MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




تأملات حول النظام العام للوظيفة العمومية بالمغرب

     

يونس الشامخي
باحث بسلك الدكتوراه



تأملات حول النظام العام للوظيفة العمومية بالمغرب
تعتبر الوظيفة العمومية الوسيلة الأساسية لممارسة الدولة لسيادتها المتمثلة في ضمان استمرارية المرفق العام أولا ثم تحسين جودة خدماته بشكل مضطرد. و الوظيفة العمومية بذلك حق دستوري لكل مواطن و مواطنة، يمارسه وفق شروط يحددها القانون و تسهر على حمايته من جهة هيئات وطنية إدارية حكومية تتجلى في مختلف مصالح الوزارات و المؤسسات العمومية و الجماعات المحلية و من جهة أخرى هيئات منتخبة كاللجان المتساوية الأعضاء و المجلس الوطني للوظيفة العمومية و المجالس الإدارية لبعض المؤسسات العمومية...
إن تدبير الوظيفة العمومية ليس فقط مسألة ذات بعد داخلي أي أن متغيراتها لا تؤثر في سير المصالح الإدارية المرتبطة بها فحسب بل تنتقل إلى ما هو اقتصادي من خلال ارتباطها الوثيق بالمقاولة و إلى ما هو اجتماعي من خلال صناعة و خلق أنساق فكرية سائدة تصبح هي سمة المجتمع ذاته.

تعتبر المساواة من أهم المبادئ التي ترتكز عليها الوظيفة العمومية، إلا أن الواقع المعاش يعكس تفاوتات تخل بهدا المبدأ و تخلق حالة من التوتر بين مختلف الهيئات من مصالح مركزية، لامركزية و لامتمركزة.

و قد شهد تدبير الوظيفة العمومية في الآونة الأخيرة اختلالات جوهرية خلخلت كياناته على مستويين: الأول داخلي و يعني سيرها السير الطبيعي و الآخر خارجي و يعني النزوح عن وظيفتها في مواكبة تطور المجتمع. اختلالات تضاف إلى تركات قديمة تندر بمزيد من الاحتقان في غياب القدرة على التخلي عن الوظيفة العمومية كوسيلة لشراء السلم الاجتماعي و إقحامها فيما هو سياسي رغم أن البحث العلمي الإداري و الإحصائي قد بلغ في ضبط متغيراتها الإقتصادية مبلغ الكمال.

1) الإشكالات القانونية.
 
تخضع الوظيفة العمومية لمقتضيات القانون العام في شقه الإداري و هي بهذا تستلهم قواعدها بالإضافة إلى القوانين و التنظيمات من اجتهاد القضاء الإداري. يرجع القانون المنظم للوظيفة العمومية إلى سنة 1958، و قدم مقتضياته رغم عدد ليس بالهين من التعديلات يحول دون قدرته على احتواء تطور المجتمع المغربي الذي عرف تغيرات جوهرية مهمة طيلة نصف قرن الماضية. و القانون هذا محل انتقاد مختلف الأطراف المتدخلة و المتأثرة به رغم تناقضها.

من جهة، تعتبر الدولة القانون الأساسي نصا جامدا لايناسب الطبيعة المرنة لاقتصاد السوق الذي ما فتئت تنادي بتطبيق قواعده في شقها البشري. و هدا يعني إمكانية التسريح لظروف اقتصادية مثلا، و هذا إجراء متواجد في عدد من الدول خاصة المتقدمة. و من جهة أخرى يجد الموظفون العموميين أنفسهم في ثلاجة نصوص قانونية لا تساير طموحاتهم و رغبتهم الطبيعية في التطور كالترقية و التكوين و الانتقال جغرافيا و بين القطاعات.

بقدر ما ينتقد جمود و أحادية نظرة القانون الأساسي للوظيفة العمومية بقدر ما خلق تعدد الأنظمة الخاصة بكل قطاع تفاوتات بين أسرة الموظفين العموميين. هذا دون إغفال نتائج اللاتمركز الإداري التي سمحت لبعض المؤسسات العمومية من التوفر على أنظمة خاصة بها تعطي في غالب الأحيان امتيازات مهمة بالمقارنة مع القطاعات الوزارية و الجماعات المحلية، و يكفي استقصاء هذا الأمر في صندوق الإيداع و التدبير أو المكتب الوطني للكهرباء أو الوكالة الجهوية للاستثمار الفلاحي و غيرها من المؤسسات العمومية.

