تمهيد:
يقتضي رفع الدعوى بصورة عامة امام القضاء، تقديم مقال وفق الشكليات المتطلبة قانونا، وأداء الرسم القضائي عليه-ما لم يكن معفى من ذلك-ووجود طرفين هما المدعي والمدعى عليه (تحديدأطرافالخصومة)، وتوفر شروط التقاضي فيهما معا، وتعيين المطالب المراد الحكم وفقها....
غير ان الدعوى، لا تتجمد من حيث أطرافها على الصورة التي قدمت وفقها، بل انها تتطور اثناء سريانها امام المحكمة، فيخرج منها خصوم، ويدخل خصوم اخرون، ولعل هذا الامر يعد من حسنات التقاضي امام المحاكم، تماشيا أو أخدا بعين الاعتبار ركن الصفة في التقاضي، فلا يمكن الحكم وفق طلبات المدعي وهو غير ذي صفة في التقاضي، كما انه من غير العدل والانصاف الحكم على مدعى عليه لا يتوفر على الصفة، وهو ما يعبر عنه بتوجيه الدعوى ضد غير ذي صفة.
وبالإضافة لذلك، ، فانه ومن جانب اخر، لا يمكن حرمان أي شخص من التدخل للدفاع عن حقوق له، في نزاع معروض امام القضاء لم يكن طرفا فيه.
ولعل من حسنات هذا التدخل، تجنب إقامة أكثر من دعوى في موضوع واحد، بشكل يكفل تقليص عدد الدعاوى الكثيرة التي تثقل كاهل المحاكم، زيادة على توفير الوقت ودراسة الدعاوى والحسم فيها ضمن وقت محدد وسقف زمني معين، وصدور حكم ملزم للمدعي والمدعى عليه والمتدخل في الدعوى في ان واحد.
وبالتالي، وانطلاقا مما سبق سياقه، فان التدخل الارادي في الدعوى، هو طلب شخص من الغير ان يصبح طرفا في دعوى قائمة، يقدم عن طريق دعوى مستوفية لشروطها القانونية من ذي صفة ومصلحة، ويلتمس من خلالها طلبات محددة...
والتدخل اما ان يكون تدخلا انضماميا، أي لمؤازرة أحد أطراف الدعوى فقط ومساندته للحصول على حقه امام القضاء، او تدخلا اختصاميا، وهو الحالة التي يطلب فيها المتدخل حقا لنفسه بطلب مرتبط بالدعوى.
وفي هذا الإطار، فقد أجاز القانون السوري التدخل، " لمن يطلب الانضمام الى أحد الخصوم، او لمن يحق له سلوك تعرض الغير الخارج عن الخصومة"، واجاز القانون المصري التدخل الانضمامي على اعتبار ان المتدخل يقتصر على الانضمام لاحد الخصمين، ولا يطالب بحق ذاتي لنفسه.
وبالرجوع الى قانون المسطرة المدنية المغربي، نجده نظم التدخل الارادي في الدعوى بموجب الفصل 111 منه، الذي ينص على ما يلي:" يقبل التدخل الارادي ممن لهم مصلحة في النزاع المطروح".
هذا، وقد ثار نقاش وجل قانوني حول المرحلة القضائية التي يجوز فيها تطبيق مقتضيات هذا الفصل وبعبارة أخرى هل يجوز التدخل الارادي في الدعوى خلال المرحلة الاستئنافية فقط اعتبارا لكون تنصيصاته وردت في الباب الرابع من القسم الثالث من قانون المسطرة المدنية الذي نظم القواعد والإجراءات امام محكمة الاستئناف ، وهو ما دفع بالبعض الى القول انه لا يحق سلوك هذه المسطرة الا امام محاكم الاستئناف ، ام انه مقبول حتى خلال المرحلة الابتدائية.
مهما يكن من امر، فان العدالة والانصاف تقتضي قبول التدخل الارادي في اية مرحلة متى توافرت شروطه وموجباته، بل ان محكمة النقض قضت في قرار صادر عنها في الملف عدد7202/85، بانه يقبل التدخل الارادي لأول مرة امامها-أي امام محكمة النقض-من طرف شريك لم يتم استدعاؤه في أي طور من اطوار الدعوى ، الرامية الى اجراء قسمة بتية في عقار.
