تعيش القارة الأوروبية أزمة اقتصادية ومالية كبرى هي الثانية بعد أزمة الفقاعة العقارية في أمريكا وأوروبا لسنة 2008 أو ما عُرِف حينئذ بقروض “الرهون العقارية العالية المخاطر” والتي أدت إلى انهيار وإفلاس أحد أهم البنوك الأمريكية والعالمية “ليمان برادرز” معلنا بداية أزمة بنكية، مالية واقتصادية جديدة حتمت على الدول العظمى التدخل القوي والعاجل، عبر ضخ أموال عمومية ضخمة لإعادة رسملة البنوك وأحيانا تأميمها، لتفادي اضطرابات وانهيارات أخرى للأبناك ولمختلف المرافق المالية الوطنية والدولية فيما يعرف بالأزمة الشاملة.
هكذا قامتا حكومات كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بمجهود كبير لحل أزمة 2008 وذلك بضخ ملايير الدولارات في صناديق الأبناك لتفادي انهيارها وانهيار صرح الاقتصاد الرأسمالي المبني على محورية القطاع البنكي والمالي. هذا التدخل، الذي اعُتبر حينها “انتصارا” مهما للنظرية الكينزية في شقها المتعلق بتدخل الدولة في الدورة الاقتصادية وتحكمها في قطاعات هامة كقطاع الأبناك، مكن من تجاوز أزمة 2008 ولكن دون القدرة على محو أثارها السلبية على الاقتصاد والإنتاج إلى حد أن الملايين من المواطنين أصبحوا بدون عمل ودون القدرة على الوفاء بديونهم العقارية ومن تم وُضعت منازلهم في المزاد العلني وانهار قطاع البناء وشركاته العملاقة.
هذا تذكير ضروري لمحاولة فهم الأزمة الحالية التي هي في جانب مهم منها ناتجة عن ضخ السيولة في القطاع البنكي، هكذا نجد اليوم تبعات هذا القرار على مديونية الدول التي تضخمت من جهة بشكل كبير (لتبيان حجم ذلك نكتفي بالإشارة إلى كون المديونية العمومية لفرنسا مثلا، تتعدى 1.700 مليار أورو وهو رقم يوازي الناتج الوطني الخام لبلد كالهند ساكنته تفوق 1,2 مليار نسمة)، وأدى من جهة أخرى إلى عدم قدرة هذه الدول على الاستيفاء بديونها أمام انحصار الدورة الاقتصادية واتساع البطالة والركود التجاري وتدني مداخيل الضرائب وانعكاس كل ذلك على قطاعات عديدة منها على الخصوص قطاع الأبناك الذي وجد نفسه مثقل بديون سيادية للدول لا قيمة لها. وأصبحت الأبناك بالتالي عاجزة هي الأخرى، عن القيام بدورها في منح قروض الاستهلاك والاستثمار نظرا لعدم وفرة السيولة الكافية ولضعف رأسمالها الخام. يتضح جليا أن قطاع الأبناك والمال يوجد في قلب أزمة سنة 2008 والأزمة الحالية.
أزمة مالية خانقة بأوربا
اليوم، يجب الاعتراف بذلك، القارة الأوروبية، الشريك الأول للمغرب، توجد في مأزق حقيقي. اليونان على شفى حفرة من الانهيار إذ حسب آخر الأخبار فهذا البلد مطالب قبل مارس 2012 من إيجاد حل لمديونيته مع الأبناك الخاصة وإلا سيكون مضطرا لإعلان حالة الإفلاس!!! بلدان أوروبية أخرى، كإيطاليا، البرتغال، إيرلندا وإسبانيا مقبلتان على الالتحاق بركب اليونان إذا لم تتم معالجة عميقة لأزمة أوروبا ولاقتصاديات هذه البلدان. حتى فرنسا ليست في منأى عن هذا المنحى. أحد المؤشرات الدال على ذلك هو إعلان أهم شركة للخدمات المالية “ستندارد أند بورز” التراجع التاريخي عن التصنيف الإتماني لفرنسا من درجة “AAA” الذي حصلت عليه سنة 1975 من القرن الماضي إلى درجة “AA+”، وأيضا خفض لدرجتين تنقيط اقتصاديات كل من إيطاليا وإسبانيا. النتيجة الأولية والمباشرة لهذا القرار هو إمكانية فقدان ثقة المستثمرين في هذه الدول وغلاء فوائد الإقراض الحكومي وارتفاع كلفة الدين. إن انخفاض تصنيف أي دولة ينعكس سلبا على كل المؤسسات الخاصة والعمومية كما يسري بطبيعة الحال على قطاعه البنكي وعلى غلاء القروض الموجهة للاستثمار والاستهلاك.
حسب الخبراء الاقتصاديين والماليين، أوربا في امتحان عسير على عدة أصعدة:
- أهلية الأورو على الاستمرار في توحيد الدول الأوروبية ومواجهة التحديات المتمثلة في تعايش اقتصاديات دول، هياكلها بعيدة بعضها عن البعض وهو ما يعرف أوروبيا بدول الشمال بزعامة ألمانيا، الدولة القوية، ودول الجنوب الغارقة في أزمة خانقة ابتداء من اليونان، البرتغال، إيطاليا وإسبانيا. هناك اليوم أصوات تطالب بتقسيم منطقة الأورو والرجوع إلى منطقة نقدية لدول منسجمة في اقتصادياتها وموازناتها وأصوات أخرى أكثر راديكالية تطالب بخروج اليونان ودول أخرى من منطقة الأورو. إنه زلزال حقيقي ليس على المستوى الاقتصادي والمالي فحسب ولكن أساسا على المستوى السياسي، بانهيار مكون تم بناءه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
- قدرة الدول الأوروبية سن سياسات تقشفية مقبولة شعبيا ومجدية للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية والرجوع إلى مرحلة الانتعاش الاقتصادي القادر على الحد من البطالة ويعيد الحيوية لقطاعات اقتصادية واسعة (كقطاع العقار مثلا) على المستوى الإنتاجي والخدماتي والمالي.
- طاقة الدول الأوروبية على تحصين قطاعها المالي والبنكي من الانهيار. وما قرار فرنسا وبلجيكا تفكيك بنك “ديكسيا- Dexia” إلا مؤشر على الصعوبات التي تعتري قطاع الأبناك في دول كإسبانيا، إيطاليا وأيضا فرنسا. في هذا الإطار، تجدر الإشارة لإلحاح منظمات مالية دولية على غرار البنك الدولي، بالتدخل العاجل لضخ رؤوس أموال كبرى في الأبناك الأوروبية ومن ضمنها الأبناك الفرنسية لكي تتمكن من تحمل عبئ أزمة ديون سيادية وأصول سامة تثقل موازناتها وتشكل خطرا فعليا عليها وعلى اقتصاديات بلدانها. هكذا فالأبناك الأوروبية في حاجة ماسة ل 114 مليار أورو من هنا إلى نهاية يونيو 2012 لتفادي ما من شأنه أن يشكل انهيارا للقطاع وللاقتصاد الأوروبي. اليونان بحاجة ل 30 مليار أورو؛ البلد الجار، إسبانيا، الذي يعاني أزمة خانقة، مؤسساته البنكية في حاجة إلى 26,6 مليار أورو وفرنسا 7,3 مليار أورو. الأبناك الأوروبية ستمر خلال الستة الأشهر من هذه السنة بمنطقة اضطراب جوي لا يمكن لأحد التكهن بنتيجتها النهائية.
أزمة البنوك الفرنسية
وبالتركيز على فرنسا، أول شريك اقتصادي للمغرب، نجد أن البنوك الثلاثة الأولى الفرنسية، “بنك باري با”، “الشركة العامة” و”القرض الفلاحي”، زيادة على البنك المفلس ديكسيا، مثقلة بديون سيادية لدول كاليونان، إيطاليا، البرتغال وإسبانيا تجعلها في وضعية صعبة تتجلى أولى انعكاساتها في هبوط متواصل لأسهمها في البورصة. أرقام تبين بجلاء حجم مديونية الأبناك الفرنسية، حيث بلغ المجموع الخام للديون السيادية، بتاريخ 31 دجنبر 2010، إلى 85 مليار أورو منها 56 مليار بالنسبة لإيطاليا و10 مليار بالنسبة لإسبانيا.
لتوضيح الوضع الصعب للأبناك الفرنسية أشارت بعض الإحصائيات خلال نهاية سنة 2011 إلى كون قيمة “بنك باري با” بسوق البورصة وصلت إلى 37 مليار أورو في الوقت الذي نجد قيمة البنك على صعيد الوثائق الرسمية للبنك هو 85 مليار أورو بمعنى آخر أن “قيمة” البنك على الأوراق يفوق بكثير قيمته الحقيقية في السوق المالي. هذا الوضع يتقاسمه هذا البنك مع “الشركة العامة الفرنسية”، قيمة السوق: 15 مليار أورو وقيمة الوثائق: 51 مليار أورو وأيضا “القرض الفلاحي الفرنسي” حيث نجد أن قيمته في السوق تصل إلى 13 مليار أورو في حين أن الوثائق المحاسبية تفوق 52 مليار أورو. ناهيك عن قرارات تقشفية تروم تقليص النفقات وإغلاق بعض المرافق الغير المنتجة مما سيؤدي رسميا إلى تسريح العاملين بالقطاع البنكي الفرنسي وبفروعه بمختلف دول العالم، هكذا ف”القرض الفلاحي الفرنسي” قرر تسريح 2.350 أجير بنكي من ضمنهم 850 في فرنسا، أما “الشركة العامة الفرنسية” فقررت تسريح 1.580 بنكي من ضمنهم 880 بفرنسا وأخيرا “البنك الوطني لفرنسا باري با” قرر تسريح 1.400 بنكي من ضمنهم 850 بفرنسا. البنك المركزي الفرنسي، بنك فرنسا”، قرر هو الآخر الاستغناء خلال السنوات المقبلة عن 2.500 إطار ومستخدم. أما على الصعيد الدولي فتشير التقارير إلى سياسة تقليص عدد العاملين بالقطاع البنكي بأمريكا وأوروبا في حدود 116.000 إطار ومستخدم بنكي.
ما يهما مما سلف ذكره هو الوعي بكون الأزمة الأوروبية عموما وأزمة قطاعها البنكي سيكونان لهما بدون شك تأثير وتبعات بالنسبة للمغرب إن على المستوى الاقتصادي العام وإن على مستوى قطاع الأبناك والمال.
تبعات الأزمة الأوروبية بالمغرب
إجمالا فإن تبعات الأزمة الاقتصادية الأوروبية على المغرب ستتجلى في انخفاض الاستثمار الأوروبي من جهة، علما أن فرنسا وإسبانيا تعدان من أهم المتدخلين في هذا المجال ناهيك عن انخفاض المساعدات والمنح المقدمة من طرف الدول والمجموعة الأوربية. كذلك ستنخفض تحويلات المغاربة القاطنين بالخارج حيث يتمركز غالبيتهم العظمى (خمسة ملايين) بدول أوروبا. كما سيعاني أيضا قطاع تسويق المنتجات الفلاحية والصناعة الغذائية وقطاع النسيج من كساد السوق الأوروبي، نظرا من جهة لانخفاض القدرة الشرائية واستمرار معدلات عالية من البطالة. ناهيك عن قطاعي السياحة والصناعة التقليدية. نكتفي بهذه المؤشرات دون التعمق أكثر في جوانب أخرى لها قدر من الأهمية، لنؤكد أنه حان الوقت للمغرب الاستعداد لمواجهة تبعات الأزمة الأوروبية والانكباب على وضع الخطط الاقتصادية والمالية الكفيلة بالتصدي لها ومعالجتها والحفاظ على معدلات من النمو تسمح بمواجهة التحديات الكبرى خاصة على صعيد محاربة آفة البطالة والفقر وإنعاش الاقتصاد الوطني.
لنتحدث الآن عن انعكاس الأزمة الأوروبية على القطاع البنكي الوطني. قبل ذلك، ضروري الإشارة إلى كون اقتصاد المغرب ليس منفتحا – خاصة في مجال المال والأبناك – كليا على الخارج، مما “سيخفف” شيئا ما، حسب بعض الاقتصاديين، من تقلبات السوق المالي الأوروبي وانعكاسه على قطاع حيوي مثل القطاع البنكي الوطني. هذه الملاحظة رغم أهميتها يجب أخذها أيضا بحذر شديد لأن الأزمة الحالية تمس بشكل مباشر الأبناك الثلاثة الأولى في فرنسا والمتوفرة على فروع لها هنا في المغرب، نتحدث عن “البنك المغربي للتجارة والصناعة” وهو فرع “لبنك باري با” و”الشركة العامة” وهي فرع لنفس البنك الفرنسي وأخيرًا “مصرف المغرب” وهو فرع ل”القرض الفلاحي الفرنسي”.
أما فيما يتعلق بمستقبل القطاع ونظرا كما تمت الإشارة إلى ذلك توفر الأبناك الفرنسية الثلاث لفروع لها هنا في المغرب فيقتضي عدم التسرع في إلقاء الأحكام المسبقة حول مستقبل هذه الفروع ولكن أيضا عدم “التستر” على الموضوع لحساسية ما. العكس هم الصحيح، لأن دور وأهمية القطاع البنكي يتطلب شفافية ووضوح في التطرق لوضعه ومستقبله كما هو الشأن في البلدان الأوروبية التي تعج صحافتها وقنواتها المرئية والمسموعة وشبكة الإنترنيت بأدق التفاصيل والتحاليل حول وضعية الأبناك، مشاكلها والحلول المقترحة أو المقدمة لها.
الرأسمال البنكي الفرنسي بالمغرب
قبل ذلك يجب الإحاطة بموقع القطاع البنكي الفرنسي ضمن النسيج البنكي الوطني المغربي. هكذا وحسب إحصائيات رسمية للبعثة الرسمية الاقتصادية الفرنسية بالمغرب يشكل الاستثمار في القطاع المالي والبنكي الفرنسي بالمغرب حسب دراسة أنجزت سنة 2009 ما يوازي 5,5 في المائة من مجموع الاستثمارات الإجمالية الفرنسية بالمغرب. كما يحتل بلدنا المرتبة الأولى على صعيد شمال إفريقيا والشرق الأوسط من حيث إجمالي الاستثمار، وخارج الدول الأوروبية وأمريكا، يحتل المغرب مع الصين والهند مواقع متقدمة على صعيد التواجد الاقتصادي والمالي الفرنسي. هكذا تتواجد إجمالا ما بين 750 و1.000 مؤسسة اقتصادية فرنسية بالمغرب تشغل حوالي 000 115 أجير.
حسب نفس الإحصائيات تحتل فروع هذه الأبناك مراكز متقدمة بالنسبة لأهم المؤسسات الفرنسية المتواجدة والعاملة بالمغرب حيث تحتل “الشركة العامة المغربية للأبناك” المرتبة السادسة برقم معاملات 3.217 مليون درهم و3.550 أجير يليه “البنك المغربي للتجارة والصناعة” في المرتبة العاشرة برقم معاملات 2.256 مليون درهم و2.092 أجير و”مصرف المغرب” برقم معاملات يصل إلى 1.799 مليون درهم و2.345 أجير أي ما مجموعه تقريبا 7 مليار درهم و8 ألف أجير.
