ظهر في الآونة الأخيرة نقاش حول المحاكم التجارية وذلك بعد 17 سنة من بدئ اشتغالها ، بين قائل بضرورة تدعيم هذه التجربة وتطويرها وبين قائل بإلغائها والاكتفاء بأقسام متخصصة داخل المحاكم العادية مع الحفاظ عليها في بعض المدن التي تشكل الأقطاب التجارية وهي في نظر هذا الاتجاه لا تتعدى ثلاثة أقطاب كبرى ، وقد أصبح هذا النقاش مؤطرا بشكل رسمي بعد ما كان مجرد أحاديث في الجلسات المهنية وفي بعض اللقاءات العلمية ، بمناسبة جولات الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة الذي انطلق في ماي 2012 وتم الانتهاء من أشغاله وتقديم توصيات بشأنه شهر يوليوز 2013 ، ومن التوصيات التي همت الموضوع الذي نحن بصدده ، ما يلي:
"ربط وجود المحاكم التجارية بالأقطاب التجارية والصناعية الكبرى ، .....إحداث أقسام تجارية متخصصة ببعض المحاكم الابتدائية للبت في القضايا التجارية ......الحفاظ على محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء ....."
وبعد تقديم هذه التوصيات تعكف الآن لجان من المهنيين والمهتمين بوزارة العدل والحريات - حسب ما علمنا - لتنزيل هذه التوصيات على أرض الواقع ، وفي غياب صدور أي مسودة حتى الآن فإن ما رشح عن هذه اللجان بهذا الخصوص هو الاتفاق على إلغاء كافة المحاكم التجارية والإبقاء على ثلاثة أو أربعة منها وصفت بالأقطاب التجارية وإدماج الباقي في المحاكم الابتدائية العادية .
فهل يستقيم إلغاء المحاكم التجارية مع فكرة إصلاح منظومة العدالة ؟
للجواب على هذا السؤال سوف نؤطره بثلاثة أسئلة أساسية ، وهي :
لماذا التجأ المغرب الى الأخد بنظام المحاكم المتخصصة ؟
منذ بداية تسعينيات القرن الماضي شهد المغرب حركة دؤوبة في مجال تجديد ترسنته القانونية في مجال الاعمال ، بدءا من القانون التجاري والشركات وغيرها من القوانين التي تدور في فلك قانون الاعمال ، تحت حاجة ملحة للرسمال الاجنبي وجلبه للاستثمار في المغرب ، وكذا توصيات المؤسسات المالية الدولية وكذا الالتزامات التي فرضتها الشراكة الاروبية في نفس الاطار وكذلك أيضا الرسمال والاستثمار الداخليين، ولتطبيق هذه القوانين الحديثة والاستجابة لنفس المتطلبات تم التفكير إذاك في خلق محاكم متخصصة بالقضايا التجارية وقد كان هذا هو الخطاب الرسمي للأجهزة الحكومية وعلى أعلى مستويات الدولة ، حيث جاء في خطاب للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله في نفس السياق بتاريخ 24 أبريل 1995 بمناسبة استقباله أعضاء المجلس الأعلى للقضاء ما يلي: " إن المغرب إذا أراد أن ﻴﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ العالم ﻴﺠب أن ﻴﻜون كذلك ﻗﻀﺎﻩ ﻤﻨﻔﺘﺤﺎ، وﻓﻲ ﻤﺴﺘوى ﻗﻀﺎء العالم... ﻷﻨﻪ ﻻﻴﻤﻜن لهذا المغرب أن ﻴﻔﺘﺢ أﺒواﺒﻪ للمال اﻷﺠﻨﺒﻲ إذا لم ﻴﻜن ذلك المال اﻷﺠﻨﺒﻲ ﻋﺎرﻓﺎ اﻨﻪ ﻓﻲ ﻤﺄﻤن ﻤن الشطط وﺴوء الفهم... ﻓﺎلقضاء اليوم لم ﻴﺼﺒﺢ ﻓﻘط أﺴﺎﺴﺎ لطﻤﺄﻨﻴﻨﺔ الرﻋﻴﺔ والمجتمع ﺒل أﺼﺒﺢ ﻀرورﻴﺎ للنماء ".، فهل ارتفعت هذه الأسباب والحاجات الآن ؟
