قضت المحكمة الإدارية بالرباط في حكم لها أنه لا يمكن تقديم دعوى الإلغاء للتجاوز في استعمال السلطة في مواجهة جماعة إلا بعد سلوك المسطرتين موضوع المادة 48 من القانون 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي، و المادة 38 من القانون 45.05 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية و مجموعاتها[1]. و للتعليق على هذا الحكم لابد من تبيان وقائعه و حيثياته و منطوقه:
أولا: وقائع الحكم.
بناءا على المقال الإفتتاحي للدعوى المقدم من طرف المدعي بواسطة نائبه لدى كتابة ضبط المحكمة الإدارية بتاريخ 2012/9/25 المعفى من أداء الرسوم القضائية، و الذي يلتمس فيه المدعي من المحكمة الحكم على قائد المناصرة بإقليم القنيطرة بتمكينه من شهادة إدارية للإدلاء بها في ملف طلب الترخيص بالبناء أرض ذات رسم عقاري، و الحكم تبعا لذلك بإلغاء قرار الرفض الصادر عن السيد رئيس المجلس الجماعي المناصرة و تمكينه من رخصة البناء.
ثانيا: حيثيات الحكم.
يهدف الطلب الذي تم تقديمه للمحكمة الحكم على قائد قيادة المناصرة بتمكين المدعي من شهادة إدارية للإدلاء بها في ملف طلب الترخيص بالبناء على الأرض ذات الرسم العقاري المحدد، و الحكم تبعا لذلك بإلغاء القرار القاضي بالرفض الصادر عن رئيس المجلس الجماعي بمقتضى الكتاب رقم 695 ج م المؤرخ في 24 يونيو 2012 و تمكينه من رخصة البناء، و حيث تخلفت الجهة المدعى عليها عن الجواب رغم التوصل، و لكن الثابت من وثائق الملف عدم انضباط الطاعن لمقتضيات الفقرة 3 من المادة 48 من القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي و المتعلقة بمسطرة الوصول، و ضرورة إدخال المساعد القضائي للجماعات المحلية في الدعوى طبقا للمادة 38 من القانون 45.08 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية و مجموعاتها. و حيث لما كانت الدعوى تستهدف قرار صادر عن الجهاز التنفيذي للمجلس الجماعي و أن المدعي لم يدل بأي بيان دال على سلوكه المسطرة المشار إليها أعلاه، و التي تعد آلية إجرائية و آمرة وفقا للاجتهاد القضائي المستقر عليه لدى الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، فإن الطلب يبقى حليفه الرفض.
ثالثا: منطوق الحكم.
تطبيقا لمقتضيات الفصول 110 و 117 و 118 من الدستور المغربي، و مقتضيات القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية و مقتضيات قانون المسطرة المدنية، و المادة 48 من الميثاق الجماعي و المادة 38 من القانون 45.08 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات الترابية و مجموعاتها، حكمت المحكمة علنيا و ابتدائيا و حضوريا بعدم قبول الطلب.
التعليق على الحكم:
يندرج هذا الحكم في مجال الأحكام القضائية التي تهم دعاوي الإلغاء للتجاوز في استعمال السلطة، و التي تختص بها المحاكم الإدارية بالمغرب طبقا لمقتضيات المادة 8 من القانون 41.90 المتعلق بإحداث المحاكم الإدارية. وقد تم تكريس دعوى الإلغاء في المجال القضائي بالمغرب بعد إحداث المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا ) بموجب ظهير 27 شتنبر 1957 وقد تم اعتمادها أيضا في الإصلاح القضائي لسنة 1974 الذي عمل على تقريب مرفق القضاء من المتقاضين، و تسهيل مسطرة التقاضي في مجال دعوى الإلغاء. و في هذا السياق تم إحداث المحاكم الإدارية و التي شرعت في العمل بتاريخ 4 مارس 1994 حيث أصبحت تبث في كل من دعوى القضاء الشامل و دعوى الإلغاء بمقتضى القانون 41.90 المتعلق بإحداث محاكم إدارية، و ارتباطا بموضوع الحكم محل الدراسة و من أجل إنجاز تعليق موجز و محيط بكل جوانب النزاع ارتأينا تحليل النقط التالية:
أولا: التقاضي حق مكفول دستوريا للأفراد و الجماعات.
