MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




حدود المبادرة البرلمانية في التشريع المالي على ضوء الفصل 77

     

محمد العمراوي
باحث في التدبير الإداري والمالي
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال-الرباط





 
 
يجسد قانون المالية السنوي في جل الأنظمة المالية الحديثة، الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية للحكومات كما يمثل برنامجا لتوجهاتها الإصلاحية على مدى زمني معين، و لذلك تشكل مرحلة دراسة ومناقشة مضامين قوانين المالية السنوية  داخل المؤسسة النيابية محطة أساسية للوقوف على أولويات الحكومات في كافة المجالات.

وتأسيسا على ذلك، تعتبر مرحلة عرض مشروع قانون المالية السنوي بالمغرب على أنظار البرلمان بغرفتيه محطة أساسية لتبين الوضعية الاقتصادية المالية للمغرب وفرصة لمعرفة أفاق النمو الاقتصادي والإكراهات المالية الموجودة والمحتملة وكذا الخطوط الكبرى للتوازن الاقتصادي والمالي بالإضافة إلى كونها لحظة مميزة لاحتكاك اختصاصات السلطتين التنفيذية و التشريعية وفرصة للنقاش العام حول أولويات ومقتضيات الميزانية السنوية.

وتبعا لذلك، وفي سياق عرض مشروع قانون المالية السنوي على مجلس النواب المغربي هذه السنة، سيثار لا محالة نقاش دستوري - قانوني وسياسي قديم / جديد حول الفيتو الذي يستعمله وزير الاقتصاد والمالية في وجه كل مبادرة برلمانية تهدف إدخال تعديلات على هذا المشروع إبان الانكباب على مناقشته ودراسته بلجنة المالية والتنمية الاقتصادية و اللجان الفرعية التابعة لهذا المجلس.

ونقصد هنا، استناد الحكومة على مقتضيات الفصل 77 من دستور فاتح يوليوز (الفصل 77 هو استمرار للفصل 51 من دستور سنة 1996مع تعديل طفيف في الشق الذي نحن بصدد نقاشه يتعلق بضرورة بيان الأسباب الموجبة للرفض من طرف وزير الاقتصاد والمالية) لقطع الطريق على كل مبادرة  تعديلية أو اقتراحية من أي فريق من الفرق الممثلة في مجلسي النواب والمستشارين، إذ جاء في نص هذا الفصل:" ...وللحكومة أن ترفض، بعد بيان الأسباب، المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى تخفيض الموارد العمومية، أو إلى إحداث تكليف عمومي، أو الزيادة في تكليف موجود. " 1.

و  تنص كذلك، المادة 40 من القانون التنظيمي للمالية رقم 98-7 على أنه:" يتم بقوة القانون حذف أو رفض المواد الإضافية أو التعديلات الرامية إما إلى تخفيض الموارد العمومية وإما إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود، وفيما عدا ذلك يجب أن يتم تعليل كل مادة إضافية أو كل تعديل"2.

وفضلا عن ذلك، نجد أن المساطر المحددة في النظامين الداخليين لمجلسي النواب والمستشارين، تقيد هي الأخرى سلطة البرلمان في المجال المالي حيث تنص - وعلى سبيل المثال - هنا المادة 162 من النظام الداخلي لمجلس النواب على أنه:" يتعين أن تراعى في مقترحات وتعديلات النواب الحفاظ على توازن مالية الدولة وللحكومة أن ترفض، بعد بيان الأسباب، المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها النواب إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة للقانون المالي إلى تخفيض الموارد العمومية، أو إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود، طبقا لأحكام الفصل السابع والسبعين من الدستور"3.

فقد جرت العادة ومند سنوات مالية خلت على إشهار وزراء الاقتصاد والمالية في الحكومات المتعقبة لمثل هذا  الفصل (الفصل 51 من دستور 1996 نموذجا الذي هو نسخة من الفصل 40 من الدستور الفرنسي ) لقطع الطريق على كل مبادرة أو مقترح لأعضاء البرلمان تكون له انعكاسات مالية ويودي قبولها- بتفسير وقراءة الحكومة- بالنسبة لقانون المالية إلى تخفيض الموارد العمومية، أو إلى إحداث تكليف عمومي، أو الزيادة في تكليف موجود، أي الدفع الحكومي بمخالفة المقترح البرلماني لمقتضيات الدستور.

 وهو الأمر الذي يودي حسب بعض الباحثين في المالية العمومية وبالنظر للاستعمال المتعسف لذات الفصول، إلى تحجيم الصلاحيات الدستورية المتاحة للبرلمان في هذا المجال وبالتالي فإن تصورات الحكومة في بلورة قانون المالية السنوي تكون هي الأولى والأخيرة وهو الشيء الذي يؤدي لفقدان مناقشته للجاذبية، ناهيك عن عدم تضيع فرص الاستفادة من الآراء والمقترحات البناءة لأعضاء المؤسسة النيابية .

