يبدو لأول وهلة أن بلاغ وزارة العدل حول تقرير المجلس الأعلى للحسابات 2012 قد جاء بردا وسلاما على كل من ينتظر على أحرمن الجمر تفعيل مبد إ ربط المسؤولية العامة بالمحاسبة والمساءلة ، فيما يتعلق بالمواجهة الزجرية لظاهرة الفساد الإداري والمالي ، وتكريسا علنيا مشهودا لدور القضاء ( وزير العدل بالتحديد) في تحريك ملفات تدخل تحت عنوان محاربة الفساد العوان الأثير في برنامج حكومة الأستاذ بنكيران؛ هذا هو الظاهر والمطلوب ، فمن يجرؤ على قول العكس ؟
لكن عند التمعن في ثنايا البلاغ وقراءة منطوقه ومدلوله قراءة نقدية عميقة فإن المسألة تحتاج للتأمل وتقليب صفحات الموضوع عدة مرات من أجل استخلاص ما يمكن استخلاصه من دروس وعبر
لتصحيح ما ينبغي تصحيحه قبل استفحال الأمر وصيرورته شيئا روتينيا ، مستساغا بفعل العادة والتكرار.
فعندما يقول البلاغ ما مفاده أن الأفعال التي يبدو أنها تكتسي طابعا جنائيا في التقرير السنوي 2012 قوامها 21 ملفا يهم 5 مؤسسات عمومية و16 جماعة محلية وترابية ، قد وقف عليها وزير العدل من خلال دراسته لتقرير المجلس دراسة تلقائية استنادا للفصل 51 من قانون المسطرة الجنائية، بينما الأفعال التي يبدو أنها تكتسي طابعا جنائيا و وقف عليها المجلس الأعلى للحسابات
(الوكيل العام للملك لديه) في نفس التقرير السنوي استنادا للمادة 111 من مدونة المحاكم المالية، قوامها ملفان اثنان فقط ؟؟
فهذاالبلاغ يبعث على طرح تساؤلات ملحة و مشروعة يمكن تلخيصها في التالي
1- العدد المعلن عنه (2) في الفقرة الثانية من البلاغ من الحالات التي أحالها الوكيل العام للملك لدى لمجلس الأعلى للحسابات على السيد وزير العدل ، يمثل تأكيدا لما سبق أن أعلن عنه ديوان السيد الوزير على الصحافة بعيد نشر التقرير السنوي للمجلس في ربيع 2014 عندما جاء مخالفا للعدد الذي سبق أن أعلن عنه المجلس الأعلى للحسابات (6). إذن الاختلاف في الرواية الرقمية مستمر بين الوزارة (2) والمجلس(6)...
هذا الاختلاف تحدثت عنه الصحافة في حينه ، وأشار إليه علنا مقدم البرنامج الإذاعي "نخب صاعدة" الأستاذ علي خلا الذي استضافني للتعليق على التقرير السنوي 2012 في ربيع السنة الجارية ؟؟
هل النيابة العامة لدى المجلس الأعلى للحسابات لها عقيدة خاصة بها في التكييف الجنائي التمهيدي، تختلف عن تلك التي تعتنقها لجنة وزير العدل المختصة؟؟
2- هل يستقيم أن يكون تقرير سنوي حول أنشطة المجلس الأعلى للحسابات ، سندا لتحريك الدعوى الجنائية المالية ، في الوقت الذي يفترض طبقا لنص وفلسفة مدونة المحاكم المالية وكذا أفضل الممارسات الدولية في مجال الرقابة العليا على المال العام، أن تكون الوقائع المنشئة للمسؤولية الجنائية المحتملة محجوبة من النشر العلني في التقرير ؟ وتسلك مسالك أخرى ، غير إشهارية.
3- هل البيان يعبر،فقط وفقط ، عن خلفية قضائية موضوعية محضة، ويأتي استجابة لانتظارات الرأي العام ، وقواه الحية في معرفة المآل القضائي للتقرير السنوي، أم أنه بيان استعراضي يخدم خلفية سياسية معينة استجابة لغرض سياسي معين؟ مما يطرح زاوية للنقاش حول تبعية النيابة العامة للسلطة التنفيذية واعتباراتها التكتيكية ؟ ويفتح باب إشكالية استقلال النيابة العامة؟؟
4- هل هناك تكامل وانسجام بين السياسة الرقابية العليا والسياسة الجنائية العليا أم أن كل طرف "يغني على ليلاه"؟ ومازال الطريق طويلا لتنزيل مبدإ الالتقائية الأثير في الخطاب الحكومي حول منهجية الحكامة؟؟ ولاسيما بين الحكومة ومؤسسات الحكامة الدستورية المستقلة ؟؟
2- هل يستقيم أن يكون تقرير سنوي حول أنشطة المجلس الأعلى للحسابات ، سندا لتحريك الدعوى الجنائية المالية ، في الوقت الذي يفترض طبقا لنص وفلسفة مدونة المحاكم المالية وكذا أفضل الممارسات الدولية في مجال الرقابة العليا على المال العام، أن تكون الوقائع المنشئة للمسؤولية الجنائية المحتملة محجوبة من النشر العلني في التقرير ؟ وتسلك مسالك أخرى ، غير إشهارية.
3- هل البيان يعبر،فقط وفقط ، عن خلفية قضائية موضوعية محضة، ويأتي استجابة لانتظارات الرأي العام ، وقواه الحية في معرفة المآل القضائي للتقرير السنوي، أم أنه بيان استعراضي يخدم خلفية سياسية معينة استجابة لغرض سياسي معين؟ مما يطرح زاوية للنقاش حول تبعية النيابة العامة للسلطة التنفيذية واعتباراتها التكتيكية ؟ ويفتح باب إشكالية استقلال النيابة العامة؟؟
4- هل هناك تكامل وانسجام بين السياسة الرقابية العليا والسياسة الجنائية العليا أم أن كل طرف "يغني على ليلاه"؟ ومازال الطريق طويلا لتنزيل مبدإ الالتقائية الأثير في الخطاب الحكومي حول منهجية الحكامة؟؟ ولاسيما بين الحكومة ومؤسسات الحكامة الدستورية المستقلة ؟؟
5- أليس من شأن الوقع الصاعق لنشر البيان بالصيغة التي جاء فيها أن يخلق ( فتح أبحاث قضائية حول مخالفات جنائية في مواجهة 5 مؤسسات عمومية و16 جماعة محلية وترابية ) حالة من الهلع والإرهاب ، ويكرس ظاهرة تجريم المجتمع الإداري جملة وتفصيلا ؟ وهي الظاهرة التي ما فتئ الاستاذ بنكيران يتجنب الوقوع فيها استنادا لتصريحه الشهير حول " العفو عما سلف"؟؟
6- ألا يتحول المجلس الاعلى للحسابات والحالة هذه استخداما مؤسساتيا مزدوجا مع الهيئة المنتظرة للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها المختصة في مكافحة الفساد التي هي الآن - ما زالت – عالقة في مسالك إعداد النصوص القانونية ؟؟
الرباط في 17 شتمبر أيلول 2014