على إثر الاختلالات التي طبعت أطوار إحدى المباريات برسم ربع نهاية كأس العالم للأندية لكرة القدم على أرضية المجمع الرياضي الأمير مولاي عبد الله، أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله تعليماته السامية لرئيس الحكومة لفتح تحقيق معمق وشامل لتحديد المسؤوليات عن هذه الاختلالات، كما أعطى جلالة الملك تعليماته السامية لرئيس الحكومة لتعليق أنشطة وزير الشباب والرياضة المرتبطة بهذه التظاهرة الرياضية ومنها على الخصوص حضوره في المباراة النهائية، وذلك في انتظار نتائج هذا التحقيق
هكذا أتت صيغة البلاغ الصادر عن الديوان الملكي والمتضمن تعليمات موجه لرئيس الحكومة من أجل اتخاذ التدابير اللازمة لفتح تحقيق حول قضية ملعب مولاي عبد الله بالرباط، وكذا لتعليق أنشطة وزير الشباب والرياضة المرتبطة بكأس العالم للأندية.
لقد أحيط هذا البلاغ باهتمام واسع من طرف الصحافة الوطنية، وأحدث جدلا واسعا داخل أوساط المهتمين والباحثين في المجال القانوني، مما دفع الكثير إلى محاولة فهم طبيعة البلاغ أو القرار إن صح التعبير، وكذا مدى مطابقته للوثيقة الدستورية. حيث تباينت وجهات نظر العديد من المشتغلين في الحقل القانوني، فمنهم من يرى على أن القرار لم يتضمن أي خرق للدستور مادام أن الفصل 47 يعطي الحق للملك في إقالة أي وزير، بينما البعض الآخر اعتبره خروجا عن الاختصاصات الملكية التي حددها الدستور، أما الرأي الثالث فقد ذهب بالقول على أنه لا يمكن إجراء مقاربة دستورانية دون تجاهل القانون الإداري وبالتالي فمسألة توقيف الوزير تنطبق عليها أحكام الموظف العمومي، بمعنى أن الإجراء اتخذ قانونيا، وهذه المسائل يحال بشأنها على أحكام الموظف العمومي بشكل عام.
بناء على ما سبق سنبدأ من خلال هذه المساهمة المتواضعة مما انتهى إليه الرأي الأخير محاولين تقديم بعض وجهات النظر حول هذه الواقعة والتي يمكنها أن تصيب، كما يمكنها أن تخطأ.
- حول مدى اعتبار الوزير موظف عمومي:
فمبدئيا عرف الفقيه Maurice Hauriouالموظف بأنه كل شخص يعين بمعرفة السلطة العامة لشغل وظيفة في الإطار الدائم لمرفق عام تديره الدولة أو الإدارات العامة الأخرى، سواء أكانت تحت اسم موظف أو مستخدم أو عامل أو مساعد عامل. كماعرفهAndré de Laubadèreقائلابأن الموظفون هم الأعوان العموميون المكلفون بشغل دائم ضمن تسلسل هرمي لمرفق عام يدار بواسطة هيئة عامة.
وبالرجوع إلى المشرع المغربي نجده قد عرف الموظف تعريفا دقيقا من خلال الفصل الثاني من الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر بتاريخ 24 فبراير 1958 بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، " يعد موظفا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة".
يظهر إذن من خلال هذا الفصل أن المشرع يشترط ثلاثة عناصر أساسية لاعتبار الشخص موظفا شأنه في ذلك شأن الفقه وهي كالتالي
- التعيين في الوظيفة العمومية: وهذا التعيين يتم من قبل السلطة التي تملك حق تعيينه قانونا وهي سلطة مؤهلة لإصدار قرار التعيين.
- دوام الوظيفة: بمعنى أن يمارس الشخص وظيفة عمومية قارة وثابتة، مما يستبعد معه كل شخص يعين بصفة مؤقتة لشغل وظيفة ما.
- الترسيم داخل الوظيفة بأسلاك الإدارة: ويقصد به تلك الوضعية القارة التي يكتسبها الموظف بصفة نهائية بعد مدة معينة، بموجبها يصبح موظفا رسميا في أسلاك الوظيفة العمومية.
- حول مدى مطابقة قرار تعليق مهام الوزير للوثيقة الدستورية.
