نظم المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية بشراكة مع مؤسسة هانس سايدل ونادي قضاة المغرب يوم السبت 09 ماي 2015 بفندق كولدن توليب فرح ندوة وطنية حول موضوع: المداخل التشريعية لاستقلال السلطة القضائية.
استهلت أشغال الندوة بكلمات افتتاحية للمنظمين حيث أكد ممثل المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية على أهمية تنظيم هذا اللقاء تزامنا مع عرض ومناقشة مشاريع قوانين السلطة القضائية أمام البرلمان، وركز ممثل مؤسسة هانس سايدل على حيوية النقاش المجتمعي الواسع الذي يعرفه المغرب بمناسبة تنزيل الدستور الجديد خاصة في الشق المتعلق بقوانين السلطة القضائية، بينما أشار الكاتب العام لوزارة العدل والحريات إلى الجهود التي بذلتها الوزارة لتنفيذ برنامج اصلاح منظومة العدالة من خلال الحوار الوطني غير المسبوق الذي نظمته وانفتاحها على جميع الفاعلين لأخذ وجهات نظرهم وتصوراتهم بخصوص مشاريع القوانين الجديدة، مشيرا إلى الاجراءات المبذولة لمواجهة مشكل الخصاص الذي تعرفه الموارد البشرية العاملة في الجهاز القضائي، والذي تم حله من خلال توظيف عدد كبير من الملحقين القضائيين والموظفين، معترفا بأن ذلك لم يسهم في تجاوز مشكل البطء في الأحكام.
واعتبر رئيس نادي قضاة المغرب أن أهمية استقلال السلطة القضائية لها بعدان، الأول شخصي والثاني مؤسساتي، وأن "الاستقلال الشخصي والفردي ليس جديدا لأنه كان دائما مكرسا في القانون بغض النظر عن بعض الممارسات"، مبرزا أن الدستور نص صراحة على الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية المحدد في المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلا أن الاشكال يكمن في المشاريع التي قدمتها الحكومة والتي لا تضمن تفعيل المقتضيات الدستورية على أرض الواقع.
كلمة محكمة النقض قدمتها القاضية لطيفة توفيق، التي أوصت بمراجعة المقتضيات التي تكرس تبعية السلطة القضائية، وضمان استقلالها المالي والإداري، وتقوية آليات التفتيش التابعة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتحديد الأدوار الموكولة بوضوح للمؤسسات المستحدثة بمقتضى مشاريع القوانين للجديدة على رأسها آلية التنسيق بين السلطة الحكومية المكلفة بالعدل ومؤسسة المسير الإداري.
الجلسة الأولى : مقومات استقلال السلطة القضائية
انطلقت أشغال الجلسة الأولى التي ترأسها الدكتور محمد العلمي المشيشي وزير عدل سابق وأستاذ جامعي، بمداخلة الدكتور عبد القادر الكيحل، نائب برلماني، التي تمحورت حول "مقومات استقلال السلطة القضائية من خلال مشاريع المنظومة الجنائية"، تطرق خلالها للحساسيات التي يثيرها موضوع استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل والحريات، مشيرا إلى المفارقة التي تطرحها علاقة الشرطة القضائية بالنيابة العامة، حيث يطرح مشكل ازدواجية خضوعها للإشراف من قبل جهتين، قضائية وأخرى تابعة للسلطة التنفيذية، وهي وزارة الداخلية.
وانتقدت نزهة مسافر، نائبة رئيس نادي قضاة المغرب، مشروع المجلس الأعلى للسلطة القضائية المعروض على مجلس النواب من أجل النقاش، مشددة على أنه لم يرتق إلى ما تضمنه الدستور، حيث حولت هذه المسودة "المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إلى ما يشبه لجنة لتدبير الترقيات والانتقالات والتعيينات في المسؤوليات، فيما كان ومازال طموح القضاة يتجلى في إرساء سلطة قضائية مستقلة بكافة الإمكانيات والآليات، على غرار السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وتدخل ندير المومني، أستاذ جامعي وممثل عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بقراءة تطرق فيها إلى مضامين القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والقانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، حيث وقف على بعض الثغرات التي تعتري مواد القانونين، مؤكدا أن المجلس أصدر مذكرتين أساسيتين ومذكرتين تكميليتين في هذا الموضوع، سجل من خلالها ارتياحه للتطور في صياغة هذه المسودات، حيث تمثلان إلى حد ما أهم تصورات المجلس بخصوص حقوق الإنسان.وذكر المومني بمجموعة من مواد المشروعين، موضحا من خلالها أن المجلس سجل ثغرات وإيجابيات حددها في حالة التنافي وتمثيلية الجمعيات المهنية في المجلس الأعلى للسلطة القضائية والعملية الانتخابية مع ضرورة تدقيق هذه الآلية خاصة تمثيلية النساء بما يتناسب مع تمثيليتهن في الجسم القضائي، فضلا عن الحكامة والإدارة القضائية والتقييم الذاتي للقضاة وترقيتهم.
كما قدم النقيب محمد أقديم، رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، عرضا حول "ضمانات المحاكمة التأديبية للقضاة" من خلال مشروع قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية، حيث اعترف بأن المقتضيات التي جاء بها المشروع ما تزال بعيدة عن شروط المحاكمة العادلة.
الجلسة الثانية : مشروع التنظيم القضائي للمملكة..
تواصلت أشغال هذه الندوة، بجلسة ثانية ترأستها الأستاذة جميلة السيوري رئيسة جمعية عدالة ومنسقة النسيج المدني للدفاع عن استقلال السلطة القضائية، حيث قدم الأستاذ ياسين العمراني عضو المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية عرضا حول بعض مضامين مسودة مشروع التنظيم القضائي، حيث أكد فيه أن المرصد سجل مجموعة من الإيجابيات والسلبيات في مسودة قانون التنظيم القضائي، متحدثا في هذا الصدد عن ثلاث نقاط تتجلى في مؤشرات انتهاك استقلال السلطة القضائية والآليات والعيوب التشريعية الواردة في هذه المسودة. وأوضح أن مسودة مشروع التنظيم القضائي للمملكة تبين أن هناك إشرافا كاملا لوزارة العدل على المحاكم على الصعيد المادي والإداري، وهو ما اعتبره مسا واضحا باستقلال السلطة القضائية، عكس ما تحدثت عنه توصيات ميثاق إصلاح العدالة، بضرورة استقلال كامل لتسيير المحاكم عن السلطة الإدارية والتنفيذية، والقطع مع سياسة ازدواجية المرافق، موضحا أن هذه التراجعات لابد من إعادة النظر فيها. وأضاف بأن المرصد سجل مساس هذه المسودة ببعض الضمانات الخاصة بالقضاة من قبيل تقزيم دور الجمعيات العمومية، مطالبا بتوسيع مهامها ودورها، مشيرا إلى وجود نواقص تشريعية في هذه المسودة، تضمنت الحديث عن مجموعة من المؤسسات دون تنظيم، والمس بسمو القاعدة الدستورية في مجموعة من النصوص، واقحام نصوص قانونية لا علاقة لها بمسودة التنظيم القضائي، فضلا عن أن المسودة شكلت تراجعا كبيرا بتخليها عن القضاء المتخصص كآلية مهمة لاستقطاب المستثمر.
وقدم النائب البرلماني الدكتور محمد حنين رئيس سابق للجنة التشريع بمجلس النواب عرضا بعنوان: تأملات في استقلال السلطة القضائية على ضوء مشاريع القوانين التنظيمية، أكد من خلاله أن لجنة العدل والتشريع أنهت مناقشة المشروعين حول المجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، قائلا "إننا اليوم أمام إحداث سلطة قضائية جديدة وتأسيسها بمنطوق الدستور، وأمام آليات لاستقرار هذه السلطة، المرتكزة لأول مرة على آليات جديدة لكنها تطرح تحفظات تتعلق بالتدبير المشترك للمحاكم دون تحديد آليات هذا التنسيق أو العمل المشترك أو آليات النزاع، وأيضا، التنسيق في الوسائل المالية والبشرية".
وقدم الدكتور محمد الخضراوي رئيس المرصد القضائي المغربي للحقوق والحريات عرضا حول الاستقلال الفردي والمؤسساتي للقضاء، أكد فيه أن المغرب قطع أشواطا كبيرة من الإصلاحات المهمة بفضل حكمة وتبصر الملك محمد السادس، وأن التراكمات الحقوقية عبر التاريخ تتطلع إلى تكريس سلطة قضائية مستقلة حقيقية لها من الآليات القانونية واللوجيستيكية لتكون في مستوى التحديات المستقبلية، سلطة بمفهوم مغاير عن باقي السلط، دورها حماية الحقوق والحريات، واستعادة ثقة المتقاضين، وبعث رسائل الطمأنينة والأمن ورد للمظالم واستيفاء للحقوق. وأضاف أن مشاريع النصوص المعروضة الآن، رغم بعض إيجابياتها التقنية الجزئية، فإنها لم تستطع الإجابة عن عدة إشكالات، وتركت عدة مناطق غامضة في العلاقة بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية، وكرست هيمنة الأخيرة على القضاة والقضاء، متسائلا "أي استقلال نتحدث عنه اليوم لسلطة لا تملك حتى القدرة على اقتناء قلم الحبر الذي ستحرر به الحكم القضائي، سلطة لا سلطة لها على كتابة الضبط، التي تعد المحرك الأساسي للعمل القضائي، ولا تملك أي استقلال مالي لتنفيذ برامجها أو إنتاج عدالة بالمواصفات الدستورية، مؤكدا أن السلطة التي لا تستطيع حتى تنفيذ قراراتها التي توكل لوزارة العدل للقيام بها، لا يمكن وصفها بأنها سلطة، كما وقف على عدة مقتضيات ومواد تتضمن ثغرات وإخلالات تمس بحقوق القضاة وضمانات مسارهم المهني.
ودعا الخضراوي في ختام مداخلته كل المهنيين إلى ضرورة استمرار النضال وإسماع صوتهم لدى ممثلي الأمة، الذين يقفون أمام اختبار كبير لإخراج نص سيرهن مستقبل العدالة ببلادنا لسنوات طويلة، مشددا على أن كل النصوص والاتفاقيات الدولية والإقليمية تربط بين ضمان حقوق الأفراد والجماعات وبين وجود سلطة قضائية مستقلة بالفعل لا مجرد هيئة لا تملك حتى ضمان حقوقها، موضحا أن من يروج لفكرة تغول القضاء والتخويف من سلطة القضاء يتذرع بأفكار واهية للتستر على الفساد، وأنه لا خيار إلا بوضع المؤسسات في نطاقها الطبيعي في ظل دستور حقوقي يركز على خيار المسؤولية والمحاسبة كآلية ضرورية في دولة الحق والمؤسسات، مشيرا إلى أن ودادية القضاة ستبقى يقظة لكل محاولات الالتفاف على مكتسبات الوطن طيلة هذه السنوات.
وتواصلت الأشغال بكلمة الكاتب العام للمركز المغربي للمعالجة التشريعية والحكامة القضائية عدنان المتفوق حول استقلال السلطة القضائية تثبيت المبدأ دستوريا وافراغه تشريعيا حيث عرج فيها على مجموعة من السلبيات التي اعترت مشاريع القوانين الجديدة المعروضة على البرلمان والتي تشكل تراجعات خطيرة عن المكتسبات الدستورية، متسائلا عن أسباب ذلك.
واعتبر ذ.عدنان المتفوق أن اعادة طرح موضوع استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل من جديد يعتبر محاولة للهروب من النقاش الحقيقي واعادة لعقارب الساعة إلى الوراء مؤكدا على ضرورة تعميق النقاش حول سبل تكريس استقلال قاضي النيابة العامة في مواجهة المسؤول القضائي لأنه يبقى قاضيا قبل أي شيء.
ودعا عدنان المتفوق إلى ضرورة تعيين شخصية تنتمي إلى الجمعيات المهنية القضائية من بين الشخصيات التي يضمها المجلس الأعلى للسلطة القضائية، واعادة النظر في طريقة التعيين في مناصب المسؤولية القضائية.
وأكدت التوصيات التي رفعها المشاركون على ضرورة القطع مع السياسات السابقة التي تم اعتمادها في تدبير ملف اصلاح القضاء والتي ثبت فشلها، والقيام بإصلاح جريء يستجيب لتطلعات الشعب المغربي في عدالة قوية ومستقلة.
الندوة عرفت تكريم عدة فعاليات حيث تم تسليم جائزة المرأة القاضية وتكريم رئيس نادي قضاة المغرب وشخصيات حقوقية أخرى عرفانا بأدوارهم في الدفاع عن استقلال القضاء.