ونحن في زمن الثوراة ,لم ننتبه لثورة بين ظهرانينا لا تقل أهمية عن باقي الثوراة او لنقول أخطرها ان لم نبالغ, الثورة التي نتحدث عنها هي الثورة الجنسية. فالجنس غريزة أودعها الله عز وجل في الانسان وجدت مع وجود الانسان و ستنتهي بفناءه , فالجنس من أعقد المشاكل الاجتماعية التي تتخبط فيها الامم باختلاف ايديولوجيتها و دياناتها و عاداتها و تقاليدها , فمنهى الداعي لتحرير الجنس من كل القيود, ومنها المتحفظ على ذلك , و منها النازل بين المنزلتين.
والمغرب كما جاء في دساتيره القديمة منها و الجديدة يقر بأن الدين الاسلامي هو الدين الرسمي للبلاد بمعنى ان التشريعات و القوانين تنهل من معين هذا الدين و التي من بينها القانون الجنائي الذي هو جزء لا يتجزء من المنظومة القانونية للمغرب.
اذا فكيف تعامل المشرع الجنائي مع موضوع الجنس او الجرائم الجنسية ؟ هل ان معالجته للموضوع انطلقت من مرجعيته التي تحدثنا عنها ام انه تمرد عليها؟ او بمعنى اخر كيف يمكن تقييم العلاقة بين ق.ج و الجنس هل هي علاقة غموض او وضوح؟
اولا تجب الاشارة في البدء على ان المشرع الجنائي تناول هذه الجرائم الجنسية في الباب الثامن من القانون الجنائي تحت عنوان "في الجنايات و الجنح ضد الاسرة و الاخلاق العامة", فمن خلال اطلالة بسيطة على بعض الجرائم الواردة في هذا الفصل نستشف على ان موقف المشرع المغربي يكتنفه نوع من الغموض واللبس, فمثلا على مستوى الفصلين 490 و 491 و المتعلقين على التوالي بجريمتي الفساد و الخيانة الزوجية نلمس ان المشرع المغربي اعتبرهما من صنف الجنح ,و الجنح كما هو منصوص عليه في الفصل 115 من ق.ج لا يعاقب على المحاولة فيها الا بمقتضى نص خاص ,ولا نجد في مقتضيات القانون الجنائي ما يستثني الجريمتين من احكام الفصل 115 المذكور.فلو انه ضبط الفاعلين في منزل و هما عاريان لا تقوم الجريمة رغم انهما قاما بافعال لا لبس فيها أدت او ستؤدي بهما الى الفعل الجنسي. و هذه النقطة تحيلنا الى نقطة أخرى و هي أن جريمة الفساد عرفت على انها كل علاقة جنسية بين رجل و امرأة بمعنى ان المشرع اشترط فعل الوقاع ,اي الايلاج, فالايلاج هو العنصر الاساسي لقيام الركن المادي لهذه الجريمة ,بمعنى ان اي فعل لا يدخل في هذا الصدد لا يمكن اعتباره فسادا كالتقبيل او اللمس او غيره.
ثم ان المشرع المغربي لم يعرف مفهوم الخيانة في جريمة الخيانة الزوجية, هل يعني بها تمام الوطئ كما في جريمة الفساد., ام انه تدخل فيه حتى بعض الافعال المشينة الاخر. فالاسلم ان يتدخل المشرع المغربي لتحديد مفهوم الخيانة بدقة ليشمل كل الافعال التي تتضمن اعتداء على حرمة العلاقة الزوجية من ايلاج و تقبيل و لمس بل و حتى الخيانة "الاليكترونية" على مستوى الهاتف او الانترنيت, فالزوج –الرجل او المرأة- الذي يجد شريكه في وضعية مخلة لا شك و انه يتألم و يشعر بمرارة الخيانة بل و يكره العيش معه تحت سقف واحد مع هذا الطرف الخائن.
ثم هناك اشكال أخر,فالمشرع المغربي في الفصل 493 من ق.ج نص على ان جريمتي الفساد و الخيانة الزوجية لا تتبث الا بناءا على محضر رسمي يحرره احد ضباط الشرطة القضائية في حالة تلبس او بناءا على اعتراف تضمنته مكاتيب او اوراق صادرة عن المتهم او اعتراف قضائي ,فهنا المشرع حدد وسائل الاثبات خروجا عن القاعدة العامة في الاثبات الجنائي التي تعتمد على قاعدة الحرية, بمعنى انه استبعد الفقرة الثانية من المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية اي اذا كان الفاعل ما زال مطاردا بصياح الجمهور على اثر ارتكاب الجريمة كحالة من حالات تحقق التلبس ,فهو بالتالي استبعد شهادة الشهود الذين عاينوا الواقعة في حالة عدم تمكن ضابط الشرطة القضائية الوصول في وقت وقوع الجريمة خصوصا في الاماكن النائية ,فكم من الوقت سيحتاج المبلغ للتبليغ , وكم من الوقت سيحتاج ضابط الشرطة للوصول الى مسرح الجريمة.
ثم ان المشرع يكتنفه الغموض في تحديد بعض المفاهيم ,فمثلا مفهوم الاخلال بالحياء في جريمة الاخلال العلني بالحياء المنصوص عليها في المادة 483 من ق.ج التي تعاقب الذي ارتكب العري المتعمد او البذاءة في الاشارات و الافعال بالحبس من شهر الى سنتين و غرامة من 200 الى 500 درهم , فهذا المفهوم فضفاض و غير دقيق و ربما لا ينسجم مع الازدواجية التي يعيشها الشعب المغربي على مستوى القيم, فاذا لبست انثى ملابس قصيرة و مثيرة هل هذا يدخل في اطار الاخلال بالحياء؟ ثم ما هي حدود هذا اللباس ؟ فما تعتبره انت لباسا يخل بالحياء لايعتبره الاخركذلك.
وفي هذا الاطار فان الركن المعنوي لهذه الجريمة يتمحور حول اتجاه ارادة الجاني الى خدش شعور الناس و عواطفهم, فكيف سنتبث ان الفاعل لم يقصد اذيت الناس و انما نيل اعجابهم و استمالتهم فقط.
ومما يزيد الطين بلة انه رغم هذه الاشكالات القانونية هناك اصوات تتعالى للدعوة لتحرير العلاقات الجنسية على شاكلة الدول الغربية "التقدمية" , ونسيت او تناست ان الحديث عن تحرير الجنس لا بنفصل عن سياقات متعددة ,و ان كل دعوة لذلك يجب ان يسبقها اعداد لمناخ اقتصادي و اجتماعي الشيء الذي نجحت فيه هذه الدول الغربية التي تريد هذه الاصوات ان تمتح تجربتها لتنزيلها على مجتمع يعيش و يحتضر و يموت في براثين الفقر, فلو انه في المغرب لو سلمنا بتحرير الجنس و عدم تجريم الفساد و نشأ عن هذه العلاقة حمل و مولود فما مصير هذا الطفل و ما مصير هذه المرأة التي سيتخلى عنها الرجل بداعي انه لايقدر على اعباء الحياة و يعلق فعله على شماعة الوضعية الاقتصادية للبلاد , فمصير ذلك الطفل التشرد و مصير تلك المرأة الارتماء في احضان الدعارة ,وبالتالي نكون اعدنا انتاج مجرمين بصيغ اخرى, فالمحدد الذي يجب ان يحكم هذا الموضوع هو المحدد الاقتصادي و الاجتماعي بعيدا عن النقاش الديني و الاخلاقي الذي تبقى له ايضا الاهمية البالغة و لكن حينما تتغير الوضعية السوسيواقتصادية فلكل مقام مقال.