من بين المستجدات التي جاء بها دستور 2011، الإرتقاء بالقضاء إلى مصاف السلطة و العمل على تكريس كل الضمانات الأساسية لاستقلاليتها، و يعتبر حق التقاضي حاضرا داخل النص الدستوري الجديد نظرا لكون شخص المتقاضي يعتبر عنصرا جوهريا و حاسما في معادلة الإسهام في بناء قضاء قوي في دولة الحق و القانون. و هكذا فإن من حق المتقاضي و طبقا لفصول الدستور المشار إليها في منطوق الحكم موضوع الدراسة أن يتكفل القضاء بتزويد حقوقه و حرياته بما يلزم من حماية قضائية سندها القانون، و حقه في التقاضي إي حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية دون عوائق و تمكينه من الشروط المتطلبة و التقيد بالقواعد القانونية في رفع الدعاوى و التقدم بالدفوع التي يتعين على المحاكم إصدار أحكام بشأنها، و أن يمارس الطعون أمامها و أمام الهيئات المختصة لاسيما و أنها تعد إحدى الضمانات الأساسية من أجل تكريس عدالة جيدة و فعالة.
ثانيا: مسطرة المادة 48 من الميثاق الجماعي.
أشارت المادة 48 من الميثاق الجماعي، المعدلة بمقتضى القانون 17.08 الصادر بتنفيده الظهير رقم 1.08.153 في فبراير 2009 إلى أن الرئيس هو الذي يمثل الجماعة لدى المحاكم ماعدا إذا كانت القضية تهمه بصفة شخصية، أو بصفته وكيلا عن غيره أو شريكا أو مساهما أو تهم زوجته أصوله أو فروعه المباشرين.
و ارتباطا بمنطوق الحكم الذي تأسس على عدم احترام الطاعن لمقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 48 من الميثاق الجماعي، فقد نصت هذه الأخيرة على ضرورة رفع مذكرة إلى سلطات الوصاية تتضمن شرح مفصل لموضوع و أسباب الشكاية، في انتظار أن تسلم سلطات الوصاية وصلا للمدعي من أجل تبرئته من التظلم لسلوك مسطرة التقاضي الخاصة. وهذا ما لم يحترمه الطاعن في إطار الحكم المدروس مما دفع بالمحكمة إلى رفض الطلب،و قد حرص المشرع على تمكين سلطات الوصاية من الوقت الكافي من أجل البحث و التحري في جوانب و حيثيات الشكاية المرفوعة إليه، لأجل تمكينها من إيجاد الحلول المناسبة للشكايات المعروضة. حيث يتحرر الطاعن من قيد المذكرة بعد 15 الموالية للتوصل بالمذكرة يوما إذا لم يسلم له الوصل، و بعد مرور أجل شهر الموالي لتاريخ الوصل إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بالتراضي بين الطرفين.
ثالثا: ضرورة إدخال المساعد القضائي للجماعات الترابية في الدعوى:
أحدث المشرع المغربي مساعد قضائي للجماعات الترابية بموجب المادة 38 من القانون رقم 45.08 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات الترابية و مجموعاتها، كمؤسسة جديدة من أجل التدخل للحد من إشكالية تفاقم منازعات الجماعات الترابية التي تأثر سلبا على ميزانيات هذه الجماعات، و قد تم إسناد مهمة المساعد القضائي إلى مدير الشؤون القانونية و الدراسات و التوثيق و التعاون بالمديرية العامة للجماعات المحلية. حيث نصت المادة الأولى من قرار صدر عن وزير الداخلية رقم 03 بتاريخ 13 مارس 2009 على أنه " تسند مهمة المساعد القضائي للجماعات المحلية المشار إليه في المادة 38 من القانون 45.08 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية و مجموعاتها إلى مدير الشؤون القانونية و الدراسات و التوثيق و التعاون بمديرية الجماعات المحلية ".
و تماشيا مع منطوق الحكم محل الدراسة فالمدعي لم يسلك المسطرة المنصوص عليها في المادة 38، و لم يعمل على إدخال مؤسسة المساعد القضائي للجماعات الترابية ضمن مجريات الدعوى. وقد نصت الفقرة الثانية من ذات المادة على ضرورة إدخال المساعد القضائي في الدعوى، تحت طائلة عدم القبول كلما أقيمت دعوى قضائية بغرض التصريح باستحقاق ديون على جماعة محلية أو مجموعة، و على هذا الأساس بنت المحكمة الإدارية حكمها و رفضت طلب الطاعن.
الهوامش
[1] - الحكم منشور بموقع العلوم القانونية.