لتقريب الصورة أكثر حول دور القطاع البنكي الفرنسي، تجدر الإشارة إلى كون المجلة الفرنسية المختصة “لاتريبون” كانت قد قدرت، في خضم ثورات الربيع العربي، إجمالي التزامات الأبناك الفرنسية في كل من مصر، تونس، الجزائر والمغرب بمبلغ يناهز 50 مليار دولار مقارنة مع التزاماتها بكل من إيرلندا (52 مليار دولار) واليونان (59 مليار دولار).
آراء وسيناريوهات
إن كل هذه المؤشرات تذهب في اتجاه تأكيد فرضية تأثر قطاع الأبناك بأزمة أوروبا إذا اضطرت البنوك الفرنسية تجميد استثماراتها الخارجية في فروعها وكذا العمل على تحويل أرباح هذه الفروع لسد حاجياتها. ولنا في قرار “المجموعة البنكية الفرنسية للبنك الشعبي وصناديق الإدخار”، “BPCE”، بيع حصتها ب”البنك العقاري والسياحي” المغربي البالغة 23,8 في المائة بمبلغ 253 درهم للسهم وبقيمة إجمالية تقارب 1,3 مليار درهم أحسن دليل على ما يمكن أن يقع مستقبلا على صعيد أكبر. هذا القرار كان ناتج عن احتياجات المجموعة الفرنسية لسيولة نقدية لهدف إعادة رسملة البنك حسب قرارات البنك المركزي الأوروبي. إن هذه العملية مكنت صندوق الإيداع والتدبير من شراء هذه الأسهم وانسحاب المجموعة البنكية الفرنسية التي كانت قد قررت منذ خمسة سنوات خلت المساهمة كشريك استراتيجي في هذا البنك المغربي. لكن الأزمة كانت أقوى من أية إرادة أخرى. هنا يجب طرح السؤال المقلق: هل المغرب، ومؤسساته البنكية والمالية، قادر لوحده على مواجهة عمليات مماثلة تتطلب تعبئة موارد مالية هائلة؟
هناك رأي آخر يخفف من هذا السيناريو “المتشائم” إذ يؤكد على كون فروع الأبناك الفرنسية بالمغرب لا تحتل مواقع ريادية داخل النسيج البنكي الوطني، حيث تستحوذ ثلاثة أبناك مغربية خالصة، “التجاري وفا بنك”، “البنك الشعبي” و”البنك المغربي للتجارة الخارجية” على مجمل المعاملات البنكية فيما يخص الودائع والقروض.
يمكن الاتفاق حول كون غالبية التحاليل والمعطيات تؤكد قوة وصلابة القطاع البنكي المغربي الذي عرف إصلاحات عديدة وصرامة في المراقبة كما يذهب العديد من الباحثين إلى الجزم كون تبعات أزمة القطاع البنكي الفرنسي لن تصل إلى فروعها في المغرب. فحسب هذه التحاليل فإن الأبناك الفرنسية في حالة لجوءها إلى الاستعانة بسيولة فروعها في الخارج لفك أزمتها، ستتجه أولا إلى فروعها المهمة في أمريكا وأوربا وأن التوجه صوب بلدان مغاربية وإفريقية احتمال وارد ولكن سيأتي في حالات قصوى.
ويؤكد الخبراء المغاربة أيضا أنه حتى في حالة لجوء الأبناك الفرنسية إلى فروعها في المغرب فإن السلطات المغربية سوف لن تقبل بسهولة الرضوخ لها، وكون أيضا أن مؤسسات ك”مكتب الصرف” ستتدخل انطلاقا من قوانينها ومساطرها المتعلقة بتحويل العملة خارج الوطن.
مما سلف ذكره فإن سيناريو انعكاس الأزمة الاقتصادية والمالية الأوروبية وخاصة أزمة القطاع البنكي الفرنسي على نظيره المغربي من خلال فروعه وارد ويجب أخذه بعين الاعتبار وعدم الاستهانة به وإيجاد مخططات لمواجهته، خاصة أن القطاع البنكي المغربي رغم صلابته يعيش مشاكل حقيقية من حيث ندرة السيولة وأزمة قطاع البناء وركود قطاعات أساسية وتقلص تحويلات المغاربة القاطنين بالخارج، إلا أنه بالفعل ليس مشكلا آنيا ولكن كما يقول المثل تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، لذا وجب الحيطة وترصد عن قرب لكل مجريات الأزمة الاقتصادية في أوربا فيما يخص الأورو ومديونية الدول ووضعية البنوك.
مقترحات لإصلاح قطاع الأبناك بالمغرب
في هذا الإطار، وتزامنا مع الأزمة الأوروبية والوضع السياسي الجديد في المغرب، أعتقد أن الفرصة سانحة لفتح نقاش وطني جريء ومسئول حول واقع ومستقبل القطاع البنكي الوطني. واسمحوا لي، في هذا الإطار، طرح بكل تواضع بعض الأفكار العامة والمقترحات للنقاش ولكن مع الإشارة إلى أن تفعيل أية فكرة داخل قطاع المال والأبناك يتطلب دراسات تقنية جد متخصصة وخبراء عديدين للإحاطة بكل جوانب الموضوع كما هو الشأن بالنسبة لموضوع المركز المالي للدارالبيضاء الذي تطلب ومازال مسار متواصل من الدراسات والإنجازات لإنجاحه. لنطرح أولا الأفكار للنقاش العام حتى نتمكن من تحديد الأولويات الاستراتيجية للقطاع على المدى المتوسط والبعيد. الأفكار تبقى دائما المحرك والموجه لكل سياسة اقتصادية طموحة وإرادية للتطور والتغيير إلى الأحسن. القطاع البنكي الوطني يجب أن يكون في خدمة الوطن والمواطنين وليس أولا وأساسا في خدمة ممثلي الرأسمال المالي أشخاصا ذاتيين أو معنويين، مغاربة أو أجانب. في هذا الإطار فإن الأحزاب الوطنية، النقابات، الجامعة والمجتمع المدني مدعوون لفتح نقاش وطرح مقترحات معمقة، لأن ما يلاحظ هو عدم اكتراث العديد من هذه الإطارات بالخوض في قضايا هذا القطاع، أو التعرض له بعموميات. اقتراحات الأحزاب، إلا القليل منها، خلال الحملة الانتخابية الأخيرة تؤكد هذا القول. يجب أن نستفيد من دروس الآخرين وجعل قطاع المال والأبناك قضية اهتمام الرأي العام.
- على القطاع، في المدى القصير، العمل على الزيادة في رأسمال مؤسساته البنكية، والتقيد بتوصيات بازل 2 و3؛ وتقوية هيئات المراقبة الذاتية للمجالس الإدارية والخارجية للبنك المركزي أساسا وللحكومة ثانيا وسن سياسة شفافة حول الرواتب، العلاوات ومختلف المزايا للأطر المديرية المسيرة للأبناك. إن الشعار الكوني اليوم يتمحور حول تعزيز شفافية البنوك.
- القطاع البنكي في المغرب استطاع أن يراكم رصيدا هائلا من المهنية العالية والإنتاجية بأطره الوطنية ورأسماله الوطني. مما أهله للعب دور ريادي في عملية تمويل الاقتصاد الوطني من جهة والتوسع ليس على الصعيد الوطني فحسب بل على الصعيد الإفريقي. لا يمكن للمرء إلا أن يكون فخورا بهذه الإنجازات. رغم هذا فما زال القطاع في حاجة ماسة لتطوير بنياته واستيعاب تقنيات متطورة للعمل وانفتاحه أكثر على محيطه الوطني وتمكين كل المقاولات، الكبيرة وأيضا وخاصة المتوسطة والصغيرة، من القروض الضرورية للإنتاج والابتكار.
