منذ أن اندلعت ثورة الياسمين بعد إقدام البوعزيزي على إحراق نفسه احتجاجا على الإهانة التي تعرض لها من طرف شرطية ترمز، في نظره، إلى السلطة السياسة التي كانت تخنق أنفاس العباد في تونس وتقطع أرزاقهم، انتشرت ظاهرة إحراق الذات كشكل احتجاجي معبر عن السخط على الأوضاع أو على بعض التصرفات التي لا يمكن مواجهتها إلا عن طريق الفناء أمامها.
وتتعدد أبعاد هاته الظاهرة التي أصبحت تعرف بـ"الظاهرة البوعزيزية"، حيث إنها، سوسيولوجيا، تشكل وجها من أجه الانتحار الذي عرفه دوركاييم بأنه "كل حالات الموت التي تكون نتيجة مباشرة لفعل إيجابي أو سلبي قام به الشخص المنتحر وهو يعلم أنه سيؤدي إلى هاته النتيجة."
ومن خلال تتبع الحالات التي عرفتها بلادنا نجدها تدخل تحت عاملين: إما لأن الشخص الذي يحرق نفسه يقوم بذلك احتجاجا على وضع خاب أمله في إصلاحه، وبذل كل الجهود من أجل تحقيقه إلا أنه ووجه بعراقيل عجز عن تخطيها، وبالتالي فإنه يحرق ذاته للتعبيرعن سخطه وتذمره من الوضع القائم مع توجيه رسالة لمن وقفوا في سبيل الإصلاح مفادها أن هاته النيران التي تشتعل في جسمه قد تنقلب نيرانا تلتهم الجميع، ويتم التمثيل لهاته الحالة بالمرأة التي أحرقت نفسها في الرباط احتجاجا على حكم بالإفراغ، وكذا التي أحرقت نفسها أمام ولاية أمن القنيطرة احتجاجا على اعتقال ابنها.
أما العامل الثاني فيتعلق بإحراق الفرد ذاته من أجل غاية مشتركة بين فئة شديدة الانسجام، حيث تتم التضحية بالنفس لفائدة فئة اجتماعية يتقاسم معها المنتحرآلامها وآمالها لدرجة أنه أصبح متماهيا معها، ويعمل لإسعادها بنكران ذاته، مما يجعله يعتقد أن التضحية من أجل الفئة التي ينتمي إليها واجب عليه، ولو أدى به الأمر إلى أن يموت لتعيش، كما هو الشأن لفئة المعطلين مثلا.
والملاحظ هو أن عوامل نفسية شخصية متعلقة بالمقْدم على إحراق ذاته لها دور كبير في ارتكاب هاته الفاجعة، ذلك أن العملية تتم في حالة من الغضب المطبق ويكون صاحبها شديد التوتر والانفعال مما يجعل آلية التفكير تتجمد لديه، بحيث لا يقدر العواقب بل يسعى نحو محو ذاته التي يعتبرها عاجزة عن المواجهة والإصلاح، مما يستنبط منه أن الأمر يجسد إما شدة ونفوذ الفساد وقوته على إذلال الناس، وإما ضعفا في شخصية المنتحر الذي لا يملك آليات تتناسب مع الوضع المراد إصلاحه وبالتالي فهو يلجأ إلى ألسنة اللهب لإفناء ذاته وليحتج على هذا الوضع كذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن القانون المغربي لا يعاقب على الانتحار بناء على قاعدة "من هانت عليه نفسه هان عليه العقاب"، خلافا للقانون الروماني القديم الذي كان يقوم بإنزال العقوبة بجثة المنتحر ومصادرة أمواله حتى لا يستفيد منها ورثته، وبالتالي فمحاولة الانتحار كذلك لا يعاقب عليها، لكن ذلك لا يمنع من معاقبة كل من ساعد عن علم شخصا في الأعمال المحضرة أو المسهلة لانتحاره أو زوده بالسلاح أو السم أو الأدوات اللازمة للانتحار حسب الفصل 407 من القانون الجنائي، كما يمكن متابعة من لم يقدم مساعدة للمقدم على إحراق ذاته بمقتضيات الفصل 431 من نفس القانون، بل،فعلا،تمت متابعة بعض المقدمين على إحراق ذواتهم وبقوا على قيد الحياة بجناية إضرام النار، وذلك رغبة في الحد من هاته الظاهرة عن طريق الزجر علما أن القضاء عليها لا يمكن أن يتم إلا بالقضاء على أسبابها، لأن صرامة القانون لا تعطي أكلها إلا عند استئصال الأسباب وتوفير الظروف الكفيلة بتطبيقه، فالأمعاء الفارغة قلما تسمح قرقرتها للأذن بالاستماع للنصوص الزجرية للقانون !
وتتعدد أبعاد هاته الظاهرة التي أصبحت تعرف بـ"الظاهرة البوعزيزية"، حيث إنها، سوسيولوجيا، تشكل وجها من أجه الانتحار الذي عرفه دوركاييم بأنه "كل حالات الموت التي تكون نتيجة مباشرة لفعل إيجابي أو سلبي قام به الشخص المنتحر وهو يعلم أنه سيؤدي إلى هاته النتيجة."
ومن خلال تتبع الحالات التي عرفتها بلادنا نجدها تدخل تحت عاملين: إما لأن الشخص الذي يحرق نفسه يقوم بذلك احتجاجا على وضع خاب أمله في إصلاحه، وبذل كل الجهود من أجل تحقيقه إلا أنه ووجه بعراقيل عجز عن تخطيها، وبالتالي فإنه يحرق ذاته للتعبيرعن سخطه وتذمره من الوضع القائم مع توجيه رسالة لمن وقفوا في سبيل الإصلاح مفادها أن هاته النيران التي تشتعل في جسمه قد تنقلب نيرانا تلتهم الجميع، ويتم التمثيل لهاته الحالة بالمرأة التي أحرقت نفسها في الرباط احتجاجا على حكم بالإفراغ، وكذا التي أحرقت نفسها أمام ولاية أمن القنيطرة احتجاجا على اعتقال ابنها.
أما العامل الثاني فيتعلق بإحراق الفرد ذاته من أجل غاية مشتركة بين فئة شديدة الانسجام، حيث تتم التضحية بالنفس لفائدة فئة اجتماعية يتقاسم معها المنتحرآلامها وآمالها لدرجة أنه أصبح متماهيا معها، ويعمل لإسعادها بنكران ذاته، مما يجعله يعتقد أن التضحية من أجل الفئة التي ينتمي إليها واجب عليه، ولو أدى به الأمر إلى أن يموت لتعيش، كما هو الشأن لفئة المعطلين مثلا.
والملاحظ هو أن عوامل نفسية شخصية متعلقة بالمقْدم على إحراق ذاته لها دور كبير في ارتكاب هاته الفاجعة، ذلك أن العملية تتم في حالة من الغضب المطبق ويكون صاحبها شديد التوتر والانفعال مما يجعل آلية التفكير تتجمد لديه، بحيث لا يقدر العواقب بل يسعى نحو محو ذاته التي يعتبرها عاجزة عن المواجهة والإصلاح، مما يستنبط منه أن الأمر يجسد إما شدة ونفوذ الفساد وقوته على إذلال الناس، وإما ضعفا في شخصية المنتحر الذي لا يملك آليات تتناسب مع الوضع المراد إصلاحه وبالتالي فهو يلجأ إلى ألسنة اللهب لإفناء ذاته وليحتج على هذا الوضع كذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن القانون المغربي لا يعاقب على الانتحار بناء على قاعدة "من هانت عليه نفسه هان عليه العقاب"، خلافا للقانون الروماني القديم الذي كان يقوم بإنزال العقوبة بجثة المنتحر ومصادرة أمواله حتى لا يستفيد منها ورثته، وبالتالي فمحاولة الانتحار كذلك لا يعاقب عليها، لكن ذلك لا يمنع من معاقبة كل من ساعد عن علم شخصا في الأعمال المحضرة أو المسهلة لانتحاره أو زوده بالسلاح أو السم أو الأدوات اللازمة للانتحار حسب الفصل 407 من القانون الجنائي، كما يمكن متابعة من لم يقدم مساعدة للمقدم على إحراق ذاته بمقتضيات الفصل 431 من نفس القانون، بل،فعلا،تمت متابعة بعض المقدمين على إحراق ذواتهم وبقوا على قيد الحياة بجناية إضرام النار، وذلك رغبة في الحد من هاته الظاهرة عن طريق الزجر علما أن القضاء عليها لا يمكن أن يتم إلا بالقضاء على أسبابها، لأن صرامة القانون لا تعطي أكلها إلا عند استئصال الأسباب وتوفير الظروف الكفيلة بتطبيقه، فالأمعاء الفارغة قلما تسمح قرقرتها للأذن بالاستماع للنصوص الزجرية للقانون !