شكل الدستور الجديد منعطفا حاسما في تاريخ القضاء المغربي، فيما نص عليه من الرقي بالقضاء إلى سلطة مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ، تعزيزا لاستقلاليته مع تخويل المجلس الأعلى للسلطة القضائية مهمة إدارة وتسيير شؤون القضاء ورجاله،وحماية الضمانات الدستورية والاعتبارية الكفيلة بترسيخ الثقة في قضاء مستقل وكفء ونزيه ومحايد وفعال ،وهو ما يقتضي:
- تسريع إصلاح القضاء وتعزيز استقلاليته وتحديته وتأهليله وانفتاحه على محيطه،بما يكفله القضاء المستقل النزيه والفعال من ثقة واستقرار وترسيخ للديمقراطية.
- تفعيل التغيرات الحاصلة في المنظومة الدستورية
التنزيل السليم للقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية من خلال:
-تقوية استقلالية القضاء وتبوأه المكانة التي كفلها له الدستور،باعتباره سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية،
-تعزيز دور المجلس كهيئة دستورية ناظمة لها ولاية كاملة على تسيير الشأن القضائي والإشراف على الإدارة القضائية للمحاكم
-التمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري
-امتلاك المجلس صلاحيات وسلطات استشارية وتقريرية متعددة ومختلفة
-شمول قرارات المجلس لجميع مسارات الحياة المهنية والوظيفية القاضي
- تدعيم دور المجلس في تطوير المنظومة القانونية والقضائية كقوة اقتراحية
-وضع قواعد معيارية مؤطرة للشأن المهني تكفل ضبط القيم القضائية
-تفعيل أساليب تقييم جودة الخدمة القضائية وتحمي الأمن القانوني والقضائي.
-إرساء المجلس لمبادئ المناصفة والاستحقاق والكفاءة وتكافؤ الفرص والشفافية وعدم التمييز،في تدبير وضعيات القضاة طبقا لشروط يجب توفرها في المرشحات والمرشحين، خاصة المستوى العلمي المطلوب والكفاءة والنزاهة والتجربة المهنية اللازمة
- مراعاة المجلس لمقاربة النوع الاجتماعي
وبالنظر لأهمية وجودة التوصيات التي جاء بها ميثاق إصلاح العدالة والتي تشكل موجهات إرشادية للمؤسسة التشريعية لا تكتسي صبغة إلزامية،وإنما صبغة معنوية لا يمكن نكرانها ،مع الإقرار بداية بعمومية وإجمال بل وفضفاضة بعض التوصيات التي تتناول إصلاح بعض القوانين مثل قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية وقانون المساعدة القضائية وغيرهما ،دون إبراز ملامحها وأبعادها وتصوراتها الجلية والجديرة بمقاربة تفصيلية ذات مضمون إجرائي وموضوعي محدد، فقد ارتأينا الإدلاء بدلونا في النقاش العمومي حول المسائل الخلافية التي قد تبدو مؤشرات سلبية من وجهة نظرنا يجب معالجتها وإعادة النظر فيها للدفع بالأمام عملية تفعيل الإصلاح القضائي في صورة نصوص تشريعية وتنظيمية في المنظور القريب من خلال المحاور التالية:
المحور الأول :توطيد استقلال السلطة القضائية
المحور الثاني:تخليق منظومة العدالة
المحور الثالث:الارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء
المحورالرابع:إنماء القدرات المؤسسية لمنطومة العدالة
المحور الأول :توطيد استقلال السلطة القضائية
يهدف تنظيم المجلس الأعلى للسلطة القضائية طبقا للفصل 116 من الدستور، إلى تحديد القواعد المتعلقة بانتخاب وتنظيم وسير المجلس الأعلى للسلطة القضائية ،والمعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة ومسطرة التأديب،بما يقوي استقلالية القضاء وتبوأه المكانة التي كفلها له الدستور،باعتباره سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية،مع تعزيز دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية كهيئة دستورية ناظمة لها ولاية كاملة على تسيير الشأن القضائي والإشراف على الإدارة القضائية للمحاكم ، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري وتمتلك صلاحيات وسلطات استشارية وتقريرية متعددة ومختلفة تشمل جميع مسارات الحياة المهنية والوظيفية القاضي ، وتدعم دور المجلس في تطوير المنظومة القانونية والقضائية ووضع قواعد معيارية مؤطرة للشأن المهني وتكفل ضبط القيم القضائية وتفعيل أساليب تقييم جودة الخدمة القضائية وتحمي الأمن القانوني والقضاء.
ومن بين أهم مرتكزات التنظيم المقترح المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية ضمان الانسجام والملاءمة مع الدستور الجديد ولاسيما على مستوى تحديد نطاقه بمراعاة مجال النظام الأساسي للقضاة والتنظيم القضائي للمملكة وكذا مراعاة كفالة الضمانات القانونية للقضاة المعززة للاستقلال والحياد باعتبارها حق للمجتمع للاحتماء بقضاء مستقل ونزيه وكفئ قبل أن تكون حق للقضاة أنفسهم .
ومن بين أهم المقترحات التي لم يستحضرها أو يخالفها الميثاق في هذا المحور وهي:
-تعيين الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام لديها من طرف الجمعية العمومية للمحكمة لمدة أربع سنوات غير قابلة للتجديد ،يصادق الملك على التعيين بظهير شريف،وذلك لدعم حكامة مرفق العدالة وضمان جودته وشفافيته .
-ضمان تمثيلية النساء القاضيات بالمناصفة الرقمية والمساواة بين الذكور والإنات
-النص على موانع التنافي في عضوية المجلس الأعلى للسلطة القضائية وذلك بمنع عضوية الوزراء والبرلمانيين ومختلف الأشخاص الممنوعين من الترشح للانتخابات،وذلك حتى لا يكون إسقاط وزير العدل من عضوية المجلس،مبررا لعودته من هذا الباب .
-عدم نشر العقوبات التأديبية إلا بعد صيروتها نهائية للموازنة بين الحكامة والشفافية والحق في المعلومة من جهة ومبدأ قرينة البراءة من جهة أخرى
-النص على حصرية دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية في الإشراف على مجمل شؤون منظومة العدالة ولاسيما الإشراف على الإدارة القضائية للمحاكم وحذف مسألة التنسيق بينه وبين وزارة العدل التي لم يعد قابلا للحديث عن أي دور قضائي لها بعد هذه المرحلة كخروج ديمقراطي مشرف يليق بها.
-النص على الاستشارة الوجوبية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بشأن مشاريع القوانين المتعلقة بمنظومة العدالة ،حتى لا يتم تجاهل تعاظم دوره الدستوري واعتباره مجرد قناة استشارية ليس إلا.
-النص على نشر التقرير السنوي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بالجريدة الرسمية لدعم الحق في المعلومة وتطوير مراقبة المجتمع المدني .
-النص على إمكانية مناقشة التقرير السنوي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بالبرلمان بحضور رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية لتفعيل الرقابة البرلمانية باعتبارها رمز السيادة الشعبية
- النص على إمكانية مناقشة التقرير السنوي بشأن تنفيذ السياسة الجنائية المعد من طرف الوكيل العام للملك بمحكمة النقض بالبرلمان بحضوره لتفعيل الرقابة البرلمانية باعتبارها رمز السيادة الشعبية
المحور الثاني:تخليق منظومة العدالة
- إلغاء قواعد الاختصاص الاستثنائية فيما يخص متابعة ومحاكمة القضاة جنائيا لدعم مبدأ المساواة كمبدأ دستوري أمام القضاء
-توحيد مساطر الاختصاص و المتابعة والحكم في جوانب التأديب المتصلة بالمهن القضائية لضمان المساواة بين المهن والفاعلين في نطاقها.
-حصر آلية تتبع ومعالجة شكايات الفساد على المجلس الأعلى للسلطة القضائية وحده دون غيره(وزارة العدل نموذجا)
-تمكين المشتكي من حق حضور مجالس التأديب والطعن في القرارات .
-تخويل مختلف الهيئات القضائية حق إحالة الأفعال التي تكتسي صبغة جنائية مباشرة إلى النيابة العامة المختصة .
-تخويل المجلس الأعلى للسلطة القضائية حق مراجعة مختلف هيئات الحكامة بشأن اختصاصها لدعم التنسيق بينها.
-دعم القضاء المتخصص وأجهزة البحث والتحقيق في مجال مكافحة الإرهاب والفساد المالي على مستوى جميع محاكم استئناف المملكة بدون تمييز لإلغاء جل المظاهرالاستثنائية التي قد تعصف بحقوق وحريات الأشخاص وبمبدأي الأمن القانوني والقضائي.