فحينما نعلم أن الدستور لا يعترف للملك صراحة بأي اختصاص في مجال توقيع العقوبات على الوزراء غير إقالتهم بعد استشارة ملزمة وليست اختيارية لرئيس الحكومة، أو حتى إجراء تدبير احترازي بتوقيف أحدهم ريثما يتم التحقيق حول واقعة ما، فمن حقنا أن نستغرب ونتساءل حول مدى دستورية هذا القرار، لكن إذا كانت هذه الملاحظة صحيحة بالنسبة للدستور المغربي، فالذي يجب ألا ننساه هو أن رئيس الدولة في المغرب لا يعد فقط ملكا مثل ما يوجد في بعض الدول بل هو كذلك أمير المؤمنين (ف 41) و ضامن دوام الدولة و استمرارها و الحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات الدستورية(ف 42) فهو يتوفر على اختصاصات ضمنية و عامة و فضفاضة لا يحد منها التعداد الدستوري لسلطاته، فدستور المملكة كما اعتبره الأستاذ محمد اليعكوبي يتمحور حول شقين، شق يستمد معطياته من الدساتير الغربية و خصوصا الأوربية منها، وشق يستمد من المعطيات و التقاليد الإسلامية و هو الشق الحاسم في فصل السلط، و بالاعتماد على هذا التفكير يمكن من التأكد من الفرضية التي تصف الملك كسلطة فوق السلط تمارس اختصاصات متعددة و متنوعة يجعلها في قلب و محور مختلف السلطات التنفيذية والتشريعية و القضائية، فصفة أمير المؤمنين، يضيف الأستاذ اليعكوبي لا يمكن إعطاؤها تعريفا ضيقا و إلا ستفرغ من مضمونها، هكذا و بفهمها بالمعنى الواسع تعطي للملك سلطات و صلاحيات واسعة جدا تضم بالتأكيد اختصاصات تهم المجال الذي تدخل فيه بقرار تعليق نشاط الوزير و ذلك حفاظا على حسن سير المؤسسات الدستورية.
و قد يقول قائل أنه كان بإمكان رئيس الحكومة اتخاذ نفس الإجراء معتمدا في ذلك على سلطته التنظيمية، إلا أننا نعتبر أن مثل هذه التدخلات صادرة عن الملك ليست بجديدة بل تعكس بطريقة رسمية التصور السائد للملكية و الدور الذي تلعبه منذ قرون، ونشير في هذا الصدد إلى إجراء كان قد اتخذه المرحوم الحسن الثاني في غشت 1981، يتعلق بمنع ذبح أضحية العيد لتحقيق هدف اقتصادي يندرج ضمن السلطات التنظيمية للوزير الأول، رغم أنه دستوريا لا يوجد أي معطى صريح يمنح أي صفة تنظيمية للملك، لكن الملك هو من اتخذ المبادرة بخطاب دون اللجوء إلى ظهير أو أي قرار ذي صبغة قانونية، مما يؤكد على أن الملك في النظام المغربي لا يحتاج إلى اتخاذ قرار رسمي لتطبيق توصياته من جهة (مثال: حل الحزب الشيوعي سنة 1960، ثم قضية الزيوت المسمومة 1960)،
و من جهة أخرى يمكن اعتبار قرار توقيف الوزير يدخل ضمن الاختصاصات الواسعة للملك في إطار محافظته على حسن سير المؤسسات الدستورية(ف 42) خصوصا بعد تلويح حزب الحركة الشعبية بقرار الانسحاب من الحكومة في حالة استجابة رئيس الحكومة للضغوطات الشعبية المطالبة بإقالة الوزير مما قد تنتج عنه تشنجات ستسفر لا محالة عن شل حركة الحكومة و بالتالي عرقلة السير العادي للمؤسسات، إضافة إلى أن مثل هذه التظاهرات العالمية يعتبر حسن سيرها من التعهدات الدولية للمملكة و التي يجب على الملك ضمان احترامها(ف42).
و صفوة القول، فإنه يتضح من خلال النقط التي سبق مقاربتها أن هذا القرار أتى بحمولة وقائية تهدف إلى درء ما كان يمكن أن يحدث لولا صدور تعليمات بتعليق أشغال وزير الشباب و الرياضة سواء على مستوى حفظ النظام العام و الذي يعتبر الأمن من بين أهم عناصره ( حالة ما إذا تم حضور الوزير إلى باقي مباريات كأس العالم للأندية وسط جمهور يطالب بإقالته) أو على مستوى الأحداث التي كانت من الممكن أن تطرأ لو أن رئيس الحكومة هو من اتخذ قرارات عقابية اتجاه وزير داخل حزب ظل يهدد بانسحابه من الحكومة في حالة انصياع رئيسها للضغوطات الشعبية.