوال العمل المادية، وإنما أن تأخذ بعين الاعتبار الروح المعنوية للأجراء.12
ويستلزم تحقيق هاته النتائج ضرورة توفير تدبير مقاولاتي يشمل دراسة عوامل الاختلاف الكوني، وتحديد مفاتيح المنافسة الملائمة والمخاطر التي تهدد المقاولة، بالإضافة إلى وضع إستراتيجية للتنمية تعتمد على رؤية واضحة للأغراض المزمع تحقيقها، علاوة على اعتماد الحكامة المقاولاتية بقصد تحديث بنياتها الداخلية و القطع مع الممارسات التقليدية بغية تجاوز ما يصطلح عليه بالمقاولات العائلية، واعتمد مقاولات وفق أسس تستطيع مواكبة التحديث ومجاراة عولمة السوق المغربي، وهذا هو الهدف الذي من أجله وضعت المسؤولية الإجتماعية باعتبارها تشريف للمقاولة وإبعاد للمقولة الرائجة أنها مقاولة منغلقة أو عائلية.13
المبحث الثاني: الطابع المتعدد الأبعاد للمسؤولية الإجتماعية
إذا كانت المسؤولية الإجتماعية للمقاولة تنبني أساسا على الطبيعة التطوعية في القيام بأنشطة لا تقتصر فقط على مجرد احترام القانون، فإنها نتيجة لذلك ترتكز على مجموعة من الأبعاد يمكن إجمالها في البعد البيئي والاقتصادي والاجتماعي، وهي نفسها أبعاد التنمية المستدامة وإن كانت هذه الأخيرة أشمل وأوسع من حيث نطاقها (المطلب الأول)، فالمقاولة تسعى إلى إدراج هاته الأبعاد ضمن أنشطتها الداخلية والخارجية على حد سواء، مما يعود عليها وعلى المجتمع بمزايا يكون هدفها الأول هو تحقيق السلم والإستقرار الاجتماعيين (المطلب الثاني).المطلب الأول : ركائز المسؤولية الإجتماعية وعلاقتها بالتنمية المستديمة
سنتطرق في إطار هذا المطلب للحديث عن ركائز المسؤولية الإجتماعية أولا، ثم توضيح علاقة هذه المسؤولية بالتنمية المستديمة ثانيا.الفقرة الأولى : ركائز المسؤولية الإجتماعية
لقد تجاوزت المسؤولية الإجتماعية للمقاولة صفة العطاء العشوائي الغير المنظم والغير محدد الهدف، وأصبح لها دور تنموي والذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من نشاطاتها.فالمقاولات على اختلاف طبيعة أنشطتها تسعى إلى تحقيق الأداء الاقتصادي الذي يهدف إلى تعظيم أرباحها، إلا أنها سعيا لذلك تحدث مجموعة من الآثار السلبية على البيئة (التلوث، استنزاف الموارد الطبيعية...)، وعلى المجتمع بالاستغلال غير العقلاني لليد العاملة خاصة من قبل المقاولات الكبرى مما يترتب عنه أثار سلبية على الأجراء والأمن والصحة.
فبالرغم من تعدد تعاريف المسؤولية الإجتماعية كما سبق وأشرنا لذلك، إلا أنها تدور كلها على ركائز أساسية يجب مراعاتها وهي :14
- الحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي (البري والبحري والجوي).
- زيادة الأرباح المادية (العائد الاقتصادي) وتقليل التكاليف، وتوفير استخدام الموارد العامة وتقليل المخاطر على سلسلة القيمة المضافة.
- خدمة ومساعدة المجتمع المحيط، وكذا احترام حقوق الإنسان، ومراعاة الجانب الأخلاقي بالتزام الشفافية والحكم الرشيد.
أما عن البعد الاجتماعي، فيقصد به النشاط الذي يهدف إلى تعظيم المساهمة الإجتماعية للمقاولة (تلك المساهمة التي يجب أن يتحقق منها العائد للمجتمع)، على اعتبار أن المقاولة جزء من المجتمع الذي تزاول فيه نشاطها وبنياتها لترويج منتجاتها ومصدر مدخلاتها.
فالحديث عن الجانب الاجتماعي مسؤولية المقاولة، هو الحديث عن التزاماتها اتجاه المجتمع، ومن تم يجب عليها أن تأخذ في الحسبان كل الظروف وكذا التحديات التي تواجهه، ولاشك أن المسؤولية الإجتماعية تعد حجر الزاوية وأداة مهمة للتخفيف من سيطرة العولمة الإقتصادية وجموحها، حيث يمثل القطاع الخاص والشركات الجزء الأكبر والأساسي في النظام الاقتصادي الوطني.
الفقرة الثالثة : المسؤولية الإجتماعية والتنمية المستدامة
إن السعي وراء تحقيق تنمية مستدامة يتطلب اعتماد أساليب وطرق من شأنها تجاوز الأخطاء والهفوات التي كانت وراء إجهاض مسلسلات التغيير والعوائق المفتعلة، مما يترتب عنه إخفاق عمليات الإصلاح وبالتالي إعاقة التنمية17 فمثلا بالنسبة للمشاكل البيئية فإن جذورها الأساسية تكمن في خصائص المنظومة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، فإذا سلمت هذه المنظومة، سلمت البيئة والعكس صحيح.18وعليه، فإن الصلة بين البيئة والتنمية لن تكون وطيدة إلا في إطار المنظومة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، ولن تتحقق التنمية وتسلم البيئة إلا في ظل استقرار سياسي ونمو اقتصادي ورفاه اجتماعي وتطور ثقافي وحضاري باعتبارها من الأبعاد الشمولية للتنمية المستدامة.19
فهذا المصطلح –التنمية المستدامة- ظهر لأول مرة عام 1987 في تقرير "بروتلاند" الذي نشرته اللجنة العالمية للبيئة والتنمية تحت اسم "مستقبلنا المشترك" والذي طرح مفهوما جديدا للتنمية يهدف إلى الاستعمال العقلاني للموارد الطبيعية وانتهاج سلوك وقائي ضد كل أنواع الاعتداءات البيئية.
ويعكس مفهوم التنمية المستدامة التطور الحاصل في مفهوم التنمية الذي شهد جدلا واسعا بحيث في عقد التنمية الأول الذي تبنته الأمم المتحدة (1960-1970) اقترن مفهوم التنمية بالنمو الاقتصادي وفق مؤشرات ترتكز أغلبها على اعتبارات اقتصادية محضة، وفي العقد الثاني للتنمية (1970-1980) اكتسب مفهوم التنمية أبعادا اجتماعية وسياسية وثقافية إلى جانب البعد الاقتصادي، فأصبح مفهوم التنمية لا يعني النمو الاقتصادي فحسب، وإنما يشمل إحداث تغييرات هيكلية في المتغيرات السياسية والثقافية التي تسود المجتمع، وخلال عقد التنمية الثالث (1980-1990) اكتسب مفهوم التنمية بعدا حقوقيا وديمقراطيا يتمثل في المشاركة السياسية والشعبية في اتخاذ القرارات التنموية.
لكن سرعان ما استحوذ موضوع التنمية المستدامة على اهتمام العالم من جديد منذ أن طرح في "قمة الأرض" أثناء انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الثاني للبيئة والتنمية بروديجانيرو البرازيلية عام 1999، حيث يبقى أهم ما صدر عن هذا المؤتمر هو جدول أعمال القرن 21-21 Agenda- وهي مخطط عمل يوضح كيفية تطبيق التنمية المستدامة بكافة جوانبها الإقتصادية والإجتماعية والبيئية.
واستمرت النقاشات الدولية بخصوص التنمية المستدامة، حيث انعقد في عام 2002 أهم مؤتمر دولي في "جوهانسبورغ" والذي حاول استعراض أهم التحديات والفرص التي يمكن أن تؤثر في تحقيق التنمية المستدامة، وتقويم التقدم المحرز في تنفيذ أعمال (أجند) القرن 21 -21Agenda-، وصدر عن القمة خطة عمل أطلق عليها اسم "خطة جوهانسبورغ" والتي تستهدف الإسراع في تنفيذ ما تبقى من الأهداف والأنشطة الواردة في جدول أعمال القرن 21، وذلك بالعمل على كافة المستويات في إطار التعاون الدولي والإقليمي، مع مراعاة العمل على تخفيف وطأة الفقر وتغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدام وحماية الموارد الطبيعية، بوصفها أهدافا مشتركة لتحقيق التنمية المستدامة.
لذا فالتوجهات البيئية الدولية من خلال المؤتمرات السابقة الذكر، تؤشر على بداية توجه اقتصادي جديد قائم على أساس بيئي يراعي الانشغالات البيئة في مساراته التنموية ويعمل على تحقيق الاستدامة البيئية والإقتصادية والإجتماعية، حيث يمكن أن نطلق على هذا التوجه الجديد مصطلح الاقتصاد المستدام أو الأخضر، إذ أضحت كافة الأطراف الإقتصادية ملزمة بالانخراط في هذا التوجه المسؤول من خلال تحسين أدائها.
لكن ما يجب التأكيد عليه أنه من الصعب على الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني تحقيق التنمية المستدامة بشكل متكامل، خاصة تلك التي تمس مختلف الشرائح الشيء الذي يفرض تعزيز الشراكة بين مختلف الأطياف عبر تبني إستراتيجية المسؤولية الإجتماعية.
المطلب الثاني : أشكال ومزايا المسؤولية الإجتماعية
إذا كانت المسؤولية الإجتماعية للمقاولة تمتاز بتعددية أبعادها، فإن هاته الأخيرة يمكن النظر إليها من زاويتين مختلفتين تشمل جل هذه الأبعاد، ويتعلق الأمر بطبيعة الحال بكل ما هو محيط بالمقاولة داخليا وخارجيا تسعى من خلاله خلق نوع من الإستقرار والسلم الاجتماعيين فضلا عن تحقيق التنمية المستدامة (الفقرة الأولى)، وذلك مقابل استفادتها من مزايا عديدة من شأنها تحسين سمعة المقاولة داخل المجتمع، وتسهيل الإجراءات والمساطر القانونية لأعمالها (الفقرة الثانية).الفقرة الأولى : أشكال المسؤولية الإجتماعية
يمكن حصر أشكال المسؤولية الإجتماعية للمقاولة في شكلين أساسيين هما :- المسؤولية الإجتماعية داخل المقاولة.
- المسؤولية الإجتماعية خارج المقاولة.
- المجال البيئي : برز مع نهاية الثمانينات من القرن العشرين تيار تنموي يدعو إلى أن تكون التنمية متلائمة مع البيئة والاعتبارات البيئية عامة، فلم تهتم أدبيات التنمية التقليدية بالبيئة وتعاملت معها كمجرد وسيلة فقط، حيث فصلت هذه الأدبيات بين ما هو طبيعي وما هو اجتماعي، ومن تم تجاهل البعد الطبيعي والبيئي في التنمية، وهو البعد الذي اتضح الآن تأثيره البالغ على مجمل مسارات التنمية والنظام الاجتماعي20 مما فرض على المقاولات مراعاة هذا الجانب من خلال الاهتمام بالصناعة النظيفة بيئيا والمشاركة في أنشطة حماية البيئة من التلوث بشكل فعال.
- مجال حماية المستهلك : مع التحول إلى القطاع الخاص يعتبر تفهم رغبات واحتياجات المستهلك من أهم عوامل النجاح وتحقيق الربح، بحيث خصصت بعض المقاولات إدارات خاصة لتحليل سلوك المستهلك في مختلف الأنشطة، وحيث إن هذا الغرض يتضمن درجة من السلوك الأخلاقي في توظيف المنتج، فإنه أصبح من أهم مكونات المسؤولية الإجتماعية.
- السهر على سلامة المنتوجات والخدمات وكذا صحة المستهلكين.
- تحديد إجراءات شفافة وفعالة تضمن للمستهلكين الأخذ بعين الاعتبار والاستجابة السريعة والمنية لشكاياتهم.
- تفادي التصريحات الإعلانية الكاذبة وكذا الإغفال والتضليل والخداع.
- احترام حماية المعلومات الشخصية للزبناء والمستهلكين.
- المجتمع : يعد المجتمع من أهم عوامل جذب وتشجيع الاستثمار والإستقرار الاجتماعي، ويجب تفسير معنى المجتمع هنا تفسيرا أوسع نطاقا، إذ يمكن أن يشير مصطلح رفاهية المجتمع إلى الصحة والسلامة فضلا عن الحاجات السيكولوجية والعاطفية22 لذا فإن المشاكل التي تتعلق بالمجتمع لابد أن تؤثر على مناخ عمل المستثمرين، ومن هنا فإن إسهام المقاولات في حل جل هذه المشاكل يعد أمرا ضروريا لتحقيق السلم الاجتماعي مما يعود عليها وعلى المجتمع بالنفع.
الفقرة الثانية : مزايا المسؤولية الإجتماعية
في ظل تزايد الاهتمام بمفهوم المسؤولية الإجتماعية للمقاولات، يثور التساؤل حول الأسباب لتي تشجع المقاولات على الالتزام بهذه المسؤولية، خاصة في ضوء ما تنطوي عليه من أعباء مالية ومعنوية ؟في هذا الصدد يمكن أن القول أن من مزايا المسؤولية الإجتماعية ما يلي :
تسهيل الحصول على الائتمان البنكي : إذ نجد مثلا أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب قام بمفاوضات مع مجموعة من المؤسسات من أجل تسهيل الإجراءات ومنح الائتمان للمقاولة المسؤولة اجتماعيا، وقد توجت هذه المفاوضات بتوقيع اتفاقات مع كل من البنك المغربي للتجارة والصناعة، ومؤسسة القرض الفلاحي ومجموعة البنك الشعبي.
تبسيط جل الإجراءات القانونية المتعلقة بأعمال المقاولة : وذلك نتيجة لاتفاق الاتحاد العام لمقاولات المغرب مع كل من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وكذا المديرية العامة للضرائب المباشرة وغير المباشرة لمعالجة الملفات الخاصة بالمقاولة وبسرعة، إضافة إلى تخفيف قيود المراقبة عليها.
تحسين سمعة المقاولة : والتي تنبني على أساس الكفاءة في الأداء، والنجاح في تقديم الخدمات والثقة المتبادلة بين المقاولات وأصحاب المصالح ومستوى الشفافية الذي تتعامل به هذه المقاولات ومدى مراعاتها للاعتبارات البيئية واهتمامها بالاستثمار البشري.
استقطاب أكفأ العناصر البشرية حيث يمثل التزام المقاولة بمسؤوليتها اتجاه المجتمع الذي تعمل به عنصر جذب أمام العناصر البشرية المتميزة خاصة بالنسبة للمقاولات عابرة القارات أو كبرى المقاولات المحلية التي تعمل في مجالات متخصصة وتستخدم تكنولوجية حديثة.
إن العبرة بخواتم الأمور والختام مسك...
لذا حاولنا أن تكون خاتمة هذا المقال المتواضع مسكا له يجعلها تختزل عصارته.
فلقد اتضح لنا بجلاء مدى الغموض الذي ما زال يكتنف مفهوم المسؤولية الإجتماعية للمقاولة انطلاقا من أساسها وأبعادها، إلا أن ذلك لا يمنعنا من القول أن مسؤولية المقاولة اجتماعيا لا تنحصر في خدمة أجرائها وعمالها فقط، بل هي مسؤولية اتجاه المجتمع المحيط، إذ بات واضحا أن العمليات التي تقوم بها المقاولات ينتج عنها آثارا خارجية كثيرة تتسبب في إحداث مشاكل واختلالات بيئية على وجه الخصوص، لذلك وجب الاهتمام بمفهوم التنمية الإقتصادية والتي تأخذ بعين الاعتبار القيود البيئية والإجتماعية لنشاطات المقاولات.
والجدير بالذكر أنه في إطار هذا المقال اقتصرنا على الإطار المفاهيمي للمسؤولية الإجتماعية لعل وعسى نساهم في توضيح الرؤيا للقارئ الكريم، على أن نقوم إن شاء الله تعالى بمحاولة للحديث عن واقع المقاولة المغربية وعلاقتها بالمسؤولية الإجتماعية في مقال لاحق.
