أولا دعونا في البداية نؤكد على معطى جوهري يتمثل في كون أن قطاع التعليم يشكل رافعة أساسية للتنمية المستدامة، الأمر الذي حدا بالكثير من الدول إلى جعله رهان استراتيجي لا محيد عنه،حيث استنفرت له كل الجهود و عبئت له كل الطاقات داخلها، نظرا لأنه من القطاعات المكرسة لتأطير المجتمع وإشباع حاجاته السوسيو-تنموية لقيادة المشاريع المجتمعية،هذه الأخيرة التي تجد في المنظومة التعليمية المجال الخصب لزرع قيم الحداثة والديمقراطية ورعاية تجدرها وضمان استمرارها.
وتأسيسا على ذلك،فقد رأى البعض ومند الاستقلال في النظام التعليمي بالمغرب لبنة من اللبنات التي من الممكن الاستناد عليها في رفع التحديات التنموية والثقافية والاقتصادية ،إلا أنه بالنظر لمآله الذي تبقى عناوينه الأبرز العجز والقصور حتى غدا خطاب الأزمة والفشل ملازما لنظامنا التعليمي ،الأمر الذي جعل بعض الباحثين يقول بأن الفشل في التعليم يعني الفشل في كل شيء، وبالتالي فإن تخلف قطاع التعليم يستتبعه بالضرورة تخلف كل القطاعات الأخرى. وبما أن المغرب يحتل مرتبة متأخرة، على مستوى النظام التعليمي، فإن احتلاله لمرتبة متأخرة على مستوى التنمية، يصبح تحصيلا حاصل.
وبالنظر لمظاهر العجز والفشل وتواتر التقارير الوطنية والدولية المؤكدة لهذا المعطى، فإن مسألة إصلاح المنظومة التعليمية بالمغرب قد شكلت،ومازالت،مصدر اهتمام وموضوع نقاش داخل المنتديات واللقاءات الرسمية ،كما شغلت حيزا مهما من خطاب الدوائر السياسية الرسمية بالمغرب واهتمام مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين على امتداد سنوات خلت.
وأكيد أن خطاب الملك لـ20 غشت 2013 وتناوله لمأزق المنظومة التعليمية بالمغرب وتدني مستواها هو اعتراف صريح بفشل كل البرامج والمخططات التعليمية السابقة والآنية بل و بفشل المنظومة التعليمية بأكملها, وهو ما سيعيد للواجهة من جديد النقاش حول هذا القطاع ( قطاع حيوي يهم أكثر من 7 ملايين مرتفق/طالب وتلميذ ).
لذلك نفإن التقاء هذه المعطيات،قد ساهم في الإسراع بتبني مسلسل الإصلاح ،حيث نجد أنه ومند الاستقلال عرفت المنظومة التعليمية المغربية عدة إصلاحات ومشاريع وصلت إلى اثنين وأربعون (42)إصلاحا ، يمكن بإيجاز ذكرها أهمها كما يلي:
-1957: تكوين أول لجنة رسمية لإصلاح التعليم.
-1958: تشكيل اللجنة العليا لإصلاح التعليم.
-1964: تنظيم مناظرة وطنية خاصة بقضايا التعليم عرفت بمناظرة معمورة.
-1980: مشروع وإصلاح التعليم أيام التربية الوطنية بإفران.
-1999: تشكيل لجنة تتكون من أربعة وثلاثون شخصية تمثل مختلف الهيئات السياسية والخبراء برئاسة مستشار الملك الحسن الثاني آنذاك "مزيان بلفقيه" بهدف وضع ميثاق وطني للتربية والتكوين،هذا الأخير الذي اعتبر كدستور للنظام التعليمي المغربي وكوثيقة رسمت التوجهات الكبرى للإصلاح وحددت مجالات تدخله وكذا الدعامات والإجراءات المؤطرة له،حيث تم اتخاذ في هذا الصدد مجموعة من الإجراءات التي تهم الإصلاح المؤسساتي والقانوني والتنظيمي والتربوي على مستوى مختلف أسلاك التعليم .
وبالرغم من كل هذه المحاولات الإصلاحية و(المجهودات) ، فإنه يتبين من خلال استقراء واستعراض حصيلة تفعيل برامج ومشاريع الإصلاح حسب بعض المهتمين بالشأن التعليمي ،بل وحسب ما ذهبت إليه تقارير المجلس الأعلى لتعليم وأخرها تقرير2008 ، تعثر هذا المسلسل الإصلاحي، في جوانبه النوعية والكمية ،حيث أنه وفي هذا المستوى الأخير، فالملاحظ هو ضعف نسبة التمدرس بمختلف أسلاك التعليم مقارنة مع الدول التي توجد في نفس المستوى الاقتصادي والاجتماعي المماثل للمغرب وفي وقت يعاني فيه المغرب من بطالة حاملي الشهادات العليا (هنا المفارقة العجيبة ).
إذ أن توسيع التمدرس هو مؤشر أساسي على دمقرطة التعليم وتوفير تكافؤ الفرص أمام جميع أفراد المجتمع ليستفيدوا من آلية أساسية للتنشئة الاجتماعية والفكرية ،الشيء الذي يمكنهم من المشاركة الفعالة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وحتى نتبين مكامن الخلل والضعف في المنظومة التعليمة بالمغرب، فقد ارتأيت أن أعرض للتشخيص الذي جاء في تقرير الخمسينية سنة 2005 وخلاصات المنتدى الوطني للإصلاح في القطاع المنعقد سنة 2006 .
ففيما يخص التشخيص الذي أعطاه معدو تقرير الخمسينية في الشق المتعلق بالمنظومة التعليمية ،فقد أكدوا على ضرورة الطرح الجديد لمسألة قابلية المنظومة الوطنية للتربية والتكوين للحكامة، نظرا لكثرة التعقيدات ومكامن القصور كما حاولت المساهمات التوقف عند مظاهر تطور النظام التعليمي المغربي كيفيا وكميا ، بنوع من الموضوعية والواقعية وذلك بالتأكيد صراحة على وضوح التشخيصات وقصور العلاجات،وهو نفس الأمر الذي جاء في وثائق وورشات المنتدى الوطني لإصلاح قطاع التعليم التي أكدت على أن النظام التعليمي المغربي عرف مجموعة من الاختلالات والمعيقات والإشكالات على مستويات مختلفة ومتفاعلة فيما بينها.
ولعل أبرز مواطن الضعف والخلل التي طبعت مسار النظام التعليمي المغربي ومسلسل الإصلاحات المتوالية حسب معدي تقرير الخمسينية وأشغال المنتدى السالف الذكر ،تتجلى فيما يلي:
* اختلال العلاقة بين التربية والاقتصاد.
* الإخفاق في مجال محاربة الأمية.
* ضعف القدرة الإدماجية للمنظومة التعليمية.
* التعامل مع قطاع التعليم ككلفة مالية وليس استثمار في العنصر البشري .
* تعثر الوظيفة الاجتماعية والاقتصادية للمنظومة التربوية.
* التقهقر التدريجي للمردودية الداخلية اللاتمدرس واستفحال ظاهرة التسرب بدون تأهيل.
* التذبذب في تدبير السياسية اللغوية.
ومما زاد في موضوعية التشخيص هو تعرضها لاستنتاجات اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين، فهذا القطاع الذي تعاقب عليه من (1958-2005) 38 وزيرا وكاتب دولة أو نائب كاتب الدولة، ظلت مقاربتهم لقضايا التعليم غير متجانسة كما أن سياساتهم ظلت تفتقر إلى القدرة الكافية على الاستمرارية -وهو نفس المعطى الذي أكده الملك في خطابه الأخير – وغياب التنسيق بين القطاعات الحكومية إذ أن عملية تقاطع البرامج القطاعية إما معدمة آو خاضعة للصدفة ، كما أن الجامعة والبحث العلمي، تعثرا وتأخرا في الاندماج في اقتصاد المعرفة .
وبالإضافة إلى ما جاء في ثنايا التقرير السالف الذكر ،يبقى من المفيد لتلمس ومحاولة فهم مواطن الضعف والخلل في المنظومة التعليمية المغربية ،الإشارة إلى أن السياق العام الذي أطر، ولازال يؤطر مجموع الإصلاحات الوطنية ذات المناحي المختلفة ومنها المتعلقة بالنسق التعليمي والتربوي المغربي ، سواء في مرحلة بلورتها وإقرارها، أو في صيرورة إعمالها وإنجازها ،مطبوع باختلال بين ضرورات استيعاب ومواكبة التحولات العالمية وتحديات العولمة وإكراهاتها وغياب الإرادة السياسية الحقيقة للدفع بالقطاع إلى نظرا لكونه شكل في محطات من تاريخ المغرب قناة الحراك السياسي والاجتماعي (عصب التحكم بتعبير عبد الله العروي )، فالنظام التعليمي حسب بعض الباحثين في علوم الإدارة التعليمية – كنظام له مدخلاته وعملياته ومخرجاته – شأنها في ذلك شأن أي نظام لا تدور في فراغ وإنما تستمد مواصفاتها من الجو العام الذي تتم فيه وبقدر استجابتها لهذا الجو العام يكون مدى نجاحها في تحقيق أهدافها،
وفي مقابل هذا التشخيص، تبقى الحلول المطروحة للخروج بالتعليم المغربي من عجزه البنيوي رهينة بمدى توفر الإرادة السياسية الحقيقة لدى الدولة المغربية لإصلاح القطاع ، وضرورة القطع مع الطرق التقليدية في التسيير والتدبير للمنظومة .
بالإضافة إلى تعبئة كل الطاقات والإمكانيات من أجل النهوض به ،أي أن خطاب الإصلاح لا يجب أن يكون عرضيا أو وليدة لحظة عابرة أو سياق معين بل يجب أن يرفع كرهان استراتجي تعبأ له كل الجهود وتحشد له كل الإمكانيات إن لم نقل تستنفر له .
ومن جهة أخرى، فإن بعض الخبراء والباحثين يؤكدون على أنه لأجل تحسين سير المنظومة التعليمية والرفع من فعاليتها ومردوديتها فإن الأمر يستلزم ضرورة إرساء مبادئ حكامة جيدة والاستفادة من الإمكانات والوسائل التي تتيحها وتكريس الجهوية أكثر في هذا القطاع.
وهي الأمور الكفيلة في تقديرهم ، بجعل المدرسة المغربية تنهض ببعض من الأدوار والوظائف المنتظرة منها والوظائف الموكولة لها في مجال التربية والتأهيل الاجتماعي والرفع من جودة المنتوج التعليمي وخلق ديناميكية وفعالية داخلية،على اعتبار أن التعليم هو أحد القاطرات الكبرى –كما أسلفنا-لمشايع التنمية ،وأي تأهيل اقتصادي حقيقي في عصر تطبعه انساق وأفكار ورهانات العولمة والمجتمع المعرفي والتكنولوجيا الحديثة ،لا يمكن أن تتحقق الأهداف دون إنجاح الإصلاح وتأهيل المدرسة والجامعة لخوض غمار التنافسية التي أصبحت تعني المعرفة والخبرة
وحتى تواكب من جهة أخرى، التغيرات والمستجدات والتحولات التي يعرفها المجتمع المغربي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
المـــــــــراجـــــــــــع:
- محمد العمراوي:"الأسس النظرية للحكامة ,آليات التطبيق :دراسة لواقع الحكامة بقطاع التربية والتكوين بالمغرب 2000-2010"،ر .د. م،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال-الرباط2011 .
- المنتدى الوطني الأول للإصلاح:المكتسبات والأفق،يوليوز 2005،الطبعة الأولى مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء 2006.
وتأسيسا على ذلك،فقد رأى البعض ومند الاستقلال في النظام التعليمي بالمغرب لبنة من اللبنات التي من الممكن الاستناد عليها في رفع التحديات التنموية والثقافية والاقتصادية ،إلا أنه بالنظر لمآله الذي تبقى عناوينه الأبرز العجز والقصور حتى غدا خطاب الأزمة والفشل ملازما لنظامنا التعليمي ،الأمر الذي جعل بعض الباحثين يقول بأن الفشل في التعليم يعني الفشل في كل شيء، وبالتالي فإن تخلف قطاع التعليم يستتبعه بالضرورة تخلف كل القطاعات الأخرى. وبما أن المغرب يحتل مرتبة متأخرة، على مستوى النظام التعليمي، فإن احتلاله لمرتبة متأخرة على مستوى التنمية، يصبح تحصيلا حاصل.
وبالنظر لمظاهر العجز والفشل وتواتر التقارير الوطنية والدولية المؤكدة لهذا المعطى، فإن مسألة إصلاح المنظومة التعليمية بالمغرب قد شكلت،ومازالت،مصدر اهتمام وموضوع نقاش داخل المنتديات واللقاءات الرسمية ،كما شغلت حيزا مهما من خطاب الدوائر السياسية الرسمية بالمغرب واهتمام مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين على امتداد سنوات خلت.
وأكيد أن خطاب الملك لـ20 غشت 2013 وتناوله لمأزق المنظومة التعليمية بالمغرب وتدني مستواها هو اعتراف صريح بفشل كل البرامج والمخططات التعليمية السابقة والآنية بل و بفشل المنظومة التعليمية بأكملها, وهو ما سيعيد للواجهة من جديد النقاش حول هذا القطاع ( قطاع حيوي يهم أكثر من 7 ملايين مرتفق/طالب وتلميذ ).
لذلك نفإن التقاء هذه المعطيات،قد ساهم في الإسراع بتبني مسلسل الإصلاح ،حيث نجد أنه ومند الاستقلال عرفت المنظومة التعليمية المغربية عدة إصلاحات ومشاريع وصلت إلى اثنين وأربعون (42)إصلاحا ، يمكن بإيجاز ذكرها أهمها كما يلي:
-1957: تكوين أول لجنة رسمية لإصلاح التعليم.
-1958: تشكيل اللجنة العليا لإصلاح التعليم.
-1964: تنظيم مناظرة وطنية خاصة بقضايا التعليم عرفت بمناظرة معمورة.
-1980: مشروع وإصلاح التعليم أيام التربية الوطنية بإفران.
-1999: تشكيل لجنة تتكون من أربعة وثلاثون شخصية تمثل مختلف الهيئات السياسية والخبراء برئاسة مستشار الملك الحسن الثاني آنذاك "مزيان بلفقيه" بهدف وضع ميثاق وطني للتربية والتكوين،هذا الأخير الذي اعتبر كدستور للنظام التعليمي المغربي وكوثيقة رسمت التوجهات الكبرى للإصلاح وحددت مجالات تدخله وكذا الدعامات والإجراءات المؤطرة له،حيث تم اتخاذ في هذا الصدد مجموعة من الإجراءات التي تهم الإصلاح المؤسساتي والقانوني والتنظيمي والتربوي على مستوى مختلف أسلاك التعليم .
وبالرغم من كل هذه المحاولات الإصلاحية و(المجهودات) ، فإنه يتبين من خلال استقراء واستعراض حصيلة تفعيل برامج ومشاريع الإصلاح حسب بعض المهتمين بالشأن التعليمي ،بل وحسب ما ذهبت إليه تقارير المجلس الأعلى لتعليم وأخرها تقرير2008 ، تعثر هذا المسلسل الإصلاحي، في جوانبه النوعية والكمية ،حيث أنه وفي هذا المستوى الأخير، فالملاحظ هو ضعف نسبة التمدرس بمختلف أسلاك التعليم مقارنة مع الدول التي توجد في نفس المستوى الاقتصادي والاجتماعي المماثل للمغرب وفي وقت يعاني فيه المغرب من بطالة حاملي الشهادات العليا (هنا المفارقة العجيبة ).
إذ أن توسيع التمدرس هو مؤشر أساسي على دمقرطة التعليم وتوفير تكافؤ الفرص أمام جميع أفراد المجتمع ليستفيدوا من آلية أساسية للتنشئة الاجتماعية والفكرية ،الشيء الذي يمكنهم من المشاركة الفعالة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وحتى نتبين مكامن الخلل والضعف في المنظومة التعليمة بالمغرب، فقد ارتأيت أن أعرض للتشخيص الذي جاء في تقرير الخمسينية سنة 2005 وخلاصات المنتدى الوطني للإصلاح في القطاع المنعقد سنة 2006 .
ففيما يخص التشخيص الذي أعطاه معدو تقرير الخمسينية في الشق المتعلق بالمنظومة التعليمية ،فقد أكدوا على ضرورة الطرح الجديد لمسألة قابلية المنظومة الوطنية للتربية والتكوين للحكامة، نظرا لكثرة التعقيدات ومكامن القصور كما حاولت المساهمات التوقف عند مظاهر تطور النظام التعليمي المغربي كيفيا وكميا ، بنوع من الموضوعية والواقعية وذلك بالتأكيد صراحة على وضوح التشخيصات وقصور العلاجات،وهو نفس الأمر الذي جاء في وثائق وورشات المنتدى الوطني لإصلاح قطاع التعليم التي أكدت على أن النظام التعليمي المغربي عرف مجموعة من الاختلالات والمعيقات والإشكالات على مستويات مختلفة ومتفاعلة فيما بينها.
ولعل أبرز مواطن الضعف والخلل التي طبعت مسار النظام التعليمي المغربي ومسلسل الإصلاحات المتوالية حسب معدي تقرير الخمسينية وأشغال المنتدى السالف الذكر ،تتجلى فيما يلي:
* اختلال العلاقة بين التربية والاقتصاد.
* الإخفاق في مجال محاربة الأمية.
* ضعف القدرة الإدماجية للمنظومة التعليمية.
* التعامل مع قطاع التعليم ككلفة مالية وليس استثمار في العنصر البشري .
* تعثر الوظيفة الاجتماعية والاقتصادية للمنظومة التربوية.
* التقهقر التدريجي للمردودية الداخلية اللاتمدرس واستفحال ظاهرة التسرب بدون تأهيل.
* التذبذب في تدبير السياسية اللغوية.
ومما زاد في موضوعية التشخيص هو تعرضها لاستنتاجات اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين، فهذا القطاع الذي تعاقب عليه من (1958-2005) 38 وزيرا وكاتب دولة أو نائب كاتب الدولة، ظلت مقاربتهم لقضايا التعليم غير متجانسة كما أن سياساتهم ظلت تفتقر إلى القدرة الكافية على الاستمرارية -وهو نفس المعطى الذي أكده الملك في خطابه الأخير – وغياب التنسيق بين القطاعات الحكومية إذ أن عملية تقاطع البرامج القطاعية إما معدمة آو خاضعة للصدفة ، كما أن الجامعة والبحث العلمي، تعثرا وتأخرا في الاندماج في اقتصاد المعرفة .
وبالإضافة إلى ما جاء في ثنايا التقرير السالف الذكر ،يبقى من المفيد لتلمس ومحاولة فهم مواطن الضعف والخلل في المنظومة التعليمية المغربية ،الإشارة إلى أن السياق العام الذي أطر، ولازال يؤطر مجموع الإصلاحات الوطنية ذات المناحي المختلفة ومنها المتعلقة بالنسق التعليمي والتربوي المغربي ، سواء في مرحلة بلورتها وإقرارها، أو في صيرورة إعمالها وإنجازها ،مطبوع باختلال بين ضرورات استيعاب ومواكبة التحولات العالمية وتحديات العولمة وإكراهاتها وغياب الإرادة السياسية الحقيقة للدفع بالقطاع إلى نظرا لكونه شكل في محطات من تاريخ المغرب قناة الحراك السياسي والاجتماعي (عصب التحكم بتعبير عبد الله العروي )، فالنظام التعليمي حسب بعض الباحثين في علوم الإدارة التعليمية – كنظام له مدخلاته وعملياته ومخرجاته – شأنها في ذلك شأن أي نظام لا تدور في فراغ وإنما تستمد مواصفاتها من الجو العام الذي تتم فيه وبقدر استجابتها لهذا الجو العام يكون مدى نجاحها في تحقيق أهدافها،
وفي مقابل هذا التشخيص، تبقى الحلول المطروحة للخروج بالتعليم المغربي من عجزه البنيوي رهينة بمدى توفر الإرادة السياسية الحقيقة لدى الدولة المغربية لإصلاح القطاع ، وضرورة القطع مع الطرق التقليدية في التسيير والتدبير للمنظومة .
بالإضافة إلى تعبئة كل الطاقات والإمكانيات من أجل النهوض به ،أي أن خطاب الإصلاح لا يجب أن يكون عرضيا أو وليدة لحظة عابرة أو سياق معين بل يجب أن يرفع كرهان استراتجي تعبأ له كل الجهود وتحشد له كل الإمكانيات إن لم نقل تستنفر له .
ومن جهة أخرى، فإن بعض الخبراء والباحثين يؤكدون على أنه لأجل تحسين سير المنظومة التعليمية والرفع من فعاليتها ومردوديتها فإن الأمر يستلزم ضرورة إرساء مبادئ حكامة جيدة والاستفادة من الإمكانات والوسائل التي تتيحها وتكريس الجهوية أكثر في هذا القطاع.
وهي الأمور الكفيلة في تقديرهم ، بجعل المدرسة المغربية تنهض ببعض من الأدوار والوظائف المنتظرة منها والوظائف الموكولة لها في مجال التربية والتأهيل الاجتماعي والرفع من جودة المنتوج التعليمي وخلق ديناميكية وفعالية داخلية،على اعتبار أن التعليم هو أحد القاطرات الكبرى –كما أسلفنا-لمشايع التنمية ،وأي تأهيل اقتصادي حقيقي في عصر تطبعه انساق وأفكار ورهانات العولمة والمجتمع المعرفي والتكنولوجيا الحديثة ،لا يمكن أن تتحقق الأهداف دون إنجاح الإصلاح وتأهيل المدرسة والجامعة لخوض غمار التنافسية التي أصبحت تعني المعرفة والخبرة
وحتى تواكب من جهة أخرى، التغيرات والمستجدات والتحولات التي يعرفها المجتمع المغربي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
المـــــــــراجـــــــــــع:
- محمد العمراوي:"الأسس النظرية للحكامة ,آليات التطبيق :دراسة لواقع الحكامة بقطاع التربية والتكوين بالمغرب 2000-2010"،ر .د. م،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال-الرباط2011 .
- المنتدى الوطني الأول للإصلاح:المكتسبات والأفق،يوليوز 2005،الطبعة الأولى مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء 2006.
- محمد بودهان:" لماذا صنف المغرب في مؤخرة الدول العربية على مستوى التعليم؟" منشور على الموقع الالكتروني http://www.amazighworld.org/arabic/news/index_show.php?id=761
- تقرير الخمسينية:"المغرب الممكن ،إسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك"،مطبعة دار النشر المغربية،الدار البيضاء،2006.
- المجلس الأعلى للتعليم:"حالة منظومة التربية والتكوين وآفاقها"، الرباط 2008
- عزيز أبرجي:" قراءة في محاولة إصلاح التعليم بالمغرب من منظور الميثاق الوطني للتربية والتكوين "، منشور على الموقع الالكتروني www.elmothaqaf.com.