MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




حصيلة العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي منذ إبرام اتفاقية الشراكة

     

عادلة الوردي
باحثة



حصيلة العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي منذ إبرام اتفاقية الشراكة
تقديـــم
بالنظر إلى مجمل التحولات الإقليمية والدولية من عولمة وحرب الخليج الثانية وكذا مجمل المخاطر والتهديدات الأمنية التي باتت تهدد الأمن الأوروبي، وفي ظل غياب سياسة أوروبية موحدة التي شكلت إحدى أهم التحديات التي واجهت دول الاتحاد الأوروبي بداية التسعينات وفي القرن 21. وضعف العلاقات التي حصدتها الاتفاقيات بين المغرب والاتحاد الأوروبي خلال سنوات طويلة، لكل هذا، كان من البديهي أن يبادر الاتحاد الأوروبي ومنذ إنشائه إلى توسيع دائرة ونطاق علاقاته مع العديد من الدول.
وقد شكل المغرب نقطة اهتمام الاتحاد الأوروبي نظرا لمجموعة من العوامل أهمها العامل الجغرافي والقرب من أوروبا. بدأ الاهتمام أكثر مع مؤتمر برشلونة سنة 1995، وانطلق الاتحاد الأوروبي في تدشين سلسلة من المفاوضات لإبرام اتفاقيات تعاون وشراكة مع دول الجنوب والمتوسط، وكان المغرب من بين الدول التي أبرمت مع الاتحاد الأوروبي " اتفاقية شراكة" في سنة 1996 والتي دخلت حيز التنفيذ سنة 2000.
وفي سنة 2003، ولتوسيع مجالات التعاون بين الجانبين، أطلق الاتحاد الأوروبي "سياسة الجوار" مع المغرب، هذه السياسة التي جاءت لتكمل ولتدعم التعاون بين الطرفين ولتقوي مضامين اتفاقية الشراكة.
لم يقتصر الطموح المغربي عند حد الشراكة، بل يسعى دائما ومنذ سنة 2000 إلى أن يحظى باهتمام خاص من لدن الاتحاد الأوروبي معتبرا إياه شريكا مهما، حيث تقدم المغرب في سنة 2000 بطلب إلى الاتحاد الأوروبي يرمي من خلاله إلى أن يحظى بوضع خاص، وضع متقدم. وفي اللوكسمبورغ، وبالضبط يوم 13 أكتوبر 2008، تمت الاستجابة لهذا الطلب.
من اتفاقية الشراكة إلى اتفاق الوضع المتقدم مرورا بسياسة الجوار، تطورت الأوضاع وتحسنت وتوطدت العلاقات بين الجانبين في كل مرحلة أكثر من سابقتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
كيف ذلك؟ ما هي أهم محطات تطور العلاقات المغربية الأوروبية منذ اتفاقية الشراكة؟ أين تتوقف حدود الطموح المغربي؟
أسئلة وغيرها ستشكل محاور هذا الموضوع.
 
المحور الأول: العلاقات المغربية الأوروبية: من الشراكة الأورومتوسطية إلى الوضع المتقدم.

كانت هناك عوامل ومحددات عدة ليبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقية شراكة مع المملة المغربية سنة 1996، أهمها الموقع الجغرافي والقرب المغرب من دول هذا الاتحاد وكذا الرغبة الواضحة للمغرب في القيام بإصلاحات جدية وتدعيم أسس ومقومات الانتقال الديمقراطي والعناية الجادة والمسؤولة بحقوق الإنسان.
كانت اتفاقية الشراكة هي أولى أقوى نقط التعاون بين الجانبين، دعمتها بعد ذلك وقوتها سياسة الجوار التي انطلقت منذ سنة 2003 لتكون النتيجة هي حصول المغرب على وضع متقدم مع دول الاتحاد الأوروبي.
 
 1
اتفاقية الشراكة.

كانت المملكة المغربية من الدول التي حظيت بإبرام هذا النوع الخاص من التعاون مع الاتحاد الأوروبي منذ أن انطلق سنة 1995 في إبرام مفاوضات مع دول الجنوب والمتوسط.
دوافع عدة دفعت الاتحاد الأوروبي إلى التفكير في عقد شراكة، والتي هي عبارة عن تعاون متقدم مع المغرب، دوافع اقتصادية، جغرافية، ثقافية وغيرها.
ولعل اهتمام المغرب بهذا الشريك المهم وإيمانه القوي بأن الانضواء تحت مضلة هذا الاتحاد، هو من دفعه للقيام بمجموعة من الإصلاحات ومجموعة من التحولات في بنيته الداخلية ليحظى باهتمام ودعم الاتحاد الأوروبي، وليحتل مكانة خاصة مع هذه المجموعة.
فمنذ تولي جلالة الملك محمد السادس الحكم ، وضع من بين أولوياته وكذا من أهم أولويات البرامج الحكومية المتعاقبة الانفتاح على دول الاتحاد الأوروبي وتطوير أوجه التعاون معها بإبرام العديد من الاتفاقيات سواء على المستوى الثنائي أو متعدد الأطراف، مسايرا بذلك سياسة الراحل الحسن الثاني.
ولما انتبه الاتحاد الأوروبي لأسس ومقومات الانتقال الديمقراطي التي بدأ يشهدها المغرب وبدأ يكرسها في تشريعاته الداخلية ومؤسساته الوطنية وعلاقاته الخارجية، لم يجد مانعا في إبرام اتفاقية شراكة معه، وكان ذلك سنة 1996 وقد دخلت هذه الشراكة حيز التنفيذ سنة 2000.

2
سياسة الجوار.

تتميما لاتفاقية الشراكة المبرمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وتدعيما للتعاون بين الجانبين، وإيمانا من دول الاتحاد الأوروبي بالمكانة التي أصبح يحتلها المغرب لدى هذه الدول، أطلق الاتحاد الأوروبي " سياسة الجوار" مع المملكة المغربية، وكان ذلك سنة 2003.
والمبادئ التي تقوم عليها سياسة الجوار هاته، جاءت لتقوي و توطد اتفاقية الشراكة وتدعم التعاون الخاص الذي أصبح يعرفه الجانبين.
ولم يخفي الاتحاد الأوروبي يوما اعترافه بالمكانة الخاصة للمغرب، وبوضعه المميز لدى دول هذا الاتحاد، فمثل ما يؤكد المغرب أن الاتحاد الأوروبي هو شريك مهم، فدول هذا الاتحاد تقر بأهمية المغرب كشريك لها.
الوضع الجغرافي المميز للمغرب، المطل على واجهتين بحريتين، القرب من دول الاتحاد الأوروبي، بوابة أوروبا، عوامل جغرافية شكلت أسس نهج سياسة الجوار، تنضاف إليها عوامل أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية.
إطلاق الاتحاد الأوروبي سياسة الجوار مع المغرب لم يأتي عبثا، لكن الشراكة بين الطرفين ولمدة ثلاث سنوات كانت دافعا قويا لهذه المكانة التي بات يحتلها المغرب مع دول الاتحاد الأوروبي، فطيلة ثلاث سنوات، أي منذ دخول اتفاقية الشراكة حيز التنفيذ إلى حين إعلان الاتحاد سياسة الجوار مع المغرب شهدت الأوضاع داخل المملكة تطورات مهمة قادها الانتقال الديمقراطي ومبادؤه التي تكرست في الإصلاحات التي عرفتها المملكة.

3
الوضع المتقدم.


في سنة 2000 تقدم جلالة الملك محمد السادس بطلب إلى الاتحاد الأوروبي يرمي منحه وضعا متقدما أكثر من الشراكة وأقل من الانضمام ، وما طلب المغرب هذا إلا تعبير عن رغبته الملحة في تطوير وتوطيد العلاقات مع الشريك الأوروبي.
والاتحاد الأوروبي لا يمنح هذا الوضع إلا إلى الشركاء غير المنضمين وغير المحتمل فيهم الانضمام.
وفي 13 أكتوبر 2008، وبعد ثمان سنوات من المفاوضات، قرر الاتحاد الأوروبي الاستجابة للطلب المغرب، ومنح المغرب وضعا متقدما اعترافا منه بالجهود التي بدلها المغرب للحصول على هذا الوضع.
ويشكل " الوضع المتقدم" رافعة قوية بالنسبة للمغرب وإطارا جديدا وخاصا للعلاقات بين المغرب ودول الاتحاد الأوروبي، حيث بحصول المغرب على هذا الوضع يكون قد تبنى اختيارا استراتيجيا وسياسيا في علاقاته مع الشريك الأوروبي. إذ أن هذا الوضع المتقدم يشكل ركيزة جديدة للعلاقات المغربية الأوروبية.
ولكي يحافظ المغرب على وضعه المتقدم هذا، وضع الاهتمام به ضمن أولويات الأجندة الحكومية ودعا جميع القوى الحية في المجتمع، قوى حكومية وغير حكومية، إلى السهر على الحفاظ على هذا الوضع والعمل على تطويره وتقويته.
فرهانات كثيرة على الوضع المغرب المتقدم هذا، وإمكانات كبيرة سخرت لخدمة هذا الوضع لتحقيق مجمل الانعكاسات الايجابية التي خلفها الوضع على الأوضاع والمجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية المغربية.
التراكم المؤسساتي للقرب من أوروبا، والموقع الجغرافي والانخراط في مجالات التنمية والديمقراطية والإيمان بمبادئ اقتصاد السوق والحكامة الجدية في التدبير، كلها عوامل وإمكانات راهن عليها المغرب للحصول على هذا الوضع.
غير أن حصول المغرب وتوشيحه بهذا الوضع المتقدم تواجهه تحديات كبيرة وطموحات متجددة على جميع المستويات، دفعت المملكة إلى تبني تدابير على المستوى القريب والمتوسط في شتى الميادين للحفاظ على هذا الوضع ولمل لا للرقي به أكثر في أفق استشراف انضمام بلادنا إلى دول هذا الاتحاد.
 
المحور الثاني: انعكاس تطور العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي على الأوضاع الداخلية.
 

       منذ الارتقاء بالعلاقات المغربية الأوروبية بموجب اتفاقية الشراكة سنة 1996 إلى حصول المغرب على وضع متقدم مع دول الاتحاد الأوروبي سنة 2008 مرورا بسياسة الجوار التي نهجتها دول الاتحاد مع المملكة المغربية سنة 2000، والمغرب يشهد حراكا وطنيا قويا تجلى على جميع المستويات وأرخى بضلاله على كافة الميادين، حراك ايجابي حمل معه جملة من الإصلاحات التي انعكست إيجابا على العلاقات المغربية مع الشريك الأوروبي.

1
على المستوى السياسي.


لا شك أن طبيعة نظام الحكم بالمغرب والذي يقوم على ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية، ساعدت على التقريب بين الجانبين وعلى خلق تعاون خاص بينهما.
فسياسة الحسن الثاني رحمه الله التي قامت على الجدية والطموح القوي في خلق علاقات تعاون وشراكة وفي تحسين ارتباطه بالدول الأجنبية وخلق صداقات صادقة مع العديد من الدول، كان لها الأثر البالغ في فتح العديد من أبواب التعاون مع العديد من الدول أوروبية، أمريكية، عربية وآسيوية.
تقوت هذه السياسة بشكل أكبر وبرؤيا مغايرة مع الملك محمد السادس، حيث نهج أسلوبا مغايرا يستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة.
النجاح في نهج سياسة خارجية جيدة لا يتم بدون الإصلاح من الداخل، وذلك بتبني أنظمة قوية داخل الدولة. ونهج سياسة داخلية تقوم على مرتكزات الإصلاح المتين، وعلى إشراك كافة الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين في تولي الشأن العام.
فعلى المستوى السياسي، وتدعيما لأسس الديمقراطية التي أكدها المغرب في تصدير دستوره الحالي لسنة 2011، فإن المملكة المغربية شهدت سياستها منحى آخر مع تطور العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي ومع الوضع المتقدم الذي بات يشهده المغرب مع هذا الشريك.
فالاهتمام أكثر بالقضايا السياسية والعمل أكثر على تدعيم مقومات الديمقراطية والانفتاح أكثر على مجالات التنمية والحكامة في تدبير الشأن العام، وإشراك كافة الفاعلين في صناعة القرار السياسي، كلها رهانات على المغرب للحفاظ على وضعه المتقدم مع دول الاتحاد الأوروبي.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد، أن المملكة المغربية وحرصا منها على الرقي بوضعها مع دول الاتحاد الأوروبي، فقد اقترحت إعمال " مقاربة تشاركية شاملة" من خلال عقد لقاءات بين الفاعلين السياسيين بالمغرب ونظرائهم بدول الاتحاد الأوروبي، كما اقترحت إنشاء " لجنة برلمانية مغربية أوروبية مشتركة".
ومن أهم انعكاسات الوضع المتقدم على المجال السياسي المغربي، صدور دستور جديد للمملكة سنة 2011، يضم مقتضيات جد مهمة تهدف الرقي بأوضاع المواطنين المغاربة والارتقاء بالسياسة المغربية الخارجية.