وأخيرا فإذا كانت هناك محاسن قد يشهد له بها إنصافا فإنها ثمرة حلمنا وسعة صدرنا وتشبعنا بالإيمان في البذل والعطاء للآخر وإن اكتنفه نقص من غير تقصير ولا تفريط من لدنا فهو من طبيعة أي عمل بشري.
المراجع المعتمدة :
- الحاج الكوري : "المسؤولية الإجتماعية للمقاولة في حالة فصل الأجراء"، مجلة القانون المغربي، العدد 17، أبريل 2011.
- علي عمي : "المختصر في قانون الشغل المغربي"، الجزء الأول، طبعة 2010، ص : 130
- Cherqui najat : "Approche global de la R.S.E", mémoires en vue de l'obtention du diplôme de master, Fsjest, Tanger.
- سليمان محمد مصطفى إسماعيل : "معلومات المحاسبة الإجتماعية في القوائم المالية المنشورة في مصر"، العدد الأول، السنة 1991، ص : 96.
- أحمد عباده العربي : "دور الجهات الخيرية في المسؤولية الإجتماعية للشركات"، المركز الدولي للأبحاث والدراسات، الطبعة الأولى، 2009، ص : 10.
- انظر الموقع الالكتروني :
- ميمون الوكيلي : "المقاولة بين حرية التدبير ومبدأ استقرار الشغل"، الجزء الأول، الطبعة 2009، ص : 9.
- نوزاد عبد الرحمن الهيتي : "التنمية المستدامة الإطار العام والتطبيقات دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجا"، الطبعة الأولى، 2009، ص : 14.
- يوسف أمعنكار : "الحوار الاجتماعي بالمغرب"، رسالة لنيل دبلوم الماستر جامعة محمد الخامس أكدال، 2010، ص : 67.
- محمد سعيد بناني : "قانون الشغل بالمغرب في ظل مدونة الشغل"، علاقات الشغل الجماعية، الجزء الرابع، طبعة 2010، ص : 317.
- عرفها الفقيه P.Durand بأنها "المعاملة الأفضل من تلك التي يتمتع بها الأجراء"، أنظر :
- محمد نجيب توفيق حسن : "الخدمة الإجتماعية العمالية"، الطبعة 1986، ص : 58.
- محمد حركات : "التدبير الاستراتيجي والمنافسة ورهانات الجودة الكلية بالمقاولات المغربية"، الطبعة 1997، ص : 67.
- أحمد عباده العربي : مرجع سابق، ص : 65-66.
- الطاهر خاصرة : "المسؤولية البيئية والإجتماعية مدخل لمساهمة المؤسسة الإقتصادية في تحقيق التنمية المستدامة"، رسالة لنيل دبلوم الماستر جامعة قصدي مرباح ورقلة، الجزائر، 2007، ص : 11.
- Maria David : "Economie des approches volontaires dans les politiques environnemental en concurrence et coopération imparfaites", Thèse de doctorat en économie, Ecole pooly thechnique de Paris, Mai 2004.
- محمد العابده : "نحو تنمية مستدامة بالمغرب مساهمة في دراسة الشروط والآليات"، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، العدد 4، سنة 2007، ص : 121.
- أنيسة أكحل العيون : "البيئة بين التدهور والحماية"، ص : 59.
- الأمين بنقدور : "حماية البيئة بين القانون والواقع"، رسالة لنيل دبلوم ماستر الرباط، 2009-2010، ص : 85.
- أنيسة لكحل العيون : مرجع سابق، ص : 59.
- الميثاق الصادر عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب حول المسؤولية الإجتماعية، أنظر الموقع الإلكتروني : www.cgem.ma.
- فيليب كوتلر ونانسي لي : "المسؤولية الإجتماعية للشركات"، الطبعة الأولى، 2011، ترجمة علا أحمد إصلاح، الدار الدولية للاستثمارات الثقافية القاهرة، ص : 203.
- نفس المرجع، ص : 27.