إن فرض الضرائب، تعتبر ظاهرة اجتماعية متعددة الأوجه لم تعد هناك حاجة إلى إثبات تعقيدها، فهي جزء لا يتجزأ من الحياة العامة وتتخلل كل لحظة من حياة المواطن. ولا شك أن الضريبة قد تفاوتت في مكانتها وتوزيعها ومبرراتها، لكن الضريبة كانت تستخدم دائما كوسيلة لتمويل الإنفاق العام.
فحسب مقولة للرجل الثوري ورجل السياسة والقانون الفرنسي الشهير برتراند بارير "Bertrand Barère"، والتي جاء فيها بأن "حرية الشعب تكمن كلها في الضريبة". هذه القولة الشهيرة تلخص الأهمية الكبرى التي تحتلها الضريبة في مجتمعنا اليوم، والدور المهم الذي تقوم به الضريبة في إعطاء الحرية للأفراد الذين يؤدونها عن طواعية ودون أي إمكانية لإجبارهم على الأداء.
ولكي تتوافر أركان هذه الحرية، لابد من وجود أرضية خصبة تساعد الأفراد على خلق جو من الثقة في دواليب الدولة وإداراتها، وبالخصوص الإدارة الضريبية. من بين هذه الخاصيات وجود إدارة ضريبية خدومة وذلك لبناء الثقة بين المواطن والإدارة الضريبية، وتعتبر خدمة المواطن من طرف الإدارة الضريبية واجبا، ولتسود ثقافة الثقة في الإدارة لابد أن يلمس المواطن التزام الإدارة بقاعدة المساواة بين المواطنين أمام الخدمة دون تمييز. فالإدارة بصفة عامة بدول العالم الثالث، ولأسباب سياسية واجتماعية معلومة، لم تساعدها على الخروج من بوثقة المنظور التسلطي إلى المنظور الديمقراطي لتحسين العلاقة ما بين الإدارة والمتعاملين معها.
فتفشي مظاهر مثل الفساد الإداري المفضي إلى انعدام المسؤولية، يسمح بتوصيف الأنظمة الإدارية لهاته الدول "بالأنظمة المنغلقة وغير المنفتحة على محيطها". وهذا كله لا يصب في اتجاه منح المواطنين حريتهم من خلال دفعهم للضرائب المترتبة عنهم، بل يساعدهم على سلك مسار التهرب والغش ا
لضريبيين، الذي ينهش جسد خزينة الدولة ويضيع عليها سيولة هي في أمس الحاجة إليها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها معظم دول العالم اليوم.
ففرنسا مثلا، وحسب التقرير الدولي لصورة دافعي الضرائب لسنة 2020، وهي دراسة أنجزت من قبل البنك الدولي والمؤسسة الدولية للتمويل وشركة "PWC" الدولية، احتلت المركز 61 من حيث دفع الضرائب من طرف ملزميها من أصل 189 دولة شملها التقرير، أما من حيث عدد الساعات التي يقضيها الملزمين في دفع الضرائب فقد حددت في 139 ساعة. وبالمقارنة مع المغرب فقد احتل المركز 24 من خلال دفع الضرائب من طرف ملزميه، أما من حيث عدد الساعات التي يقضيها الملزمين في دفع الضرائب فقد حددت في 155 ساعة.
أما الإمارات العربية المتحدة، فقد احتلت المركز 30 من حيث دفع الضرائب من طرف الملزمين، أما من حيث عدد الساعات التي يقضيها الملزمين في دفع الضرائب فقد حددت في 116 ساعة فقط.
أما البحرين، فقد احتلت المركز الأول من حيث دفع الضرائب من طرف الملزمين، أما من حيث عدد الساعات التي يقضيها الملزمين في دفع الضرائب فقد حددت في 22,5 ساعة فقط.
يتضح لنا من خلال جل الأرقام التي ذكرناها، أن الإدارة الضريبية المغربية باستعمالها للوسائل التقنية والرقمية في تدبيرها اليومي، مكنتها من احتلال مراتب يمكن أن نقول بأنها مشرفة بالمقارنة مع فرنسا أو الإمارات العربية المتحدة التي تعد من بين الدول الرائدة في استخدام الرقمنة لتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية. لكن هذا لا يمنع من القول بأن الوسائل والإمكانيات التي بحوزة الإدارة الفرنسية والإماراتية والبحرينية بصفة عامة والإدارات الضريبية لهذه الدول بصفة خاصة تساعدها على خلق جو من الارتياح والثقة ما بينها وبين مواطنيها، وهذا يصب بشكل كبير في منحى الحرية التي تكلم عنها بارير، والتي تعطيها الضريبية لدافعيها، وهو ما يثار بشكل كبير على مستوى عدد الساعات التي يقضيها الملزمون في دفع الضريبة سواء في فرنسا أو في الإمارات أو حتى في البحرين.