وقد نجم عن هذا الإشكال الدستوري والقانوني المتكرر، التجاء المعارضة البرلمانية فيما مرة إلى المجلس الدستوري للطعن في دستورية بعض مضامين قوانين المالية السنوية التي كان يشهر إبان النقاش وتقديم التعديلات حولها الفصل  51 من دستور 1996 والذي يعتبر 77 نسخة منه كما سبقت الإشارة لذلك.

وفي هذا الإطار، فقد توجهت المعارضة بعد إصدار الأمر بتنفيذ قانون المالية لسنة 2013 في 28 دجنبر 2012 بمذكرة موقعة من قبل 107 عضو من أعضاء مجلس النواب (107 من توقيعات الأعضاء هو  النصاب المطلوب بمقتضى الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور) أحالت من خلالها القانون المالي لسنة 2013 على المجلس الدستوري لمراقبة بعض مواده، التي اعتبرتها غير مطابقة للدستور والأمر يتعلق هنا بالمادة 18 المكررة والمتعلقة بإدراج المداخيل والنفقات الناتجة عن العمليات المتعلقة بحسابات الخزينة ضمن مكونات ميزانية الدولة، وذلك ابتداء من فاتح يناير2015 كما انصب الطعن أيضا على المادة 25 التي تتعلق بتغيير الحساب المرصود لأمور خصوصية المسمى "صندوق دعم التماسك الاجتماعي" وقد قوبلت هذا الطعن بالرفض من لدن المجلس الدستوري  بالإضافة إلى دفعها بعدم دستورية رفض الحكومة لتعديلات تقدمت بها أثناء مناقشة مشروع قانون المالية، تروم تخصيص نسبة من المناصب المالية لفائدة المعطلين، استنادا إلى الفصل 77 من دستور فاتح يوليوز.

وجاء في دفوعات فرق المعارضة على أن الفصل 77 لم ينص على عبارة "مشروع القانون المالي "، لكنه نص على عبارة "القانون المالي"، في مقابل ذلك فقد نص الفصل 75 من الدستور على عبارة "مشروع القانون المالي"،وبالتالي فان الغاية من هذا التمييز تعني أن التعديلات والمقترحات التي ترفض استنادا للفصل 77 هي تلك التي تقدم بعد المصادقة على القانون المالي ودخوله حيز التنفيذ في فاتح يناير من السنة المالية، وهو ما يعني بالتبعية حق النواب في تقديم اقتراحاتهم مادام أن الأمر يتعلق فقط بمشروع لم تتم المصادقة عليه.

 و قد قضى المجلس الدستوري في هذه النازلة (فاتح يناير2013)5 بعدم قبول الإحالة الرامية إلى التصريح بعدم مطابقة بعض مقتضيات قانون المالية المحال للدستور، وعلل المجلس الدستوري قراره رقم 13/912 م.د، والقاضي برفض الطعن في القانون المالي الذي دخل حيز التطبيق في 28 دجنبر 2012، كون الطلب معيبا في الشكل لأنه لم يقدم في الآجال القانونية للطعن والمحددة في المادة 132 من الدستور، حيث أن رسالة الإحالة لم ترد على المجلس إلا في يوم 31 دجنبر أي بعد عرضه على أنظار جلالة الملك وصدور الأمر بتنفيذه ونشر في الجريدة الرسمية بموجب الظهير الشريف رقم 1.12.57 وفق أحكام الفصل 50 من الدستور.

وأردف -المجلس الدستوري- مؤكدا على أن القانون المالي لسنة 2013، اكتسب قوته القانونية ابتداء من تاريخ صدوره في الجريدة الرسمية (31دجنبر2012) وصدور الأمر بتنفيذه (28 دجنبر2012)، ولم يعد بالإمكان بعد ذلك الطعن فيه وفي عدم دستوريته إلا في حالة إعمال ما يتضمنه الفصل 133 من الدستور من إمكان نظر المحكمة الدستورية في دفع مثار من طرف أحد الأطراف، أثناء النظر في قضية، تتعلق بعدم دستورية قانون من شأن تطبيقه على النزاع المساس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور.

وعلى ضوء ما سبق، فدور البرلمان المغربي في المشاركة في بلورة مشاريع قوانين المالية يتراجع أمام هيمنة الحكومة في هذا المجال وانحصار دور البرلمان في المناقشة والتصويت وذلك بفعل القيود الدستورية.

وهو ما دفع البعض إلى إثارة التساؤل: حول أحقية المؤسسة النيابية في إدخال تعديلات على مشاريع قوانين المالية، وهنا يرى جانب من الفقه المالي المقارن أن السلطة التشريعية لا يحق لها إجراء تعديلات على مشاريع الميزانية ولو كانت جزئية، ذلك لأن هذه الأخيرة تمثل بناء متكاملا يهدف إلى تحقيق سياسة الحكومة في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأن حق البرلمان ينحصر في الموافقة على مشروع الميزانية في جملته أو رفضه برمته.

إلا أن ذلك لا يعني احتكار السلطة التنفيذية للمبادرة في إعداد وبلورة قوانين المالية السنوية فقد عملت بعض التشريعات المقارنة على فسح المجال أمام المؤسسة النيابية للمساهمة في صياغة مشاريع المالية ،ونستحضر هنا التجربة الجزائرية ،حيث أن المشرع الجزائري أعطى لأعضاء المؤسسة النيابية، حق للتقدم باقتراحات و تعديلات مكتوبة أمام اللجنة المختصة بالمالية ومناقشتها مع الوزير المعني، شريطة التقيد بأحكام المادة 121 من الدستور الجزائري المعدل لـ15 نونبر2008،6 حيث تنص هذه المادة على أنه "لا يقبل اقتراح أي قانون، مضمونه أو نتيجته تخفيض الموارد العمومية، أو زيادة النّفقات العموميّة، إلاّ إذا كان مرفوقا بتدابير تستهدف الزّيادة في إيرادات الدّولة، أو توفير مبالغ مالية في فصل آخر من النّفقات العموميّة تساوي على الأقل المبالغ المقترح إنفاقها". 

ومن جهة أخرى، فإن المسؤولية التي أصبح يتقاسمها البرلمان والحكومة في الحفاظ على توازن مالية الدولة بمقتضى الفقرة الأولى من الفصل 77- والتي لم تكن موجودة في الفصل 51 من دستور 1996-،ولا المقاربة الجديدة لتدبير الميزانية المبنية على منطق تحقيق النتائج والأهداف ( شرع المغرب في الترويج لهذه المقاربة مند سنة 2002)، تستدعي هي الأخرى الانفتاح على المقترحات البرلمانية المتعلقة بمشاريع قوانين المالية السنوية .

وختاما، وجب التأكيد على أن أحد أهم مداخل إعادة التوازن بين الحكومة والمؤسسة البرلمانية في المجال المالي تبقى هي إخراج قانون تنظيمي للمالية جديد يفسح المجال أمام المبادرة البرلمانية في المجال المالي و يعوض القانون 98-7 المعمول به حاليا.

إذ لا يعقل أن يتم إعداد وعرض مشروع قانون المالية السنوي -للسنة المالية الرابعة على التوالي- على البرلمان لدراسته ومناقشته والتصويت عليه طبقا لقانون تنظيمي للمالية صدر في ظل دستور 1996 فوجه الإشكال هنا أن قوانين المالية مند 2011 يتم عرضها وفقا لمقتضيات دستور فاتح يوليوز.

لذلك فالحكومة مطالبة بالإسراع بإخراج القانون التنظيمي الجديد للمالية لمسايرة التحولات الاقتصادية والمالية العميقة على المستوىين الوطني و الدولي ،وتطور مناهج تدبير المالية العمومية من جهة  ،في مقابل تقادم المنهجية المعتمدة في تدبير مالية الدولة .
 
الـــــــــهوامـش:

  • 1- دستور المملكة المغربية :الجريدة الرسمية عدد 5964مكرر30 يوليوز 2011.
  • 2- القانون التنظيمي للمالية رقم 98-7
  • 3.النظام الداخلي لمجلس النواب، أقره مجلس النواب في فاتح غشت 2013: http://www.parlement.ma/images/2011_2016/reglement%20interieur%2001.08.2013.pdf
  • 4- محمد حنين :" تدبير المالية العمومية، الرهانات والاكراهات"،الطبعة الأولى ،دار القلم –الرباط 2005 .
  • 5- المجلس الدستوري المغربي:"قرار رقــم: 13/912 م.د "، أنظر نص القرار على موقع المجلس http://www.conseil-constitutionnel.ma
  • 6- الدستور الجزائري المعدل ل 15 نونبر 2008 http://www.joradp.dz/har/consti.htm
 
 



الثلاثاء 19 نونبر 2013
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"


1.أرسلت من قبل Saif Al.Hadidi في 04/12/2014 04:39
أرغب بنسخة من هذا البحث ترسل على بريدي الالكتروني

تعليق جديد
Twitter