وبالتالي، فان عنصر المصلحة او المطالبة بحق في موضوع النزاع المعروض على المحكمة، هو شرط ضروري وجوهري يتعين توفره في حق أي من الغير يطالب بحقوق ما على نزاع معروض امام القضاء ليس بطرف فيه.
وإذا كان الامر كذلك، بالنسبة للدعاوى بصورة عامة التي يؤطرها الفصل 111 من قانون المسطرة المدنية المتحدث عنه، فهل تطبيقات هذا الفصل تجد لها اطارا وتطبيقا لها في المنازعات المتعلقة بالتحفيظ العقاري، وبعبارة اصح هل يجوز التدخل الارادي في النزاعات المرتبطة بالعقار في طور التحفيظ والمعروضة على انظار المحاكم المختصة للبت فيها، وهل يمكن في هذا الاطار تطبيق مقتضيات قانون المسطرة المدنية باعتبارها الشريعة العامة ام يتعين التقيد بما تمليه نصوص ظهير 12 غشت1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري المغير والمتمم بالقانون 07/14.
للإحاطة بالموضوع والالمام به من كافة جوانبه، سيتم تقسيم هذا البحث الى محورين: الأول سيتم التطرق فيه للحديث عن أطراف الدعوى في مادة التحفيظ العقاري والمرحلة التي يتم فيها تحديد مراكزهم القانونية، على ان يتم التطرق بعد ذلك للحديث عن إمكانية التدخل الارادي من قبل الغير في منازعات التحفيظ، والحالات التي يكون فيها هذا التدخل مقبولا، وسيتم اغناء الدراسة باجتهادات قضائية في الموضوع، مع اخر مستجد لها على صعيد محكمة النقض، دون اغفال الابداء ببعض الملاحظات وبوجهة نظرنا في الموضوع على ضوء هذه الدراسة.
المبحث الأول:أطراف الدعوى، وتحديد المراكز القانونية في منازعات التحفيظ العقاري
إذا كانت الدعوى في القضايا العادية ترفع بمقال مكتوب امام المحكمة المختصة و وفق الشكليات القانونية المتطلبة، فانه بالنسبة لدعوى التحفيظ يتم تحديد موضوعها واطرافها خلال المرحلة الإدارية للمسطرة وامام المحافظ العقاري.
وفي هذا الإطار، ورد في قرار صادر عن محكمة النقض:" التعرض دعوى يحدد موضوعها امام المحافظ، ويوضح المتعرض حدود ومدى تعرضه، وتبت فيها المحكمة كما احيلت عليها".( قرار عدد 2804 بتاريخ05 يوليوز2000، الملف المدني عدد 2251/1/1997، منشور بكتاب قضاء المجلس الأعلى في التحفيظ، من سنة1991 الى سنة2002، للأستاذ عبد العزيز توفيق، ص74 وما بعدها).
كما ورد في قرار اخر، ما يلي:" التعرض هو دعوى يحدد موضوعها امام المحافظ على الأملاك العقارية وان المحكمة تبت فيما يخص وجود ومدى الحق المدعى به من طرف المتعرض ، وان ذلك لا يمنع قضاة الموضوع من فحص الرسوم المستدل بها من لدن الأطراف ليقارنوا بين قوة اثبات كل رسم...."( القرار عدد1473، بتاريخ16/04/2008، في الملف عدد 1314/1/1/2006).
هذا وقد تطرق المشرع المغربي الى تنظيم التعرض في صريح المادة 24 من ظهير التحفيظ العقاري، التي ورد فيها:
" يمكن لكل شخص يدعي حقا على عقار تم طلب تحفيظه أن يتدخل عن طريق التعرض في مسطرة التحفيظ خلال أجل شهرين يبتدئ من يوم نشر الإعلان عن انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية إن لم يكن قام بذلك من قبل وذلك:
1-في حالة المنازعة في وجود حق الملكية لطالب التحفيظ أو في مدى هذا الحق أو بشأن حدود العقار؛
2-في حالة الادعاء باستحقاق حق عيني قابل للتقييد بالرسم العقاري الذي سيقع تأسيسه؛ ..............".
استنادا لهذا المعطى ، وما دام التعرض على مطلب التحفيظ هو الاجراء الذي يترتب عليه إحالة الملف على المحكمة للبت في النزاع، فان هذه المحكمة ملزمة بالبت في حدود ذلكم الاجراء، وبعبارة اصح فان اختصاصها منحصر في البت في صحة او عدم صحة التعرض على مطلب التحفيظ لا غير، ودون ان تتعدى ذلك للنظر في أمور أخرى.