فلكي تكون مواطنا كامل المواطنة، متمتعا بشروط الحرية داخل المجتمع، يجب أن تتقيد بحقوقك وأن تقوم بواجباتك. ومن بين هاته الواجبات دفع الضريبة بأساليب حبية وبكيفية رضائية، فحينما تدفع الضريبة تحس بكونك منتميا بشكل قوي لبلدك، وبكونك مواطنا تتمتع بالحرية الكاملة داخل مجتمعك، ومن تم فإنك ستطالب بحقوق أكثر، وبحرية أكبر، وبديمقراطية أوسع، وهو الأمر الذي أكد عليه مونتسكيو في كتابه روح القوانين.
لكن، لكي نصل لهاته الحرية التي تمنحنا إياها الضريبة، ولكي نكون مواطنين كاملي المواطنة في مجتمعنا، لابد من إصلاح الإدارة الضريبية بصفة خاصة والإدارة المغربية بصفة عامة، والإتجاه إلى أنسنتها لتصبح خدومة للإداري والمرتفق على حد سواء، ومواكبة للتحولات التي يفرضها ولا يزال واقع العولمة. فالإدارة يجب أن تقر مفاهيم جديدة لتلبية حاجيات المواطنين بالفعالية والنجاعة والشفافية والنزاهة والعدالة، والعمل على تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية الرقمية وتوضيحها في وجه الملزمين سواء عن طريق أشرطة فيديو كما هو معمول به في الإدارة الضريبية المصرية.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية، لابد للمواطن أو الملزم من تغيير نظرته الكامنة وراء الهروب من أداء الضريبة، سواء عن طريق الغش أو التهرب، إلى أداء الضريبة بطواعية وبروح من المسؤولية. وفي هذا الإطار، يجب على الدولة أن تبني تعاقدات جديدة مع مواطنيها، يقع في صلبها التعاقد الضريبي، حيث تلتزم الدولة بسياسة ضريبية أكثر عدالة، في مقابل التزام المواطن بروح المواطنة، لأن من شأن مثل هاته التعاقدات أن توسع من مساحة الحرية، وتساهم في بناء صرح الديمقراطية المنشودة.
فحسب مقولة للرجل الثوري ورجل السياسة والقانون الفرنسي الشهير برتراند بارير "Bertrand Barère"، والتي جاء فيها بأن "حرية الشعب تكمن كلها في الضريبة". هذه القولة الشهيرة تلخص الأهمية الكبرى التي تحتلها الضريبة في مجتمعنا اليوم، والدور المهم الذي تقوم به الضريبة في إعطاء الحرية للأفراد الذين يؤدونها عن طواعية ودون أي إمكانية لإجبارهم على الأداء.
ولكي تتوافر أركان هذه الحرية، لابد من وجود أرضية خصبة تساعد الأفراد على خلق جو من الثقة في دواليب الدولة وإداراتها، وبالخصوص الإدارة الضريبية. من بين هذه الخاصيات وجود إدارة ضريبية خدومة وذلك لبناء الثقة بين المواطن والإدارة الضريبية، وتعتبر خدمة المواطن من طرف الإدارة الضريبية واجبا، ولتسود ثقافة الثقة في الإدارة لابد أن يلمس المواطن التزام الإدارة بقاعدة المساواة بين المواطنين أمام الخدمة دون تمييز. فالإدارة بصفة عامة بدول العالم الثالث، ولأسباب سياسية واجتماعية معلومة، لم تساعدها على الخروج من بوثقة المنظور التسلطي إلى المنظور الديمقراطي لتحسين العلاقة ما بين الإدارة والمتعاملين معها.
فتفشي مظاهر مثل الفساد الإداري المفضي إلى انعدام المسؤولية، يسمح بتوصيف الأنظمة الإدارية لهاته الدول "بالأنظمة المنغلقة وغير المنفتحة على محيطها". وهذا كله لا يصب في اتجاه منح المواطنين حريتهم من خلال دفعهم للضرائب المترتبة عنهم، بل يساعدهم على سلك مسار التهرب والغش ا
لضريبيين، الذي ينهش جسد خزينة الدولة ويضيع عليها سيولة هي في أمس الحاجة إليها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها معظم دول العالم اليوم.
ففرنسا مثلا، وحسب التقرير الدولي لصورة دافعي الضرائب لسنة 2020، وهي دراسة أنجزت من قبل البنك الدولي والمؤسسة الدولية للتمويل وشركة "PWC" الدولية، احتلت المركز 61 من حيث دفع الضرائب من طرف ملزميها من أصل 189 دولة شملها التقرير، أما من حيث عدد الساعات التي يقضيها الملزمين في دفع الضرائب فقد حددت في 139 ساعة. وبالمقارنة مع المغرب فقد احتل المركز 24 من خلال دفع الضرائب من طرف ملزميه، أما من حيث عدد الساعات التي يقضيها الملزمين في دفع الضرائب فقد حددت في 155 ساعة.
أما الإمارات العربية المتحدة، فقد احتلت المركز 30 من حيث دفع الضرائب من طرف الملزمين، أما من حيث عدد الساعات التي يقضيها الملزمين في دفع الضرائب فقد حددت في 116 ساعة فقط.
أما البحرين، فقد احتلت المركز الأول من حيث دفع الضرائب من طرف الملزمين، أما من حيث عدد الساعات التي يقضيها الملزمين في دفع الضرائب فقد حددت في 22,5 ساعة فقط.
يتضح لنا من خلال جل الأرقام التي ذكرناها، أن الإدارة الضريبية المغربية باستعمالها للوسائل التقنية والرقمية في تدبيرها اليومي، مكنتها من احتلال مراتب يمكن أن نقول بأنها مشرفة بالمقارنة مع فرنسا أو الإمارات العربية المتحدة التي تعد من بين الدول الرائدة في استخدام الرقمنة لتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية. لكن هذا لا يمنع من القول بأن الوسائل والإمكانيات التي بحوزة الإدارة الفرنسية والإماراتية والبحرينية بصفة عامة والإدارات الضريبية لهذه الدول بصفة خاصة تساعدها على خلق جو من الارتياح والثقة ما بينها وبين مواطنيها، وهذا يصب بشكل كبير في منحى الحرية التي تكلم عنها بارير، والتي تعطيها الضريبية لدافعيها، وهو ما يثار بشكل كبير على مستوى عدد الساعات التي يقضيها الملزمون في دفع الضريبة سواء في فرنسا أو في الإمارات أو حتى في البحرين.
فلكي تكون مواطنا كامل المواطنة، متمتعا بشروط الحرية داخل المجتمع، يجب أن تتقيد بحقوقك وأن تقوم بواجباتك. ومن بين هاته الواجبات دفع الضريبة بأساليب حبية وبكيفية رضائية، فحينما تدفع الضريبة تحس بكونك منتميا بشكل قوي لبلدك، وبكونك مواطنا تتمتع بالحرية الكاملة داخل مجتمعك، ومن تم فإنك ستطالب بحقوق أكثر، وبحرية أكبر، وبديمقراطية أوسع، وهو الأمر الذي أكد عليه مونتسكيو في كتابه روح القوانين.
لكن، لكي نصل لهاته الحرية التي تمنحنا إياها الضريبة، ولكي نكون مواطنين كاملي المواطنة في مجتمعنا، لابد من إصلاح الإدارة الضريبية بصفة خاصة والإدارة المغربية بصفة عامة، والإتجاه إلى أنسنتها لتصبح خدومة للإداري والمرتفق على حد سواء، ومواكبة للتحولات التي يفرضها ولا يزال واقع العولمة. فالإدارة يجب أن تقر مفاهيم جديدة لتلبية حاجيات المواطنين بالفعالية والنجاعة والشفافية والنزاهة والعدالة، والعمل على تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية الرقمية وتوضيحها في وجه الملزمين سواء عن طريق أشرطة فيديو كما هو معمول به في الإدارة الضريبية المصرية.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية، لابد للمواطن أو الملزم من تغيير نظرته الكامنة وراء الهروب من أداء الضريبة، سواء عن طريق الغش أو التهرب، إلى أداء الضريبة بطواعية وبروح من المسؤولية. وفي هذا الإطار، يجب على الدولة أن تبني تعاقدات جديدة مع مواطنيها، يقع في صلبها التعاقد الضريبي، حيث تلتزم الدولة بسياسة ضريبية أكثر عدالة، في مقابل التزام المواطن بروح المواطنة، لأن من شأن مثل هاته التعاقدات أن توسع من مساحة الحرية، وتساهم في بناء صرح الديمقراطية المنشودة.