مرة شهور على تقديم وزراء حزب الإستقلال لاستقالتهم الجماعية، والتي جعلت من الحكومة الأولى بعد الإصلاح الدستوري حكومة لتصريف الأعمال الجارية، ومنذ ذلك الحين ونحن نسمع عن قرب ميلاد حكومة بنكيران في نسختها الثانية، لا يكاد يمر يوم واحد دون أن نسمع خبراً في وسائل الإعلان عن التنصيب الحكومي، فتارة نسمع أن لائحة الوزراء جاهزة و ستقدم اليوم إلى الملك، وتارة أخرى نسمع أن المفاوضات متوقفة، وهناك من يقول أنها إجتاز المرحلة الصعبة، ولم يبقى أمامها إلا بعض الإجراءات الشكلية، وبين الفينة والأخرى يطل علينا أحد المسؤولين الحكوميين لتصريحات غريبة جدا، كالتصريح الأخير لرئيس الحكومة ولذي قال بأن أمر الحكومة هو بيد الله، أي أن أعلى سلطة في الهرم الحكومي، أهم طرف في المفاوضات لا يعرف متى سيتم التوصل إلى اتفاق بشأنها أو الإعلان عنها، أو ما صرح به مؤخرا السيد وزير الإسكان الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أحد مكونات الأغلبية الحكومية، حينما سأله احد الصحفيين عن التاريخ المعلوم لتنصيب الحكومة، أجاب " اخبرني بعض الصحفيين ان التنصيب سيكون اليوم أو غدا...."؟؟؟؟؟؟ أمورا غربية حقا تجري في بلد قال انه تفاعل إيجابيا مع مجريات الربيع العربي وانه قطع أشواطا كبيرة في إتجاه إحقاق الديمقراطية.
لنترك كل ذلك جانب، فهي ما هي إلا مواد دسمة توجه إلى الاستهلاك الإعلامي، دورها لا يتجاوز دور "السكاتة" التي تعطيها الأم لطفلها حتى يكف عن الصراخ، فلا شيء من هذا حصل، وهذا أمر طبيعي جدا، فهده الأحداث لا تعدو أن تكون إحدى الإستراتيجيات الجديدة التي أصبح ينهجها النظام في تمرير مخططاته وقراراته المصيرية، وقد أتضح ذلك جليا، ظهر الخميس الماضي، حينما عين الملك الحكومة الجديدة، لا شيء من كلام الإعلام كان صحيحا.
فبعد أزيد من ثلاثة شهور بدون حكومة، عين الملك، يوم الخميس حكومة جديدة حملت العديد من المفاجئات، فإلى جانب ارتفاع عدد الوزراء إلى 39 وزيرا، وتفريخ عدد كبير من الشبه وزارات حاملة لأسماء سخيفة، لدرجة أن الوزير المسؤول عن الوزارة لن يستطيع حفظ اسم وزارة، (مثلا: مامون بوهدهود : الوزير المنتدب لدى وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي المكلف بالمقاولات الصغرى وإدماج القطاع غير المنظم، أو شرفات أفيلال : الوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة المكلفة بالماء) فبالأحرى معرفة اختصاص وزارته، نجد أن هذه الحكومة مرة في ظروف دستورية غريبة، حيث خضعت للتعيين من طرف الملك بناءا طبعا على الفصل 47، وذلك بحضور كل الوزراء، حتى القدماء منه، بالاستثناء الشرقي أضريس المتواجد بالديار السعودية لتأدية مناسك الحج، مما يحملني إلى القول أننا أمام حكومة جديدة بما للكلمة من معنى، ولا علاقة لها بالحكومة السابقة، اللهم استمرار رئاستها وقيادتها من طرف الحزب الذي حصل على الأغلبية في الانتخابات السابقة، لكن كما هو معلوم فبعد التعيين تأتي مرحلة التنصيب، حسب مقتضيات الفصل 88 من الدستور، الذي يلزم الحكومة بأن تتقدم أمام المجلسين لتقديم برنامجها، أمام مجلسي البرلمان ويكون موضوع مناقشة أمامهما، يعقبها تصويت أمام مجلس النواب لمنحها الثقة، وبعد استكمال هذه الإجراءات فقط يمكننا القول أن الحكومة بات منصبة، إذن هل ستتقدم هذه الحكومة أمام البرلمان لعرض برنامجها الحكومي؟؟؟؟ على إعتبار أنه سيعرف تغييرا ولا بسيطا من أجل عرض اختصاصات الوزارات الجديدة، ومراعاة لمقتضيات البرنامج الانتخابي للوافد الجديد، مما يطرح إشكالا دستوريا حقيقيا، التصويت على برنامج حكومية سيستمر إلى ثلاث سنوات فقط؟؟ إذا ما حدث هذا سنكون أمام وزارات إستمرت حياتها السياسية لخمس سنوات فيحين هناك وزارات أخرى حياتها السياسية لن تتجاوز الثلاث سنوات !!! مما قد يفرض على هذه الحكومة أن تلجأ إلى تقديم طلب الثقة بشأن تصريح عوض عرض برنامج حكومي، وفي هذه الحالة كيف ستتعامل السلطة التنفيذية مع الوزارات الجديدة؟؟؟ فهل يعقل أن يقدم طلب الثقة لمواصلة تحمل المسؤولية فالعلاقة مع وزير جديد؟؟؟ هذا من جهة.
من جهة ثانية، تميزت الحكومة الجديدة بعودة قوية للتكنوقراط، مما يدفعنا إلى التساؤل عن الطرف الثاني الذي كان يتفاوض معه بنكيران؟؟ لا أعتقد أن مزار هو من طالب بدخول حصارا إلى وزارة الداخلية أو رشيد بلمختار إلى وزارة التربية الوطنية ...... أو غيرهم من التكنوقراط؟؟؟؟ الذين سيطروا على أهم الحقائب الوزارية ستمكنهم من إدارة البلاد فعلا وليس قولا.... ولا نفهم كيف يضحي بنكيران بأحد أهم قيادي في حزبه، سعد الدين العثماني، إن كان فعلا الطرف الرئيسي في المفاوضات هو مزوار؟؟؟
إننا الآن أمام حكومة سيطر عليها من كان ينعتهم بالتماسيح والعفاريت، الآن وأكثر من أي وقت مضى لن يلعب العدالة والتنمية غير دور المدافع والمبرر للقرارات التي ستتخذ والتي لن تخدم بطيعة الحال غير مصالح كبار المستثمرين، ضدا على الشعب المغربي، كيف لا واحد الرؤساء السابقين لأكبر لوبي في المغرب أصبح وزيرا؟؟
إن هذا الأمر سيربك كثيرا أعضاء وقيادات العدالة والتنمية، ربما ستجد نفسها فوضع مشابه لما عرفه حزب الإستقلال خلال نهاية الخمسينيات، حين تحمل المسؤولية الحكومية في ضرفية سياسية صعبة وفي شروط قبل بها رغما عن أنفه، لكنه في النهاية دفع الثمن غاليا، وعرف إنشقاق قاده الجناح اليساري للحزب، وخرج الإتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى الوجود في 1959.
فهل يوجد من العدالة والتنمية أناس قادرة على التمرد ضد بنكيران وإعلان الإشقاق؟؟؟؟؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.