ولعل هذا الامر هو ما كرسه المشرع، في نص المادة37 من ظهير 12 غشت1913، المتعلق بالتحفيظ العقاري، المغير والمتمم بالقانون07/14، حيث جاء في هذه المادة:
"......................
وتبت المحكمة في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين ونوعه ومحتواه ومداه، وتحيل الأطراف قصد العمل بقرارها على المحافظ الذي له وحده النظر في قبول طلب التحفيظ او رفضه كلا او بعضا...................."
انطلاقا مما سبق، يتضح ان مسطرة تحفيظعقار او حق عيني معين ، ان لم تكن أصلا موضوع أي تعرض عادي او استثنائي، فلا يمكننا الحديث فيها اطلاقا عن المرحلة القضائية ، لان التعرض هو الاطار الأساسي الذي يتولد عنه نزاع التحفيظ، بمعنى ان التعرض هو الذي ينقل مسطرة التحفيظ من مرحلتها الإدارية ليدخلها ضمن اطار مرحلة قضائية، يكون القضاء فيها هو المؤهل للبت في موضوع صحة الحق او الحقوق المتعرض عليها ضد مطلب التحفيظ من عدم ذلك.
وبعبارة اصح، فان من نتائج التعرض على عملية التحفيظ، فرز نزاع حول استحقاق العقار او الحق العيني موضوع طلب التحفيظ، وبمجرد التعرض تتحدد أطراف الدعوى في المسطرة، اذ يتضح المدعي (الذي هو المتعرض)، من المدعى عليه (طالب التحفيظ)، وحينئذ يحال النزاع على المحكمة للفصل في الحقوق المتنازع عليها.
غير انه اثناء إحالة النزاع وفق ما تم سياقه، هل يجوز للغير الذي لم يكن لا بطالب تحفيظ ولا متعرض، ان يتدخل في الدعوى للمطالبة بحق له على المتنازع حوله، وبعبارة ادق هل يجوز التدخل الارادي في الدعوى بالنسبة لمنازعات التحفيظ العقاري، وان كانت الإجابة بنعم، فما هي الحالات التي يقبل فيها هذا التدخل.
المبحث الثاني:إمكانية التدخل الارادي في منازعات التحفيظ العقاري، وحالات قبوله
سبقت الإشارة الى كون أطراف الدعوى تتحدد في مسطرة التحفيظ، بدءا من التعرض على مطلب التحفيظ خلال المرحلة الإدارية وداخل الاجل العادي او الاستثنائي، وبمرور هذا الاجل يقفل باب التعرض ويصبح غير ذي موضوع ممن تقدم به.
وهذا معناه، ان كل من لم يتقدم بطلب للتحفيظ، او لم يبادر الى تقديم تعرض ضده داخل الاجل القانوني، فانه يصبح عديم الصفة بعد ذلك، ولو كان يملك حقا على العقار، وكنتيجة حتمية لذلك لا يقبل تدخله في النزاع اثناء عرض الملف على المحكمة المختصة للبت فيه.
وفي هذا الإطار، صدرت عدة قرارات، تسير في هذا المنحى، منها:
- القرار عدد432 بتاريخ 27/01/2010، في الملف المدني عدد 3873/1/1/2008، الذي جاء فيه:
- القرار عدد998 بتاريخ 02/03/2010، في الملف المدني عدد 2749/1/1/2008، الذي جاء فيه:
- القرار عدد 5088 بتاريخ 22/11/2011، في الملف المدني عدد 3495/1/1/2009، جاء فيه:
- قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 22/05/1988 في الملف عدد 262، جاء فيه:
غير ان التدخل الارادي في دعوى منازعات التحفيظ العقاري، يكون جائزا، وحسب الحالات المقررة بموجب العمل القضائي نجد:
- ان التدخل الارادي جائز، متى كان الهدف منه مؤازرة أحد أطراف الدعوى امام المحكمة، اما طالب التحفيظ او المتعرض، بمعنى ان المتدخل هنا لا يطالب بحق معين على العقار وانما فقط مساندة طالب التحفيظ او المتعرض في ادعاءاته ليس الا.
- كما ان التدخل الارادي أيضا، مقبول من قبل ورثة المتوفى اثناء نزاع التحفيظ، طالبا للتحفيظ كان او متعرضا.
- القرار عدد2639 بتاريخ 13 نونبر1985، في الملف عدد 74015، الذي جاء فيه:
- القرار عدد 144/8 بتاريخ 03/03/2015، في الملف المدني عدد 5036/1/8/2014، الذي جاء فيه:
خاتمة واستنتاجات:
من خلال ما سبق سياقه، يلاحظ ان كافة الاجتهادات القضائية المستدل بها تعزيزا لمضمون هذه الدراسة، لا تخرج في قواعدها الثابتة عن كون التدخل الارادي في نزاعات التحفيظ العقاري (العقار في طور التحفيظ)، غير جائز من قبل الغير الذي يدعي حقوقا على المتنازع حوله، باعتباره ليس لا بطالب تحفيظ ولا بمتعرض ولعلة بسيطة تكمن في كونه عديم الصفة.
فحالة التدخل الارادي من قبل الغير لمؤازرة أحدالأطراف، لا تخرج في مضمونها عن فحوى النزاع الأصلي بين طالب التحفيظ والمتعرض الا وهو التصريح بعدم صحة التعرض من عدمه، ولا تضيف اليه جديدا اللهم مؤازرة المتدخل لطرف في مواجهة الاخر.
كما ان حالة التدخل الارادي من قبل ورثة أحد الأطراف بعد وفاته، (طالب التحفيظ او المتعرض)، انما هي حالة من حالات تصحيح المسطرة بعد الوفاة، فاذا كان تصحيح هذه الأخيرة يستوجب تقديم مقال إصلاحي امام المحكمة، فان مقال التدخل الارادي في نزاع التحفيظ من قبل ورثة طالب التحفيظ او المتعرض بعد وفاته، ينتج نفس اثار مسطرة التصحيح، سواء من حيث شكليات تقديم المقال او الاثار المترتبة عن المطالب المضمنة به.
غير ان ما يجدر التنبيه اليه في هذا الاطار، يكمن في انه بالإمكان ان يعتقد البعض ان وفاة احد اطراف المسطرة في نزاع التحفيظ، لا يمكن ان يؤثر على جوهر القضية على اعتبار ان المحكمة وبعد فصلها في النزاع ، تحيل الملف على المحافظ العقاري المعني لتطبيق الحكم وتصحيح الحالة الناشئة بعد الوفاة، وهذا الامر ان كان صحيحا من هذا الجانب، الا انه في الشق المتعلق بالإجراءات المسطرية لا يمكن الأخذ به، على اعتبار ان وفاة احد الأطراف سواء في نزاع تحفيظ او غيره لابد فيه من تصحيح المسطرة في اسم الورثة، لتسهيل تبليغ الاستدعاءات اليهم من جهة ، ومتابعة اطوار النزاع، ومن جهة أخرى حتى تتوفر فيهم الصفة في الطعن ضد الاحكام الصادرة في النازلة، فتوجيه طعن ضد ميت ومن غير تصحيح المسطرة ماله حتما عدم القبول، وهنا يخسر الطرف المعني النزاع مع خصمه، لمجرد اجراء شكلي كان بالإمكان تفاديه قبل الخوض في الموضوع من الأصل.
المراجع المعتمدة:
- ظهير التحفيظ العقاري والعمل القضائي المغربي: ذ/ محمد بفقير، سلسلة القانون والعمل القضائي المغربيين.
- الملكية ونظام التحفيظ العقاري بالمغرب، ذ/ محمد خيري
- الوجيز في القانون القضائي الخاص، للدكتور الطيب الفصايلي، الجزء الثاني، طبعة1993.
- خصوصيات مسطرة التحفيظ العقاري في المرحلة القضائية، دراسة على ضوء الاجتهاد القضائي، دراسة منشورة بمجلة المنبر القانوني، ال عدد2 و3، ابريل واكتوبر2012، ذ/ الحسن اولياس.
- التدخل في الدعوى المدنية، ذ/ فارس علي عمر، كلية الحقوق، جامعة الموصل، دراسة منشورة في مجلة الرافدين للحقوق، المجلد11، العدد41، سنة2009.
- القانون07/14 المغير والمتمم لظهير12 غشت1913.
- قانون المسطرة المدنية
- اجتهادات قضائية غير منشورة.