بعد أكثر من سنتين على أحداث العيون الأليمة المرتبطة بتفكيك مخيم أكديم إيزيك، والتي تعود إلى شهري أكتوبر ونونبر2010، انطلقت المحاكمة العسكرية للمتابعين بتهم تكوين عصابات إجرامية٬ واستعمال العنف ضد قوات الأمن مما أدى إلى القتل العمد والتمثيل بالجثث. أحداث سقط خلالها أحد عشر ـ11ـ شخصا من قوات الأمن وسبعين ـ70ـ جريحا من نفس القوات. رحم الله من قضى وربط على قلوب أهاليهم وذويهم.
وللتذكير، فالأحداث ارتبطت بملف اجتماعي: سكن وتشغيل، وأمام تماطل السلطات المعنية في تلبية مطالب الساكنة، لجأ المتضررون إلى نصب خيام في ضواحي مدينة العيون حيث أقاموا أسابيع تحت أعين السلطات الأمنية التي ظلت تراقب الوضع، قبل أن ينزل القرار بتفكيك المخيم وتأخذ الأحداث منحى خطيرا تحول إلى مواجهات عنيفة بين عناصر تنفذ ـ حسب الرواية الرسمية ـ أجندة انفصالية وبين قوات الأمن، لتنتقل المواجهة إلى شوارع العيون التي شهدت أعمالا تخريبية لمنشئات عامة رفع خلالها علم جبهة البوليساريو.
بعد أكثر من سنتين إذن، قدرت السلطات أنها كافية لامتصاص الاحتقان الشعبي، يُعرض المتهمون في تلك الأحداث على أنظار محكمة عسكرية، قدمت لها السلطات بالإعلان عن مشروع تنمية الأقاليم الجنوبية الذي هيأه المجلس الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما ينمُّ عن اعتراف الدولة بشكل غير مباشر بتقصيرها في الاستجابة لمطالب السكان في الأقاليم الجنوبية، ليس قلة للموارد، فالمبالغ التي رصدت لتنمية الأقاليم الجنوبية منذ أكثر من ثلاثة عقود كبيرة وكبيرة جدا، لكن فساد الإدارة يضاف إليه نشاط الآلتين الديبلوماسية والإعلامية للخطاب الانفصالي مقابل تحجر العقلية المخزنية التي يدبَّر فيها ملف الوحدة الترابية أسهم في إذكاء الغضب الشعبي وفر شروطا "مثالية" لانفلات أمني دفع المغرب ثمنه غاليا من رصيده السياسي من خلال التقارير الميدانية للهيئات الدولية، الأمر الذي حصر المغرب في الزاوية مكتفيا بالتشكيك في نوايا الهيئات واتهام تقاريرها بالتحيز لأطروحة الانفصاليين.
انطلقت محاكمة المتهمين في الأحداث ليس إنصافا للضحايا وأهاليهم فقط، بل ردا لاعتبار الدولة التي قضى رجال أمنها في الأحداث ومُثل بجثامينهم، وحرَص الإعلام الرسمي على تغطية أجواء الجولة الأولى من المحاكمة بعقليته المعهودة موظفا مشاعر أهالي الضحايا لإخفاء فشله في إدارته الحصرية للملف، وتجاهل الطرف الثاني، حيث رفعت شعارات انفصالية وتعالت أصوات تطالب بالاقتصاص من المسؤولين مركزيين كانوا أو جهويين الذين يتحملون ـ في نظر الطرف الثاني ـ مسؤولية الأحداث، لا الاكتفاء بأسلوب التنقيلات والإعفاءات في صفوف المسؤولين وتعويضهم بغيرهم لا يلبثون أن يسيروا على نهج من سبقهم جلبا للمنافع والمصالح مستفيدين من تعطيل آلية المساءلة والمحاسبة.
لم يتسع ـ كالعادة ـ صدر السلطة لأكثر من روايتها، وكان الأولى أن تعرض نتائج التحقيقات الميدانية التي أنجزت من طرف هيئات حقوقية وطنية ودولية، مثلما تقدم نتائج الزيارات الميدانية للجنة البرلمانية تشخيصا للاختلالات وتحديدا للمسؤوليات ومتابعة للمتورطين من رجال السلطة وأعوانها في هكذا ملف أوشك أن يهدد الاستقرار المجتمعي، وأحدث خدوشا عميقة في الوجدان الشعب المغربي ككل، وليس في ساكنة الأقاليم الجنوبية فقط. ملفات ذات بعد اجتماعي تشهد على سوء تدبير الشأن العام للعباد والبلاد، فمن سيدي إفني إلى تازة وبنو بني عياش/الحسيمة وقبل أسابيع بسيدي يوسف بن علي/مراكش. غير أن أحداث العيون لها وقع خاص، ذلك أن الشعب المغربي لا يمكن أن يقبل ـ بعد التضحيات الجسيمة بشرية خلال فترات النزاع المسلح، وفرصا تنموية تحولت مشاريعها وتمويلاتها لتنمية الأقاليم الصحراوية وتأهيلها ـ بالإخفاق في تدبير ملف استكمال الوحدة الترابية، الذي راكم فيه النظام مجموعة من الانتكاسات الديبلوماسية.
إن المحاكمة اليوم، تعيد إلى الواجهة ملفا أضفى عليه النظام القداسة واعتبره حِماه الذي لا يقبل فيه رأيا أو اقتراحا؛ ألم يقض المناضل والقيادي الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد سنتين سجنا في ثمانينيات القرن الماضي لمجرد اقتراح تقدم به لإضفاء الشعبية على قرار إجراء الاستفتاء في الأقاليم الجنوبية؟ ألم ينزع الملك الراحل الحسن الثاني صفة المعتقل السياسي على من يناقش مغربية الصحراء في خطابه التأسيسي للمجلس الاستشاري لحقوق الانسان بتاريخ: 8 ماي1990، من خلال عبارته الشهيرة: "ولا أريد أن أكيفكم"؟ أليس من حق الشعب المغربي أن يتخوف من أن تتحول الأقاليم الجنوبية إلى بؤرة نزاع دولي تستغله قوى إقليمية ودولية لبسط هيمنتها في منطقة الساحل، ولعل الاجتياح الفرنسي لمالي مؤشر في هذا الاتجاه؟ أليس من حق الشعب المغربي أن يطالب بفتح نقاش وطني يتداول وجهات نظر لمعالجة ملف يصنف أقدم نزاع بعد القضية الفلسطينية؟ ألم تقترف أخطاء قاتلة في لحظات تاريخية مِفصلية: قمة نيروبي نموذجا التي أكسبت جبهة البوليساريو صفة العضوية في الاتحاد الإفريقي واكتفى المغرب بتجميد عضويته؟ وهل ما يعرض أو يهيأ عرضه حلا للنزاع في إطار الحكم الذاتي وتناقلته بعض الجرائد مقبول شعبيا؟ وكيف يفسر صمت الحكومة وتجاهلها لمشروع التسوية هذا الذي ينال من السيادة المغربية؟
إن النظام ـ باحتكاره لتدبير هذا الملف الحساس، وباعتماده المقاربة الأمنية القائمة على اختراق النسيج الصحراوي من خلال تقريبه رموزا قبلية معينة احتواءً لها وشراءً لولائها وتهميشه للمطالب الشعبية الضامنة لأسباب الكرامة، إضافة إلى غياب الحكامة الرشيدة ودمقرطة المجتمع ككل، وليس الأقاليم الجنوبية فقط ـ يتحمل تبعات الإخفاق في هذا الملف الحيوي والاستراتيجي. وعليه أن يبادر قبل فوات الأوان لتدارك الخلل وتمكين الفاعلين المجتمعيين الحقيقيين الذين يحظون بالمصداقية الشعبية لمناقشة القضية والبحث عن الحلول التي تضمن للمغرب سيادة حقيقية على أرضه وتجنب البلاد قلاقل لا يعلم أحد مداها وخطورتها على الاستقرار المجتمعي.
وللتذكير، فالأحداث ارتبطت بملف اجتماعي: سكن وتشغيل، وأمام تماطل السلطات المعنية في تلبية مطالب الساكنة، لجأ المتضررون إلى نصب خيام في ضواحي مدينة العيون حيث أقاموا أسابيع تحت أعين السلطات الأمنية التي ظلت تراقب الوضع، قبل أن ينزل القرار بتفكيك المخيم وتأخذ الأحداث منحى خطيرا تحول إلى مواجهات عنيفة بين عناصر تنفذ ـ حسب الرواية الرسمية ـ أجندة انفصالية وبين قوات الأمن، لتنتقل المواجهة إلى شوارع العيون التي شهدت أعمالا تخريبية لمنشئات عامة رفع خلالها علم جبهة البوليساريو.
بعد أكثر من سنتين إذن، قدرت السلطات أنها كافية لامتصاص الاحتقان الشعبي، يُعرض المتهمون في تلك الأحداث على أنظار محكمة عسكرية، قدمت لها السلطات بالإعلان عن مشروع تنمية الأقاليم الجنوبية الذي هيأه المجلس الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما ينمُّ عن اعتراف الدولة بشكل غير مباشر بتقصيرها في الاستجابة لمطالب السكان في الأقاليم الجنوبية، ليس قلة للموارد، فالمبالغ التي رصدت لتنمية الأقاليم الجنوبية منذ أكثر من ثلاثة عقود كبيرة وكبيرة جدا، لكن فساد الإدارة يضاف إليه نشاط الآلتين الديبلوماسية والإعلامية للخطاب الانفصالي مقابل تحجر العقلية المخزنية التي يدبَّر فيها ملف الوحدة الترابية أسهم في إذكاء الغضب الشعبي وفر شروطا "مثالية" لانفلات أمني دفع المغرب ثمنه غاليا من رصيده السياسي من خلال التقارير الميدانية للهيئات الدولية، الأمر الذي حصر المغرب في الزاوية مكتفيا بالتشكيك في نوايا الهيئات واتهام تقاريرها بالتحيز لأطروحة الانفصاليين.
انطلقت محاكمة المتهمين في الأحداث ليس إنصافا للضحايا وأهاليهم فقط، بل ردا لاعتبار الدولة التي قضى رجال أمنها في الأحداث ومُثل بجثامينهم، وحرَص الإعلام الرسمي على تغطية أجواء الجولة الأولى من المحاكمة بعقليته المعهودة موظفا مشاعر أهالي الضحايا لإخفاء فشله في إدارته الحصرية للملف، وتجاهل الطرف الثاني، حيث رفعت شعارات انفصالية وتعالت أصوات تطالب بالاقتصاص من المسؤولين مركزيين كانوا أو جهويين الذين يتحملون ـ في نظر الطرف الثاني ـ مسؤولية الأحداث، لا الاكتفاء بأسلوب التنقيلات والإعفاءات في صفوف المسؤولين وتعويضهم بغيرهم لا يلبثون أن يسيروا على نهج من سبقهم جلبا للمنافع والمصالح مستفيدين من تعطيل آلية المساءلة والمحاسبة.
لم يتسع ـ كالعادة ـ صدر السلطة لأكثر من روايتها، وكان الأولى أن تعرض نتائج التحقيقات الميدانية التي أنجزت من طرف هيئات حقوقية وطنية ودولية، مثلما تقدم نتائج الزيارات الميدانية للجنة البرلمانية تشخيصا للاختلالات وتحديدا للمسؤوليات ومتابعة للمتورطين من رجال السلطة وأعوانها في هكذا ملف أوشك أن يهدد الاستقرار المجتمعي، وأحدث خدوشا عميقة في الوجدان الشعب المغربي ككل، وليس في ساكنة الأقاليم الجنوبية فقط. ملفات ذات بعد اجتماعي تشهد على سوء تدبير الشأن العام للعباد والبلاد، فمن سيدي إفني إلى تازة وبنو بني عياش/الحسيمة وقبل أسابيع بسيدي يوسف بن علي/مراكش. غير أن أحداث العيون لها وقع خاص، ذلك أن الشعب المغربي لا يمكن أن يقبل ـ بعد التضحيات الجسيمة بشرية خلال فترات النزاع المسلح، وفرصا تنموية تحولت مشاريعها وتمويلاتها لتنمية الأقاليم الصحراوية وتأهيلها ـ بالإخفاق في تدبير ملف استكمال الوحدة الترابية، الذي راكم فيه النظام مجموعة من الانتكاسات الديبلوماسية.
إن المحاكمة اليوم، تعيد إلى الواجهة ملفا أضفى عليه النظام القداسة واعتبره حِماه الذي لا يقبل فيه رأيا أو اقتراحا؛ ألم يقض المناضل والقيادي الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد سنتين سجنا في ثمانينيات القرن الماضي لمجرد اقتراح تقدم به لإضفاء الشعبية على قرار إجراء الاستفتاء في الأقاليم الجنوبية؟ ألم ينزع الملك الراحل الحسن الثاني صفة المعتقل السياسي على من يناقش مغربية الصحراء في خطابه التأسيسي للمجلس الاستشاري لحقوق الانسان بتاريخ: 8 ماي1990، من خلال عبارته الشهيرة: "ولا أريد أن أكيفكم"؟ أليس من حق الشعب المغربي أن يتخوف من أن تتحول الأقاليم الجنوبية إلى بؤرة نزاع دولي تستغله قوى إقليمية ودولية لبسط هيمنتها في منطقة الساحل، ولعل الاجتياح الفرنسي لمالي مؤشر في هذا الاتجاه؟ أليس من حق الشعب المغربي أن يطالب بفتح نقاش وطني يتداول وجهات نظر لمعالجة ملف يصنف أقدم نزاع بعد القضية الفلسطينية؟ ألم تقترف أخطاء قاتلة في لحظات تاريخية مِفصلية: قمة نيروبي نموذجا التي أكسبت جبهة البوليساريو صفة العضوية في الاتحاد الإفريقي واكتفى المغرب بتجميد عضويته؟ وهل ما يعرض أو يهيأ عرضه حلا للنزاع في إطار الحكم الذاتي وتناقلته بعض الجرائد مقبول شعبيا؟ وكيف يفسر صمت الحكومة وتجاهلها لمشروع التسوية هذا الذي ينال من السيادة المغربية؟
إن النظام ـ باحتكاره لتدبير هذا الملف الحساس، وباعتماده المقاربة الأمنية القائمة على اختراق النسيج الصحراوي من خلال تقريبه رموزا قبلية معينة احتواءً لها وشراءً لولائها وتهميشه للمطالب الشعبية الضامنة لأسباب الكرامة، إضافة إلى غياب الحكامة الرشيدة ودمقرطة المجتمع ككل، وليس الأقاليم الجنوبية فقط ـ يتحمل تبعات الإخفاق في هذا الملف الحيوي والاستراتيجي. وعليه أن يبادر قبل فوات الأوان لتدارك الخلل وتمكين الفاعلين المجتمعيين الحقيقيين الذين يحظون بالمصداقية الشعبية لمناقشة القضية والبحث عن الحلول التي تضمن للمغرب سيادة حقيقية على أرضه وتجنب البلاد قلاقل لا يعلم أحد مداها وخطورتها على الاستقرار المجتمعي.