كان للحراك الحقوقي الذي شهده المغرب في ظل ربيع الشعوب، الفضل الكبير في إجراء تعديلات دستورية توجت بدستور جديد حاول رسم صورة إيجابية عن المسار الديمقراطي للبلاد من خلال تقوية للسلط الثلاث، تعزيز لثقافة حقوق الإنسان و تشجيع للتنمية في بعدها الترابي...
و في خضم هذه الحركية التشريعية والحقوقية، طفت إلى السطح في ساحات النقاش العمومي مفاهيم جديدة دخيلة، نجد جذور أغلبها في نظريات الفكر الغربي عموما. و لعل من أهمها الديمقراطية التشاركية، الحكامة و التمكين... وقد حظي مصطلح التمكين بنصيب الأسد من هذه النقاشات، لارتباطه القوي بوضعية المرأة في ضوء تنامي الوعي العالمي بقضايا هذه الأخيرة التي ما تزال تعاني في الهامش من أبشع أنواع الاستغلال.
إن تحقيق الديمقراطية رهين بإعطاء الفرصة لكلا الجنسين على قدم المساواة، في المشاركة في عملية التنمية من خلال توسيع الخيارات المتاحة أمام كل من الرجل والمرأة. فعندما يغيب التمييز و التهميش و يحضر هاجس إشراك المرأة في الحياة السياسية و كذا في قلب المخططات التنموية، نجد أنفسنا أمام نموذج مجتمعي قادر على قيادة التغيير و الانخراط في السباق نحو التنمية بجميع تجلياتها.
فلا تستقيم دراسة المستجدات التي جاء بها الدستور المغربي المعدل في قضية تمكين المرأة سياسيا دون الحديث عن أشكال و تجليات هذا التمكين ( المبحث الأول)، ثم الوقوف عند أهم المؤشرات التي رافقت تحول الخطاب الرسمي من الحديث عن تمكين سياسي إلى تمكين تنموي (المبحث الثاني).
أولا: التمكين السياسي للمرأة في ضوء دستور 2011
مع بداية سبعينيات القرن الماضي، تعاظم الوعي بأهمية الأدوار التي يمكن للمرأة أن تقوم بها، في مناخ عالمي طبع بتهميشها و تضييع حقوقها الأساسية في الصحة و التعليم و الشغل... و من تم حاولت حركات النضال العالمي وضع قضية تحقير و تسفيه مجهودات المرأة في التنمية في سياقها المجتمعي، فظهر مصطلح التمكين كمحاولة للإجابة عن كيفية إدماج المرأة في التنمية و جعلها فاعلا أساسيا في الحياة السياسية للبلاد.
فالتمكين ليس مصطلحا جديدا، بل تم تداوله في ستينيات القرن الماضي من طرف الحركات النسائية العالمية خاصة في أمريكا اللاتينية. و يتأسس هذا المفهوم القديم الجديد على ضرورة التركيز على تقوية الثقة بالنفس، و امتلاك الفرد للقوة ليصبح عنصرا مشاركا بفعالية في شتى مجالات الحياة الاقتصادية و الاجتماعية، أي امتلاكه القدرة على إحداث تغيير في الأخر فردا كان أو جماعة.
إن التمكين له ارتباط بتحقيق الذات و تعزيز قدراتها في المشاركة و الاختيار الحر، ويقاس بثلاثة مؤشرات أساسية تتمثل في :
و قد أسهم التمكين السياسي في جعل المرأة ممتلكة للقوة و الإمكانيات، حتى تصبح فاعلا مهما في التغيير من خلال حضورها الدائم في الحقل السياسي خاصة في نشاطات الأحزاب و باقي المنظمات، كطرف مساهم و مستفيد يفكر مع الرجل و لأجل قضاياها العادلة بالشكل الذي يبوأها مكانة أساسية في قلب مراكز صنع القرار. و هكذا نجد الدستور المغربي المعدل قد نص على جملة من المقتضيات التي أسست للتمكين السياسي للمرأة المغربية، فمنذ التصدير يستوقف القارئ حرص المشرع الدستوري على تضمين الديباجة لأهم المبادئ المحققة للمناصفة من بينها: المساواة، العدالة الاجتماعية، تكافؤ الفرص وحضر كافة أشكال التمييز ضد المرأة كيفما كان نوعها.
و يعتبر الفصل 19 من الدستور أهم فصل، بالنظر لما أثير من حوله من النقاشات و السجالات، فقد أقر بالمساواة بين الجنسين في التمتع بالحقوق و الحريات المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية...و أكد سعي الدولة إلى تحقيق المناصفة بين الرجال و النساء من خلال العمل على إحداث هيئة للمناصفة و مكافحة كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
إن تحقيق المناصفة ركيزة أساسية للتجسيد الحقيقي للديمقراطية، و الضامن الأساسي لتعزيز تواجد المرأة في العملية السياسية. و هذا ما عملت الدولة على محاولة تنزيله من خلال ضمان تمثيلية مهمة للنساء في مجلس النواب(60 امرأة)، و هي عازمة على ضمان تمثيلية النساء المحددة في الثلث في أفق المناصفة على مستوى الجهات بعد تنزيل ورش الجهوية الموسعة.
ثانيا: آفاق التمكين التنموي للمرأة
انتقل تداول مفهوم التمكين من الحقل السياسي للحقل التنموي، فتم إدراجه في قلب التخطيط لسياسات التنمية و داخل المجال الاقتصادي. و لعل من بين أهم عناصر التمكين التنموي نجد توفير فضاء سوسيوسياسي ملائم للمرأة و قدرتها على الولوج للموارد. فالتمكين هو مفتاح التنمية، و هذا ما أكدته الفقرة 13 من إعلان بكين لسنة 1995 حيث تم الوقوف عند أهمية مشاركة النساء مع باقي أطياف المجتمع في اتخاذ القرارات و الولوج للسلطة، بالشكل الذي يعزز تحقيق المساواة و التنمية و السلام.
وعند إلقاء الضوء على تمظهرات التمكين التنموي بالدستور المغربي المعدل، نجد أن الفصل 31 من الدستور ينص على مجموعة من المقتضيات التي تضمن للمرأة أفضل الظروف للتمكين التنموي، لعل من أهمها:
كما أن الدستور المغربي وضع أسس ضمان تمثيلية محترمة للنساء في المؤسسات الدستورية مثل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، المجلس الاستشاري للأسرة و الطفولة، … هذا و لم يفت تقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية الموسعة الإشارة إلى جملة من التدابير الرامية إلى تمكين المرأة سياسيا و تنمويا مثل:
بالرغم من كل ما قيل عن أهمية المقتضيات الدستورية في مجال التمكين السياسي و التنموي، لا بد من الإشارة إلى أن النساء المغربيات مازلن يعانين من التمييز في المشاركة السياسية سواء في القانون أو الواقع، ومن التهميش و الاستغلال في أماكن العمل، دون إغفال هيمنة الأمية و تردي الأوضاع الصحية لشريحة كبيرة من النساء خاصة بالعالم القروي.
إن تمكين المرأة مازال يلقى معارضة لاعتبارات اجتماعية، دينية، و ثقافية خاصة أمام هذا الصراع الدائم بين القوى المحافظة و التيارات العلمانية التي تنادي بحريات أكبر للنساء، و ضمان لنصيب أكبر من ثمار التنمية. طالما أن المرأة تشتغل أكثر من الرجل داخل البيت و خارجه، لكنها لا تلمس أي تغيير في وضعيتها الاقتصادية و الاجتماعية. و عليه ينبغي العمل على إخراج المرأة من ركن التهميش و الاستغلال و تعزيز أدوارها داخل المجتمع من خلال:
و في خضم هذه الحركية التشريعية والحقوقية، طفت إلى السطح في ساحات النقاش العمومي مفاهيم جديدة دخيلة، نجد جذور أغلبها في نظريات الفكر الغربي عموما. و لعل من أهمها الديمقراطية التشاركية، الحكامة و التمكين... وقد حظي مصطلح التمكين بنصيب الأسد من هذه النقاشات، لارتباطه القوي بوضعية المرأة في ضوء تنامي الوعي العالمي بقضايا هذه الأخيرة التي ما تزال تعاني في الهامش من أبشع أنواع الاستغلال.
إن تحقيق الديمقراطية رهين بإعطاء الفرصة لكلا الجنسين على قدم المساواة، في المشاركة في عملية التنمية من خلال توسيع الخيارات المتاحة أمام كل من الرجل والمرأة. فعندما يغيب التمييز و التهميش و يحضر هاجس إشراك المرأة في الحياة السياسية و كذا في قلب المخططات التنموية، نجد أنفسنا أمام نموذج مجتمعي قادر على قيادة التغيير و الانخراط في السباق نحو التنمية بجميع تجلياتها.
فلا تستقيم دراسة المستجدات التي جاء بها الدستور المغربي المعدل في قضية تمكين المرأة سياسيا دون الحديث عن أشكال و تجليات هذا التمكين ( المبحث الأول)، ثم الوقوف عند أهم المؤشرات التي رافقت تحول الخطاب الرسمي من الحديث عن تمكين سياسي إلى تمكين تنموي (المبحث الثاني).
أولا: التمكين السياسي للمرأة في ضوء دستور 2011
مع بداية سبعينيات القرن الماضي، تعاظم الوعي بأهمية الأدوار التي يمكن للمرأة أن تقوم بها، في مناخ عالمي طبع بتهميشها و تضييع حقوقها الأساسية في الصحة و التعليم و الشغل... و من تم حاولت حركات النضال العالمي وضع قضية تحقير و تسفيه مجهودات المرأة في التنمية في سياقها المجتمعي، فظهر مصطلح التمكين كمحاولة للإجابة عن كيفية إدماج المرأة في التنمية و جعلها فاعلا أساسيا في الحياة السياسية للبلاد.
فالتمكين ليس مصطلحا جديدا، بل تم تداوله في ستينيات القرن الماضي من طرف الحركات النسائية العالمية خاصة في أمريكا اللاتينية. و يتأسس هذا المفهوم القديم الجديد على ضرورة التركيز على تقوية الثقة بالنفس، و امتلاك الفرد للقوة ليصبح عنصرا مشاركا بفعالية في شتى مجالات الحياة الاقتصادية و الاجتماعية، أي امتلاكه القدرة على إحداث تغيير في الأخر فردا كان أو جماعة.
إن التمكين له ارتباط بتحقيق الذات و تعزيز قدراتها في المشاركة و الاختيار الحر، ويقاس بثلاثة مؤشرات أساسية تتمثل في :
- المشاركة السياسية للمرأة
- المشاركة الاقتصادية.
- السيطرة على الموارد الاقتصادية.
و يعتبر الفصل 19 من الدستور أهم فصل، بالنظر لما أثير من حوله من النقاشات و السجالات، فقد أقر بالمساواة بين الجنسين في التمتع بالحقوق و الحريات المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية...و أكد سعي الدولة إلى تحقيق المناصفة بين الرجال و النساء من خلال العمل على إحداث هيئة للمناصفة و مكافحة كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
إن تحقيق المناصفة ركيزة أساسية للتجسيد الحقيقي للديمقراطية، و الضامن الأساسي لتعزيز تواجد المرأة في العملية السياسية. و هذا ما عملت الدولة على محاولة تنزيله من خلال ضمان تمثيلية مهمة للنساء في مجلس النواب(60 امرأة)، و هي عازمة على ضمان تمثيلية النساء المحددة في الثلث في أفق المناصفة على مستوى الجهات بعد تنزيل ورش الجهوية الموسعة.
ثانيا: آفاق التمكين التنموي للمرأة
انتقل تداول مفهوم التمكين من الحقل السياسي للحقل التنموي، فتم إدراجه في قلب التخطيط لسياسات التنمية و داخل المجال الاقتصادي. و لعل من بين أهم عناصر التمكين التنموي نجد توفير فضاء سوسيوسياسي ملائم للمرأة و قدرتها على الولوج للموارد. فالتمكين هو مفتاح التنمية، و هذا ما أكدته الفقرة 13 من إعلان بكين لسنة 1995 حيث تم الوقوف عند أهمية مشاركة النساء مع باقي أطياف المجتمع في اتخاذ القرارات و الولوج للسلطة، بالشكل الذي يعزز تحقيق المساواة و التنمية و السلام.
وعند إلقاء الضوء على تمظهرات التمكين التنموي بالدستور المغربي المعدل، نجد أن الفصل 31 من الدستور ينص على مجموعة من المقتضيات التي تضمن للمرأة أفضل الظروف للتمكين التنموي، لعل من أهمها:
- العلاج و التنمية الصحية والحماية الاجتماعية.
- تعليم عصري و تكوين مهني ملائم.
- سكن لائق.
- الشغل و الدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل أو في التشغيل الذاتي.
- و لوج الوظائف حسب الاستحقاق.
- نصيب من التنمية المستدامة.
- إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات العمومية و عند وضع الميزانيات على الصعيد الوطني أو الجهوي.
- إحداث لجان للمناصفة من قبل المجالس الجهوية قصد تعزيز المساواة بين الجنسين و محاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
- ضمان مشاركة النساء في اتخاذ القرار سواء داخل المجالس الجهوية أو داخل المرافق العمومية الجهوية المزمع إحداثها.
بالرغم من كل ما قيل عن أهمية المقتضيات الدستورية في مجال التمكين السياسي و التنموي، لا بد من الإشارة إلى أن النساء المغربيات مازلن يعانين من التمييز في المشاركة السياسية سواء في القانون أو الواقع، ومن التهميش و الاستغلال في أماكن العمل، دون إغفال هيمنة الأمية و تردي الأوضاع الصحية لشريحة كبيرة من النساء خاصة بالعالم القروي.
إن تمكين المرأة مازال يلقى معارضة لاعتبارات اجتماعية، دينية، و ثقافية خاصة أمام هذا الصراع الدائم بين القوى المحافظة و التيارات العلمانية التي تنادي بحريات أكبر للنساء، و ضمان لنصيب أكبر من ثمار التنمية. طالما أن المرأة تشتغل أكثر من الرجل داخل البيت و خارجه، لكنها لا تلمس أي تغيير في وضعيتها الاقتصادية و الاجتماعية. و عليه ينبغي العمل على إخراج المرأة من ركن التهميش و الاستغلال و تعزيز أدوارها داخل المجتمع من خلال:
- احترام خصوصيات المرأة و حاجياتها أثناء توزيع الأدوار المجتمعية.
- أنسنة النصوص القانونية بشكل ينصف المرأة أكثر خاصة مدونة الأسرة و قانون الشغل.
- حظر و تجريم جميع أنواع العنف ضد المرأة.
- تعزيز الالتزام والعمل على المستوى الدولي والوطني والمحلي نحو مأسسة حقوق المرأة.
- الاعتراف بالعمل المنزلي للمرأة أثناء تقاسم الأملاك المشتركة بين الزوجين المشكلة خلال فترة زواجهم.
- الاهتمام المستمر بتعليم و تكوين المرأة في جميع المجالات.
- تشجيع النساء على تولي مناصب المسؤولية داخل الإدارات العمومية و داخل الشركات.