تعرف جريمة التقليد بأنها الإعتداء الذي يرتكبه شخص ما على حق من حقوق الملكة الأدبية أو الفنية، وذهب بعض من الفقه المغربي إلى تعريفها بكونها تتمثل في الإعتداء الكل أو الجزئي على حقوق المؤلف الأدبية منها أو المالية وذلك بالنشر أو الإذاعة أو بأية وسيلة من وسائل النشر أو التليغ مخالفا بذلك الأنظمة والقوانين المتعلقة بهذه الحقوق[1].
وقد جاء تنصيص المشرع على جريمة التقليد بالنظر لجسامة الفعل الذي يشكله الإعتداء على حقوق الملكية الأدبية والفنية وبالنظر لقصور الجزاءات المدنية عن تحقيق الردع في حق المعتدين على تلك الحقوق، على اعتبار ان المكاسب المادية التي يجنونها من أفعالهم تفوق بكثير وأحيانا أضعاف مضاعفة قيمة الجزاءات المدنية التي تلحق بهم مما يجعلهم لا يتورعون عن التمادي في اقتراف فعل الإعتداء والتطاول على حقوق المؤلفين وإبداعاتهم.
فماهي الطريقة التشريعية التي سلكها المشرع المغربي في تناول جريمة التقليد؟ (أولا) وما هو القانون الواجب التطبيق –حاليا- على جريمة التقليد؟ (ثانيا)
أولاً: التنظيم التشريع لجريمة التقليد:
لم يكن ظهير 29 يوليوز 1970 يتضمن ضمن طياته أي مقتضيات خاصة تتعلق بتنظيم جريمة التقليد الأمر الذي كان ينتج عنه الاعتماد على النصوص الواردة بمجموعة القانون الجنائي المطبقة منذ 17 يونيو 1963 بمقتضى ظهير رقم 413/59/1 بتاريخ 16 نونبر 1962، ويتعلق الأمر بالفصول من 575 على 579 الواردة تحت عنوان في بعض الاعتداءات على الملكية الأدبية والفنية، والتي أوردت صراحة ضمن عباراتها (عبارة جريمة التقليد) وأوردت الحالات التي تحقق فيها هذه الجريمة والعقوبات المقررة لها.
نفس المقتضى يستمر مع قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة 2.00 الصادر بتاريخ 15 فبراير 2000 الذي لم يتضمن في طياته أية مقتضيات زجرية تخص جريمة التقليد واكتفى بالتنظيم التشريع الذي أورده المشرع لتلك الجريمة في مجموعة القانون الجنائي، وذلك عبر إحالة صريحة في المادة 64 الواردة تحت عنوان (العقوبات الجنائية) عندما نص بالحرف (كل خرق لحق محمي بموجب هذا القانون يتم اقترافه عن قصد أو نتيجة إهمال بهدف الربح يعرض صاحبه للعقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي).
إلا أنه مع صدور القانون 05-34 المغير والمتمم للقانون 00-2 فقد تضمن هذا الأخير مقتضيات زجرية تحت عنوان العقوبات الجنائية في أربع مواد، وهي المادة 64 و64-1 و64-2 والمادة 64 مكرر ثلاث مرات.
ثانياً: القانون الواجب التطبيق:
إذا كان من الطبيعي أن قانون 00-2 لم يشر إلى نسخ أحكام الفصول 575 على 579 من القانون الجنائي المتعلقة بجريمة التقليد وعقوبتها بل إنه تضمن الإحالة الصريحة عليها بمقتضى المادة 64 منه، فإن القانون رقم 05-34 تضمن تغييراً لأحكام المادة 64 بأن أدرجها تحت عنوان العقوبات الجنائية وحذف الإحالة إلى مقتضيات المواد 575 إلى 579 من المجموعة الجنائية المتعلقة بالإعتداء على الملكية الأدبية والفنية، وأضاف لها المواد 64-1 و64-2 والمادة 64-3.
وبالرجوع إلى مواد القانون رقم 05-34 يتبين بأنها جاءت بمنظومة زجرية متكاملة فيما يخص جريمة التقليد كما تضمنت التنصيص على الحالات التي تتحقق فيها جريمة التقليد كما تضمنت الإشارة إلى العقوبات المطبقة على مرتكبيها وهي الحبس من شهرين إلى ستة أشهر وغرامة تتراوح ما بين 10.000 و100.000 درهم إو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
أما فصول القانون الجنائي فلا تتضمن التنصيص على الحبس كعقوبة كما أن الغرامة تتراوح ما بين 120 و 1.000 درهم، كما أن قانون 05-34 تضمن العقاب على حالتين الإعتياد والعود حيث تكون العقوبة مشددة وذلك على غرار فصول القانون الجنائي التي تضمن هو الآخر تنظيم حالتي الإعتياد والعود من جهته تضمن القانون 05-34 تنظيم التدابير الوقائية والعقوبات الإضافية.
فهل يمكن الحديث عن وجود قانونين زجرين في مجال جريمة التقليد؟
الواقع أن المشرع المغربي لم يشر صراحة إلى إلغاء المقتضيات الزجرية الواردة في القانون الجنائي وهو الأمر الذي يجعلنا نسترشد بمجموعة من المبادئ:
- النص الجنائي هو نص عام في حين أن النص الوارد في قانون 05-34 هو نص خاص والخاص يقدم على العام.
- النص الجنائي هو نص سابق على النص الوارد بقانون 05-34 والمعلوم أن الاحق يلغي السابق.
- من المعلوم أن إلغاء تشريع ما إما أن يكون بصفة صريحة أو بصفة ضمنية، والإلغاء الضمني هو الذي لا ينص عليه صراحة وإنما يستخلص من تعارض قاعدة جديدة مع قاعدة قديمة، أو من تنظيم المشرع لموضوع سبق أن نظمه من قبل ومن إحدى صوره أن يصدر تشريع جديد ينظم تنظيما كاملا وضعا من الأوضاع سبق أن نظمه التشريع القديم ففي هذه الحالة يعتبر التشريع القديم ملغى جملة وتفصيلاً حتى ولو انتفى التعارض بين بعض نصوص هذا التشريع ونصوص التشريع الذي تلاه ويعتبر التشريع القديم منسوخا حتى ولو لم ينص التشريع الجديد على هذا الإلغاء لأن معنى قيام المشرع بتنظيم الموضوع من جديد هو عدوله عن التنظيم القديم، وإن كان الغالب هو أن النص في التشريع الجديد على إلغاء التشريع القديم[2].
وبما أن المشرع المغربي قد نظم بمقتضى قانون 05-34 كل ما يتعلق بجريمة التقليد من حيث حالات قيامها والعقوبات المقررة لها والتدابير والوقائية والعقوبات الإضافية المرتبطة بها وحالات الإعتياد والعود المرتبطة بها.
فيمكن القول أن المشرع المغربي سلك مسلك الإلغاء الضمني لنصوص القانون الجنائي المتعلقة بجريمة التقليد.
وبالتالي فلا مجال للقول بوجود تنازع للقوانين في هذا الشأن بحيث تكون مقتضيات القانون 05-34 هي وحدها الواجبة التطبيق.
الهوامش
[1] امحمد الأزهر، "حقوق المؤلف في القانون المغربي دراسة مقارنة "، دار النشر المغربية، سنة 1994، ص 308.
[2] الطيب الفصايلي، الوجيز في مدخل لدراسة القانون، الجزء الثاني، الطبعة الثانية، ص 151.