المحور الثالث:الارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء
-دفاعا عن إحداث المحكمة الإدارية العليا: صرخة قاض
إن بناء صرح قضاء إداري فعال ومتخصص في البت في المنازعات الإدارية متوقفا على إحداث محكمة إدارية عليا قائمة بذاتها كما بشر بها الدستور الجديد(الفصل 118) التي ستعلو الهرم القضاء الإداري ،تسهر على مراقبة تطبيق القانون من طرف المحاكم الدنيا وتوحيد الاجتهاد القضائي،وبالتالي الإسهام في ضمان الأمن القضائي الذي أشار إليه الفصل 119من الدستور.
ولا شك أن معظم التغيرات الحاصلة في المنظومة الدستورية مست عمل القضاء الإداري على مستوى إقرار مبدأ دستورية الرقابة القضائية الإدارية وحظر تحصين أي قرار إداري من الطعن الإداري والقضائي،لذلك يلزم التأكيد على :
-أن القضاء الإداري خيار استراتيجي دستوري لا محيد عنه في مواصلة بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون،بتنصيص الدستور صراحة على القضاء الإداري في الفصلين 114و 118 منه،وحماية مجال اختصاص هذا القضاء.
-ملائمة التنظيم القضائي مع الدستور الجديد
-استكمال صرح القضاء الإداري وتكريس ازدواجية كاملة للنظامين القضائي والقانوني.
-دعم التخصص واحترافية القضاء الإداري ليتطور من خلال فلسفة القضاء الإداري المتخصص وليخرج من رحم القضاء العادي المتشبع بحرفية النصوص وسيطرة الإجراءات الشكلية.
-تحقيق استقلالية كاملة لمحكمة النقض عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية،إذ لا يعقل أن تراقب محكمة النقض نفسها في قرارات رئيسها المعتبر الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة ،فتحقيق ضمانة مراقبة مشروعية وملائمة القرارات التأديبية بصفة جدية وناجعة يستلزم إحداث المحكمة الإدارية العليا لرفع استشعار الحرج عن قضاة النقض وحماية حقوق القضاة في نفس الوقت وبت الطمأنينة والأمان على مصائرهم .
-تدعيم المشروعية الدستورية في حماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية .
-ضمان الأمن القانوني والقضائي من خلال توحيد الاجتهاد القضائي الإداري استحضارا لدور القاضي الإداري في خلق وابتكار جل قواعد القانون العام.
- مواجهة تراكم القضايا الإدارية وتطور عددها المضطرد كما وكيفا.
- تمديد اختصاص المحكمة الإدارية العليا إلى مجال إصدار الفتاوى القانونية للإدارات العمومية.
-تنظيم مسطرة الطعن بالنقض الإداري بتخويل المحكمة الإدارية العليا صلاحية التصدي الوجوبي.
-إحداث مؤسسة المفوض الملكي وتدعيم دورها على صعيد المحكمة الإدارية العليا
-إحداث غرفة التنازع للبت في تنازع الاختصاص بجميع صوره بين جهتي القضاء العادي والإداري .
ومما لاشك فيه فإنه لا يعقل بعد أكثر19من سنة من عمل المحاكم الإدارية أن يتأخر إحداث المحكمة الإدارية العليا لأكثر من هذا الوقت ،مادام أن إحداثها له مرجعية سامية أكدها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح دورة المجلس الأعلى للقضاء يوم 15 دجنبر 1999 حيث قال حفظه الله "ورغبة منا في توسيع مجالات التطوير والتحديث قررنا الزيادة التدريجية في عدد المحاكم التجارية كما قررنا إحداث محاكم استئناف إدارية في أفق إنشاء مجلس للدولة يتوج الهرم القضائي والإداري لبلادنا حتى تتسنى مواجهة كل أشكال الشطط وحتى يتاح ضمان سيادة الشرعية ودعم الإنصاف بين المتقاضين".وهو خيار طالب به ودعمه أيضا كل الحقوقيين الغيوريين على حماية الشرعية وسيادة القانون والمساواة أمامه،والمتطلعين لتحقيق ازدواجية كاملة للنظام القانوني والقضائي تخلق منافسة شريفة وطيبة بين القضائين ،وتوطد أركان العدالة والدولة الديمقراطية ببلادنا،وتدعم تخصص القضاء واحترافية في أعلى هرمه ،وتكرس توحيد الاجتهاد القضائي وتحقيق الأمن القانوني والقضائي
وقد مكن الإصلاح الدستوري من خلق دينامية جديدة على مستوى القضاء الإداري، من خلال إرسائه لمبادئ الحكامة الجيدة، مما أصبح معه القضاء المذكور مدعوا إلى الانخراط في دعم وتكريس المبادئ المذكورة خلال بته في المنازعات المعروضة عليه، فضلا على أن المستجدات الدستورية فرضت على مؤسسة القضاء الإداري ضرورة مواكبة التطور الحقوقي في ضوء المقاربة الدولية للحقوق والحريات،كما استوجبت تطوير تنظيم القضاء الإداري،ذلك أن التنصيص الدستوري الصريح على دور القضاء في ضمان الأمن القضائي،يقتضي تقريب القضاء الإداري من المواطن "قرب الجودة والإنصات والشفافية "لا "قرب المسافة والطرق"، وذلك بإقرار حقيقي لازدواجية القضاء،مع إعادة النظر في الخريطة القضائية.
