سأتناول الموضوع في ثلاثة أبواب :
الأول : الحق في الحصول على المعلومات في المواثيق الدولية .
الثاني :الحق في الحصول على المعلومات في بعض الدساتير الدول الديمقراطية.
الثالث: الحق في الحصول على المعلومات بالمغرب
حق الحصول على المعلومات في المواثيق الدولية وبعض دساتير الدول الديمقراطية:
الباب الأول :حق الحصول على المعلومات في المواثيق الدولية :
- الجمعية العامة للامم المتحدة :
ظهر حق الحصول على المعلومات على المستوى الدولي في العام 1946 عندما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلستها الأولى، القرار رقم (59) الذي نص على
"إن حرية الوصول إلى المعلومات حق أساسي للإنسان وحجر الزاوية لجميع الحريات التي تنادي بها الأمم المتحدة .
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
وقد ظهر بعد ذلك في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948،والذي نصت المادة (19)منه على مايلي:
"لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة ، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة و دونما اعتبار للحدود ."
-العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية :
وجرى تكريسه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966، والذي نصت المادة (19) منه على مايلي"
1. لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة .
2. لكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دون اعتبار للحدود
وقد ظل تناول هذا الحق يتم من خلال التطرق إلى حرية الرأي وحرية التعبير حتى بداية العقد الأخير من القرن العشرين،حيث بدأ التعامل معه كحق مستقل،بل كحق يؤسس للكثير من الحقوق الأساسية الأخرى للإنسان ،إذ في عام 1993قامت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتأسيس مكتب مقرر اللجنة الخاص التابع للأمم المتحدة والمتعلق بحرية الرأي والتعبير، لإيضاح المحتوى الدقيق للحق في حرية الرأي والتعبير، وتطرق له في تقاريره للسنوات 1997، 1998حيث صّرح مفوض اللجنة أن حق حرية التعبير يتضمن الحق الحصول على المعلومات التي تحتفظ بها الدولة:
" بغرض البحث والتسلم ونقل المعلومات على الدول لضمان حق الوصول إلى المعلومات، بخاصة فيما يتعلق بالمعلومات التي تحتفظ بها الحكومة بكافة أشكال أنظمة الحفظ والاسترجاع التزاماً إيجابياً ".
وفي تقريره السنوي للعام 2002، أكَّد مقرر اللجنة الخاص في الأمم المتحدة قلقه بشأن توجه الحكومات والمؤسسات الحكومية نحو منع الناس من الحصول على المعلومات التي من حقهم الحصول عليها.
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد :
تنص المادة العاشرة من هذه الاتفاقية على مايلي :
تتخد كل دولة طرف ، وفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي ومع مراعاة ضرورة مكافحة الفساد ، ما قد يلزم من تدابير لتعزيز الشفافية في إدارتها العمومية ، بما في ذلك ما يتعلق بكيفية تنظيمها واشتغالها وعمليات اتخاذ القرارات فيها ، عند الاقتضاء ويجوز أن تشمل هذه التدابير مايلي :
اعتماد إجراءات أو ولوائح تمكن عامة الناس من الحصول عند الاقتضاء على معلومات عن كيفية تنظيم إدارتها العمومية واشتغالها وعمليات اتخاذ القرارات فيها ، وعن القرارات والصكوك القانونية التي تهم عامة الناس مع ايلاء المراعاة الواجبة لصون حرمتهم وبياناتهم الشخصية .
تبسيط الإجراءات الإدارية ، عند الاقتضاء ، من اجل تيسير وصول الناس إلى السلطات المختصة التي تتخد القرارات .
(ج) نشر معلومات يمكن أن تضم تقارير دورية عن نخاطر الفساد في إدارتها العمومية .
اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع الفساد :
تنص المادة التاسعة من الاتفاقية على مايلي :
تقوم كل دولة طرف بإقرار تدابير تشريعية وغيرها لإضفاء الفعالية على الحق في الحصول على أية معلومات مطلوبة للمساعدة في مكافحة الفساد والجرائم ذات الصلة "
الباب الثاني : الحق في الحصول على المعلومات في بعض دساتير الدول الديمقراطية :
دولة السويد :
أما على المستوى الفردي للدول فقد كانت السويد هي الدولة الأولى في العالم التي أصدرت قانوناً يعطي المواطنين الحق في الحصول على المعلومات المودعة لدى الهيئات الحكومية، وذلك بعد إصدارها لقانون الصحافة السويدي عام 1776، الذي أكد الحق الذي كفله الدستور السويدي بأن الحق في الحصول على المعلومات هو حق للجميع وليس للصحافة فحسب.
وتنص المادة (1) من الفقرة الثانية من القانون على أنه
" يحق الحصول على الوثائق الرسمية"
وتعرِّف المادة الثالثة من القانون الوثائق الرسمية بأنها
" الوثائق المحفوظة لدى سلطة حكومية وحتى يتم اعتبارها بموجب المادتين 6 و 7 من القانون فهي التي تم استلامها أو إعدادها أو كتابتها من قبل سلطة معينة لكل مواطن سويد" .
وإذا استعرضنا باقي الدول الأوروبية نجد أن المادة (25) من الدستور البلجيكي، وفقاً لآخر مراجعة له في 14/7/1993 تنص على مايلي:-
" 1 . الصحافة حرة ولا يجوز إخضاعها للرقابة، ولا يجوز أن يُطلب الضمان من المؤلفين والناشرين والطابعين " .
وتنص المادة (20) من الدستور الإسباني الصادر في 29/12/1978، وفقاً لآخر التعديلات التي أدخلت عليه في 27/8/1992 على ما يلي:-
" 1 .الحقوق التالية مكفولة ومحمية:-
أ . الحق في التعبير ونشر الأفكار بحرية بالقول والكتابة أو أي وسيلة من وسائل إعادة الإنتاج.
ب الحق في استقبال ونشر المعلومات الصحفية بحرية بجميع وسائل النشر ، وينظم القانون حماية الحقوق الواردة في هذه الفقرة بحسن الطوية.
ج إن ممارسة هذه الحقوق لا يجوز أن تُقيد أو تعلق على أية رقابة مسبقة.
د لا يجوز حظر المطبوعات والتسجيلات وأية وسائل أخرى للحصول على المعلومات
دولة فلندى:
وتنص المادة (12) من الدستور الفنلندي الصادر في 11/6/1999، والذي بدأ العمل به في 1/3/2000م على ما يلي:-
" 1 حرية التعبير مكفولة لكل شخص وتتضمن حرية التعبير الحق في استقبال ونشر المعلومات والتعبير عن الآراء والاتصالات الأخرى.
2 " الوثائق التي في حوزة السلطات تكون مباحة، إلا إذا كان نشرها قد تم تقييده لأسباب ضرورية خاصة في القانون".
الدولة الألمانية :
وتنص المادة (5) من الدستور الألماني المتعلقة بحرية الصحافة على ما يلي:-
"1 سيكون لكل شخص الحق في حرية التعبير عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير، وأن يملك الحق في حرية الحصول على المعلومات من مصادر يمكن الوصول إليها بشكل عام ، كما أن حرية الصحافة وحرية التغطية بواسطة الإذاعة أو الأفلام شيء مضمون، ولن تكون هناك رقابة
هذا ويلاحظ مؤخراً تزايد الاعتراف الرسمي بحق الحصول على المعلومات، حيث تبنت العديد من البلدان التي تحولت إلى الديمقراطية دساتير جديدة تعترف بوضوح بهذا الحق، وقامت المحاكم العليا في بلدان أخرى بتفسير الضمانات الدستورية الخاصة بحرية التعبير على أنها تتضمن الحق في حرية الوصول إلى المعلومات، وفي السنوات العشر الأخيرة أصدرت أكثر من أربعين دولة قوانين تتعلق بحق الحصول على المعلومات، كما أن قرابة ثلاثين دولة ،هي بصدد إصدار قوانين لضمان ممارسة هذا الحق.
أما فيما يتعلق بنطاق حرية تداول المعلومات والتعبير عنها في إطار نص المادة (19/2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فيرى الأستاذان محمد خليل الموسى ومحمد يوسف علوان أنها تشمل نقل وانتقال وتداول المعلومات بأية وسيلة من الوسائل، يستوي في ذلك الموضوعات الدينية والفلسفية والسياسية والمواضيع ذات الطابع التجاري والفني والمهني والعلمي والاقتصادي والعسكري، ولا تفترض حرية التعبير مجرد حماية جوهر المعلومة أو الرأي، و إنما تهدف كذلك إلى حماية أسلوب وشكل تداولها وانتشارها والى حماية حق العموم في التماس المعلومة واستقبالها، وهي تتضمن حرية إعداد المعلومات، ولا تجيز أي قيد مسبق على هذا الإعداد والدعاية للمعلومة، كما يشترط هذا الحق حرية جريان وتدفق وانتقال المعلومات، بصرف النظر عن وسيلة نقلها، لأن المعلومات يجب أن تنساب بشكل عفوي وطبيعي، دون أي تدخل من جانب الدولة ودون إبلاء أي اعتبار للحدود،
حيث تلتزم الدول بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان بالتزامين إزاء حرية التعبير هما:-
أ . التزام سلبي بالامتناع عن التدخل في تلقي المعلومات ونقلها، والتزام إيجابي بضمان حرية انتقال المعلومات وتداولها يصرف النظر عن الحدود وعن وسائل انتقالها.
ب . والتزام بضمان احترام حرية التعبير وحرية تداول المعلومات في العلاقات الخاصة فيما بين الأشخاص العاديين أنفسهم، لأن حرية التعبير لا تقتصر على العلاقات العامة بين الأشخاص العاديين والسلطات العامة. شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأي وسيلة أخرى يختارها". ب المفتوح إلاّ بموجب حكم صادر عن القضاء".
الباب الثالث : الحق في الحصول على المعلومات بالمغرب :
شهد المغرب منذ أواخر الثمانينات من القرن الماضي تطورات مهمة على مستوى حقوق الإنسان والتي تعززت بمناسبة الإصلاح الدستوري الأخير لسنة 2011 الذي أتى في سياق التفاعل مع المتغيرات المحلية والدولية. فعلى المستوى المحلي تنامت مطالب المجتمع المدني والسياسي في اتجاه تنمية وتعزيز حقوق الإنسان بالمملكة، وعلى المستوى الدولي هناك تزايد الاهتمام بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة، وخاصة من طرف المنظمات والهيئات الدولية التي تهتم بالدفاع عن حقوق الإنسان وتسهر على احترام كل الدول لها.
وقد جاء دستور 2011 بمجموعة من المستجدات ذات الصلة بحقوق الإنسان؛ ويبقى أهم هذه المستجدات التأكيد على الحق في الحصول على المعلومات، باعتباره حقا إنسانيا أساسيا وضروريا للتمتع بباقي الحقوق، كالحق في الرأي والتعبير والحق في المشاركة والمراقبة والمحاسبة... الخ، فمثل هذه الحقوق من الغير الممكن الحديث عن وجودها وممارستها الفعلية من قبل المواطنين في ظل غياب الحق في الحصول على المعلومات، فهو حق ضروري للتمتع بباقي الحقوق وممارستها.
فماذا نقصد بحق الحصول على المعلومات؟ وما هي دواعي التنصيص عليه دستوريا؟ وما هي آفاق تفعيله بالمغرب؟.
أولا: مفهوم الحق في الحصول على المعلومات
يقصد بالحق في الحصول على المعلومات ذلك الحق الذي يتيح للمواطن حرية السؤال عن كل معلومة توجد بالإدارة العمومية، وتلقي الإجابة عنها بصورة، أو بأخرى، فهو حق إنساني، طبيعي، أساسي للفرد والجماعة، وهو حاجة بيولوجية، ونفسية، واجتماعية، واقتصادية، وسياسية يعبر عن مدنية المجتمعات، وحضاريتها، واحترام عقلية الفرد، ومنهجية تفكيره، وإشراكه في الأدوار والمسؤوليات، وتحمله لمسؤولياته اتجاه مجتمعه، وقضاياه المختلفة، فالمعلومة يجب أن تكون متاحة ومتوفرة لكل من يطلبها .
وهو الأداة الأساس العملية والإجرائية للشفافية، التي تمكن كل المواطنين من الإطلاع على ما يجري بالإدارة العمومية، ومن مراقبة العمل الإداري، ومعرفة كيفية وطريقة ولفائدة من تتخذ القرارات العمومية، وتعطيهم القدرة والسلطة للمشاركة والمساهمة في عمليات اتخاذ تلك القرارات وتقييمها.
ويجد هذا الحق سنده ومصدره في العديد من الاتفاقيات والعهود الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948م، والذي ينص في المادة 19 منه على »حرية الفرد في اعتناق الأفكار دون مضايقة وفي التماس الأنباء، وتلقيها، ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود «، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966م، والذي ينص هو الآخر في المادة 19 منه على » حق الإنسان في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دون اعتبار للحدود سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأي وسيلة أخرى يختارها هذا الشخص... « .
وفي المغرب فقبل سنة 2011 لم يكن هناك سند قانوني واضح لهذا الحق، باستثناء بعض المواد المشتتة في قوانين مختلفة التي تتيح للمواطن حق الحصول أو الإطلاع على بعض المعلومات في مجالات محددة، (على سبيل المثال المادة 63 من قانون 17.08 المتعلق بالميثاق الجماعي التي تتحدث عن عمومية الجلسات وعن تعليق جدول الأعمال بمقر الجماعة ليتسنى للمواطنين الإطلاع عليها، ... )، لكن و مع صدور دستور 2011 أصبح الحق في المعلومة حقا دستوريا، مكفول في الفصل 27 من الدستور الذي ينص في فقرته الأولى على أنه »للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام ...« ، وبذلك أصبح لزاما على المسئولين بكل الإدارات العمومية تسهيل حصول كل المواطنين على المعلومات وتوفيرها لهم.
ثانيا: سياق دسترة حق الحصول على المعلومات بالمغرب .
تأتي أهمية إقرار حق الحصول على المعلومات دستوريا في سياق الاختيار الديمقراطي الذي اعتمدته بلادنا، وفي سياق تكريس احترام حقوق الإنسان والحريات الفردية والعامة التي ما فتئت المملكة المغربية تؤكد على التزامها باحترامها كما هي متعارف عليها عالميا، وهو ما من شأنه أن يعمق الاختيار الديمقراطي وشفافية العمل الحكومي، ويضع قطيعة مع زمن السرية والتكتم في وضع وتنفيذ السياسات العامة مع حجب المعلومات عن الرأي العام الوطني بما فيه وسائل الإعلام.
ولهذا فعملية دسترة هذا الحق جاءت من أجل إعطاء دفعة قوية للمسار الديمقراطي ببلادنا من خلال تمكين الرأي العام الوطني من إحدى الآليات المهمة في الممارسة الديمقراطية، ألا وهي الحصول على المعلومات، والتي بدونها يبقى المواطن خارج أية مشاركة في الحياة العامة.
وإن دسترة هذا الحق بالمغرب لم تأتي من فراغ أو من إرادة طوعية للمشرع، وإنما جاءت بضغط من هيئات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والإعلام وعدد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان...، فالحق في الحصول على المعلومات كان في صلب اهتمامات العديد من الجمعيات المغربية العاملة في ميدان الشفافية ومحاربة الفساد والرشوة وتخليق الحياة العامة، معتبرة بأن هذا الحق يشكل أحد الأعمدة الأساسية لأي نظام وطني للنزاهة من جهة ومن جهة أخرى أن هذا الحق مرتبط بالمجتمع الديمقراطي الذي يتمتع فيه المواطن بحرية التعبير وبوسائل إعلام قوية وبإلزامية نشر المعلومات الإدارية.
فالفصل 27 من الدستور إذن أتى لسد الفراغ القانوني الحاصل في هذا المجال وإعطاء هذا الحق حصانة دستورية وقيمة إضافية، خاصة وأنه ظل ينتهك مدة طويلة في المغرب، أو بالأحرى أريد له أن يبقى مغمورا حفاظا على بعض الموروثات التقليدية التي لا زالت تتحكم في عقلية الإدارة العمومية ومن يعملون بداخلها، وكذا لحماية المصالح الشخصية لبعض الفئات وما إلى ذلك، رغم كفالته في العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق المغرب عليها.
لكن اليوم وبعد الدسترة فإن هذا الحق أصبح محصنا، وأساسيا للمواطن المغربي ولا يحق لأي جهة أن تعمل على انتهاكه.
وإذا كان الفصل 27 من الدستور قد ضمن هذا الحق وكفله، فإنه من جهة أخرى وضع عليه مجموعة من القيود، حيث تنص الفقرة الثانية من هذا الفصل على أنه
"لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة ".
بذلك يكون المشرع الدستوري قد قيد الحق في الحصول على المعلومات، بحيث أعطى للقانون الحق في حماية المعلومات المتعلقة بالدفاع الوطني، وكذلك تلك التي لها علاقة بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي، وأيضا المعلومات المتعلقة بالحياة الخاصة للأفراد، وكذلك كل معلومة التي من شأن الحصول عليها أن يمس بالحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في الدستور.
ذلك أن الحق في الحصول على المعلومات ليس مطلقا وإنما ترد عليه عدة قيود والتي تهدف بالأساس إلى حماية مصالح المجتمع والأفراد على السواء. ونجد كل قوانين حرية الحصول على المعلومات في العالم لا تخلوا من مثل هذه القيود
ثالثا: آفاق تفعيل حق الحصول على المعلومات بالمغرب
إن التنصيص على حق المواطن في الحصول على المعلومات دستوريا لا يعني بالضرورة أنه قد تم تفعيل هذا الحق، بل لابد من اتخاذ مجموعة الخطوات والإجراءات حتى يتم تنزيل مقتضيات الفصل 27 من الدستور على أرض الواقع.
