تحيل التضحيات التي يقدمها قضاة النادي اليوم في سبيل الدفاع عن مضمون كوني لواجب التحفظ بما يعكس العمق الدستوري لسلطة قضائية نزيهة، قوية، مستقلة، ومهابة، على المفهوم النبيل للمثقف، ذاك الذي وصفه الدكتور الراحل محمد عابد الجابري في مقالة نشرها بمجلة أقلام ( أبريل 1964) بقوله: (إن نظرة الجماهير إلى المثقف تضعه أمام مسؤوليات خطيرة :
إنه مسؤول عن نفسه. والقيام بهذه المسؤولية يتطلب منه أن يكون أخلاقيا طوية وسلوكا، لا مجال للانتهازية والأنانية والانحراف في تصرفاته وسلوكه.
وهو مسؤول – بمعنى من المعاني- عن مجتمعه، وهذا يستلزم أن يعيش المثقف داخل المجتمع لا خارجه، يحيا آلامه وآماله، متحملا النصيب الأوفر منها، شاعرا بها شعورا عميقا صادقا فاعلا.
وهو مسؤول – بشكل من الأشكال – عن المستقبل.وهذا يتطلب منه أن يكون عضوا فاعلا في صفوف الجماهير، وتتجلى فعاليته في كونه المحدد للهدف الراسم لسبيله، الدافع إليه.
فالمثقف ليس إنسان " القوقعة"، بل هو للآخرين والمستقبل معا بمقدار ما هو لنفسه، إنه كالمصباح ينير ذاته وينير محيطه فيهتدي بنوره هو والآخرين معه في مسيرة يحتل مكان الطليعة فيها. إنها مسؤولية عظيمة ضخمة.
على أن هناك حقيقة أخرى مهمة تزيد من عظمة وضخامة هذه المسؤولية، وهي أن جل المثقفين في البلدان المتخلفة – إن لم نقل كلهم – شباب، وهنا تبدو مسؤولية الشباب مزعجة ومخيفة).
إن إسقاط هذا التوصيف على المشهد القضائي اليوم، واستبدال كلمة الجماهير "بالقضاة" يسعفنا في فهم العمق الاستراتيجي المحرك للعديد من المبادرات الجريئة لنادي قضاة المغرب، والمكتسبات التي حققها لفائدة القضاة.
إن مصداقيته اليوم داخل الجسم القضائي لم يكتسبها فقط من المعارك التي خاضها في أقل من سنتين وعلى مختلف الجبهات في سبيل الدفاع عن كرامة القضاة التي كانت مستباحة من طرف العديد من الهيئات، ولا في إسماعه القوي لمطالب القضاة رغم تعالي التهديدات، ولكن أيضا بل وأساسا كون عمل أجهزته وأعضائه لم تكن يوما محكومة بدوافع انتهازية، ولا مرسومة بآفاق نفعية، بل على العكس من كل ذلك يختبر اليوم قضاته في مبادئهم، ويساءلون عن أفكارهم التي هي في المحصلة هموم الغالبية العظمى من قضاة المملكة.
ولعل ما يحز في النفس ، أنه في الوقت الذي يؤدي فيه الأستاذ العبدلاوي، والدكتور الهيني، ضريبة مؤلمة فقط لأنهم عبروا عن واقعنا العاري من كل زيف، بما يجعل قضيتهم شانا قضائيا عاما، نلاحظ أن نادي قضاة المغرب وحده لحد الساعة الذي انخرط في المؤازرة، فضلا عن مساندة بعض فعاليات المجتمع المدني، وفريقي الأصالة والمعاصرة والوحدة والاستقلالية على مستوى البرلمان.
إن التعاطي مع المتابعات التأديبية المؤسسة على خرق واجب التحفظ من منطلق جمعوي ضيق، وباعتبارها مسألة تعني نادي قضاة المغرب وحده، لا تزيد فقط في مصداقية النادي داخل القضاة ولكنها تمنحه منذ الآن شرعية المدافع الوحيد عن المطالب المهمة التي طرحت على هامشها، وإن كانت منافعها ستنال الجميع.
إن المطالبة بكفالة حقوق القضاة في الدفاع أمام المفتشية العامة بدءا من ضرورة استدعائهم كتابة وبمبرر، ومرورا بالحق في المؤازرة، وانتهاء بالحصول على نسخة من المحضر، ونفس الأمر أمام القاضي المقرر، ليست مطالب خاصة بقضية الدكتور الهيني ولا ذ العبدلاوي ولكنها مطالبنا جميعا، مادام أننا لا نعرف ماذا تخبؤه الأقدار، ولا متى سيأتي علينا الدور.
ولا ينبغي أن يخامرنا شك أن الذاكرة القضائية تدون بأمانة ما يجري في السر والعلن، وأن ما سيصدر من قرارات في مواجهة الزميلين، ستشكل لا قدر الله إطارا مرجعيا لرسم حدود حرية القضاة في التعبير قد تنتهي بنا إلى معانقة الصمت، في مرحلة انتقالية طال أمدها والتبست مفاهيمها.
وإذا كانت كل نقمة في طيها نعمة، فإن النقمة للأسف أصابت ذ رشيد العبدلاوي والنعمة عمت جميع قضاة المملكة بدون استثناء الذين حق لهم أن يفخروا بما تحقق لهم جراء نضال نادي قضاة المغرب، فالتاريخ سيسجل بمداد من الفخر أن الرئيس الأول لاستئنافية مكناس عبد الأحد الدقاق، الرجل المشبع بالفكر الحقوقي لممارسته في المجلس الدستوري، مكن رئيس النادي ورئيسة المكتب الجهوي بمكناس من مؤازرة ذ العبدلاوي، مثلما مكنهما من نسخة من محضر الاستماع إليه.
وعلى الإجمال فالموضوعية تقتضي أن نعترف اليوم بأن الأسئلة الكبرى للسلطة القضائية يطرحها نادي قضاة المغرب، ويقدم أعضاؤه في سبيلها تضحيات جسيمة، بكل النزاهة والشرف المفترضين في القاضي المثقف الذي يعي أدواره التاريخية.
إنه مسؤول عن نفسه. والقيام بهذه المسؤولية يتطلب منه أن يكون أخلاقيا طوية وسلوكا، لا مجال للانتهازية والأنانية والانحراف في تصرفاته وسلوكه.
وهو مسؤول – بمعنى من المعاني- عن مجتمعه، وهذا يستلزم أن يعيش المثقف داخل المجتمع لا خارجه، يحيا آلامه وآماله، متحملا النصيب الأوفر منها، شاعرا بها شعورا عميقا صادقا فاعلا.
وهو مسؤول – بشكل من الأشكال – عن المستقبل.وهذا يتطلب منه أن يكون عضوا فاعلا في صفوف الجماهير، وتتجلى فعاليته في كونه المحدد للهدف الراسم لسبيله، الدافع إليه.
فالمثقف ليس إنسان " القوقعة"، بل هو للآخرين والمستقبل معا بمقدار ما هو لنفسه، إنه كالمصباح ينير ذاته وينير محيطه فيهتدي بنوره هو والآخرين معه في مسيرة يحتل مكان الطليعة فيها. إنها مسؤولية عظيمة ضخمة.
على أن هناك حقيقة أخرى مهمة تزيد من عظمة وضخامة هذه المسؤولية، وهي أن جل المثقفين في البلدان المتخلفة – إن لم نقل كلهم – شباب، وهنا تبدو مسؤولية الشباب مزعجة ومخيفة).
إن إسقاط هذا التوصيف على المشهد القضائي اليوم، واستبدال كلمة الجماهير "بالقضاة" يسعفنا في فهم العمق الاستراتيجي المحرك للعديد من المبادرات الجريئة لنادي قضاة المغرب، والمكتسبات التي حققها لفائدة القضاة.
إن مصداقيته اليوم داخل الجسم القضائي لم يكتسبها فقط من المعارك التي خاضها في أقل من سنتين وعلى مختلف الجبهات في سبيل الدفاع عن كرامة القضاة التي كانت مستباحة من طرف العديد من الهيئات، ولا في إسماعه القوي لمطالب القضاة رغم تعالي التهديدات، ولكن أيضا بل وأساسا كون عمل أجهزته وأعضائه لم تكن يوما محكومة بدوافع انتهازية، ولا مرسومة بآفاق نفعية، بل على العكس من كل ذلك يختبر اليوم قضاته في مبادئهم، ويساءلون عن أفكارهم التي هي في المحصلة هموم الغالبية العظمى من قضاة المملكة.
ولعل ما يحز في النفس ، أنه في الوقت الذي يؤدي فيه الأستاذ العبدلاوي، والدكتور الهيني، ضريبة مؤلمة فقط لأنهم عبروا عن واقعنا العاري من كل زيف، بما يجعل قضيتهم شانا قضائيا عاما، نلاحظ أن نادي قضاة المغرب وحده لحد الساعة الذي انخرط في المؤازرة، فضلا عن مساندة بعض فعاليات المجتمع المدني، وفريقي الأصالة والمعاصرة والوحدة والاستقلالية على مستوى البرلمان.
إن التعاطي مع المتابعات التأديبية المؤسسة على خرق واجب التحفظ من منطلق جمعوي ضيق، وباعتبارها مسألة تعني نادي قضاة المغرب وحده، لا تزيد فقط في مصداقية النادي داخل القضاة ولكنها تمنحه منذ الآن شرعية المدافع الوحيد عن المطالب المهمة التي طرحت على هامشها، وإن كانت منافعها ستنال الجميع.
إن المطالبة بكفالة حقوق القضاة في الدفاع أمام المفتشية العامة بدءا من ضرورة استدعائهم كتابة وبمبرر، ومرورا بالحق في المؤازرة، وانتهاء بالحصول على نسخة من المحضر، ونفس الأمر أمام القاضي المقرر، ليست مطالب خاصة بقضية الدكتور الهيني ولا ذ العبدلاوي ولكنها مطالبنا جميعا، مادام أننا لا نعرف ماذا تخبؤه الأقدار، ولا متى سيأتي علينا الدور.
ولا ينبغي أن يخامرنا شك أن الذاكرة القضائية تدون بأمانة ما يجري في السر والعلن، وأن ما سيصدر من قرارات في مواجهة الزميلين، ستشكل لا قدر الله إطارا مرجعيا لرسم حدود حرية القضاة في التعبير قد تنتهي بنا إلى معانقة الصمت، في مرحلة انتقالية طال أمدها والتبست مفاهيمها.
وإذا كانت كل نقمة في طيها نعمة، فإن النقمة للأسف أصابت ذ رشيد العبدلاوي والنعمة عمت جميع قضاة المملكة بدون استثناء الذين حق لهم أن يفخروا بما تحقق لهم جراء نضال نادي قضاة المغرب، فالتاريخ سيسجل بمداد من الفخر أن الرئيس الأول لاستئنافية مكناس عبد الأحد الدقاق، الرجل المشبع بالفكر الحقوقي لممارسته في المجلس الدستوري، مكن رئيس النادي ورئيسة المكتب الجهوي بمكناس من مؤازرة ذ العبدلاوي، مثلما مكنهما من نسخة من محضر الاستماع إليه.
وعلى الإجمال فالموضوعية تقتضي أن نعترف اليوم بأن الأسئلة الكبرى للسلطة القضائية يطرحها نادي قضاة المغرب، ويقدم أعضاؤه في سبيلها تضحيات جسيمة، بكل النزاهة والشرف المفترضين في القاضي المثقف الذي يعي أدواره التاريخية.