الواقع أن حاجتنا للاستثمار سواء الداخلي منه أو الخارجي لا زالت ملحة وستبقى كذلك ، كما أن الحاجة ملحة أكثر لتطوير القضاء التجاري وتوسعيه لا إلغائه بحكم التطور الذي يعرفه الاقتصاد المغربي وما يفرضه ذلك من ضرورة إصدار قوانين تجارية تتطلب المهارة والتخصص وخلق مناخ للعمل فيها يسهل ويشجع المستثمرين على ممارسة حق التقاضي في حال النزاع وهذا لن يكون إلا بتدعيم تجربة القضاء المتخصص ودعمه وتوفير الوسائل المناسبة له لارتباط ذلك بالتحديث والتطوير الذي ارتضته السياسة العامة لبلادنا وفق ما سطرته عدة مخططات حكومية وخطب ملكية ، وقد جاء في إحداها مما له علاقة بموضوعنا بتاريخ 15 دجنبر 1999ما يلي : " ورغبة منا في توسيع مجالات التطوير والتحديث قررنا الزيادة التدريجية في عدد الحاكم التجارية"، . فماذ السبب وراء التراجع عن القضاء التجاري المتخصص والمستقل ادرايا.؟
هل المعيار الذي قومت به المحاكم التجارية صحيح ؟
يجب الافتراض أن قرار إعادة النظر في تجربة الحاكم التجارية حتى لا نتحدث عن الالغاء الكلي ، لا بد وأن يكون قد استند إلى دراسة دقيقة جعلت القائمين على شؤن العدالة يتخدوا هذا القرار ، وفي غياب وجود هذه الدراسة أو على الأقل عدم نشرها للعموم ، فإن المناقشة في الموضوع مع بعض مسؤولي وزارة العدل يتضح منها أنهم يأخدون ببعض المؤشرات للحكم على تجربة المحاكم التجارية ، ومن بينها عدد القضايا المسجلة وكذا شساعة الدائرة الترابية لهذه المحاكم بشكل يجعل بعضا غير قريبة من المتقاضين .
فهل يمكن التسليم بهذين المؤشرين للحكم على التجربة؟
فيما يخص المؤشر الأول المتعلق بعدد القضايا التي تسجله هذه المحاكم ، فإننا نعتبر أن هذه المؤشر أو المعيار غير دقيق ولا يتماشى مع فلسفة قضاء الأعمال، على أساس أن المعتبر في هذه المحاكم إنما هو نوعية القضايا وليس عددها ، كما أن المقارنة بين هذه المحاكم التجارية والمحاكم العادية غير سليمة لأن هذه الأخيرة كما نعلم جميعا لها اختصاصات عامة ونسبة كبيرة من القضايا التي تبت فيها هي قضايا صغيرة لا تصلح أساسا للمقارنة كقضايا المخالفات والحالة المدنية وبعض قضايا قضاء القرب وغير ذلك ، وإذا ما اعتبرنا الجانب المالي أو القيمي للقضايا التجارية فربما سوف نجد أنها تستغرق نسبة كبيرة من الملفات المعروضة على المحكمة العادية ثم إن هذا المعطى لم يكن غائبا عند إنشاء القضاء التجاري أول الأمر بل كان حاضرا، لكن الهدف الكبير كان ولا يزال هو خلق قضاء متخصص من حيث الموارد البشرية والبنيات التحتية ملائمة لاستقبال التجار والمستثمرين بعيدا عن طبيعة وظروف الاشتغال بالمحاكم العادية التي هي مفروضة بحكم نوعية القضايا .
أما المؤشر الثاني المتجلي في شساعة الدوائر الترابية للمحاكم التجارية وبعدها عن المتقاضين أحيانا ، والمثال الذي يُعطى دائما هو بُعد مدينة الداخلة بأزيد من 1000 كلم عن مدينة أكادير التي توجد بها المحكمة التجارية التي تتبع لها ، فمع التسليم بصحة هذا المعطى ،فإن معالجته لا تكون بإلغاء المحاكم التجارية وإنما بخلق محكمة تجارية بالداخلة ،مثلا، أو على الأقل خلق فرع يتبع للمحكمة التجارية وليس العادية وهكذا في جميع المناطق يمكن التغلب على هذا الإشكال .
ما هو المكسب الذي سوف يكسبه المغرب من الغاء هذ المحاكم التجارية ؟
هل سيجني المغرب شيئا من إلغاء المحاكم التجارية أو تقزيمها ؟ في الواقع يتحسر المرء ،إن تم ذلك فعلا، على أساس أن الأمر يتعلق بإلغاء 17 سنة من العمل وبعد أن كانت تجربة المغرب رائدة في العديد من من الدول العربية سوف نرجع إلى ما كنا عليه قبل سنوات من الآن تحت مبررات قد لا تدوم طويلا تحت ضغط العامل الاقتصادي وسوف نكون إذ داك فقدنا حلقة من الاجتهاد التجاري الذي تشكل ولا زال يتطور ، نقول هذا الكلام لان البديل المقترح المتمثل في بقاء هذه المحاكم في الأقطاب الاقتصادية وإدماج ما عداها في أقسام تابعة للمحاكم العادية سوف يؤدي إلى محو شخصية المحاكم المتخصصة مهما بُدلت من جهود للحفاظ عليها وسوف تتعدد الاتجاهات ويندثر التخصص لان هذا الأخير يجب أن ينطلق من المسؤول القضائي قبل القضاة ، أما مسألة الأقطاب فهي بدورها غير سليمة إذ يتم التركيز على الأقطاب الموجود حاليا دون اعتبار للمستقبل الذي يتطور باستمرار عبر المخططات الاقتصادية ، ولنأخد مثلا مدينة فاس التي من المحتمل أن تلغى فيها المحكمة التجارية استنادا الى المعايير أعلاه ، ألا تعتبر قطبا اقتصاديا مع أننا نرى يوميا العديد من المشاريع الاقتصادية تدشن وكذلك الرباط ومراكش وغيرهم .
إن ما سيجنه المغرب من الغاء المحاكم التجارية وادماجها في أقسام تابعة للمحاكم العادية ليس أكثر من ربح منصب رئيس المحكمة من الناحية المالية ، وأما ما سيخره فحدث ولا حرج : سوف يخسر رصيدا اجتهاديا تشكل ولا زال وسوف يخسر سمعته القضائية وقد يخسر وهذا أخطر شئ بعض الأسمال الوطني والاجنبي . لذلك أطالب على سبيل الختام بالحفاظ على هذه التجربة وتطويرها عبر توفير الدعم المادي والمعنوي لها ، مع إمكانية إضافة فروع تابعة للمحاكم التجارية لا إلى غيرها في المناطق البعيدة .
"ربط وجود المحاكم التجارية بالأقطاب التجارية والصناعية الكبرى ، .....إحداث أقسام تجارية متخصصة ببعض المحاكم الابتدائية للبت في القضايا التجارية ......الحفاظ على محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء ....."
وبعد تقديم هذه التوصيات تعكف الآن لجان من المهنيين والمهتمين بوزارة العدل والحريات - حسب ما علمنا - لتنزيل هذه التوصيات على أرض الواقع ، وفي غياب صدور أي مسودة حتى الآن فإن ما رشح عن هذه اللجان بهذا الخصوص هو الاتفاق على إلغاء كافة المحاكم التجارية والإبقاء على ثلاثة أو أربعة منها وصفت بالأقطاب التجارية وإدماج الباقي في المحاكم الابتدائية العادية .
فهل يستقيم إلغاء المحاكم التجارية مع فكرة إصلاح منظومة العدالة ؟
للجواب على هذا السؤال سوف نؤطره بثلاثة أسئلة أساسية ، وهي :
لماذا التجأ المغرب الى الأخد بنظام المحاكم المتخصصة ؟
منذ بداية تسعينيات القرن الماضي شهد المغرب حركة دؤوبة في مجال تجديد ترسنته القانونية في مجال الاعمال ، بدءا من القانون التجاري والشركات وغيرها من القوانين التي تدور في فلك قانون الاعمال ، تحت حاجة ملحة للرسمال الاجنبي وجلبه للاستثمار في المغرب ، وكذا توصيات المؤسسات المالية الدولية وكذا الالتزامات التي فرضتها الشراكة الاروبية في نفس الاطار وكذلك أيضا الرسمال والاستثمار الداخليين، ولتطبيق هذه القوانين الحديثة والاستجابة لنفس المتطلبات تم التفكير إذاك في خلق محاكم متخصصة بالقضايا التجارية وقد كان هذا هو الخطاب الرسمي للأجهزة الحكومية وعلى أعلى مستويات الدولة ، حيث جاء في خطاب للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله في نفس السياق بتاريخ 24 أبريل 1995 بمناسبة استقباله أعضاء المجلس الأعلى للقضاء ما يلي: " إن المغرب إذا أراد أن ﻴﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ العالم ﻴﺠب أن ﻴﻜون كذلك ﻗﻀﺎﻩ ﻤﻨﻔﺘﺤﺎ، وﻓﻲ ﻤﺴﺘوى ﻗﻀﺎء العالم... ﻷﻨﻪ ﻻﻴﻤﻜن لهذا المغرب أن ﻴﻔﺘﺢ أﺒواﺒﻪ للمال اﻷﺠﻨﺒﻲ إذا لم ﻴﻜن ذلك المال اﻷﺠﻨﺒﻲ ﻋﺎرﻓﺎ اﻨﻪ ﻓﻲ ﻤﺄﻤن ﻤن الشطط وﺴوء الفهم... ﻓﺎلقضاء اليوم لم ﻴﺼﺒﺢ ﻓﻘط أﺴﺎﺴﺎ لطﻤﺄﻨﻴﻨﺔ الرﻋﻴﺔ والمجتمع ﺒل أﺼﺒﺢ ﻀرورﻴﺎ للنماء ".، فهل ارتفعت هذه الأسباب والحاجات الآن ؟
الواقع أن حاجتنا للاستثمار سواء الداخلي منه أو الخارجي لا زالت ملحة وستبقى كذلك ، كما أن الحاجة ملحة أكثر لتطوير القضاء التجاري وتوسعيه لا إلغائه بحكم التطور الذي يعرفه الاقتصاد المغربي وما يفرضه ذلك من ضرورة إصدار قوانين تجارية تتطلب المهارة والتخصص وخلق مناخ للعمل فيها يسهل ويشجع المستثمرين على ممارسة حق التقاضي في حال النزاع وهذا لن يكون إلا بتدعيم تجربة القضاء المتخصص ودعمه وتوفير الوسائل المناسبة له لارتباط ذلك بالتحديث والتطوير الذي ارتضته السياسة العامة لبلادنا وفق ما سطرته عدة مخططات حكومية وخطب ملكية ، وقد جاء في إحداها مما له علاقة بموضوعنا بتاريخ 15 دجنبر 1999ما يلي : " ورغبة منا في توسيع مجالات التطوير والتحديث قررنا الزيادة التدريجية في عدد الحاكم التجارية"، . فماذ السبب وراء التراجع عن القضاء التجاري المتخصص والمستقل ادرايا.؟
هل المعيار الذي قومت به المحاكم التجارية صحيح ؟
يجب الافتراض أن قرار إعادة النظر في تجربة الحاكم التجارية حتى لا نتحدث عن الالغاء الكلي ، لا بد وأن يكون قد استند إلى دراسة دقيقة جعلت القائمين على شؤن العدالة يتخدوا هذا القرار ، وفي غياب وجود هذه الدراسة أو على الأقل عدم نشرها للعموم ، فإن المناقشة في الموضوع مع بعض مسؤولي وزارة العدل يتضح منها أنهم يأخدون ببعض المؤشرات للحكم على تجربة المحاكم التجارية ، ومن بينها عدد القضايا المسجلة وكذا شساعة الدائرة الترابية لهذه المحاكم بشكل يجعل بعضا غير قريبة من المتقاضين .
فهل يمكن التسليم بهذين المؤشرين للحكم على التجربة؟
فيما يخص المؤشر الأول المتعلق بعدد القضايا التي تسجله هذه المحاكم ، فإننا نعتبر أن هذه المؤشر أو المعيار غير دقيق ولا يتماشى مع فلسفة قضاء الأعمال، على أساس أن المعتبر في هذه المحاكم إنما هو نوعية القضايا وليس عددها ، كما أن المقارنة بين هذه المحاكم التجارية والمحاكم العادية غير سليمة لأن هذه الأخيرة كما نعلم جميعا لها اختصاصات عامة ونسبة كبيرة من القضايا التي تبت فيها هي قضايا صغيرة لا تصلح أساسا للمقارنة كقضايا المخالفات والحالة المدنية وبعض قضايا قضاء القرب وغير ذلك ، وإذا ما اعتبرنا الجانب المالي أو القيمي للقضايا التجارية فربما سوف نجد أنها تستغرق نسبة كبيرة من الملفات المعروضة على المحكمة العادية ثم إن هذا المعطى لم يكن غائبا عند إنشاء القضاء التجاري أول الأمر بل كان حاضرا، لكن الهدف الكبير كان ولا يزال هو خلق قضاء متخصص من حيث الموارد البشرية والبنيات التحتية ملائمة لاستقبال التجار والمستثمرين بعيدا عن طبيعة وظروف الاشتغال بالمحاكم العادية التي هي مفروضة بحكم نوعية القضايا .
أما المؤشر الثاني المتجلي في شساعة الدوائر الترابية للمحاكم التجارية وبعدها عن المتقاضين أحيانا ، والمثال الذي يُعطى دائما هو بُعد مدينة الداخلة بأزيد من 1000 كلم عن مدينة أكادير التي توجد بها المحكمة التجارية التي تتبع لها ، فمع التسليم بصحة هذا المعطى ،فإن معالجته لا تكون بإلغاء المحاكم التجارية وإنما بخلق محكمة تجارية بالداخلة ،مثلا، أو على الأقل خلق فرع يتبع للمحكمة التجارية وليس العادية وهكذا في جميع المناطق يمكن التغلب على هذا الإشكال .
ما هو المكسب الذي سوف يكسبه المغرب من الغاء هذ المحاكم التجارية ؟
هل سيجني المغرب شيئا من إلغاء المحاكم التجارية أو تقزيمها ؟ في الواقع يتحسر المرء ،إن تم ذلك فعلا، على أساس أن الأمر يتعلق بإلغاء 17 سنة من العمل وبعد أن كانت تجربة المغرب رائدة في العديد من من الدول العربية سوف نرجع إلى ما كنا عليه قبل سنوات من الآن تحت مبررات قد لا تدوم طويلا تحت ضغط العامل الاقتصادي وسوف نكون إذ داك فقدنا حلقة من الاجتهاد التجاري الذي تشكل ولا زال يتطور ، نقول هذا الكلام لان البديل المقترح المتمثل في بقاء هذه المحاكم في الأقطاب الاقتصادية وإدماج ما عداها في أقسام تابعة للمحاكم العادية سوف يؤدي إلى محو شخصية المحاكم المتخصصة مهما بُدلت من جهود للحفاظ عليها وسوف تتعدد الاتجاهات ويندثر التخصص لان هذا الأخير يجب أن ينطلق من المسؤول القضائي قبل القضاة ، أما مسألة الأقطاب فهي بدورها غير سليمة إذ يتم التركيز على الأقطاب الموجود حاليا دون اعتبار للمستقبل الذي يتطور باستمرار عبر المخططات الاقتصادية ، ولنأخد مثلا مدينة فاس التي من المحتمل أن تلغى فيها المحكمة التجارية استنادا الى المعايير أعلاه ، ألا تعتبر قطبا اقتصاديا مع أننا نرى يوميا العديد من المشاريع الاقتصادية تدشن وكذلك الرباط ومراكش وغيرهم .
إن ما سيجنه المغرب من الغاء المحاكم التجارية وادماجها في أقسام تابعة للمحاكم العادية ليس أكثر من ربح منصب رئيس المحكمة من الناحية المالية ، وأما ما سيخره فحدث ولا حرج : سوف يخسر رصيدا اجتهاديا تشكل ولا زال وسوف يخسر سمعته القضائية وقد يخسر وهذا أخطر شئ بعض الأسمال الوطني والاجنبي . لذلك أطالب على سبيل الختام بالحفاظ على هذه التجربة وتطويرها عبر توفير الدعم المادي والمعنوي لها ، مع إمكانية إضافة فروع تابعة للمحاكم التجارية لا إلى غيرها في المناطق البعيدة .