المعارضة السياسية بصفة عامة تعني مجموعة أفراد يختلفون مع الحكومة. أما المعارضة البرلمانية فهي مجموعة ممثلة في البرلمان تختلف مع الحكومة و ترغب في الحلول محلها.1
و المعارضة كممارسة تجد جدورها في نظام الديمقراطية المباشرة التي عرفتها آثينا حيث كان يسمح لكل المواطنين الأحرار بإبداء آرائهم المخالفة بشأن القضايا المهمة فيما غابت ممارسة المعارضة في روما لأنها لم تعرف قط الديمقراطية طوال المراحل الأربع التي مرت بها: الأرستقراطية، الجمهورية، الأمبراطورية و الديكتاتورية.2
بالنسبة للمغرب منذ حصوله على الاستقلال كانت هناك أغلبية و معارضة إلا ان هذه المعارضة عانت مضايقات كبيرة فيما عرف بسنوات الرصاص، و في أحسن الأحوال كانت هناك سياسة ممنهجة لاحتوائها3. و الآن و بعد حصول انفراج كبير و توسع مجال الحريات نجد أنه قد أصبح للمعارضة سواء البرلمانية أو غير الممثلة في البرلمان هامش كبير للتحرك و التعبير عن رأيها و هو ما تم تدعيمه من خلال الاعتراف صراحة بالمعارضة البرلمانية في الدستور الجديد. من هنا يكتسي الحديث عن المعارضة البرلمانية و موقعها و مكانتها في الدستور الجديد أهمية بالغة بالنظر إلى كونه و لأول مرة تتم دسترة وضع المعارضة البرلمانية على اعتبار أنه إذا كانت الغاية من هذا الدستور الجديد هي بناء نظام ديمقراطي فإن ذلك لن يتحقق ما لم يوجد أغلبية تحترم المعارضة و تعترف لها بحقها في الوجود و حرية الرأي و حقها في المشاركة من موقعها في التشريع و مراقبة العمل الحكومي و الدفاع عن المصالح العليا للوطن.
يثير الموضوع الذي بين أيدينا الإشكالية التالية: ما هي مكانة المعارضة في الدستور الجديد؟ إشكالية تتفرع عنها مجموعة من الاسئلة: ما هي الحقوق التي كفلها المشرع المشرع الدستوري للمعارضة البرلمانية في الدستور الجديد؟ و ما هي الآليات التي وضعها بين أيديها لممارسة هذه الحقوق؟ و هو ما سنحاول الإجابة عليه كما يلي:
أولا: الحقوق الدستورية للمعارضة البرلمانية.
بالرجوع إلى الدستور المغربي المراجع نجد أنه قد كفل مجموعة من الحقوق للمعارضة لتمكينها من القيام بمهامها على الوجه الأكمل. و إن كان المشرع الدستوري يخلط الأمور حين يتحدث في الفقرة الأولى عن المعارضة البرلمانية و يعود في الفقرة الثانية ليتحدث عن المعارضة بصفة عامة بما فيها غير الممثلة في البرلمان و على أي فالحقوق التي نص عليها الفصل العاشر من الدستور هي كما يلي:
- حرية الرأي و التعبير و الاجتماع، فالديمقراطية لاتعني الصمت.
- حقها في الاستفادة من حيز زمني في وسائل الإعلام الرسمية بما يتناسب مع تمثيليتها.
- الاستفادة من التمويل العمومي وفق مقتضيات القانون.
- المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان.
- المشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي عن طريق مساءلة الحكومة( الأسئلة الشفوية، اللجان النيابية لتقصي الحقائق....).
- المساهمة في اقتراح المرشحين في انتخاب في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية. و هذا أمر جيد سيمكن المعارضة إسماع صوتها و موقفها من دستورية القوانين...
- تمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلس البرلمان.
- رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب. كما ان الفصل 69 الفقرة 5 منحها حق رئاسة لجنتين و إن كان لم يحدد اللجنة الثانية. و لهذا نتمنى أن يتم إسناذ رئاسة لجنة المالية للمعارضة لتمكينها من القيام برقابة فعالة على المال العام كما هو الأمر في فرنسا.
- المساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية للدفاع عن القضايا العادلة للوطن و الدفاع عن مصالحه الحيوية.
ثانيا: آليات ووسائل ممارسة المعارضة البرلمانية لصلاحياتها.
نميز في إطارها بين وسائل تمكنها من الإسهام في التشريع و أخرى تساعدها على القيام بدورها في مراقبة العمل الحكومي.
- آليات الإسهام في التشريع.
الفصل 55 الفقرة 5 الذي اعطى الحق ل سدس أعضاء مجلس النواب و ربع أعضاء مجلس المستشارين في إحالة أي التزام دولي إلى المحكمة الدستورية للنظر في مدى تطابقه مع أحكام الدستور.
الفصل 60 الفقرة 2 الذي اعتبر المعارضة مكون أساسي في المجلس و لها الحق في ان تشارك في وظيفتي التشريع و الرقابة.
الفصل 61 الفقرة 5 الذي منح المعارضة البرلمانية حق رئاسة لجنة أو لجنتين على الأقل من بلنهما لجنة التشريع التي نص عليها الفصل 10. و هذا سيمكن المعارضة البرلمانية من المساهمة بشكل فعال في التشريع، حيث ستتولى دراسة كل مقترحات و مشاريع القوانين قبل إحالتها إلى الجلسة العامة.
و الأهم هو أن الفصل 82 في فقرته الثانية من خلال تخصيصه ليوم واحد في الشهر لدراسة مقترحات القوانين و من بينها تلك الصادرة عن المعارضة. يكون قد أنهى سيطرة و تحكم الحكومة من خلال أغلبيتها البرلمانية في جدول أعمال المجلسين. هذا التحكم الذي كان قائما في ظل الدستور السابق في الفصل 56 الفقرة 1 الذي كان يعطي للحكومة صلاحيات واسعة في تحديد جدول الأعمال، و يمنح الأسبقية لمشاريع القوانين في المناقشة على مقترحات القوانين الأمر الدي أفرز لنا عدم تكافؤ في المبادرة التشريعية بين الحكومة و البرلمان.4
كما أن الفصل 132 في فقرته الثانية قلص نسبة الأعضاء الواجب توفرها لإحالة القوانين على المحكمة الدستورية إلى خمس أعضاء مجلس النواب، بعدما كان الأمر في الدستور السابق يقتضي طلب ربع أعضاء أحد المجلسين.
- آليات الرقابة.
الفصل 67 الفقرة 2 الذي ينص بأنه يجوز أن تشكل بمبادرة الملك أو ثلث أعضاء مجلس النواب أو ثلث أعضاء مجلس المستشارين لجان نيابية لتقصي الحقائق. و هذا ما سيمكن المعارضة من سلاح فعال لممارسة رقابة مشددة على الحكومة، و لا سيما و أنه بإمكان هذه أن تحيل تقريرها إلى القضاء.5
السلاح الثاني الذي أصبح بيد المعارضة البرلمانية و هو إمكانية قبول ملتمس الرقابة إذا وقعه فقط خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، في حين لا تصح الموافقة عليه إلا بتصويت الأغلبية المطلقة.
و هذا هو أخطر سلاح أصبحت تتوفر عليه المعارضة لأنه يهدد حياة الحكومة، لأنه إذا تمت الموافقة عليه بالأغلبية- في حالة حدوث انشقاق داخل الأغلبية- فإن الحكومة تكون مجبرة على تقديم قبول استقالة جماعية. و هذا السلاح أصبح حكرا على مجلس النواب دون مجلس المستشارين. هذا الأخير تم تعويضه بسلاح آخر هو ملتمس المساءلة الذي يبعث به رئيس المجلس إلى رئيس الحكومة إذا وقعه فقط خمس أعضاء المجلس، و تتم الموافقة عليه بتصويت الأغلبية لصالحه.6
بالإضافة إلى كل ما سبق مكن الدستور الجديد المعارضة البرلمانية من ممارسة رقابة بعدية على تدبير الحكومة للشأن العام الوطني حيث يستلزم الأمر فقط ثلث أعضاء مجلس النواب ليطلبوا من رئيس الحكومة تقديم الحصيلة لعمل الحكومة. أما بالنسبة لمجلس المستشارين فيتطلب الأمر أغلبية الأعضاء.
خــــاتمة:
من كل ما سبق، يتبين أنه فيما كانت الدساتير السابقة تكرس منطق الأغلبية بامتياز، فإن الدستور الجديد يمنح المعارضة البرلمانية حقوقا و يتعدى ذلك ليزودها بآليات تمكنها من ممارسة حقوقها. ليبقى على عاتق الفاعلين السياسيين عبء و مسؤولية الاستثمار الأفضل لهذه الحقوق و التوظيف الأمثل لهذه الآليات بالشكل الذي يعيد للعمل البرلماني فعاليته و مصداقيته أيضا. و في هذا السياق جاءت التوجيهات الملكية -في خطاب الذكرى 36 للمسيرة الخضراء- لكل من الأغلبية و المعارضة التي ستنبثق عن انتخابات 25 نونبر 2011 :".....انتخابات تفرز أغلبية حكومية تتحمل بكل شجاعة و انسجام وإقدام و التزام، مسؤولية تدبير الشأن العام و تحاسب عليه من طرف معارضة بناءة بقوتها الاقتراحية. معارضة برلمانية لها مكانتها الدستورية و الفعلية و ليس مجرد أقلية مهمشة أو مقصية لا تأثير لها تنتظر الولاية النيابية لتعرض برنامجها البديل".إلا أن السؤال المطروح هو إلى أي حد استثمرت المعارضة البرلمانية هذه الحقوق و الآليات سواء على مستوى التشريع أو الرقابة في الممارسة العملية هذا ما سنتطرق له في بحوث مقبلة إن شاء الله، و للبحث بقية.
الهوامش
الهوامش:
1 مأخوذ عن: www.wikipédia.ogr
2 للمزيد حوا تاريخ ظهور المعارضة و أيضا علاقتها بالأغلبية يرجى الرجوع إلى:
claude leclerco ; le principe de la majorité ; librairie armand colin ; paris 1971. p
3 بخصوص واقع المعارضة بالمغرب في هذه الفترة يرجى الرجوع إلى:
محمد ضريف، المغرب في مفترق الطرق ، منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، الطبعة الأولى 1996، ص:
محمد معتصم، الحياة السياسية المغربية (1962-1991) ، مؤسسة إيزيس للنشر ، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1992،ص:74_111.
4 للمزيد من التفصيل المطلوب العودة إلى:
الحبيب الدقاق، العمل التشريعي للبرلمان: أية حكامة؟ مقاربة نقدية في القانون البرلماني و الممارسة التشريعية بالمغرب، مطبعة الأمنية-الرباط، الطبعة الأولى 2009، ص:151 و ما بعدها.
5 كانت إمكانية تشكيل اللجان النيابية لتقصي الحقائق في ظل الدستور السابق متوقفة على مبادرة الملك أو طلب أغلبية أعضاء أحد المجلسين. و يأتي هذا المستجد استجابة لمطالب الأحزاب السياسية في المذكرات التي تقدمت بها بخصوص المراجعة الدستورية:
حزب العدالة و التنمية و حزب الحركة الشعبية و حزب الأصالة و المعاصرة طالبوا بتقليص النسبة المطلوبة إلى ثلث الأعضاء فقط.
حزبا الاستقلال و التجمع الوطني للأحرار طالبا بتقليصها إلى الربع.
حزب التقدم والاشتراكية طالب بتقليصها غلى عشر الأعضاء فقط.
للمزيد من التفصيل يرجى الرجوع إلى مذكرات الأحزاب السياسية في:
مجلةR.E.M.A.L.d. ،سلسلة نصوص ووثائق، عدد 246، 2011.
6 يعرض رئيس الحكومة جواب حكومته أمام المجلس لتتم مناقشته من قبل أعضاء المجلس. و ملتمس المساءلة هو بديل ل ملتمس توجيه التنبيه الذي كان ينص عليه الفصل 77 من الدستور السابق.