- على القطاع البنكي الوطني نهج سياسة أكثر شفافية في تعامله مع أطره ومستخدميه وتحفيزهم للعطاء أكثر وتمكينهم من تبوأ مواقع المسؤولية خاصة في المقرات المركزية انطلاقا من كفاءاتهم وليس من وضعهم الاجتماعي والعائلي أو قربهم من مراكز القرار. إن انخراط الرأسمال البشري في الرفع من وثيرة الإنتاجية والابتكار والانخراط الكلي في مخططات طموحة في قطاع مرهق يتطلب جهد ذهني وبدني كبير رهين بالتوازنات الاجتماعية التي شعارها الرئيسي سلم اجتماعي مبني على الشراكة الحقيقة واحترام الحقوق لآلاف المستخدمين والأطر وشعار “غالب – غالب”. إنه أيضا مدخلا ضروريا “لتفهم” الرأسمال البشري في وقت الأزمة والعسر ضرورة الانخراط في كل “مخطط تقشفي”.
- على القطاع البنكي سن سياسة تطوعية لاستبناك كل المناطق ومختلف الفئات، المهنية والاقتصادية بالمغرب حتى نقترب من المؤشرات العالمية (مثلا بفرنسا معدل الاستبناك يصل إلى 100 في المائة وشباك بنكي واحد لكل 1.500 مواطن تقريبا، بالمغرب الدراسات تشير إلى معدل يفوق 60 في المائة سنة 2013 وشباك لكل 5.000 مواطن).
- القطاع البنكي مطالب أيضا بعلاقات تواصل مستمرة وتفاعل إيجابي مع الزبناء خلال استبناكهم ولكن فيما يخص “الخدمة بعد بيع المنتوج البنكي” وأساسا سن سياسة بيداغوجية للعموم والفاعلين الاقتصاديين حول “التربية البنكية والمالية” حيث أصبحت في الدول المتقدمة ضرورة ملحة، احتراما أولا للزبون الذي يؤدي عمولات وفوائد للبنك، وأيضا لتكوين وإخبار المواطن ليعرف حقوقه وواجباته وتجنب المشاكل التي من شأنها تأزيم العلاقة ما بين المواطنين وهذا القطاع الحيوي اليوم في اقتصاديات الدول.
- القطاع البنكي ملزم بانفتاحه على طاقات وثروات رأسمالية مغربية خالصة جديدة ظهرت بقوة خلال الفترة الأخيرة وتمكينها من إمكانية إنشاء بنوك جديدة إن اقتضى الحال وذلك بنهج سياسة حقيقية للمنافسة سيستفيد منها القطاع أولا، الاقتصاد الوطني ثانيا وزبناء الأبناك أخيرا.
- القطاع البنكي مطالب بفتح المجال للبنوك الإسلامية ما دام فئات عديدة من المواطنين والمستهلكين والمنتجين مستعدين للتعامل مع هذا النوع من المؤسسات التي استطاعت أن تعرف نموا كبيرا ليس في البلدان الإسلامية بل أيضا في الدول المتقدمة كأوروبا على سبيل المثال، هذا سيكون ربحا للقطاع ككل وللاقتصاد الوطني، إن على مستوى الاستبناك والإدخار والاستثمار، بعيدا عن الطابوهات العقيمة.
- القطاع البنكي مطالب بتقوية الرأسمال الوطني وسن سياسة الاندماجات المصرفية لقدرة بلادنا على التوفر على بنوك قوية وقادرة على منافسة الأبناك الجهوية والقارية والعالمية داخليا وعلى الصعيد الإفريقي وكذا الاستمرار في سياسة جدب الرساميل البنكية الدولية وتنويعها والانفتاح على قوى بنكية صاعدة في الشرق الأوسط وآسيا وإنجاح مشروع المركز المالي الدولي للدارالبيضاء. لا يمكن لكل وطني غيور إلا أن يسجل بإيجابية قرار “مجموعة بنك قطر الوطني” حيازة نسبة هامة من رأسمال “الاتحاد المغربي للأبناك”، وأيضا الأخبار المتعلقة بشراء القطريين حصة مهمة، ما بين 15 إلى 20 في المائة، في البنك الوطني الأول بالمغرب، “التجاري وفا بنك” وأخيرا ما قيل حول عزم القطريين أيضا المساهمة في إنشاء بنك إسلامي وشركة إسلامية للتأمين.
- القطاع البنكي مطالب بالاستمرار في تقوية وجوده وحضوره في القارة الإفريقية خدمة لمصالحه وكفاعل أساسي لكل المقاولات العالمية التي تبحث عن مؤسسات تضمن لها الحضور والاشتغال بالقارة السمراء. على المغرب سن استراتيجية مدروسة وفعالة حالاً ليصبح منطقة عبور لا مناص منها لكل الشركات العالمية نحو إفريقيا. في هذا الإطار فإن التجربة المميزة للأبناك المغربية وتواجدها في عدة دول إفريقية، يمكن أن تشكل نواة لهذا المخطط.
- القطاع البنكي مطالب أيضا بتقوية أولا، وخلق إن اقتضى الحال، بنوك عمومية وشبه عمومية قادرة على الاستمرار في تمويل قطاعات حيوية كالفلاحة والصناعة التقليدية والصيد البحري وعصرنتها أفقيا حتى نخرج من دائرة إنتاج وبيع المنتوجات الأولية عوض المنتوجات ذات القيمة المضافة وكذا قطاع السكن والمقاولات الصناعية الكبرى وأيضا بنوك وطنية قادرة على تمويل الحاجيات الكبرى للجماعات المحلية والبنيات التحتية…
- القطاع البنكي ملزم بمسايرة التنظيم الجهوي الجديد الذي سيحتاج لرؤوس أموال كبرى ولما لا أبناك جهوية تعيد التوازنات ما بين مناطق الادخار ومناطق الاستثمار ودعم الجهات التي ينعدم فيها الادخار والاستثمار.
- القطاع البنكي مطالب أيضا المساهمة أكثر في إنعاش قطاع القروض الصغرى وتطويرها لتمكين الفئات الفقيرة المنتجة في العالم القروي والمدن الصغرى ومحيط المدن الكبرى من الخروج من وضعيتها المزرية وخلق مقاولات صغرى منتجة ومزدهرة مع تمكين الشريحة العليا من ذوي الدخل المحدود من التطور والولوج للقطاع البنكي الكلاسيكي للاستفادة من قروض مهمة وبفوائد مناسبة. في هذا الإطار يجب الإشارة إلى كون المغرب يعد رائدا على مستوى قطاع القروض الصغرى بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وحسب دراسات فيطمح القطاع خلال هذه العشرية تمكين 3 ملايين شخص من الاستفادة من القروض الصغرى برقم معاملات يصل إلى 25 مليار درهم وخلق مليونين فرصة شغل جديدة.
- القطاع مطالب بتطوير وتقنين قطاع قروض الاستهلاك مع إيجاد حلول مستعجلة ومعقولة لظاهرة المديونية المفرطة التي يعاني منها قطاع واسع من الموظفين والفئات المتوسطة العاملة بالقطاعين العمومي والخاص. هناك العديد من التجارب على صعيد عدة بلدان أوربية عالجت الموضوع ومكنت من خلق طلب استهلاكي داخلي مهم.
- القطاع مطالب بمجهود لحل معضلة الديون المستحقة الغير المسددة من جهة، تنويع ودائعه، السهر على تقوية تدخله في القطاع الإنتاجي الصناعي، العمل على تخفيض كلفة القروض والعمولات المختلفة وخاصة أن أرباحه كل سنة تتحسن وترتفع.
أكتفي بهذا القدر. إنها مطالب وأفكار ومتمنيات من ضمن أخرى يمكن أن تغني النقاش وتساهم في النهوض وتطوير هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي بالنسبة للاقتصاد الوطني، ولي اليقين أنه إذا كانت الإرادة متوفرة من مختلف الفاعلين والمتدخلين في القطاع من حكومة ومعارضة والمجموعات المهنية والنقابات التمثيلية والمؤسسات المالية فإن رصيد القطاع اليوم يبوئه خلال العشر السنوات القادمة أن يلعب دورا محوريا على صعيد خلق فرص للشغل وتمويل القطاعات الإنتاجية وجلبه الرأسمال الخارجي وجعل المغرب يتبوأ مكانة متقدمة في مهن المال والأبناك على الصعيد الجهوي والقاري.
هكذا قامتا حكومات كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بمجهود كبير لحل أزمة 2008 وذلك بضخ ملايير الدولارات في صناديق الأبناك لتفادي انهيارها وانهيار صرح الاقتصاد الرأسمالي المبني على محورية القطاع البنكي والمالي. هذا التدخل، الذي اعُتبر حينها “انتصارا” مهما للنظرية الكينزية في شقها المتعلق بتدخل الدولة في الدورة الاقتصادية وتحكمها في قطاعات هامة كقطاع الأبناك، مكن من تجاوز أزمة 2008 ولكن دون القدرة على محو أثارها السلبية على الاقتصاد والإنتاج إلى حد أن الملايين من المواطنين أصبحوا بدون عمل ودون القدرة على الوفاء بديونهم العقارية ومن تم وُضعت منازلهم في المزاد العلني وانهار قطاع البناء وشركاته العملاقة.
هذا تذكير ضروري لمحاولة فهم الأزمة الحالية التي هي في جانب مهم منها ناتجة عن ضخ السيولة في القطاع البنكي، هكذا نجد اليوم تبعات هذا القرار على مديونية الدول التي تضخمت من جهة بشكل كبير (لتبيان حجم ذلك نكتفي بالإشارة إلى كون المديونية العمومية لفرنسا مثلا، تتعدى 1.700 مليار أورو وهو رقم يوازي الناتج الوطني الخام لبلد كالهند ساكنته تفوق 1,2 مليار نسمة)، وأدى من جهة أخرى إلى عدم قدرة هذه الدول على الاستيفاء بديونها أمام انحصار الدورة الاقتصادية واتساع البطالة والركود التجاري وتدني مداخيل الضرائب وانعكاس كل ذلك على قطاعات عديدة منها على الخصوص قطاع الأبناك الذي وجد نفسه مثقل بديون سيادية للدول لا قيمة لها. وأصبحت الأبناك بالتالي عاجزة هي الأخرى، عن القيام بدورها في منح قروض الاستهلاك والاستثمار نظرا لعدم وفرة السيولة الكافية ولضعف رأسمالها الخام. يتضح جليا أن قطاع الأبناك والمال يوجد في قلب أزمة سنة 2008 والأزمة الحالية.
أزمة مالية خانقة بأوربا
اليوم، يجب الاعتراف بذلك، القارة الأوروبية، الشريك الأول للمغرب، توجد في مأزق حقيقي. اليونان على شفى حفرة من الانهيار إذ حسب آخر الأخبار فهذا البلد مطالب قبل مارس 2012 من إيجاد حل لمديونيته مع الأبناك الخاصة وإلا سيكون مضطرا لإعلان حالة الإفلاس!!! بلدان أوروبية أخرى، كإيطاليا، البرتغال، إيرلندا وإسبانيا مقبلتان على الالتحاق بركب اليونان إذا لم تتم معالجة عميقة لأزمة أوروبا ولاقتصاديات هذه البلدان. حتى فرنسا ليست في منأى عن هذا المنحى. أحد المؤشرات الدال على ذلك هو إعلان أهم شركة للخدمات المالية “ستندارد أند بورز” التراجع التاريخي عن التصنيف الإتماني لفرنسا من درجة “AAA” الذي حصلت عليه سنة 1975 من القرن الماضي إلى درجة “AA+”، وأيضا خفض لدرجتين تنقيط اقتصاديات كل من إيطاليا وإسبانيا. النتيجة الأولية والمباشرة لهذا القرار هو إمكانية فقدان ثقة المستثمرين في هذه الدول وغلاء فوائد الإقراض الحكومي وارتفاع كلفة الدين. إن انخفاض تصنيف أي دولة ينعكس سلبا على كل المؤسسات الخاصة والعمومية كما يسري بطبيعة الحال على قطاعه البنكي وعلى غلاء القروض الموجهة للاستثمار والاستهلاك.
حسب الخبراء الاقتصاديين والماليين، أوربا في امتحان عسير على عدة أصعدة:
- أهلية الأورو على الاستمرار في توحيد الدول الأوروبية ومواجهة التحديات المتمثلة في تعايش اقتصاديات دول، هياكلها بعيدة بعضها عن البعض وهو ما يعرف أوروبيا بدول الشمال بزعامة ألمانيا، الدولة القوية، ودول الجنوب الغارقة في أزمة خانقة ابتداء من اليونان، البرتغال، إيطاليا وإسبانيا. هناك اليوم أصوات تطالب بتقسيم منطقة الأورو والرجوع إلى منطقة نقدية لدول منسجمة في اقتصادياتها وموازناتها وأصوات أخرى أكثر راديكالية تطالب بخروج اليونان ودول أخرى من منطقة الأورو. إنه زلزال حقيقي ليس على المستوى الاقتصادي والمالي فحسب ولكن أساسا على المستوى السياسي، بانهيار مكون تم بناءه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
- قدرة الدول الأوروبية سن سياسات تقشفية مقبولة شعبيا ومجدية للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية والرجوع إلى مرحلة الانتعاش الاقتصادي القادر على الحد من البطالة ويعيد الحيوية لقطاعات اقتصادية واسعة (كقطاع العقار مثلا) على المستوى الإنتاجي والخدماتي والمالي.
- طاقة الدول الأوروبية على تحصين قطاعها المالي والبنكي من الانهيار. وما قرار فرنسا وبلجيكا تفكيك بنك “ديكسيا- Dexia” إلا مؤشر على الصعوبات التي تعتري قطاع الأبناك في دول كإسبانيا، إيطاليا وأيضا فرنسا. في هذا الإطار، تجدر الإشارة لإلحاح منظمات مالية دولية على غرار البنك الدولي، بالتدخل العاجل لضخ رؤوس أموال كبرى في الأبناك الأوروبية ومن ضمنها الأبناك الفرنسية لكي تتمكن من تحمل عبئ أزمة ديون سيادية وأصول سامة تثقل موازناتها وتشكل خطرا فعليا عليها وعلى اقتصاديات بلدانها. هكذا فالأبناك الأوروبية في حاجة ماسة ل 114 مليار أورو من هنا إلى نهاية يونيو 2012 لتفادي ما من شأنه أن يشكل انهيارا للقطاع وللاقتصاد الأوروبي. اليونان بحاجة ل 30 مليار أورو؛ البلد الجار، إسبانيا، الذي يعاني أزمة خانقة، مؤسساته البنكية في حاجة إلى 26,6 مليار أورو وفرنسا 7,3 مليار أورو. الأبناك الأوروبية ستمر خلال الستة الأشهر من هذه السنة بمنطقة اضطراب جوي لا يمكن لأحد التكهن بنتيجتها النهائية.
أزمة البنوك الفرنسية
وبالتركيز على فرنسا، أول شريك اقتصادي للمغرب، نجد أن البنوك الثلاثة الأولى الفرنسية، “بنك باري با”، “الشركة العامة” و”القرض الفلاحي”، زيادة على البنك المفلس ديكسيا، مثقلة بديون سيادية لدول كاليونان، إيطاليا، البرتغال وإسبانيا تجعلها في وضعية صعبة تتجلى أولى انعكاساتها في هبوط متواصل لأسهمها في البورصة. أرقام تبين بجلاء حجم مديونية الأبناك الفرنسية، حيث بلغ المجموع الخام للديون السيادية، بتاريخ 31 دجنبر 2010، إلى 85 مليار أورو منها 56 مليار بالنسبة لإيطاليا و10 مليار بالنسبة لإسبانيا.
لتوضيح الوضع الصعب للأبناك الفرنسية أشارت بعض الإحصائيات خلال نهاية سنة 2011 إلى كون قيمة “بنك باري با” بسوق البورصة وصلت إلى 37 مليار أورو في الوقت الذي نجد قيمة البنك على صعيد الوثائق الرسمية للبنك هو 85 مليار أورو بمعنى آخر أن “قيمة” البنك على الأوراق يفوق بكثير قيمته الحقيقية في السوق المالي. هذا الوضع يتقاسمه هذا البنك مع “الشركة العامة الفرنسية”، قيمة السوق: 15 مليار أورو وقيمة الوثائق: 51 مليار أورو وأيضا “القرض الفلاحي الفرنسي” حيث نجد أن قيمته في السوق تصل إلى 13 مليار أورو في حين أن الوثائق المحاسبية تفوق 52 مليار أورو. ناهيك عن قرارات تقشفية تروم تقليص النفقات وإغلاق بعض المرافق الغير المنتجة مما سيؤدي رسميا إلى تسريح العاملين بالقطاع البنكي الفرنسي وبفروعه بمختلف دول العالم، هكذا ف”القرض الفلاحي الفرنسي” قرر تسريح 2.350 أجير بنكي من ضمنهم 850 في فرنسا، أما “الشركة العامة الفرنسية” فقررت تسريح 1.580 بنكي من ضمنهم 880 بفرنسا وأخيرا “البنك الوطني لفرنسا باري با” قرر تسريح 1.400 بنكي من ضمنهم 850 بفرنسا. البنك المركزي الفرنسي، بنك فرنسا”، قرر هو الآخر الاستغناء خلال السنوات المقبلة عن 2.500 إطار ومستخدم. أما على الصعيد الدولي فتشير التقارير إلى سياسة تقليص عدد العاملين بالقطاع البنكي بأمريكا وأوروبا في حدود 116.000 إطار ومستخدم بنكي.
ما يهما مما سلف ذكره هو الوعي بكون الأزمة الأوروبية عموما وأزمة قطاعها البنكي سيكونان لهما بدون شك تأثير وتبعات بالنسبة للمغرب إن على المستوى الاقتصادي العام وإن على مستوى قطاع الأبناك والمال.
تبعات الأزمة الأوروبية بالمغرب
إجمالا فإن تبعات الأزمة الاقتصادية الأوروبية على المغرب ستتجلى في انخفاض الاستثمار الأوروبي من جهة، علما أن فرنسا وإسبانيا تعدان من أهم المتدخلين في هذا المجال ناهيك عن انخفاض المساعدات والمنح المقدمة من طرف الدول والمجموعة الأوربية. كذلك ستنخفض تحويلات المغاربة القاطنين بالخارج حيث يتمركز غالبيتهم العظمى (خمسة ملايين) بدول أوروبا. كما سيعاني أيضا قطاع تسويق المنتجات الفلاحية والصناعة الغذائية وقطاع النسيج من كساد السوق الأوروبي، نظرا من جهة لانخفاض القدرة الشرائية واستمرار معدلات عالية من البطالة. ناهيك عن قطاعي السياحة والصناعة التقليدية. نكتفي بهذه المؤشرات دون التعمق أكثر في جوانب أخرى لها قدر من الأهمية، لنؤكد أنه حان الوقت للمغرب الاستعداد لمواجهة تبعات الأزمة الأوروبية والانكباب على وضع الخطط الاقتصادية والمالية الكفيلة بالتصدي لها ومعالجتها والحفاظ على معدلات من النمو تسمح بمواجهة التحديات الكبرى خاصة على صعيد محاربة آفة البطالة والفقر وإنعاش الاقتصاد الوطني.
لنتحدث الآن عن انعكاس الأزمة الأوروبية على القطاع البنكي الوطني. قبل ذلك، ضروري الإشارة إلى كون اقتصاد المغرب ليس منفتحا – خاصة في مجال المال والأبناك – كليا على الخارج، مما “سيخفف” شيئا ما، حسب بعض الاقتصاديين، من تقلبات السوق المالي الأوروبي وانعكاسه على قطاع حيوي مثل القطاع البنكي الوطني. هذه الملاحظة رغم أهميتها يجب أخذها أيضا بحذر شديد لأن الأزمة الحالية تمس بشكل مباشر الأبناك الثلاثة الأولى في فرنسا والمتوفرة على فروع لها هنا في المغرب، نتحدث عن “البنك المغربي للتجارة والصناعة” وهو فرع “لبنك باري با” و”الشركة العامة” وهي فرع لنفس البنك الفرنسي وأخيرًا “مصرف المغرب” وهو فرع ل”القرض الفلاحي الفرنسي”.
أما فيما يتعلق بمستقبل القطاع ونظرا كما تمت الإشارة إلى ذلك توفر الأبناك الفرنسية الثلاث لفروع لها هنا في المغرب فيقتضي عدم التسرع في إلقاء الأحكام المسبقة حول مستقبل هذه الفروع ولكن أيضا عدم “التستر” على الموضوع لحساسية ما. العكس هم الصحيح، لأن دور وأهمية القطاع البنكي يتطلب شفافية ووضوح في التطرق لوضعه ومستقبله كما هو الشأن في البلدان الأوروبية التي تعج صحافتها وقنواتها المرئية والمسموعة وشبكة الإنترنيت بأدق التفاصيل والتحاليل حول وضعية الأبناك، مشاكلها والحلول المقترحة أو المقدمة لها.
الرأسمال البنكي الفرنسي بالمغرب
قبل ذلك يجب الإحاطة بموقع القطاع البنكي الفرنسي ضمن النسيج البنكي الوطني المغربي. هكذا وحسب إحصائيات رسمية للبعثة الرسمية الاقتصادية الفرنسية بالمغرب يشكل الاستثمار في القطاع المالي والبنكي الفرنسي بالمغرب حسب دراسة أنجزت سنة 2009 ما يوازي 5,5 في المائة من مجموع الاستثمارات الإجمالية الفرنسية بالمغرب. كما يحتل بلدنا المرتبة الأولى على صعيد شمال إفريقيا والشرق الأوسط من حيث إجمالي الاستثمار، وخارج الدول الأوروبية وأمريكا، يحتل المغرب مع الصين والهند مواقع متقدمة على صعيد التواجد الاقتصادي والمالي الفرنسي. هكذا تتواجد إجمالا ما بين 750 و1.000 مؤسسة اقتصادية فرنسية بالمغرب تشغل حوالي 000 115 أجير.
حسب نفس الإحصائيات تحتل فروع هذه الأبناك مراكز متقدمة بالنسبة لأهم المؤسسات الفرنسية المتواجدة والعاملة بالمغرب حيث تحتل “الشركة العامة المغربية للأبناك” المرتبة السادسة برقم معاملات 3.217 مليون درهم و3.550 أجير يليه “البنك المغربي للتجارة والصناعة” في المرتبة العاشرة برقم معاملات 2.256 مليون درهم و2.092 أجير و”مصرف المغرب” برقم معاملات يصل إلى 1.799 مليون درهم و2.345 أجير أي ما مجموعه تقريبا 7 مليار درهم و8 ألف أجير.
لتقريب الصورة أكثر حول دور القطاع البنكي الفرنسي، تجدر الإشارة إلى كون المجلة الفرنسية المختصة “لاتريبون” كانت قد قدرت، في خضم ثورات الربيع العربي، إجمالي التزامات الأبناك الفرنسية في كل من مصر، تونس، الجزائر والمغرب بمبلغ يناهز 50 مليار دولار مقارنة مع التزاماتها بكل من إيرلندا (52 مليار دولار) واليونان (59 مليار دولار).
آراء وسيناريوهات
إن كل هذه المؤشرات تذهب في اتجاه تأكيد فرضية تأثر قطاع الأبناك بأزمة أوروبا إذا اضطرت البنوك الفرنسية تجميد استثماراتها الخارجية في فروعها وكذا العمل على تحويل أرباح هذه الفروع لسد حاجياتها. ولنا في قرار “المجموعة البنكية الفرنسية للبنك الشعبي وصناديق الإدخار”، “BPCE”، بيع حصتها ب”البنك العقاري والسياحي” المغربي البالغة 23,8 في المائة بمبلغ 253 درهم للسهم وبقيمة إجمالية تقارب 1,3 مليار درهم أحسن دليل على ما يمكن أن يقع مستقبلا على صعيد أكبر. هذا القرار كان ناتج عن احتياجات المجموعة الفرنسية لسيولة نقدية لهدف إعادة رسملة البنك حسب قرارات البنك المركزي الأوروبي. إن هذه العملية مكنت صندوق الإيداع والتدبير من شراء هذه الأسهم وانسحاب المجموعة البنكية الفرنسية التي كانت قد قررت منذ خمسة سنوات خلت المساهمة كشريك استراتيجي في هذا البنك المغربي. لكن الأزمة كانت أقوى من أية إرادة أخرى. هنا يجب طرح السؤال المقلق: هل المغرب، ومؤسساته البنكية والمالية، قادر لوحده على مواجهة عمليات مماثلة تتطلب تعبئة موارد مالية هائلة؟
هناك رأي آخر يخفف من هذا السيناريو “المتشائم” إذ يؤكد على كون فروع الأبناك الفرنسية بالمغرب لا تحتل مواقع ريادية داخل النسيج البنكي الوطني، حيث تستحوذ ثلاثة أبناك مغربية خالصة، “التجاري وفا بنك”، “البنك الشعبي” و”البنك المغربي للتجارة الخارجية” على مجمل المعاملات البنكية فيما يخص الودائع والقروض.
يمكن الاتفاق حول كون غالبية التحاليل والمعطيات تؤكد قوة وصلابة القطاع البنكي المغربي الذي عرف إصلاحات عديدة وصرامة في المراقبة كما يذهب العديد من الباحثين إلى الجزم كون تبعات أزمة القطاع البنكي الفرنسي لن تصل إلى فروعها في المغرب. فحسب هذه التحاليل فإن الأبناك الفرنسية في حالة لجوءها إلى الاستعانة بسيولة فروعها في الخارج لفك أزمتها، ستتجه أولا إلى فروعها المهمة في أمريكا وأوربا وأن التوجه صوب بلدان مغاربية وإفريقية احتمال وارد ولكن سيأتي في حالات قصوى.
ويؤكد الخبراء المغاربة أيضا أنه حتى في حالة لجوء الأبناك الفرنسية إلى فروعها في المغرب فإن السلطات المغربية سوف لن تقبل بسهولة الرضوخ لها، وكون أيضا أن مؤسسات ك”مكتب الصرف” ستتدخل انطلاقا من قوانينها ومساطرها المتعلقة بتحويل العملة خارج الوطن.
مما سلف ذكره فإن سيناريو انعكاس الأزمة الاقتصادية والمالية الأوروبية وخاصة أزمة القطاع البنكي الفرنسي على نظيره المغربي من خلال فروعه وارد ويجب أخذه بعين الاعتبار وعدم الاستهانة به وإيجاد مخططات لمواجهته، خاصة أن القطاع البنكي المغربي رغم صلابته يعيش مشاكل حقيقية من حيث ندرة السيولة وأزمة قطاع البناء وركود قطاعات أساسية وتقلص تحويلات المغاربة القاطنين بالخارج، إلا أنه بالفعل ليس مشكلا آنيا ولكن كما يقول المثل تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، لذا وجب الحيطة وترصد عن قرب لكل مجريات الأزمة الاقتصادية في أوربا فيما يخص الأورو ومديونية الدول ووضعية البنوك.
مقترحات لإصلاح قطاع الأبناك بالمغرب
في هذا الإطار، وتزامنا مع الأزمة الأوروبية والوضع السياسي الجديد في المغرب، أعتقد أن الفرصة سانحة لفتح نقاش وطني جريء ومسئول حول واقع ومستقبل القطاع البنكي الوطني. واسمحوا لي، في هذا الإطار، طرح بكل تواضع بعض الأفكار العامة والمقترحات للنقاش ولكن مع الإشارة إلى أن تفعيل أية فكرة داخل قطاع المال والأبناك يتطلب دراسات تقنية جد متخصصة وخبراء عديدين للإحاطة بكل جوانب الموضوع كما هو الشأن بالنسبة لموضوع المركز المالي للدارالبيضاء الذي تطلب ومازال مسار متواصل من الدراسات والإنجازات لإنجاحه. لنطرح أولا الأفكار للنقاش العام حتى نتمكن من تحديد الأولويات الاستراتيجية للقطاع على المدى المتوسط والبعيد. الأفكار تبقى دائما المحرك والموجه لكل سياسة اقتصادية طموحة وإرادية للتطور والتغيير إلى الأحسن. القطاع البنكي الوطني يجب أن يكون في خدمة الوطن والمواطنين وليس أولا وأساسا في خدمة ممثلي الرأسمال المالي أشخاصا ذاتيين أو معنويين، مغاربة أو أجانب. في هذا الإطار فإن الأحزاب الوطنية، النقابات، الجامعة والمجتمع المدني مدعوون لفتح نقاش وطرح مقترحات معمقة، لأن ما يلاحظ هو عدم اكتراث العديد من هذه الإطارات بالخوض في قضايا هذا القطاع، أو التعرض له بعموميات. اقتراحات الأحزاب، إلا القليل منها، خلال الحملة الانتخابية الأخيرة تؤكد هذا القول. يجب أن نستفيد من دروس الآخرين وجعل قطاع المال والأبناك قضية اهتمام الرأي العام.
- على القطاع، في المدى القصير، العمل على الزيادة في رأسمال مؤسساته البنكية، والتقيد بتوصيات بازل 2 و3؛ وتقوية هيئات المراقبة الذاتية للمجالس الإدارية والخارجية للبنك المركزي أساسا وللحكومة ثانيا وسن سياسة شفافة حول الرواتب، العلاوات ومختلف المزايا للأطر المديرية المسيرة للأبناك. إن الشعار الكوني اليوم يتمحور حول تعزيز شفافية البنوك.
- القطاع البنكي في المغرب استطاع أن يراكم رصيدا هائلا من المهنية العالية والإنتاجية بأطره الوطنية ورأسماله الوطني. مما أهله للعب دور ريادي في عملية تمويل الاقتصاد الوطني من جهة والتوسع ليس على الصعيد الوطني فحسب بل على الصعيد الإفريقي. لا يمكن للمرء إلا أن يكون فخورا بهذه الإنجازات. رغم هذا فما زال القطاع في حاجة ماسة لتطوير بنياته واستيعاب تقنيات متطورة للعمل وانفتاحه أكثر على محيطه الوطني وتمكين كل المقاولات، الكبيرة وأيضا وخاصة المتوسطة والصغيرة، من القروض الضرورية للإنتاج والابتكار.
- على القطاع البنكي الوطني نهج سياسة أكثر شفافية في تعامله مع أطره ومستخدميه وتحفيزهم للعطاء أكثر وتمكينهم من تبوأ مواقع المسؤولية خاصة في المقرات المركزية انطلاقا من كفاءاتهم وليس من وضعهم الاجتماعي والعائلي أو قربهم من مراكز القرار. إن انخراط الرأسمال البشري في الرفع من وثيرة الإنتاجية والابتكار والانخراط الكلي في مخططات طموحة في قطاع مرهق يتطلب جهد ذهني وبدني كبير رهين بالتوازنات الاجتماعية التي شعارها الرئيسي سلم اجتماعي مبني على الشراكة الحقيقة واحترام الحقوق لآلاف المستخدمين والأطر وشعار “غالب – غالب”. إنه أيضا مدخلا ضروريا “لتفهم” الرأسمال البشري في وقت الأزمة والعسر ضرورة الانخراط في كل “مخطط تقشفي”.
- على القطاع البنكي سن سياسة تطوعية لاستبناك كل المناطق ومختلف الفئات، المهنية والاقتصادية بالمغرب حتى نقترب من المؤشرات العالمية (مثلا بفرنسا معدل الاستبناك يصل إلى 100 في المائة وشباك بنكي واحد لكل 1.500 مواطن تقريبا، بالمغرب الدراسات تشير إلى معدل يفوق 60 في المائة سنة 2013 وشباك لكل 5.000 مواطن).
- القطاع البنكي مطالب أيضا بعلاقات تواصل مستمرة وتفاعل إيجابي مع الزبناء خلال استبناكهم ولكن فيما يخص “الخدمة بعد بيع المنتوج البنكي” وأساسا سن سياسة بيداغوجية للعموم والفاعلين الاقتصاديين حول “التربية البنكية والمالية” حيث أصبحت في الدول المتقدمة ضرورة ملحة، احتراما أولا للزبون الذي يؤدي عمولات وفوائد للبنك، وأيضا لتكوين وإخبار المواطن ليعرف حقوقه وواجباته وتجنب المشاكل التي من شأنها تأزيم العلاقة ما بين المواطنين وهذا القطاع الحيوي اليوم في اقتصاديات الدول.
- القطاع البنكي ملزم بانفتاحه على طاقات وثروات رأسمالية مغربية خالصة جديدة ظهرت بقوة خلال الفترة الأخيرة وتمكينها من إمكانية إنشاء بنوك جديدة إن اقتضى الحال وذلك بنهج سياسة حقيقية للمنافسة سيستفيد منها القطاع أولا، الاقتصاد الوطني ثانيا وزبناء الأبناك أخيرا.
- القطاع البنكي مطالب بفتح المجال للبنوك الإسلامية ما دام فئات عديدة من المواطنين والمستهلكين والمنتجين مستعدين للتعامل مع هذا النوع من المؤسسات التي استطاعت أن تعرف نموا كبيرا ليس في البلدان الإسلامية بل أيضا في الدول المتقدمة كأوروبا على سبيل المثال، هذا سيكون ربحا للقطاع ككل وللاقتصاد الوطني، إن على مستوى الاستبناك والإدخار والاستثمار، بعيدا عن الطابوهات العقيمة.
- القطاع البنكي مطالب بتقوية الرأسمال الوطني وسن سياسة الاندماجات المصرفية لقدرة بلادنا على التوفر على بنوك قوية وقادرة على منافسة الأبناك الجهوية والقارية والعالمية داخليا وعلى الصعيد الإفريقي وكذا الاستمرار في سياسة جدب الرساميل البنكية الدولية وتنويعها والانفتاح على قوى بنكية صاعدة في الشرق الأوسط وآسيا وإنجاح مشروع المركز المالي الدولي للدارالبيضاء. لا يمكن لكل وطني غيور إلا أن يسجل بإيجابية قرار “مجموعة بنك قطر الوطني” حيازة نسبة هامة من رأسمال “الاتحاد المغربي للأبناك”، وأيضا الأخبار المتعلقة بشراء القطريين حصة مهمة، ما بين 15 إلى 20 في المائة، في البنك الوطني الأول بالمغرب، “التجاري وفا بنك” وأخيرا ما قيل حول عزم القطريين أيضا المساهمة في إنشاء بنك إسلامي وشركة إسلامية للتأمين.
- القطاع البنكي مطالب بالاستمرار في تقوية وجوده وحضوره في القارة الإفريقية خدمة لمصالحه وكفاعل أساسي لكل المقاولات العالمية التي تبحث عن مؤسسات تضمن لها الحضور والاشتغال بالقارة السمراء. على المغرب سن استراتيجية مدروسة وفعالة حالاً ليصبح منطقة عبور لا مناص منها لكل الشركات العالمية نحو إفريقيا. في هذا الإطار فإن التجربة المميزة للأبناك المغربية وتواجدها في عدة دول إفريقية، يمكن أن تشكل نواة لهذا المخطط.
- القطاع البنكي مطالب أيضا بتقوية أولا، وخلق إن اقتضى الحال، بنوك عمومية وشبه عمومية قادرة على الاستمرار في تمويل قطاعات حيوية كالفلاحة والصناعة التقليدية والصيد البحري وعصرنتها أفقيا حتى نخرج من دائرة إنتاج وبيع المنتوجات الأولية عوض المنتوجات ذات القيمة المضافة وكذا قطاع السكن والمقاولات الصناعية الكبرى وأيضا بنوك وطنية قادرة على تمويل الحاجيات الكبرى للجماعات المحلية والبنيات التحتية…
- القطاع البنكي ملزم بمسايرة التنظيم الجهوي الجديد الذي سيحتاج لرؤوس أموال كبرى ولما لا أبناك جهوية تعيد التوازنات ما بين مناطق الادخار ومناطق الاستثمار ودعم الجهات التي ينعدم فيها الادخار والاستثمار.
- القطاع البنكي مطالب أيضا المساهمة أكثر في إنعاش قطاع القروض الصغرى وتطويرها لتمكين الفئات الفقيرة المنتجة في العالم القروي والمدن الصغرى ومحيط المدن الكبرى من الخروج من وضعيتها المزرية وخلق مقاولات صغرى منتجة ومزدهرة مع تمكين الشريحة العليا من ذوي الدخل المحدود من التطور والولوج للقطاع البنكي الكلاسيكي للاستفادة من قروض مهمة وبفوائد مناسبة. في هذا الإطار يجب الإشارة إلى كون المغرب يعد رائدا على مستوى قطاع القروض الصغرى بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وحسب دراسات فيطمح القطاع خلال هذه العشرية تمكين 3 ملايين شخص من الاستفادة من القروض الصغرى برقم معاملات يصل إلى 25 مليار درهم وخلق مليونين فرصة شغل جديدة.
- القطاع مطالب بتطوير وتقنين قطاع قروض الاستهلاك مع إيجاد حلول مستعجلة ومعقولة لظاهرة المديونية المفرطة التي يعاني منها قطاع واسع من الموظفين والفئات المتوسطة العاملة بالقطاعين العمومي والخاص. هناك العديد من التجارب على صعيد عدة بلدان أوربية عالجت الموضوع ومكنت من خلق طلب استهلاكي داخلي مهم.
- القطاع مطالب بمجهود لحل معضلة الديون المستحقة الغير المسددة من جهة، تنويع ودائعه، السهر على تقوية تدخله في القطاع الإنتاجي الصناعي، العمل على تخفيض كلفة القروض والعمولات المختلفة وخاصة أن أرباحه كل سنة تتحسن وترتفع.
أكتفي بهذا القدر. إنها مطالب وأفكار ومتمنيات من ضمن أخرى يمكن أن تغني النقاش وتساهم في النهوض وتطوير هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي بالنسبة للاقتصاد الوطني، ولي اليقين أنه إذا كانت الإرادة متوفرة من مختلف الفاعلين والمتدخلين في القطاع من حكومة ومعارضة والمجموعات المهنية والنقابات التمثيلية والمؤسسات المالية فإن رصيد القطاع اليوم يبوئه خلال العشر السنوات القادمة أن يلعب دورا محوريا على صعيد خلق فرص للشغل وتمويل القطاعات الإنتاجية وجلبه الرأسمال الخارجي وجعل المغرب يتبوأ مكانة متقدمة في مهن المال والأبناك على الصعيد الجهوي والقاري.