و هذه التفاوتات هي ضرب واضح لمبدأ المساواة التي تخلق حالات شاذة و غريبة بحيث تجد جريجي نفس المدرسة، أحدهما اشتغل في مِؤسسة عمومية و تمكن من اقتناء سيارة و منزل و الآخر في أسلاك أحد الوزارات لا يكاد يجد صيغة لتسيير دخله تمكنه من عيش حياة كريمة. و هذه الأشياء مهمة و جوهرية و لا يمكن في أي حال من الأحوال إغفال تأثيرها على سير الوظيفة العمومية و المجتمع عامة، بعيدا طبعا عن شعارات لا منطقية و متجاوزة: كالتضحية و نكران الّذات...

2) إشكالات مواكبة حاجيات الموظف الاجتماعية.

و يقصد هنا تطور الموظف خاصة المعنوي أي التكوين بمختلف أنواعه و تقلد مناصب المسِولية. لقد ضل تطور الموظف العمومي داخل الإدارة مرتبطا بالاجتهاد الشخصي، مما جعل حالات النجاح فيها شيئا استثنائيا و الجمود و الفشل هما السمة البنيوية الثابتة.

فيما يخص التكوين الجامعي للموظف، يمكن ملاحظة مجهود الدولة الكبير في منعه و وضع العراقيل اللوجيستية و القانونية بل وصلت في تصورها إلى شيطنته و اتهامه بهدر وقت العمل العمومي، و لا أدل على ذلك من مذكرة وزير التعليم العالي التي منعت صراحة التسجيل في أسلاك الماستر لأسباب لا يمكن في أي حال من الأحوال فهمها و استيعابها خاصة و أن هؤلاء المسؤولين نفسهم استفادوا من الجامعة المغربية وتسلقوا بفضل أبوابها التي كانت مفتوحة الدرجات و تقلدوا المناصب. و يمكن تلخيص الأسباب التي تناظر بها الدولة في الثقل المالي لاستفادة الموظف من التعليم الجامعي، في الجامعة و في مقر عمله. يمكن الإجابة على هذه الإشكالات من خلال تحليل مفهوم اقتصادي بسيط و هو القيمة المضافة و إنتاجية الموظف.

كما هو معروف يحتسب الناتج الداخلي الخام بجمع مجموع القيمة المضافة المنتجة من طرف دولة و يتم احتساب القيمة المضافة المنتجة من طرف الموظفين العموميين بمجموع الأجور المحولة لهم باعتبار استحالة احتساب القيمة المضافة الحقيقة المنتجة من طرفهم، و هي في كل حال من الأحوال أصغر بكثير من مجموع أجورهم في بلدنا. بهذا تبقى إنتاجية الموظف العمومي بعيدة كل البعد عن ما يتم إنفاقه عليها و هذا أمر يتحمل الكل مسؤوليته و خاصة الأنظمة القانونية المتحكمة فيه. أعني هنا أننا يجب أن نعمل على الرفع من إنتاجية الموظف العمومي و من القيمة المضافة التي ينتجها بمساير تطلعاته الطبيعية، القيمة المضافة هذه التي ستغطي بشكل آلي و غير مباشر مصاريف الجامعة و بضع الساعات التي يقضيها داخل حجرات الجامعة.

أما التكوين المستمر فهو لاحق للتكوين الجامعي. بحيث أنه تعبير عن مراحل متقدمة من الوعي داخل الإدارة العمومية و يفترض تواجد جو أكاديمي رهين طبعا بارتباطها بالجامعة. تلك أمور كلها بعيدة عن ممرات إداراتنا العمومية. رغم أن الميثاق الوطني للتربية و التكوين نص صراحة في المادة 87 على حق كل مواطن العودة إلى الجامعة فإنه لم يعطي تصورا واضحا لكيفية ربط الإدارات العمومية بالجامعة.

إن مسايرة حاجيات الموظف في التطور الطبيعي لهو توجبه لمجهود يتم هدره في التباكي و مقاومة كل قرارات و استراتيجيات الدولة، الذي يعتبر هو نفسه آلية تنفيذها و السهر على تفعيلها.