2
على المستوى الاقتصادي.


تطور الأوضاع السياسية وتبني استراتيجيات سياسية أكيد له انعكاس مباشر على الشأن الاقتصادي، فمنذ بداية تقوية العلاقات المغربية الأوروبية، والاهتمام بالقضايا الاقتصادية للبلد أصبح يتصدر أولويات الحكومة، خاصة وأن من أهم المحاور التي قامت عليها اتفاقية الشراكة وبعدها سياسة الجوار هي المجال الصناعي من خلال إلغاء الرسوم الجمركية على السلع مغربية المنشأ المتجهة إلى دول الاتحاد الأوروبي، وكذا الإلغاء التدريجي للرسوم الجمركية لبعض المنتجات الصناعية الأوروبية المتوجهة إلى المغرب، وكذا إلغاء الرسوم الجمركية لبعض المنتجات الفلاحية.
كل هذه التدابير  التي اتخذتها المملكة المغربية تطبيقا لاتفاقية الشراكة و تماشيا وسياسة حسن الجوار، كان من شأنها الرقي بالأوضاع الاقتصادية للبلاد، وقد تدعم الوضع أكثر مع العولمة والانفتاح على السوق الأوروبية.
ولعل خير دليل على ذلك، تزايد معدل التنمية بالمغرب وتزايد الاهتمام أكثر بقضايا التدبير الجيد للشأن العام عامة والشأن الاقتصادي على زجه الخصوص، مع العمل وبشدة على محاربة اقتصاد الريع وخلق مؤسسات تعنى بالشأن الاقتصادي الوطني أهمها" المجلس الاقتصادي والاجتماعي" كمؤسسة دستورية تعني بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المغربي.
 
 
 3
على المستوى الاجتماعي وحقوق الإنسان.


انعكاس تحسن وتطور العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي امتد ليشمل المجال الاجتماعي والأوضاع الاجتماعية لمواطن المغربي. فبحصول المغرب على وضع متقدم مع دول الاتحاد الأوروبي وما وفره ويوفره هذا الوضع من مزايا ودعم مالي للمغرب، فالأكيد أن العديد من المشاكل الاجتماعية أو بعبارة أخرى من الاكراهات الاجتماعية التي تعرفها البلاد تقلصت، فنسبة البطالة تقلصت في العشرية الأخيرة، كما أن الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان أصبح بارزا أكثر من أي وقت مضى، وخير دليل على ذلك كثرة الجمعيات المهتمة بحقوق الإنسان، والاعتراف الواضح والصريح في دستور المملكة على ايلاء عناية خاصة لقضايا حقوق الإنسان وتكريسها في مجمل النصوص القانونية والهيئات المؤسساتية والممارسة السياسية بالمغرب.
وابرز حدث على الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا، تصدير دستور المملكة لسنة 2011، الذي أقر بشكل صريح ولأول مرة "مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية" من خلال نصه على " جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة.".
فبتكريس مبدأ " سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية" يكون المغرب قد ارتقى بشكل أفضل بحقوق الإنسان واعترف بشكل صريح بسمو هذه الحقوق وبتبني المبادئ الكونية لحقوق الإنسان.
وهو الأمر الذي حظي باستحسان الشريك الأوروبي والذي دعم بشدة هذا التحول الكبير الذي يشهده مغرب اليوم.
 
 
خاتــمة

 
الأكيد أنه كان لاتفاقية الشراكة و لسياسة الجوار وللوضع المتقدم للمغرب مع دول الاتحاد الأوروبي انعكاس جد إيجابي على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، وما ذلك إلا رغبة في مغرب قوي، مغرب ينشد الديمقراطية، يحترم حقوق الإنسان، يطمح إلى توطيد وتعزيز التعاون مع العديد من الشركاء الأجانب والاتحاد الأوروبي في بدايتهم مغرب يستشرق الانضمام وليس فقط الحصول على وضع متقدم مع الاتحاد الأوروبي.


تاريخ التوصل: 8 يونيو 2012
تاريخ النشر: 12 يونيو 2012



الثلاثاء 12 يونيو 2012
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter