MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




النفقة الزوجيه بين مشروعية النص وسلطة تقدير القاضي

     


المستشار الدكتور محمود ملحم
عضو مركز ابحاث ودراسات واستاذ مساعد في كلية القانون الكويتيه العالميه وكاتب في جريدة الانباء




من أكثر المواضيع إثارة في الوقت الحاضر جدلية الأحكام المبنية على قاعدة استحقاق الزوجة للنفقة في القانون نظير حق احتباس الزوج لها على ذمته ومدى مظلومية هذه الأحكام وعدالتها وانعكاسها على دور القاضي المبني على إيجابية الدور الذي يلعبه وخاصة اشكالية النفقة للزوجة المرتبط بالأوضاع والظروف الاقتصادية المحيطة.

فالنفقة، بحسب التعريف وأيا يكن المصدر، تجب للزوجة على زوجها بالعقد الصحيح ولو كانت موسرة، اي تمتلك المال وقادرة على الانفاق حتى ولو كانت مختلفة معه في الدين، فالموسرة في التعريف المصطلحي للغة العربية تنصرف الى حد الثراء، يعني التي تملك ما يعيلها في الحياة، والمختلفة معه في الدين لا تعني المرتدة، بل التي ارتضى دينها منذ البداية. هذه النفقة تشمل الطعام بشكل عام والكسوة بما يؤمّن حاجتها وذلك دون تحديد والسكن اللائق، وهنا نعني المكان التقديري والمخصص للعيش بعيدا عن المزايدات وما يتبع ذلك من تطبيب وغيره، وهنا ندخل في السلطة التقديرية للقاضي حسب العرف. وتقدر النفقة بحسب حال الزوج يسرا أو عسرا أي المدخول والأصول بما ملك ومهما كانت حالة الزوجة على ألا تقل عن الحد الأدنى لكفاية الزوجة في عيشها بكرامة، وتعتبر النفقة الزوجية دينا على الزوج وهذا الدين لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء، لكن وبرأينا يبقى الإبراء محل شك في عدد من القضايا والتي تكون محل نزاع أمام المحاكم ويفضل ألا يقضي الحاكم إلا بعد التحقق من النية المستقلة.

هذه النفقة لا يقضى بفرضها إلا إذ ثبت امتناع الملزم بها مع قدرته عن الانفاق مع وجوبه وفرضه، وانه ولئن كانت لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى من عيون أوراقها ومستنداتها ومما يقدم إليها من بينات وقرائن، ولها أن تستنبط من وقائع الدعوى ومن مسلك الخصوم القرائن التي تعتمد عليها في تكوين عقيدتها بغير معقب عليها، إلا أن شرط ذلك أن يكون استنباطها سائغا ومردودا الى شواهد وأسانيد لها أصلها الثابت بالأوراق في موضوع التقدير ولها ان تراعي الظروف وخاصة المعيشية منها، هذا ما نصت علية محكمة التمييز في أحكامها مؤخرا والتي أتت مطابقه لفهم الواقع دون إعمال الاستثناء، ولكن يبقى لحكمها الصدى الكبير إذ ان الدين المدني المقترن بالنفقة يبقى وحده جزاؤه الحبس في حال عدم الايفاء، وسقوط النفقة عن الزوجة لا يكون إلا بعد ثبوت انها امتنعت عن تنفيذ الحكم النهائي الصادر بطاعتها لزوجها بعد إعلانها بما يجعلها ناشزا عن طاعته، ومن هنا كان دور القضاء جادا في التدخل، لأن موضوع الطاعة يجب ان يرتكز الى اثبات مركون إما إلى الإقرار او الفعل الدال على الشيء، بمعنى عدم التنفيذ الجدي للحكم بعد ان تكون الزوجة قد استنفدت دفاعها ومثلت قانونا أمام القضاء.  

النفقة وما تمثله من أهمية انسحبت مؤخرا على جميع الدعاوى المتعلقة بالأحوال الشخصية وجعلت من القاضي رهينة التفكير بين دوره الإيجابي المتمثل في اللجوء إلى التحايل على القانون والنص للخروج بصيغة تراعي فيه العدالة وأما أن يرتكن إلى العرف وفي هذا الموضوع مظلومية كبرى إذ تجعل الزوج يرزح تحت دين، فالنفقة إذا يجب أن تقترن بأدلة جازمة مرتبطة بالواقع وسقوطها المرتبط بالخروج من منزل الزوجية ليس حكميا بل يجب أن يستند الى حكم بات وهنا ولفك الارتباط لابد من العودة إلى أصل التعريف لموضوع النفقة الزوجية فهي تستخلص من المعنى باللغة العربية المستندة إلى حروف النون والفاء والقاف على أصلين صحيحين مرتبطين بموضوع الموجب بالإنفاق والمتأتي من أنف الشيء أي أوجب. إن تعريف النفقة في اصطلاح الفقهاء وآراء الفقهاء تعني الإنفاق من انفق على الشيء، لكن لعل أقربها إلى الصواب ما ذكره علماء الحنابلة، وهي أن النفقة: «كفاية من يمونه خبزا وأدما وكسوة وسكنى وتوابعها» بالنظر إلى المعنى اللغوي والاصطلاحي للنفقة، فيظهر بينهما عموم وشمول سواء في اللفظ أو في التعبير. ففي التشريعات الحديثة ركزت على موضوع الإنفاق فيما يتعلق بالطبابة وقد صدرت أحكاما من محاكم الكويت سطرت بجرأتها في هذا الاتجاه وكانت سباقة، لأنه ليس من مكارم الأخلاق التخلي عن الزوجة في حال مرضها أو عجزها حتى تستحق الزوجة النفقة في القانون نظير حق احتباس الزوج لها على ذمته هذه القاعدة يجب مراعاتها بل عند الحكم بالنفقة يجب مراعاة هذه الأمور بالتشدد في النظر إلى الحاجة، ومن البـين من نص المـادة الأولى من القانون 25/1920 المعدل على النفقة المستحقة للزوجة وتشمل الغذاء والمسكن والكسوة ومصاريف العلاج بالإضـافة إلى جميع المصاريف الأخرى انه ترك الباب مفتوحا على مصراعيه أي انه أعطى للقاضي سلطة التقدير للأمور الأخرى التي تكون خارجة عن سياق المادة وهذا ما يجعل منها مادة عصرية ومواكبة يخرج منها القاضي كلما تتطرق إلى مـواضيع غير مذكوره في النص.

استنادا إلى ما ذكرناه في المقالين السابقين وبعد التمحيص في النص والعودة الى اصول الفقه تثير النفقة الزوجية ختاما أهمية خاصة لدى المجتمعات القديمة والمتحضرة. وبصورة خاصة موضوع الأحكام المبنية على الأعراف باعتبارها مصدرا من مصادر القاعدة القانونية التي كانت دائما ولا تزال مركز اهتمام لجميع الشعوب والحضارات منذ الازل.
 
 فالنفقة الزوجية تواجه في العالم الاسلامي اشكاليات عديدة، خاصة عندما نتناول موضوع الدراسات المقارنة بين المذاهب المختلفة وتطبيق مبدأ المساواة والعدالة على الطوائف الاسلامية، منها كيفية اللجوء الى تفسير النص القرآني فقهيا وفهم خلاف الفقهاء له، اضافة الى موضوع إخضاعه للتقاليد والأعراف خارج النص القرآني والسلطة التقديرية التي تمنح للقضاء على قاعدة هل النفقة الزوجية وتقديرها تتبع المذهب الحر ام المقيد ام المختلط ومدى علاقة القاضي وارتباطه باحد هذه المذاهب الثلاثة وانعكاسات هذه المذاهب المقيدة او المطلقة على ارادة القاضي وسلطته في اصدار الأحكام؟ هذه الاشكاليات بحاجة الى دراسة حيادية معمقة لرفع الظلم عن كثير ممن عانوا من احكام جائرة افقدتهم حقوقهم وجعلتهم عاجزين عن اثبات احقيتهم، اما بسبب النص واما بسبب العرف، وهذا ما يوضح بلا شك المكانة الممتازة التي تحتلها النفقة الزوجية في كنف العائلة ومحيطها وانتمائها ومدى حاجتنا الى تشريع قانون يعتمد على نص قرآني محكم ينصف الزوجة في استحقاقاتها من الزوج على ان هذا التشريع يشمل الجميع دون استثناء وخاصة في الدول ذات التعدد الطائفي أن نفقة الزوجية واجبة على الزوج شرعا لقاء احتباسها عليه، وأن النفقة للزوجة دين عليه في ذمته لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء طبقا للمادة الأولى من القانون 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون 100 لسنة 1985، واذا توافرت شروط الاستحقاق، فهنا تستحق الزوجة النفقة مع يسار أو إعسار الزوج طالما كان قادرا على الكسب، ولكن هنا تدخل الاشكالية العملية فيما يتعلق بالسلطة التقديرية المعطاة للقاضي فيما يتعلق بالتقدير لهذه النفقة وهذه الاشكالية محط نظر في الدراسة، لأنها وبموجب التقدير فقد يظلم البعض ليس بالحكم، ولكن بالمقارنة نتيجة عدم وجود ضوابط للتقدير وسلطة القاضي هنا تقديرية ولا يجب ان تخرج عن ثلاثة فروض اساسية ومراعاتها يجب ان تكون فرضا ان يقبل القاضي ما تراضى عليه الزوجان، وهنا يكون حكمه كاشفا فقط عن دين النفقة في ذمة الزوج والحكم الكاشف يعني اخراج ما تراضى عليه الزوجان دون تدخل وان يزيده القاضي اذا وجد فيه تعسفا من الزوج رغم يساره ولا يسد المفروض ظروف المعيشة، وهنا نعود لنتكلم عن بيت القصيد لتدخل ارادة القاضي رغما عن التزام الطرفين وان ينقصه القاضي اذا وجده مغالا فيه مع ضيق حال الزوج، وهنا كذلك تدخل ارادة القاضي. 

 وبالعودة الى الشروط، ذكر مرتين الزوج ومرتين القاضي دون التطرق الى حقوق الزوجة، فهل اسقط او سقط؟ هذا الاتفاق هو محرر وله حجية في إثبات التزام الزوج بالاتفاق بالمبلغ الذي قدره على نفسه بما يعد اتفاقا صائبا وطلب الزوج بانقاص النفقة نتيجة عسره او مرتبط بمدى اثباته لهذه العسر اضافة الى اقترانه بنفقة الزوجة وحاجتها وخاصة اذا كانت مريضة.

 فالنص يجب الا يقيد القاضي في هذا الاتجاه، بل مراعاة الأمور وتقديم الأهم على المهم، فحاجة الزوجة المريضة في الانفاق تكون اهم من اعسار الزوج، وهنا نطرح موضوع تقدير النفقة بموجب ضوابط على رأسها موضوع الكفاف.

 
 
بقلم المستشار القانوني الدكتور محمود ملحم .




الجمعة 24 يناير 2014
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter