تعد السياسة الجبائية مجالا للصراعات والمصالح بين مختلف فئات المجتمع، خاصة تأثير أصحاب " الرأسمال" في توجيه هذه السياسة لصالحهم، فعلى الرغم من تبني الطبقات " الأوليغارشية" للتوجه الليبرالي، إلا أنها لم تستطع بعد أن تتجاوز التناقض الذي يميز عادة علاقة الرأسمال بالدولة، فمن ناحية تطالب بانسحاب الدولة وفي نفس الوقت تنادي بتدخل فاعل ومستمر " لهذه الدولة" فالليبرالية من منظور الطبقة البورجوازية هي " اتركونا نغتني أكثر بأقل كلفة، ولكن بدعم وحماية قادرة من الدولة من حيث ضمان الشروط الملائمة لتحقيق أكبر قدر من الربح".
ومن أهم القوى الضاغطة في السياسة الجبائية نجد الاتحاد العام لمقاولات المغرب ،حيث وفرت التمثيلية الكبيرة للاتحاد قوة اقتصادية ومالية كبيرة، كما أن وضعية أغلب أعضاءه الذين تحملوا أو يتحملون مناصب إدارية، وزارية، تشريعية... جعلت من هذه المؤسسة أهم مؤثر على الاختيارات الاقتصادية العامة للبلاد.فهو يشارك بطريقة منهجية في جميع الدراسات التي تقوم بها الحكومة، كما أن جميع القوانين التي لها طابع سوسيو اقتصادي تمر بشكل أو بآخر عبر أجهزته، بحيث يعتبر عضوا في مجموعة من اللجان التقنية أو اللجان الثنائية، ويتوفر داخل مجموعة من الأجهزة على منصب إداري أو ملاحظ أو مستشار. وتبرز أهميته على مستوى علاقاته مع المؤسسات المالية الأجنبية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث يعمل على تمرير بعض مطالبه من خلال توصيات هذه المؤسسات.
إن الاتحاد العام لمقاولات المغرب يمثل اليوم أكبر هيئة اقتصادية بإمكانه مواجهة أي إصلاح أو اختيار اقتصادي يمس بمصالحه. كما أن وعي هذه " الباطرونا" بأهميتها ودورها داخل أي معادلة أو إصلاح اقتصادي، جعلها تمارس ضغوطات على الدولة تصل إلى مستوى المساومة (إشكالية البطالة، إشكالية قطاع النسيج والتصدير..) وتعد السياسة الجبائية أكثر المجالات تعرضا لتأثير هذه " البورجوازرية".
إن توفر الاتحاد العام لمقاولات المغرب على لجنة جبائية مختصة ومركز للدراسات والاستثمارات الاقتصادية والاجتماعية، تجعله يتوفر على معلومات إحصائية وقانونية وجبائية دقيقة، تقوي مركزه في التشاور وإقناع الحكومة أو الفرق البرلمانية بمواقفه.
وهكذا فإن الاتحاد يعتمد -عند بلورة قوانين المالية -على المستندات والمذكرات أو المراسلات التي قدمها أو يبعث بها، ليس فقط إلى وزير المالية باعتباره هو الذي يحضر مشروع قانون المالية، بل وإلى كل الوزارات المعنية وعلى رأسها رئاسة الحكومة، وتتضمن هذه الوثائق دراسات تقنية يتم إعدادها من طرف خبراء اللجنة الجبائية، كما تتضمن مقترحات تشكل منطلقا لجلسات التشاور مع الحكومة، والتي غالبا ما تعمل على تنفيذها ضمن قوانين المالية اللاحقة.
كما أن الاتحاد يلجأ إلى المؤسسة البرلمانية للدفاع عن مصالحه في العديد من الحالات التي يتضمن فيها القانون المالي إجراءا لا يحظى برضاه، ويعقد جلسات تشاورية مع بعض النواب البرلمانيين أو مع رؤساء الفرق البرلمانية وكذا مع اللجان البرلمانية المختصة.
و بالتلي يمكن القول أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب يعد أكبر مؤثر على صعيد العمل التشريعي، حيث انتقل تأثيره من شكل يتسم بالسرية إلى شكل أكثر وضوحا خلال العقد الأخير.
إن طبيعة البورجوازية المغربية بعيدة عن ما يميز البرجوازرية في الغرب، ذلك أنها لا تعتبر رأسمالية فيما يتعلق بالدور الاقتصادي والسياسي الذي تقوم به وإن كانت بورجوازية في جانبها " الصوري" فيما يخص الاستهلاك، إنها ترتكز على اقتصاد الربيع من مضاربات عقارية ومعاملات مالية وغيرها ومن ثم تحولت إلى قوة اقتصادية هامة في المنظومة الاقتصادية والسياسية للمغرب.