إن وضع مسودة "مشروع" قانون المسطرة المدنية من طرف الجهة الوصية في إطار البحث عن أرضية جديدة تستجيب لإصلاح المنظومة القضائية وفق تصورات الميثاق الوطني يطرح تساؤلا أنيا حول موقع المفوض القضائي ودوره ومدى استحضار واقع ممارسته المهنية والتحديات التي يواجهها عند صياغة المشروع وهل استطاع واضعوه التفاعل مع متطلبات المهنة لتفادي النواقص والعيوب التي
تعرقل مسيرتها وتطورها
تعرقل مسيرتها وتطورها
أولا:قراءة في "مشروع" قانون المسطرة المدنية- المفوض القضائي ومنظومة التبليغ-
يعتبر التبليغ المحور الأساسي في تحقيق مبدأ الواجهية والمحاكمة العادلة فالتبليغ ليس مجرد واقعة مادية أو إجراء مسطري يرمي إلى إعلام الأطراف بمجموعة من إجراءات الدعوى سواء قبل رفعها أو أثناء سريانها او بعد صدور الحكم فيها وإنما هي إحدى الضمانات الأساسية والجوهرية التي تؤدي إلى التكريس الفعلي للمحاكمة العادلة وبالتالي هو إجراء جوهري يرتبط بحقوق الدفاع والذي يجب أن تراعى فيه الدقة والقراءة الموضوعية للمحيط الذي يتم فيه ومن تم يجب تحديت منظومة التبليغ بشكل يحقق النجاعة و الحكامة المطلوبتين ولتفعيل وتحقيق ذلك يجب تقوية دور المفوض القضائي داخل هذه المنظومة ومن باب الاحتكارية على اعتبار انه الإطار المؤهل أكاديميا وقانونيا ومهنيا لاحتكار هذا الاختصاص دون سواه لأنه تبث بما لا يدع مجالا للشك بان بدائل التبليغ الكلاسيكية طرحت عدة إشكالات على مستوى العمل القضائي وذلك راجع لعدم إلمام هاته الجهات بماهية التبليغ وبياناته وما يترتب عنه من أثار ولقد انتبه واضعو ديباجة مسودة "مشروع "قانون المسطرة المدنية لسنة 2010 إلى أهمية دور المفوض القضائي في تحسين منظومة التبليغ عندما أوجبت إرفاق المقال بإشهاد المفوض القضائي تحت طائلة عدم قبول تقييده بكتابة الضبط عند عدم احترام هذا الإجراء وبالتالي النص على إجبارية التبليغ عن طريق المفوضين القضائيين فان كان هذا الأمر جاء ملائما لطموحات المفوض القضائي المشروعة فانه في حقيقة الأمر مجرد حبر على ورق نظرا لما هو مجسد في الواقع ولما استقرت عليه الممارسات بشان إجراءات التبليغ وهذا ما عكسه بشكل واضح "المشروع "الحالي حيث جاء في المادة52 منه( يبلغ الاستدعاء بواسطة احد المفوضين القضائيين بسعي من الطرف المعني يمكن للمحكمة أن تأمر عند الاقتضاء بتبليغ الاستدعاء بواسطة احد موظفي كتابة الضبط أو بالطريقة الإدارية أو بأي وسيلة أخرى للتبليغ متى كان التبليغ بواسطة المفوض القضائي متعذرا) فلو كان واضع المشروع يقصد بالتعذر الدوائر القضائية التي لا يوجد بها مفوضون قضائيون لاحتفظ بنفس الصيغة الواردة في مشروع 2010واشار إلى الاستثناء إذا كان له مبرر بالإضافة إلى ذلك لا مجال للقول بالتعذر أمام مسطرة التبليغ المنصوص عليها في المادة 57 لكن المقصود من هاته المادة تكريس وتبطين ازدواجية التبليغ وضرب لمبدأ الاحتكارية كمبدأ تبناه القانون المقارن بالرغم من كون عمل المفوض القضائي هو جوهر الحكامة الجيدة وضمانة للمحاكمة العادلة كما اقرها الدستور وهذا ما يستشف من الحكم القضائي الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط( قسم القضاء الشامل) بتاريخ13/يونيو/2013 الملف رقم2012/7/357 بين المديرية العامة للضرائب في شخص ممثلها القانوني الحكم عدد2226(حيث يهدف الطلب الحكم بإلغاء مقرر اللجنة الوطنية والتصريح بالصحة الأساس الضريبي الذي حدده المفتش مع الصائر حيث أمرت المحكمة الجهة المدعية باستدعاء المدعى عليه بواسطة المفوض القضائي وظل هذا الإجراء بدون جدوى رغم توصلها بالإشعار وحيث عدم مباشرة المدعية باعتبارها إدارة عمومية يفترض فيها اليسر والنجاعة والحكامة الجيدة في تدبير المنازعة القضائية الإدارية لإجراءات تبليغ المدعى عليه بواسطة المفوض القضائي رغم إشعارها بذلك بعد تعذر التبليغ بالطريق العادي لعدة جلسات وبالنظر لقصور وسائل المحكمة في التبليغ أمام إحداث هيئة المفوضين القضائيين كهيئة تتمتع باختصاص أصيل في هذا المجال جعل من المتعذر السير في إجراءات الدعوى والتحقيق فيها لتخلف شروط المحاكمة العادلة والتي على رأسها إبلاغ المدعى عليه بفصول الدعوى كفالة لحقوق الدفاع الدستورية (الفصل120 من الدستور) والتي أرستها جل المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان المادتين 10-11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادتين9و14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسة والذي يعد من صميم مسؤولية المحكمة التحقق والتثبت من احترامها وأمر الأطراف بالسهر على الإجراءات الموصلة لها تحقيقا لمبدأ المحاكمة في اجل معقول الشيء الذي يتعين معه بتخلف المدعية عن تحقيق ذلك بالرغم من الدعوى وملك للخصوم لا المحكمة التصريح بعدم قبول الطلب) ويتبن من خلال إجراء مقارنة بسيطة بين ما تم التنصيص عليه في المادة52 من المشروع وما جاء في هذا الاجتهاد القضائي الجريء تتضح المفارقة الغريبة في فهم دور المفوض القضائي في التبليغ وفي تكريس الحكامة الجيدة والنجاعة والمحاكمة العادلة وبالتالي دوره في تحقيق الأمن القضائي والاقتصادي والاجتماعي ولم يقف الأمر عن ذلك بل تجاوزه لتشمل الازدواجية أيضا إجراءات التنفيذ.
ثانيا:إجراءات التنفيذ والأشخاص المسندة إليهم مهام التنفيذ.
يلاحظ من خلال قراءة نصوص ومقتضيات "مشروع "قانون المسطرة المدنية الخاصة بمساطر التنفيذ انه تم تكريس مبدأ الازدواجية فبالإضافة إلى المفوض القضائي نجد موظفي كتابة الضبط كأشخاص مكلفين بمهام التنفيذ وهذا واضح من مضمون المادة 544من "المشروع" من خلال ما جاء في الصيغة التنفيذية"وبناء على ذلك يأمر جلالة الملك جميع المكلفين بالتنفيذ من موظفين ومفوضين قضائيين إن ينفذوا هذا السند....."ومن الأشخاص المسندة إليهم مهام التنفيذ أيضا وبحرفية المواد 609الى 616 من المشروع السيد قاضي التنفيذ في إطار إجراءات بيع القيم المنقولة حيث جاء في مقتضيات المادة 609 "مع مرعاة الأحكام الخاصة بنظام بورصة القيم المنقولة تباع القيم المنقولة بالمزاد العلني بواسطة قاضي التنفيذ المختص" ومن خلال هذه المستجدات يتبين وبدون لبس ان المفوض لقضائي تم تقليص صلاحيته بشكل لا يتناسب وأهمية المرحلة و مستلزمات التغيير الجدري للمنظومة القضائية في الوقت نفسه ومن خلال الرجوع إلى القانون الفرنسي الذي قوى من دور المفوض القضائي نجد إن هذا القانون اعتبره ضابطا عموميا له صلاحية التبليغ وتنفيذ القرارات القضائية والسندات والعقود ذات الصيغة التنفيذية وتحصيل الديون بشكل حبي وإجراء البيوعات الحبية والقضائية وكدا السندات المنقولة كما رخص له بمزاولة أنشطة تبعية محددة بنصوص خاصة "GESTIONNAIRE IMMOBILIER""AGENT D’ASSURANCE "وتحرير العقود العرفية ولقد أبانت بعض الإحصائيات لسنة 1993ان المفوض القضائي نتيجة تدخله عن طريق الوساطة وإجراءات التنفيذ الحبية والجبرية تمكن من إرجاع مبلغ 43 مليار فرنك فرنسي وكان في هذا الأمر تخفيف العبء عن المحاكم وهو في حد ذاته يجسد نوعا من الترشيد والعقلنة للعمل القضائي وهذا ما دفع المشرع الفرنسي إلى تكريس هاته الخيارات في الموضوع من خلال:1 احتكارية الأنشطة القضائية بجميع فروعها على المفوض القضائي2 خلق أنشطة غير قضائية وإلحاقها باختصاصات المفوض القضائي بنصوص خاصة إعطاء دور كبير وموسع للمفوض القضائي في التنفيذات الحبية والجبرية3مده بكافة الوسائل المتاحة لإنجاح مهامه من قبل القانون4 اعتبار محضر المفوض القضائي ولما له من حجية ورسمية - سندا تنفيذيا إلا انه مع الأسف ومن خلال قراءة مستجدات "مشروع " قانون المسطرة المدنية يتضح بان واضعي المشروع حدوا من مبدأ احتكارية المفوض القضائي في مجال التنفيذ وان كانت هاته الأخيرة لم يسبق أن تم تكريسها في يوم من الأيام على ارض الواقع
3مؤسسة قاضي التنفيذ أية علاقة بالمفوض القضائي:
لقد نص قانون المسطرة المدنية الحالي في المادة429 منه والمعدل بمقتضى قانون رقم03.72 على" يكلف قاض بمتابعة إجراءات التنفيذ يعين من طرف رئيس المحكمة الابتدائية باقتراح من الجمعية العامة" و المادة2 من القانون رقم95.53 المتعلق بإحداث المحاكم التجارية. فبالرغم من وجود هذين النصين إلا انه لا يمكن لنا الحديث عن وجود مؤسسة قاضي التنفيذ كما هو معروف في القوانين المقارنة وان إشكالية التنفيذ وما يلحق بها من طعون وطلبات تبقى من اختصاص رئيس المحكمة الابتدائية وهذا ما دفع بواضعي "مشروع" قانون المسطرة المدنية إلى أحدات مؤسسة قاضي التنفيذ والذي أسندت له عدة اختصاصات يمكن إجمالها في׃
إصدار أوامر متعلقة بالتنفيذ.
-الإشراف على إجراءات التنفيذ.
-البث في صعوبات التنفيذ الوقتية.
- منح المهل الاسترحامية.
- بيع القيم المنقولة بالمزاد العلني بما في ذلك تحديد موعد لإجراء البيع.
-تحديد الثمن الافتتاحي لبيع الأصل التجاري بعد إجراء الخبرة وكدا الشروط الأساسية للبيع.
-تحديد يوم وساعة إجراء البيع بالمزاد العلني للعقار.
إعداد مشروع توزيع حصيلة التنفيذ إذ كانت هذه الحصيلة غير كافية.
ويتضح من خلال هاته المقتضيات وما ورد في المواد529 و530 و552 و555 أن واضعي "المشروع" منحوا قاضي التنفيذ سلطة التدخل في إجراءات التنفيذ ولم يقتصر الأمر على مجرد الإشراف والبت في الطلبات التي قد تعرض عليه بصفته القضائية والولائية فحسب بل من المأخذ التي سجلت أيضا في هذا السياق أن القرارات والأوامر والأحكام المذيلة بالصيغة التنفيذية تستلزمها موافقة قاضي التنفيذ بأمر قضائي وفق شكليات محددة في القانون وفي هذا الاتجاه مخالفة للمنطق القانوني السليم الذي يفترض فيه اليسر والسلاسة لا تعقيد المساطر بإجراءات إضافية وبناء عليه يمكن القول بان مؤسسة قاضي التنفيذ المستحدثة مأخوذة والى حد كبير عن قانون الإجراءات العثماني والذي يعتبر أن ولاية القاضي يندرج ضمنها التنفيذ وهذا ما نهجته بعض الدول العربية كما هو الشأن بالنسبة لسوريا والعراق ولبنان وكذلك مصر في ظل أحكام قانون المرافعات رقم88 لسنة1949 الذي اخذ بنظام قاضي التنفيذ الذي يشتغل تحت إشرافه مأموري التنفيذ"المحضرين" وفي إطار مشروع قانون المرافعات رقم13 لسنة 1968 تم تبني الرقابة اللاحقة على إجراءات التنفيذ فالطلب يقدم إلى" المحضر" باعتباره مساعدا للقضاء حيث يتخذ ما يلزم من الإجراءات بدل الحصول على الإذن المسبق لقاضي التنفيذ إلا أن القانون اوجب على" المحضر" عرض الملف عليه عقب كل إجراء ليتخذ ما يراه مناسبا. عكس ما جاء في المادتين 552و555 من مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية الذي ينص على ضرورة الحصول على أمر قضائي قبل مباشرة إجراءات التنفيذ مما يعني تكريس وتعميق تبعية المفوض القضائي لمؤسسة قاضي التنفيذ بدون مراعاة أنتولوجية وخصائص المهنة التي تميزها عن باقي مكونات الجسم القضائي.
أما بالنسبة للقانون الفرنسي فقد تم تنظيم هذه المؤسسة أي مؤسسة قاضي التنفيذ بمقتضى قانون رقم650-91 صادر بتاريخ9 يوليوز 1991 والمرسوم التطبيقي لصادر بتاريخ31يوليوز1992 والمعدل للتنظيم القضائي حيث نص على وجود قاض للتنفيذ لكل محكمة ابتدائية كبرى بصفته قاض منفرد ويمكن إحالة النزاع أيضا على الهيئة الجماعية بنفس الصفة وينظر قاضي التنفيذ من خلال القانون الفرنسي في المنازعات المتعلقة بالتنفيذ وفي صعوبات التنفيذ كما يدخل ضم اختصاصه إصدار أوامر ولائية كالإجراءات التحفظية والنظر في الطلبات المتعلقة بإيقاف التنفيذ وهذه الأوامر لا تقبل الطعن بالتعرض ولكن يمكن الطعن فيها بالاستئناف ومن هنا يتضح أن دور مؤسسة قاضي التنفيذ هي الإشراف على إجراءات التنفيذ والنظر في الطلبات التي تقدم من الأطراف أو ترفع من طرف المفوض القضائي بمناسبة قيامه بعمله حيث يبقى هذا الأخير وحده هو المسؤول دون تدخل من القاضي.
وان كان بعض الفقه في المغرب في إطار المقارنة بين مؤسسة قاضي التنفيذ وقاضي متابعة إجراءات التنفيذ يحاول إيجاد تبرير لتدخل قاضي التنفيذ بشكل قطعي في هاته الإجراءات في حين ينبغي أن ينحصر دور هاته المؤسسة القضائية في الإشراف كما هو واضح في النموذج الفرنسي وهو الاختصاص الذي يخول لقاضي التنفيذ سلطة البت في المنازعات المرتبطة بالتنفيذ ذات الطبيعة القضائية أو ذات الطبيعة الولائية التي لا تحسم في الجوهر.
ولقد ذهب بعض الفقه في تصورهم لهاته المؤسسة "مؤسسة قاضي التنفيذ" وقبل دخول قانون 81/03 المنظم لمهنة المفوض القضائي إلى اعتبار الأعوان القضائيين في علاقتهم بقاضي التنفيذ مجرد مأموري التنفيذ والهدف من ذلك هو إخضاعهم لإشرافه ومراقبته وفي هذا تدخل كامل وتام في إجراءات التنفيذ مما يعني أن "مشروع" قانون المسطرة المدنية في هذا الشق لم يأتي من فراغ بل بني على اعتبارات وتصورات سابقة تهدف إلى تمكين قاضي التنفيذ من آليات قانونية وتشريعية تساعده وتمنحه سلطة نافذة ومؤثرة في إطار الرقابة على هذه الإجراءات كما هو الشأن بالنسبة لقانون العثماني والمصري الذي سار على نفس النهج وكذا القانون اللبناني حيث جاء في المادة 278 من قانون الإجراءات المصري حيث يجري التنفيذ تحت إشراف قاضي التنفيذ ويعاونه عدد كاف من المحضرين وان كان طلب التنفيذ يقدم إلى المحضر بصفته معاونا فانه ملزم بعرض الأمر على قاضي التنفيذ عقب كل إجراء بتم من طرف مأمور الإجراء’ وهو نفس الاتجاه الذي أخذت به مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية المغربي من خلال ما هو مكرس في المادة 529 الذي نص على أنه ينوب عن قاضي التنفيذ في مهامه عند الاقتضاء قاض أو أكثر يعين بنفس الطريقة ويساعده عدد كاف من الموظفين والمكلفين بالتنفيذ وحسب المادة 530 يختص قاضي التنفيذ دون غيره بإصدار الأوامر المتعلقة بالتنفيذ كما يتولى الإشراف ومراقبة سائر إجراءات التنفيذ.مما يؤكد قطعيا توجه "مشروع "قانون المسطرة المدنية إلى جعل المفوض القضائي مجرد مأمور وبالتالي الانسلاخ عن الإطار القانوني للمهنة وعن الدور المنوط به كمؤسسة المفروض أنها فاعلة في تحقيق التوازن داخل منظومة العدالة وهذا لا يعني وبشكل موضوعي ان مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية لم تأت بجديد بل لقد نصت هذه الأخيرة على مقتضيات ايجابية إلى حد ما و تهم بالأساس تنفيذ الأحكام القضائية في مواجهة أشخاص القانون العام والمضمنة بالمادة 583 والتي جاءت بتحديد كرنولوجي لإجراءات التنفيذ على الأشخاص الاعتبارية العامة وفق منطق تسلسلي و تراتبي ينتهي بإمكانية إجراء حجز تنفيذي على أموالها وممتلكاتها مبدئيا ما لم يعرقل ذلك المصلحة العامة إلا أن هاته المقتضيات وان شرعنت الحجز التنفيذي الناقص فان ذلك قد أفضى من خلال مدلول المخالفة إلى إبعاد إمكانية إيقاع بعض الحجوزات الأخرى مثل الحجز بين يدي الغيرعلى هاته الأموال انتصارا لبعض الاجتهادات القضائية التي تقول بان أشخاص القانون العام لا يخشى عسرها كما أن اعتبار السند التنفيذي بمثابة أمر بحوالة تصرف للمحكوم له من طرف المحاسب العمومي المختص بمجرد الطلب هو أمر محمود ولكن يبقى السؤال المطروح ماذا لو رفض المحاسب العمومي صرف هذه الحوالة هل سيتم اللجوء إلى مسطرة الحجز التنفيذي وفق ما هو مسطر وماذا لو تعذر انجازها بغض النظر عن إثارة مسؤولية الممتنع أكيد سنظل ندور في حلقة مفرغة وللخروج منها يجب التنزيل الفعلي لمقتضيات المادة 126 من الدستور التي تنص على انه يجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء وبناء عليه فانه يجب على أشخاص القانون العام بدون استثناء الانصياع لهاته المقتضيات الدستورية والعمل على تنفيذ الأحكام القضائية النهائية الصادرة في مواجهتها تحت طائلة إجراء وإيقاع الحجز التنفيذي على منقولاتها وممتلكاتها بغض النظر عن طبيعتها مال عام أم خاص مع إثارة مسؤولية الموظف المسؤول عن ما ستسفر عنه إجراءات الحجز هاته وهذا ما ذهب اليه بعض العمل القضائي في الملف التنفيذي عدد23-98"مليكة بنت الحاج ومن معها ضد الجماعة الحضرية لزواغة منشور بمجلة المعيار عدد29 ص79 والملف التنفيذي عدد30-98 نفس المراجع" عبدالله العلمي ضد الجماعة الحضرية لزواغة حيث سارع المجلس الجماعي خلال مسطرة بيع المحجوزات بالوفاء بالتزاماتها المالية موضوع السند التنفيذي كما ورد في المرجع المشار اليه وبالتالي لا نحتاج لأمر أخر يصدر عن جهة معينة قصد قيام الادارة بتنفيذ الأحكام القضائية في مواجهتها كما فعل المشرع الفرنسي من خلال قانون 03-يناير-1973الذي أعطى الصلاحية والاختصاص لمؤسسة الوسيط قصد إعطاء الأمر للإدارة لتنفيذ الأحكام التي امتنعت عن تنفيذها ويكفي فقط تقوية دور هيئة المفوضين القضائيين داخل منظومة التنفيذ . وعلى اعتبار إن الأحكام القضائية لها الكفاية الذاتية المخولة لها بمقتضى حجية وقوة الشيء المقضي به فدسترة التنفيذ هي انعكاس وتكريس "لمبدأ المشروعية الذي يعتبر من أقدس المبادئ التي اقرها الدستور المغربي التي تجعل تصرفات الدولة خاضعة لمراقبة القانون تبقى ملزمة بتنفيذ القرارات والأحكام الصادرة ضدها وإلا لما كان لمبدأ المشروعية أي معنى إذا كانت الدولة مستثناة من تنفيذ الأحكام"أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط تحت عدد1206 بتاريخ16-12-1985 منشور بمجلة م-ق4ص242
ومن المآخذ التي سجلناها على مقتضيات المادة 583 المشار إليه أعلاه إنها لم تتطرق لا للمؤسسة قاضي التنفيذ بالمحكمة الإدارية ولا للصيغة التنفيذية الخاصة بالأحكام الصادرة عن القضاء الإداري في مواجهة أشخاص القانون العام فهل هذا يعني الإحالة بشكل ضمني على المادة 544 من "المشروعّ" وهذا الأمر ان صح لا يستقيم والمنطق القانوني السليم وذلك راجع لاختلاف المخاطب بالتنفيذ بين أشخاص القانون الخاص والقانون العام وبالتالي كان من الضروري التنصيص على صيغة تنفيذية تتماشى وطبيعة أحكام القضاء الإداري وعلى اعتبار إن الصيغة التنفيذية تشكل عنصر إلزام في إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية كيف ما كانت طبيعتها والمخاطب بها كما ان تفعيل مؤسسة قاضي التنفيذ في مجال تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية يدخل في باب ترشيد وعقلنة عمل هذه المحاكم وذلك بطبيعة الحال بواسطة المفوض القضائي الذي له الاختصاص الأصيل في هذا السياق سواء على مستوى التنفيذات المحلية او تسليم ملفات التنفيذ مباشرة للمفوض القضائي دون سلوك مسطرة الإنابة التي هي مسطرة جوازية فقط كما وارد في المادة 439 من قانون المسطرة المدنية الحالي وهذا التوجه أشار إليه السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط الأستاذ محمد الصقلي الحسني في مقاله المنشور على الانترنيت تحت عنوان " التوجهات الدستورية في مجال تنفيذ الأحكام الإدارية وأفاق تطبيقها"
و بناء على ما سلف بسطه يتبين بالملموس انه لا يمكن الحديث عن إصلاح منظومة التبليغ والتنفيذ بدون إشراك المفوض القضائي وتوسيع اختصاصه النوعي والمكاني وتمتيعه بالحماية القانونية التي هي أصلا حماية للإجراءات القضائية وليست امتيازا لشخص المفوض وان كنا قد سجلنا بارتياح محاولة "المشروع" الجديد التطرق لمسالة الحماية من خلال الفصل 547 ولو بشكل غير كاف ولا يرقى لانتظارات المفوضين القضائيين ولاسيما أن مسالة الاستعانة بالقوة العمومية كجزء من هاته الحماية مازالت تثير إشكالات عملية مرتبطة بطبيعة الإجراءات الإدارية التي قد تتطلب وقتا طويلا شيء ما وأيضا التكييف القانوني لطلب الاستعانة بالقوة العمومية فان كان الاجتهاد القضائي الفرنسي قد حسم الموقف في الاعتراف للمفوض القضائي بالصلاحية الكاملة في تكييف الأسباب المبررة للاستعانة بالقوة العمومية دون إن تكون لجهة الإدارية الوصية أي سلطة في رفض الطلب تحت طائلة تحميل الدولة المسؤولية المدنية عن ذلك,le conseil d’Etat section du contentieux n323411 25novembre2009 inédit au recueil Lebon فإننا لم نعثر في العمل القضائي المغربي اي اجتهاد يتطرق لهذا الإشكال وبالتالي نود ان يسفرالتطبيق العملي لمقتضيات المادة 547 عن تيسير مسطرة تسخير القوة العمومية في كل مراحل إجراءات التنفيذ أو عند ضرورة الحماية بدون تعقيد باعتبارها إحدى الآليات الهامة لتنفيذ الأحكام القضائية جبريا وقسريا عند الامتناع اوالمقاومة والعصيان
خلاصة الأمر انه لا يمكن ان تتحقق النجاعة والحكامة القضائية بدون تقوية دور المفوض القضائي داخل منظومة التبليغ والتنفيذ من خلال تكريس احتكاريته لهاته الاختصاصات وتعديل القوانين المنظمة لهاته المهنة بشكل يضمن فعلا الأداء الجيد لمرفق القضاء على اعتبار ان المفوض القضائي المحور الأساسي في ورش إصلاح العدالة
يعتبر التبليغ المحور الأساسي في تحقيق مبدأ الواجهية والمحاكمة العادلة فالتبليغ ليس مجرد واقعة مادية أو إجراء مسطري يرمي إلى إعلام الأطراف بمجموعة من إجراءات الدعوى سواء قبل رفعها أو أثناء سريانها او بعد صدور الحكم فيها وإنما هي إحدى الضمانات الأساسية والجوهرية التي تؤدي إلى التكريس الفعلي للمحاكمة العادلة وبالتالي هو إجراء جوهري يرتبط بحقوق الدفاع والذي يجب أن تراعى فيه الدقة والقراءة الموضوعية للمحيط الذي يتم فيه ومن تم يجب تحديت منظومة التبليغ بشكل يحقق النجاعة و الحكامة المطلوبتين ولتفعيل وتحقيق ذلك يجب تقوية دور المفوض القضائي داخل هذه المنظومة ومن باب الاحتكارية على اعتبار انه الإطار المؤهل أكاديميا وقانونيا ومهنيا لاحتكار هذا الاختصاص دون سواه لأنه تبث بما لا يدع مجالا للشك بان بدائل التبليغ الكلاسيكية طرحت عدة إشكالات على مستوى العمل القضائي وذلك راجع لعدم إلمام هاته الجهات بماهية التبليغ وبياناته وما يترتب عنه من أثار ولقد انتبه واضعو ديباجة مسودة "مشروع "قانون المسطرة المدنية لسنة 2010 إلى أهمية دور المفوض القضائي في تحسين منظومة التبليغ عندما أوجبت إرفاق المقال بإشهاد المفوض القضائي تحت طائلة عدم قبول تقييده بكتابة الضبط عند عدم احترام هذا الإجراء وبالتالي النص على إجبارية التبليغ عن طريق المفوضين القضائيين فان كان هذا الأمر جاء ملائما لطموحات المفوض القضائي المشروعة فانه في حقيقة الأمر مجرد حبر على ورق نظرا لما هو مجسد في الواقع ولما استقرت عليه الممارسات بشان إجراءات التبليغ وهذا ما عكسه بشكل واضح "المشروع "الحالي حيث جاء في المادة52 منه( يبلغ الاستدعاء بواسطة احد المفوضين القضائيين بسعي من الطرف المعني يمكن للمحكمة أن تأمر عند الاقتضاء بتبليغ الاستدعاء بواسطة احد موظفي كتابة الضبط أو بالطريقة الإدارية أو بأي وسيلة أخرى للتبليغ متى كان التبليغ بواسطة المفوض القضائي متعذرا) فلو كان واضع المشروع يقصد بالتعذر الدوائر القضائية التي لا يوجد بها مفوضون قضائيون لاحتفظ بنفس الصيغة الواردة في مشروع 2010واشار إلى الاستثناء إذا كان له مبرر بالإضافة إلى ذلك لا مجال للقول بالتعذر أمام مسطرة التبليغ المنصوص عليها في المادة 57 لكن المقصود من هاته المادة تكريس وتبطين ازدواجية التبليغ وضرب لمبدأ الاحتكارية كمبدأ تبناه القانون المقارن بالرغم من كون عمل المفوض القضائي هو جوهر الحكامة الجيدة وضمانة للمحاكمة العادلة كما اقرها الدستور وهذا ما يستشف من الحكم القضائي الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط( قسم القضاء الشامل) بتاريخ13/يونيو/2013 الملف رقم2012/7/357 بين المديرية العامة للضرائب في شخص ممثلها القانوني الحكم عدد2226(حيث يهدف الطلب الحكم بإلغاء مقرر اللجنة الوطنية والتصريح بالصحة الأساس الضريبي الذي حدده المفتش مع الصائر حيث أمرت المحكمة الجهة المدعية باستدعاء المدعى عليه بواسطة المفوض القضائي وظل هذا الإجراء بدون جدوى رغم توصلها بالإشعار وحيث عدم مباشرة المدعية باعتبارها إدارة عمومية يفترض فيها اليسر والنجاعة والحكامة الجيدة في تدبير المنازعة القضائية الإدارية لإجراءات تبليغ المدعى عليه بواسطة المفوض القضائي رغم إشعارها بذلك بعد تعذر التبليغ بالطريق العادي لعدة جلسات وبالنظر لقصور وسائل المحكمة في التبليغ أمام إحداث هيئة المفوضين القضائيين كهيئة تتمتع باختصاص أصيل في هذا المجال جعل من المتعذر السير في إجراءات الدعوى والتحقيق فيها لتخلف شروط المحاكمة العادلة والتي على رأسها إبلاغ المدعى عليه بفصول الدعوى كفالة لحقوق الدفاع الدستورية (الفصل120 من الدستور) والتي أرستها جل المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان المادتين 10-11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادتين9و14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسة والذي يعد من صميم مسؤولية المحكمة التحقق والتثبت من احترامها وأمر الأطراف بالسهر على الإجراءات الموصلة لها تحقيقا لمبدأ المحاكمة في اجل معقول الشيء الذي يتعين معه بتخلف المدعية عن تحقيق ذلك بالرغم من الدعوى وملك للخصوم لا المحكمة التصريح بعدم قبول الطلب) ويتبن من خلال إجراء مقارنة بسيطة بين ما تم التنصيص عليه في المادة52 من المشروع وما جاء في هذا الاجتهاد القضائي الجريء تتضح المفارقة الغريبة في فهم دور المفوض القضائي في التبليغ وفي تكريس الحكامة الجيدة والنجاعة والمحاكمة العادلة وبالتالي دوره في تحقيق الأمن القضائي والاقتصادي والاجتماعي ولم يقف الأمر عن ذلك بل تجاوزه لتشمل الازدواجية أيضا إجراءات التنفيذ.
ثانيا:إجراءات التنفيذ والأشخاص المسندة إليهم مهام التنفيذ.
يلاحظ من خلال قراءة نصوص ومقتضيات "مشروع "قانون المسطرة المدنية الخاصة بمساطر التنفيذ انه تم تكريس مبدأ الازدواجية فبالإضافة إلى المفوض القضائي نجد موظفي كتابة الضبط كأشخاص مكلفين بمهام التنفيذ وهذا واضح من مضمون المادة 544من "المشروع" من خلال ما جاء في الصيغة التنفيذية"وبناء على ذلك يأمر جلالة الملك جميع المكلفين بالتنفيذ من موظفين ومفوضين قضائيين إن ينفذوا هذا السند....."ومن الأشخاص المسندة إليهم مهام التنفيذ أيضا وبحرفية المواد 609الى 616 من المشروع السيد قاضي التنفيذ في إطار إجراءات بيع القيم المنقولة حيث جاء في مقتضيات المادة 609 "مع مرعاة الأحكام الخاصة بنظام بورصة القيم المنقولة تباع القيم المنقولة بالمزاد العلني بواسطة قاضي التنفيذ المختص" ومن خلال هذه المستجدات يتبين وبدون لبس ان المفوض لقضائي تم تقليص صلاحيته بشكل لا يتناسب وأهمية المرحلة و مستلزمات التغيير الجدري للمنظومة القضائية في الوقت نفسه ومن خلال الرجوع إلى القانون الفرنسي الذي قوى من دور المفوض القضائي نجد إن هذا القانون اعتبره ضابطا عموميا له صلاحية التبليغ وتنفيذ القرارات القضائية والسندات والعقود ذات الصيغة التنفيذية وتحصيل الديون بشكل حبي وإجراء البيوعات الحبية والقضائية وكدا السندات المنقولة كما رخص له بمزاولة أنشطة تبعية محددة بنصوص خاصة "GESTIONNAIRE IMMOBILIER""AGENT D’ASSURANCE "وتحرير العقود العرفية ولقد أبانت بعض الإحصائيات لسنة 1993ان المفوض القضائي نتيجة تدخله عن طريق الوساطة وإجراءات التنفيذ الحبية والجبرية تمكن من إرجاع مبلغ 43 مليار فرنك فرنسي وكان في هذا الأمر تخفيف العبء عن المحاكم وهو في حد ذاته يجسد نوعا من الترشيد والعقلنة للعمل القضائي وهذا ما دفع المشرع الفرنسي إلى تكريس هاته الخيارات في الموضوع من خلال:1 احتكارية الأنشطة القضائية بجميع فروعها على المفوض القضائي2 خلق أنشطة غير قضائية وإلحاقها باختصاصات المفوض القضائي بنصوص خاصة إعطاء دور كبير وموسع للمفوض القضائي في التنفيذات الحبية والجبرية3مده بكافة الوسائل المتاحة لإنجاح مهامه من قبل القانون4 اعتبار محضر المفوض القضائي ولما له من حجية ورسمية - سندا تنفيذيا إلا انه مع الأسف ومن خلال قراءة مستجدات "مشروع " قانون المسطرة المدنية يتضح بان واضعي المشروع حدوا من مبدأ احتكارية المفوض القضائي في مجال التنفيذ وان كانت هاته الأخيرة لم يسبق أن تم تكريسها في يوم من الأيام على ارض الواقع
3مؤسسة قاضي التنفيذ أية علاقة بالمفوض القضائي:
لقد نص قانون المسطرة المدنية الحالي في المادة429 منه والمعدل بمقتضى قانون رقم03.72 على" يكلف قاض بمتابعة إجراءات التنفيذ يعين من طرف رئيس المحكمة الابتدائية باقتراح من الجمعية العامة" و المادة2 من القانون رقم95.53 المتعلق بإحداث المحاكم التجارية. فبالرغم من وجود هذين النصين إلا انه لا يمكن لنا الحديث عن وجود مؤسسة قاضي التنفيذ كما هو معروف في القوانين المقارنة وان إشكالية التنفيذ وما يلحق بها من طعون وطلبات تبقى من اختصاص رئيس المحكمة الابتدائية وهذا ما دفع بواضعي "مشروع" قانون المسطرة المدنية إلى أحدات مؤسسة قاضي التنفيذ والذي أسندت له عدة اختصاصات يمكن إجمالها في׃
إصدار أوامر متعلقة بالتنفيذ.
-الإشراف على إجراءات التنفيذ.
-البث في صعوبات التنفيذ الوقتية.
- منح المهل الاسترحامية.
- بيع القيم المنقولة بالمزاد العلني بما في ذلك تحديد موعد لإجراء البيع.
-تحديد الثمن الافتتاحي لبيع الأصل التجاري بعد إجراء الخبرة وكدا الشروط الأساسية للبيع.
-تحديد يوم وساعة إجراء البيع بالمزاد العلني للعقار.
إعداد مشروع توزيع حصيلة التنفيذ إذ كانت هذه الحصيلة غير كافية.
ويتضح من خلال هاته المقتضيات وما ورد في المواد529 و530 و552 و555 أن واضعي "المشروع" منحوا قاضي التنفيذ سلطة التدخل في إجراءات التنفيذ ولم يقتصر الأمر على مجرد الإشراف والبت في الطلبات التي قد تعرض عليه بصفته القضائية والولائية فحسب بل من المأخذ التي سجلت أيضا في هذا السياق أن القرارات والأوامر والأحكام المذيلة بالصيغة التنفيذية تستلزمها موافقة قاضي التنفيذ بأمر قضائي وفق شكليات محددة في القانون وفي هذا الاتجاه مخالفة للمنطق القانوني السليم الذي يفترض فيه اليسر والسلاسة لا تعقيد المساطر بإجراءات إضافية وبناء عليه يمكن القول بان مؤسسة قاضي التنفيذ المستحدثة مأخوذة والى حد كبير عن قانون الإجراءات العثماني والذي يعتبر أن ولاية القاضي يندرج ضمنها التنفيذ وهذا ما نهجته بعض الدول العربية كما هو الشأن بالنسبة لسوريا والعراق ولبنان وكذلك مصر في ظل أحكام قانون المرافعات رقم88 لسنة1949 الذي اخذ بنظام قاضي التنفيذ الذي يشتغل تحت إشرافه مأموري التنفيذ"المحضرين" وفي إطار مشروع قانون المرافعات رقم13 لسنة 1968 تم تبني الرقابة اللاحقة على إجراءات التنفيذ فالطلب يقدم إلى" المحضر" باعتباره مساعدا للقضاء حيث يتخذ ما يلزم من الإجراءات بدل الحصول على الإذن المسبق لقاضي التنفيذ إلا أن القانون اوجب على" المحضر" عرض الملف عليه عقب كل إجراء ليتخذ ما يراه مناسبا. عكس ما جاء في المادتين 552و555 من مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية الذي ينص على ضرورة الحصول على أمر قضائي قبل مباشرة إجراءات التنفيذ مما يعني تكريس وتعميق تبعية المفوض القضائي لمؤسسة قاضي التنفيذ بدون مراعاة أنتولوجية وخصائص المهنة التي تميزها عن باقي مكونات الجسم القضائي.
أما بالنسبة للقانون الفرنسي فقد تم تنظيم هذه المؤسسة أي مؤسسة قاضي التنفيذ بمقتضى قانون رقم650-91 صادر بتاريخ9 يوليوز 1991 والمرسوم التطبيقي لصادر بتاريخ31يوليوز1992 والمعدل للتنظيم القضائي حيث نص على وجود قاض للتنفيذ لكل محكمة ابتدائية كبرى بصفته قاض منفرد ويمكن إحالة النزاع أيضا على الهيئة الجماعية بنفس الصفة وينظر قاضي التنفيذ من خلال القانون الفرنسي في المنازعات المتعلقة بالتنفيذ وفي صعوبات التنفيذ كما يدخل ضم اختصاصه إصدار أوامر ولائية كالإجراءات التحفظية والنظر في الطلبات المتعلقة بإيقاف التنفيذ وهذه الأوامر لا تقبل الطعن بالتعرض ولكن يمكن الطعن فيها بالاستئناف ومن هنا يتضح أن دور مؤسسة قاضي التنفيذ هي الإشراف على إجراءات التنفيذ والنظر في الطلبات التي تقدم من الأطراف أو ترفع من طرف المفوض القضائي بمناسبة قيامه بعمله حيث يبقى هذا الأخير وحده هو المسؤول دون تدخل من القاضي.
وان كان بعض الفقه في المغرب في إطار المقارنة بين مؤسسة قاضي التنفيذ وقاضي متابعة إجراءات التنفيذ يحاول إيجاد تبرير لتدخل قاضي التنفيذ بشكل قطعي في هاته الإجراءات في حين ينبغي أن ينحصر دور هاته المؤسسة القضائية في الإشراف كما هو واضح في النموذج الفرنسي وهو الاختصاص الذي يخول لقاضي التنفيذ سلطة البت في المنازعات المرتبطة بالتنفيذ ذات الطبيعة القضائية أو ذات الطبيعة الولائية التي لا تحسم في الجوهر.
ولقد ذهب بعض الفقه في تصورهم لهاته المؤسسة "مؤسسة قاضي التنفيذ" وقبل دخول قانون 81/03 المنظم لمهنة المفوض القضائي إلى اعتبار الأعوان القضائيين في علاقتهم بقاضي التنفيذ مجرد مأموري التنفيذ والهدف من ذلك هو إخضاعهم لإشرافه ومراقبته وفي هذا تدخل كامل وتام في إجراءات التنفيذ مما يعني أن "مشروع" قانون المسطرة المدنية في هذا الشق لم يأتي من فراغ بل بني على اعتبارات وتصورات سابقة تهدف إلى تمكين قاضي التنفيذ من آليات قانونية وتشريعية تساعده وتمنحه سلطة نافذة ومؤثرة في إطار الرقابة على هذه الإجراءات كما هو الشأن بالنسبة لقانون العثماني والمصري الذي سار على نفس النهج وكذا القانون اللبناني حيث جاء في المادة 278 من قانون الإجراءات المصري حيث يجري التنفيذ تحت إشراف قاضي التنفيذ ويعاونه عدد كاف من المحضرين وان كان طلب التنفيذ يقدم إلى المحضر بصفته معاونا فانه ملزم بعرض الأمر على قاضي التنفيذ عقب كل إجراء بتم من طرف مأمور الإجراء’ وهو نفس الاتجاه الذي أخذت به مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية المغربي من خلال ما هو مكرس في المادة 529 الذي نص على أنه ينوب عن قاضي التنفيذ في مهامه عند الاقتضاء قاض أو أكثر يعين بنفس الطريقة ويساعده عدد كاف من الموظفين والمكلفين بالتنفيذ وحسب المادة 530 يختص قاضي التنفيذ دون غيره بإصدار الأوامر المتعلقة بالتنفيذ كما يتولى الإشراف ومراقبة سائر إجراءات التنفيذ.مما يؤكد قطعيا توجه "مشروع "قانون المسطرة المدنية إلى جعل المفوض القضائي مجرد مأمور وبالتالي الانسلاخ عن الإطار القانوني للمهنة وعن الدور المنوط به كمؤسسة المفروض أنها فاعلة في تحقيق التوازن داخل منظومة العدالة وهذا لا يعني وبشكل موضوعي ان مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية لم تأت بجديد بل لقد نصت هذه الأخيرة على مقتضيات ايجابية إلى حد ما و تهم بالأساس تنفيذ الأحكام القضائية في مواجهة أشخاص القانون العام والمضمنة بالمادة 583 والتي جاءت بتحديد كرنولوجي لإجراءات التنفيذ على الأشخاص الاعتبارية العامة وفق منطق تسلسلي و تراتبي ينتهي بإمكانية إجراء حجز تنفيذي على أموالها وممتلكاتها مبدئيا ما لم يعرقل ذلك المصلحة العامة إلا أن هاته المقتضيات وان شرعنت الحجز التنفيذي الناقص فان ذلك قد أفضى من خلال مدلول المخالفة إلى إبعاد إمكانية إيقاع بعض الحجوزات الأخرى مثل الحجز بين يدي الغيرعلى هاته الأموال انتصارا لبعض الاجتهادات القضائية التي تقول بان أشخاص القانون العام لا يخشى عسرها كما أن اعتبار السند التنفيذي بمثابة أمر بحوالة تصرف للمحكوم له من طرف المحاسب العمومي المختص بمجرد الطلب هو أمر محمود ولكن يبقى السؤال المطروح ماذا لو رفض المحاسب العمومي صرف هذه الحوالة هل سيتم اللجوء إلى مسطرة الحجز التنفيذي وفق ما هو مسطر وماذا لو تعذر انجازها بغض النظر عن إثارة مسؤولية الممتنع أكيد سنظل ندور في حلقة مفرغة وللخروج منها يجب التنزيل الفعلي لمقتضيات المادة 126 من الدستور التي تنص على انه يجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء وبناء عليه فانه يجب على أشخاص القانون العام بدون استثناء الانصياع لهاته المقتضيات الدستورية والعمل على تنفيذ الأحكام القضائية النهائية الصادرة في مواجهتها تحت طائلة إجراء وإيقاع الحجز التنفيذي على منقولاتها وممتلكاتها بغض النظر عن طبيعتها مال عام أم خاص مع إثارة مسؤولية الموظف المسؤول عن ما ستسفر عنه إجراءات الحجز هاته وهذا ما ذهب اليه بعض العمل القضائي في الملف التنفيذي عدد23-98"مليكة بنت الحاج ومن معها ضد الجماعة الحضرية لزواغة منشور بمجلة المعيار عدد29 ص79 والملف التنفيذي عدد30-98 نفس المراجع" عبدالله العلمي ضد الجماعة الحضرية لزواغة حيث سارع المجلس الجماعي خلال مسطرة بيع المحجوزات بالوفاء بالتزاماتها المالية موضوع السند التنفيذي كما ورد في المرجع المشار اليه وبالتالي لا نحتاج لأمر أخر يصدر عن جهة معينة قصد قيام الادارة بتنفيذ الأحكام القضائية في مواجهتها كما فعل المشرع الفرنسي من خلال قانون 03-يناير-1973الذي أعطى الصلاحية والاختصاص لمؤسسة الوسيط قصد إعطاء الأمر للإدارة لتنفيذ الأحكام التي امتنعت عن تنفيذها ويكفي فقط تقوية دور هيئة المفوضين القضائيين داخل منظومة التنفيذ . وعلى اعتبار إن الأحكام القضائية لها الكفاية الذاتية المخولة لها بمقتضى حجية وقوة الشيء المقضي به فدسترة التنفيذ هي انعكاس وتكريس "لمبدأ المشروعية الذي يعتبر من أقدس المبادئ التي اقرها الدستور المغربي التي تجعل تصرفات الدولة خاضعة لمراقبة القانون تبقى ملزمة بتنفيذ القرارات والأحكام الصادرة ضدها وإلا لما كان لمبدأ المشروعية أي معنى إذا كانت الدولة مستثناة من تنفيذ الأحكام"أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط تحت عدد1206 بتاريخ16-12-1985 منشور بمجلة م-ق4ص242
ومن المآخذ التي سجلناها على مقتضيات المادة 583 المشار إليه أعلاه إنها لم تتطرق لا للمؤسسة قاضي التنفيذ بالمحكمة الإدارية ولا للصيغة التنفيذية الخاصة بالأحكام الصادرة عن القضاء الإداري في مواجهة أشخاص القانون العام فهل هذا يعني الإحالة بشكل ضمني على المادة 544 من "المشروعّ" وهذا الأمر ان صح لا يستقيم والمنطق القانوني السليم وذلك راجع لاختلاف المخاطب بالتنفيذ بين أشخاص القانون الخاص والقانون العام وبالتالي كان من الضروري التنصيص على صيغة تنفيذية تتماشى وطبيعة أحكام القضاء الإداري وعلى اعتبار إن الصيغة التنفيذية تشكل عنصر إلزام في إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية كيف ما كانت طبيعتها والمخاطب بها كما ان تفعيل مؤسسة قاضي التنفيذ في مجال تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية يدخل في باب ترشيد وعقلنة عمل هذه المحاكم وذلك بطبيعة الحال بواسطة المفوض القضائي الذي له الاختصاص الأصيل في هذا السياق سواء على مستوى التنفيذات المحلية او تسليم ملفات التنفيذ مباشرة للمفوض القضائي دون سلوك مسطرة الإنابة التي هي مسطرة جوازية فقط كما وارد في المادة 439 من قانون المسطرة المدنية الحالي وهذا التوجه أشار إليه السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط الأستاذ محمد الصقلي الحسني في مقاله المنشور على الانترنيت تحت عنوان " التوجهات الدستورية في مجال تنفيذ الأحكام الإدارية وأفاق تطبيقها"
و بناء على ما سلف بسطه يتبين بالملموس انه لا يمكن الحديث عن إصلاح منظومة التبليغ والتنفيذ بدون إشراك المفوض القضائي وتوسيع اختصاصه النوعي والمكاني وتمتيعه بالحماية القانونية التي هي أصلا حماية للإجراءات القضائية وليست امتيازا لشخص المفوض وان كنا قد سجلنا بارتياح محاولة "المشروع" الجديد التطرق لمسالة الحماية من خلال الفصل 547 ولو بشكل غير كاف ولا يرقى لانتظارات المفوضين القضائيين ولاسيما أن مسالة الاستعانة بالقوة العمومية كجزء من هاته الحماية مازالت تثير إشكالات عملية مرتبطة بطبيعة الإجراءات الإدارية التي قد تتطلب وقتا طويلا شيء ما وأيضا التكييف القانوني لطلب الاستعانة بالقوة العمومية فان كان الاجتهاد القضائي الفرنسي قد حسم الموقف في الاعتراف للمفوض القضائي بالصلاحية الكاملة في تكييف الأسباب المبررة للاستعانة بالقوة العمومية دون إن تكون لجهة الإدارية الوصية أي سلطة في رفض الطلب تحت طائلة تحميل الدولة المسؤولية المدنية عن ذلك,le conseil d’Etat section du contentieux n323411 25novembre2009 inédit au recueil Lebon فإننا لم نعثر في العمل القضائي المغربي اي اجتهاد يتطرق لهذا الإشكال وبالتالي نود ان يسفرالتطبيق العملي لمقتضيات المادة 547 عن تيسير مسطرة تسخير القوة العمومية في كل مراحل إجراءات التنفيذ أو عند ضرورة الحماية بدون تعقيد باعتبارها إحدى الآليات الهامة لتنفيذ الأحكام القضائية جبريا وقسريا عند الامتناع اوالمقاومة والعصيان
خلاصة الأمر انه لا يمكن ان تتحقق النجاعة والحكامة القضائية بدون تقوية دور المفوض القضائي داخل منظومة التبليغ والتنفيذ من خلال تكريس احتكاريته لهاته الاختصاصات وتعديل القوانين المنظمة لهاته المهنة بشكل يضمن فعلا الأداء الجيد لمرفق القضاء على اعتبار ان المفوض القضائي المحور الأساسي في ورش إصلاح العدالة