و بخصوص الخريطة القضائية،فإنه لا يمكن الحديث عن حماية القاضي الإداري لحقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، في ظل خريطة قضائية يشوبها عدم التوازن من حيث توزيع المحاكم الإدارية وكذا عددها،تماشيا مع التنظيم الجهوي المرتقب.
وعلى المستوى التشريعي، يتعين إفراد قانون إجرائي خاص بالقضاء الإداري يتلاءم مع خصوصية المادة الإدارية ، ويتدارك الإختلالات الإجرائية التي كشفت عنها الممارسة القضائية.
-الحفاظ على تخصص القضائين الإداري والتجاري ودعمهما بمحاكم جديدة تغطي سائر جهات المملكةوإن كنا نفضل أن يتم الإبقاء على التخصص باعتباره وسيلة وغاية للاحترافية والتمرس والكفاءة في جميع المجالات القانونية و القضائية ،لأن التعميم والوحدة يضر أكثر مما ينفع،ويؤثر على استقرار المنظومة القضائية ويخلق بلبلة في نفوس المتقاضين،مما يساهم في اهتزاز الأمن القانونية والقضائي.
-العدول عن فكرة الأقسام المتخصصة بالمحاكم العادية لأنها ستنسف جهود سنوات من التخصص والتكوين والعطاء والتميز ،وسيصبح التخصص شعار أكثر من ممارسة لأنه لا يعقل أن يوكل لقضاة عاديون ممارسة تخصصات عدة لا علاقة لها بالإطار العام للاختصاص،لاسيما وأنه لا توجد ضمانات على تكوينهم وإفرادهم بنظر هذه المنازعات ذات الطابع التخصصي دون غيرها ،ففكرة تقريب القضاء من المتقاضين لا تتعلق بنظرة تبسيطية لعنصر المسافة"القرب الجغرافي " وإنما المقصود منها مقاربة القرب التخصصي بنظرة"قرب الجودة ".
-إلغاء اختصاص المحكمة المرفوع إليها النزاع بالفصل بصفة نهائية في مسألة الاختصاص النوعي وتخويل المتضرر حق الطعن مباشرة أمام جهة النقض ،لأنه لا يعقل لا عقلا ولا منطقا إسناد مثل هذا الاختصاص المعتبر انتهائيا لمحاكم أول درجة وفي مسائل خطيرة متصلة باختصاص الجهات القضائية المتصلة بالنظام العام بالمفهوم المطلق.
-حصر النظر في مسائل الجنايات على محاكم الاستئناف وحدها دون المحاكم الابتدائية ،للخبرة والتجربة التي راكمتها هذه التجربة .
- إلغاء إمكانية إحداث غرف استئنافية تابعة لمحاكم الاستئناف في مقار المحاكم الابتدائية ،لتفادي أي لبس أو غموض في الاختصاص بالنسبة للمتقاضين،ناهيك عن المشاكل التنظيمية المتعلقة بتدبير مثل هذا النوع من القضايا الذي عرف فشلا ذريعا في التجارب العملية السابقة.
المحورالرابع:إ نماء القدرات المؤسسية لمنطومة العدالة
- تحديد التخصصات العلمية المطلوبة في المؤهل العلمي بما يتناسب مع التخصص القانوني والقضائي.
-الحفاظ على مدة التكوين بالمعد في سنتين لأنها مدة كافية لتلقي المعارف والتجارب القضائية.
-إلغاء صفة"قاضي نائب"على المتخرج من المعهد لأن هذه الصفة قد تمس باستقلاليته وحياده، وبمبدأ المسؤولية .