3) إشكالية تثمين عمل الموظف:

 
يعتبر العمل بصفة عامة من أعقد الظواهر الإنسانية و أكثرها تشابكا مما جعل منه مركز كل المواقف الفكرية و الفلسفية و اتجاهاتها المختلفة. و من أهم الإشكالات المرتبطة به : كيفية تقييم مقابله المادي. ظل الإشكال هدا يراوح مكانه لقرون طويلة إلى أن بدأ بزوغ المجتمع الرأسمالي الدي أفرز إلى حد كبير متغيرات العمل و جعل اقتصاديين بارزين كدافيد ريكاردو و آدام سميت و كارل ماركس و غيرهم يحللون هده المتغيرات و يضبطونها إلى حد ما. و تابع البحث في هدا المجال تطوره في عصر الثورة التكنولوجيا ليصل مستويات كبير من الضبط خاصة بفضل تقنيات الإحصاء المتطورة.

تتفق تقريبا جميع التيارات على مقابل واحد لتقييم العمل ألا و هو القيمة المضافة، أي أن الأجر المستفاد منه وجب أن يكون مقابل قيمة مضافة تم خلقها من عمل معين بالإضافة إلى بعض الامتيازات الاجتماعية المرتبطة بالانتماء لدولة وطنية ما. و قد سايرت الوظيفة العمومية هده التطورات و تأثرت بها و حتى الوظيفة العمومية المغربية لم تحد عن هده التطورات بل تبنتها و أصبحت تتحدث هي الأخرى عن مصطلحات من قبيل: القيمة المضافة، المردودية... بدالك طرح إشكال تحديد معايير تثمين عمل الموظف، هل من خلال الشهادات أم من خلال مجهوده و إنتاجيته داخل الإدارة مع العلم أنهما مفهومين مرتبطين.

في انتظار نتائج الدراسة الذي كان من المفترض استكمالها و نشر نتائجها بداية سنة 2011 ، لابأس في القيام بوصف للوضعية الحالية لمنظومة الأجور و ربطها بالمبدأ الذي تبنته الدولة. نبدأ بالمرحلة الأولى و هي أول لحظة تماس مع الوظيفة العمومية و هي التوظيف. من حيث المبدأ يتم ولوج الوظيفة العمومية عن طريق المباراة ، تحدد الشروط هده شكل الأجر الذي سيتم التمتع به. فالرتبة الثالثة (السلم 9) تستوجب شهادة تكافئ باكالوريا+سنتين و الدرجة الثانية (السلم10) تستلزم إجازق+ثلاث سنوات و الدرجة الأولى تستلزم شهادة إجازة أي باكالوريا+3 و الدرجة الأولى (سلم 11) تستلزم شهادة ماستر أي باكالوريا+5. من النظرة الأولى يتضح لا منطقية هدا السلم، فكيف لسنة واحدة أن تخلق فرقا كبيرا كدالك الموجود بين التقني الوالج بالسلم 9 و المجاز الوالج بالسلم 10 و قس على دالك بالنسبة للماستر.

ننتقل إلى نظام الترقية و نبدأ بامتحانات الترقية الداخلية كوسيلة لمكافئة الموظف. اشترط القانون الأول أربع سنوات لاجتياز امتحانات الترقية للحفاظ على التوازن بين والجي الوظيفة العمومية و المتواجدين بها أي أن أربع سنوات الضرورية للحصول على الإجازة و الولوج إلى الوظيفة العمومية بسلم 10 هي نفس المدة الضرورية لاجتياز امتحان السلم10 من طرف الموظف. أما بعد تعديل القانون الأساسي للوظيفة العمومية فقد تم جعل ستة سنوات كشرط لاجتياز امتحانات الترقية الداخلية في الوقت الذي قام الإصلاح الجامعي بجعل مدة الحصول على الإجازة ثلاث سنوات و هدا تفاوت كبير في الوظيفة العمومية يظهر بشكل أوضح بالنسبة للماستر. هده الاختلالات ناتجة إلى انعدام البعد الشمولي في مقاربات الدولة التي أدت إلى خلخلة عملية التوظيف كركن من أركان الوظيفة العمومية. ففي الوقت الذي تم فيه الدخول في الإصلاح الجامعي كان من الضروري مواكبته بإصلاح في الوظيفة العمومية لارتباطهما الوثيق.

من خلال هدين المثالين يتبين عجز الأنظمة الحالية للأجور و اقتصارها على أبعاد مالية جد ضيقة خلقت وضعا مختنقا في الإدارة العمومية يضيع على الدولة يوميا الملايين من الدراهم في تحاقنات اجتماعية ستنتقل تأثيراتها لا محالة إلى صناديق الدولة. و من خلال هدا المثال يتوضح أيضا صعوبة مهمة إصلاح منظومة الأجور و تطبيق المبدأ الذي بنيت عليه و هو: القيمة المضافة كمقابل لأي أجر.

4) الشركاء الاجتماعيين، التوترات الاجتماعية و الوظيفة العمومية.

تعتبر النقابات من أهم الشركاء و المتدخلين في الوظيفة العمومية، و تستمد هده الأهمية من خلال تمثيليتها الكبيرة في جميع الهيئات المؤثرة في الوظيفة العمومية، فهي ممثلة على المستوى اللامركزي في اللجان المتساوية الأعضاء و هدا يعني بأن لها تأثير مباشر في تفاصيل مسار الموظف العمومي. كما أنها ممثلة في مجلس المستشارين و ممثلة في المجلس الأعلى للوظيفة العمومية الذي يتمتع بصبغة استشارية تخول له إبداء الرأي في كل ما يتعلق بالوظيفة العمومية. غير أن تسرب الصراعات السياسية إلى النقابات و انتقال دلك إلى الإدارة قد أدى إلى انحرافها عن الغاية منها.

من مبادئ الإدارة العمومية: اللاشخصانية و هدا راجع إلى أن الإدارة يجب أن تؤطر بتنظيمات دقيقة و بمؤسسات محددة، أي أن الإدارة بصفة عامة و الوظيفة العمومية بصفة خاصة لا تتحمل أي شكل من أشكال الصراعات السياسية التي تؤتر من خلال تمظهراتها و وزنها من داخل النقابات في صنع نموذج الوظيفة العمومية المغربية بكل عيوبه، حتى غدت النقابات وسيلة من وسائل التسلق الاجتماعي الناجحة و يتكالب على وظيفتها الشريفة و السامية عدد من الراغبين في تقلد المناصب خارج مبادئ الكفاءة المتفق عليها كونيا.

إن إشكالية الشركاء الاجتماعيين تحولنا إلى إشكالية اجتماعية من نوع آخر و هي استعمال الوظيفة العمومية لشراء السلم الاجتماعي. و لمناقشة موضوع بهده الحساسية لا مناص من التركيز على ضرورة توفر شرط الوطنية في كل موقف يتم التعبير عنه.

لقد بلغ البحث العلمي الإداري و الإحصائي في ضبط متغيرات عملية التوظيف مبلغ الكمال بمفاهيم و تقنيات مثل: GPEC التدبير التوقعي للوظائف و الكفاءات يمكن له أن يحدد بشكل دقيق حاجيات الإدارة من الكفاءات. لكن يبدو أن الدولة تعجز عن التخلي عن الوظيفة العمومية كوسيلة فعالة لشراء السلم الاجتماعي حيث لجأت إلى التعيينات المباشرة لحاملي الشهادات العليا للمعطلين و الغير معطلين (بحيث أن عددا من المعينين كان يشتغل في القطاع الخاص) و ما شكله دالك من ضرب للمؤسسة البرلمانية التي أقرت قوانين تجعل من المباراة الوسيلة الوحيدة لولوج الوظيفة العمومية. كما تلجأ إلى خلق مناصب مالية مبالغ في تقديرها و ما يمكن لدالك من أن ينعكس على الواطن العادي الذي يتمتع هو الآخر بحقوق في صناديق الدولة.

5) النتائج الاقتصادية لاختلالات تدبير الوظيفة العمومية

لا يجب أن نعتقد أننا في منأى عن أنظار المؤسسات المالية الدولية و خاصة البنك الدولي و صندوق النقد الدولي، فعيونها مفتوحة و تراقب كل مؤشراتنا الاقتصادية في ما يخص ميزانية التسيير في شقها المتعلق بالوظيفة العمومية التي لها انعكاسات كبيرة على المالية العامة و التوازنات الاقتصادية الأخرى للبلد  و التمادي في استعمال الوظيفة العمومية كوسيلة لشراء السلم الاجتماعي قد يقودنا إلى سيناريوهات كالتي عاشها المغرب في الثمانينات و المتمثلة في برنامج التقويم الهيكلي (PAS) و قد أشار والي بنك المغرب، الذي كان نفسه وزيرا للاقتصاد و المالية في نفس الحقبة، لدالك في عدد من مداخلاته هدا من جهة.