الخطوة الأولى: ضرورة سن قانون ينظم ممارسة حق الحصول على المعلومات بالمغرب .
للحديث عن الممارسة العملية للحق في الحصول على المعلومات فإنه لابد من توفر نص تشريعي يقنن ذلك، ولهذا نجد عدد كبير من الدول التي أرادت ترسيخ هذا الحق في مجتمعاتها قامت بوضع قوانين تؤطر ممارسته.
ورغم الاختلاف بين تلك القوانين من حيث محتوى الحق وآليات الرقابة على احترامه، فإنها تتشابه فيما بينها من حيث المبادئ التي تحكمها.
فكل قانون لحق الحصول على المعلومات يجب أن يبين الهدف منه، ونطاق تطبيقه، والاستثناءات وكذا الضمانات الكفيلة بضمان الممارسة الفعلية لهذا الحق.
1. تحديد الهدف من القانون: إن الهدف الأساسي من إيجاد قانون الحصول على المعلومات هو تحقيق المحاسبة ومشاركة المواطنين عبر الإطلاع على المعلومات، ومن تم التأثير على قرارات الحكومة وتعزيز الديمقراطية .
2. نطاق تطبيق القانون: نعني بنطاق تطبيق قانون الحصول على المعلومات:
المعلومات والوثائق التي يشملها قانون حق الحصول على المعلومات
الجهات الممارس عليها حق الحصول على المعلومات
المستفيدون من حق الحصول على المعلومات
وكيفية الحصول على المعلومات
فكل هذه الأمور يجب أن يتم التنصيص عليها بدقة ووضوح في قانون حق الحصول على المعلومات وتجنب استعمال الألفاظ التي تتحمل أكثر من تأويل.
3. الاستثناءات: فالاستثناءات هي مقتضيات تعرف بالحدود الإرادية الموضوعة من طرف المشرع على مبدأ الكشف والحصول على المعلومات. وعلى المشرع المغربي أن يعمل على تحديد هذه الاستثناءات بشكل دقيق وعلى سبيل الحصر، وألا تتضمن هذه الاستثناءات مفاهيم فضفاضة تفرغ قانون حق الحصول على المعلومات من محتواه تماما، ويصبح قانون لمنع الحصول وليس للحصول. لأن هناك بعض المفاهيم شاملة وفضفاضة ومن شأن إدراجها في القانون دون تفصيل أو تحديد دقيق أن يعرقل حق الحصول، مثلا: " المعلومات المتعلقة بأمن الدولة "، فإن نص القانون على هذا المقتضى ووقف عند هذا الحد فستكون كل المعلومات قابلة لأن تدرج ضمن هذا الاستثناء، لذلك يجب على القانون أن يسمي ويعين بدقة المعلومات التي من شأن علم المواطنين بها أن يتسبب في الإخلال بأمن الدولة، ونفس الشيء بالنسبة لباقي الاستثناءات.
4. الضمانات: من الواجب على قانون حق الحصول على المعلومات توفير الضمانات اللازمة لإنصاف المواطن وضمان حقه في الحصول على المعلومات، وفي نفس الوقت لإلزام الجهات العامة المحتفظة بالمعلومات باحترام وتطبيق مقتضيات القانون، ويمكن تقسيم هذه الضمانات التي يجب توفيرها إلى ضمانات غير قضائية، وأخرى قضائية:
الضمانات الغير القضائية: وهي التي تتيح للمواطن الذي تقدم بطلب الحصول على المعلومات واصطدم برفض الإدارة، إمكانية رفع تظلم إداري إلى نفس الإدارة المقدم أمامها الطلب أو إلى سلطة إدارية مستقلة.
وللإشارة فإن معظم قوانين حرية الحصول على المعلومات بالعالم تحدث هيئة إدارية مستقلة تناط بها مهمة السهر على ممارسة هذا الحق وحمايته من الانتهاكات التي قد تطاله.
الضمانات القضائية: يجب على قانون حق الحصول على المعلومات أن يتيح للمواطنين الحق في اللجوء إلى القضاء الإداري من أجل رفع دعوى ضد الإدارة في حالة ما إذا تم رفض طلبات الحصول على المعلومات التي تقدموا بها.
الخطوة الثانية: نشر الوعي لدى الإدارة والمواطن بمدى أهمية ممارسة الحق في المعلومة .
إن دسترة الحق في الحصول على المعلومات وإيجاد قانون خاص يقنن كيفية ممارسته لا يعني بالضرورة أنه قد تم فعلا ترسيخه، بل لابد من تكريس مبادئ هذا الحق وفوائده لدى كافة المواطنين ولدى الإدارة نفسها.
ففي المغرب يكاد يكون الحق في الحصول على المعلومات مجهولا لدى فيئات عريضة في المجتمع وخاصة الطبقة التي تشكوا من الأمية، أما على مستوى الإدارة العمومية فإنها لازالت غير مستوعبة لهذا الحق ولمدى أهميته في تحسين جودة العمل الإداري. لذلك يجب تحسيس الكل بأهمية ممارسة هذا الحق.
وإذا استثنينا بعض تنظيمات المجتمع المدني والتي بدأت تتحرك في الآونة الأخيرة من أجل التحسيس بضرورة تفعيل الحق في الحصول على المعلومات، فإنه على العموم تبقى جهود التحسيس هذه غير كافية، بل لابد من تكثيفها واستغلال وسائل الإعلام بكافة أشكالها للتعريف بهذا الحق. كما يجب على الدولة أن تعمل على إدراجه في المنظومة التربوية حتى يترسخ في المجتمع وتكون هناك تنشئة على هذا الحق.
لذلك فمن أجل نشر الوعي بأهمية الحصول على المعلومات فإن الأمر يحتاج إلى توحيد الجهود ومزيد من التركيز والتكرار، سواء من طرف الدولة ومؤسساتها، أو من طرف هيئات المجتمع المدني.
الخطوة الثالثة: إعادة النظر في النصوص القانونية التي تتعارض مع الحق في المعلومة .
بإلقاء نظرة معمقة على مختلف القوانين المغربية سنلاحظ وجود بعض النصوص التي تتعارض مع مبدأ الكشف المطلق عن المعلومات وهو المبدأ الأساس الذي يقوم عليه الحق في الحصول على المعلومات، وبالتالي فهي تفرغ مضمون هذا الحق من محتواه، لذلك يجب إعادة النظر في هذه النصوص وجعلها مسايرة للفصل 27 من الدستور، ومن بين هذه النصوص القانونية نذكر الفصل 18 من ظهير 24 فبراير 1958 ـ5ـ بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي ينص على أنه: " بقطع النظر عن القواعد المقررة في القانون الجنائي فيما يخص السر المهني، فإن كل موظف يكون ملزما بكتم سر المهنة في كل ما يخص الأعمال والأخبار التي يعلمها أثناء تأدية مهامه أو بمناسبة مزاولتها.
ويمنع كذلك منعا كليا اختلاس أوراق المصلحة ومستنداتها أو تبليغها للغير بصفة مخالفة للنظام، وفيما عدا الأحول المنصوص علها في القواعد الجاري بها العمل فإن سلطة الوزير الذي ينتمي إليه الموظف يمكنها وحدها أن تحرر الموظف من لزوم كتمان السر أو ترفع عنه المنع المقرر أعلاه " .
إن هذا الفصل كان موضع انتقاد من طرف العديد من الصحفيين والخبراء لكونه يجعل من الإدارة عالما مبهما ومغلقا، لذلك يجب إعادة النظر في هذا الفصل وجعل مبدأ الكشف عن المعلومات هو القاعدة والسر المهني هو الاستثناء7 ، مع التحديد الدقيق للمعلومات التي يجب أن تبقى طي الكتمان
خاتمة
إن وصول المواطن إلى المعلومات وحصوله عليها ليس غاية في حد ذاته، وإنما وسيلة لتحقيق التواصل وتعميق الشفافية، وترسيخ الحكامة الجيدة، وتكريس احترام حقوق الإنسان والحريات الفردية والعامة، ومحاصرة الفساد عن طريق التقييم وتحديد المسؤولية وربطها بالمحاسبة، وذلك دعما للتواصل واستعادة للثقة المفقودة للمواطن اتجاه الإدارة.
فإعمال هذا الحق بالمغرب سيشكل دفعة قوية لدولة الحق والقانون التي مافتئت معظم الخطابات الرسمية تروج لها، وسيساهم في تفعيل مبادئ الحكامة الجيدة التي أصبحت من بين أسس النظام الدستوري للمملكة بموجب دستور 2011، وسيحسن العلاقة بين الإدارة العمومية والمواطن.