من جهة أخرى لقد طبع نموذج الوظيفة العمومية المغربية عقلية المواطن المغربي، بحيث خلقت أنساقا فكرية مرتبطة بها, و الوظيفة العمومية بحكم طبيعتها هي أقل القطاعات خلقا للقيمة المضافة و الأقل تشجيعا للإبداع و الابتكار الضروريين الآن لاستمرارية أي أمة. و لإثبات دلك لا حرج في العودة للتعيينات المباشرة التي حرمت القطاع الخاص المنتج للقيمة المضافة من كفاءات ذات تجربة مهمة انتقل بعضها من شركات كانوا يستمتعون فيها بامتيازات مهمة إلى ممرات الإدارة العمومية الباردة.

إن تعقد حاجيات الدولة الحديثة و تشعب مشاربها يتطلب تكييف آلية تدخلها الأساسية و هي الوظيفة العمومية مع هده المتغيرات. و يمكن القيام بهدا التكييف من خلال مقاربتين أساسيتين: الأولى و هي الدفع باللاتمركز الإداري و هدا يعني تفويض الاختصاصات في مجال تدبير الموارد البشرية و تمكين المؤسسات العمومية من صياغة أنظمة خاصة بها، تلاؤم خصوصيتها دون المس طبعا بمبدأي الإنصاف و المساواة. و الثانية تشجيع العمل بالعقدة كبديل مرن يتماشى مع اختيارات الدولة الليبرالية.

وقد باشرت الدولة فعلا بالدفع بهاتين الخطوتين غير أن هدا يعرف تعثرات صارخة بل فشلا في كثير من الأحوال. فقد أدى تفويض تدبير الموارد البشرية لبعض المؤسسات العمومية إلى تلاعبات دالة كما أن مختلف العقد التي يتم إبرامها تصطدم بقلة الكفاءات القانونية التي لها القدرة على متابعتها كما تؤدي إلى تسلط المسؤولين.

إن موضوع الوظيفة العمومية مجال خصب للبحث و المناولة العلمية، و يمكن مقاربته من وجهات نظر مختلفة أهمها: المقاربة القانونية و المقاربة الاقتصادية، و فعلا فهناك مادة تدرس بكليات القانون تسمى الوظيفة العمومية كما يتم عليها في كليات الاقتصاد في مواد كالاقتصاد الكلي و المحاسبة الوطنية... إلا أن طابع الموضوع الشمولي يقتضي رؤية الموضوع من وجهة نظر أخرى و هي نظرة العلوم الاجتماعية و أهمها التاريخ، علم الاجتماع و علم النفس.

إن الوظيفة العمومية جسم قديم له تاريخ خاص به، و قد عرف بحكم ارتباطه بالدولة و الإدارة تطورات يمكن قياسها بتطور الدولة نفسها. و لفهم محركات هدا الجسم العميقة لا مناص من الاستعانة برجال التاريخ الأدرى بأسرار حركة السنون.

تعتبر الوظيفة العمومية ظاهرة اجتماعية بامتياز تتوفر فيها كل شروط المجموعات البشرية التي تشكل مركز اهتمام علماء الاجتماع و للتحكم في متغيراتها وجب الاستعانة بعلماء الاجتماع و علماء النفس الأولى بالاستشارة في تأثير موضوع كالتعيينات المباشرة مثلا على الحالة النفسية العامة للوظيفة العمومية، و التفكير في طريقة لتمكينها من الدخول في جسم يعتبرها حالة شاذة و يرى في وصولها إلى امتيازات الوظيفة العمومية اتقانا للصراخ فقط.

إن تراكم المهام و المسؤوليات يجعل من استراتيجيات الدولة في هدا الموضوع مخططات متسرعة و متوترة كما أن ضعف البحث العلمي المندمج في الموضوع يجعل من هده الاستراتيجيات برامج فقيرة تجسدها عناوين كبرى مستمدة من الرصيد الاصطلاحي للبنك الدولي و صندوق النقد الدولي



السبت 31 يناير 2015
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter