تمهيد
إن دراسة موضوع الحماية القانونية للمخطوطات لم يكتب لها من الذيوع و الانتشار في الأوساط الأكاديمية الحقوقية ما يرقى لتراكم معرفي و لو تعلق بمفاهيم اساسية أو مبادئ عامة فضلا عن محاولة إنشاء نظرية عامة او ترسيخ اجتهادات قضائية.
و لعل هذا الفراغ المعرفي ليس إلا نوعا من الإهمال العام الشائع لكل ذخائر التراث في العالم العربي الاسلامي على وجه التحديد، مع أنه لا يمكن في تقديرنا نكران الجهود المبذولة من طرف أساطين الفكر و الاداب و التاريخ لتحقيق مجموعة مهمة من هذه المخطوطات و إخراجها من غيابات النسيان إلى نور الطباعة الحديثة سواء بوسائل فردية أو مؤسساتية أو حتى بمناسبة الإعداد لأطاريح و رسائل جامعية.
و لهذا كان لابد من اقتحام هذه العقبة على الاقل في مستوى التعريف بأهمية الموضوع و ما قد يطرحه من إشكاليات قانونية، و ذلك على ضوء مقتضيات قانون 2.00 المتعلق بحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة مع الإشارة للقوانين المقارنة.
و سوف نقوم بمقاربة هذا الموضوع في ثلاثة محاور، نخصص المحور الأول منها لمفهوم المخطوط و أصوله التاريخية، ثم نعطف في المحور الثاني على بحث الجوانب القانونية التي تثيرها إشكالية حماية المخطوطات، ثم نبين في المحور الثالث سمات الواقع العملي لهذه المخطوطات.
مفهوم المخطوط و اصوله التاريخية
يحاول جاك لومير في كتابه (المدخل الى علم المخطوطات) أن يقارب مجالا تخصصيا ما زال يبحث عن تقعيده العلمي، بل إن الكاتب يطمح حسب قوله إلى تكوين مدخل إلى علم المخطوطات، ويقول إن الكتاب موجه إلى المبتدئين غير المتمرسين في هذا العلم. كما يحاول الكاتب ان يجيب على أحد الأسئلة المركزية في علم المخطوطات وهو : كيف صنع المخطوط في العصر الوسيط ؟
يبدأ جاك لومير بتحديد مفهوم علم المخطوطات أو الكوديكولوجيا انطلاقا من تحديد موضوعه الذي يدرسه، لأن الشرط الرئيسي لكل علم هو الموضوع المتميز، والمنهج الواضح. ويفهم من الكوديكولوجيا أنه العلم الذي يدرس الكتاب والمخطوط، أي علم آثار الكتاب، ومعنى ذلك أنه يهتم بدراسة مختلف مظاهر الصناعة المادية الأولية للكراس أو المخطوط، ويطرح عدة أسئلة توجه الباحث أو يحاول هذا العلم الإجابة عليها، مثل كيف ومتى وأين صنع هذا الكتاب؟ ولأي غاية تم إنجازه؟ ومن هو مستكتبه؟ كما يهتم بأساليب صنع الكتاب في زمن معطى وفي مكان محدود النطاق بعض الشيء، وأيضا يهتم بتقنيات المخطوط في العصر الوسيط. وبهذا المعنى يعتبر علم المخطوطات علما مساعدا للتاريخ باعتباره يبحث في المخطوط كوثيقة تاريخية.
غير أن علم المخطوطات لا يهتم بتاتا بمضمون المخطوط، أو قيمته الفكرية أو المتن الداخلي، وإنما يدرس الكتاب من الناحية الخارجية، مثل نوع الورق أو الرق المستعمل وطبيعته وكيف كان يصنع الرق من جلد الحيوان، وكذلك طريقة جمع أوراق الكتاب، شكل الخط، طريقة وضع أرقام الصفحات، والناسخين للمخطوطات، وأساليب نسخهم للمخطوط، ثم التسفير وتغليف الكتب .... وبجملة واحدة كل ما يهم الكتاب المخطوط من ألفه إلى يائه، أي من إزالة الجلد المستعمل في الكتابة حتى تسفيره وإخراجه وأيضا مصيره بعض ذلك.
ويتتبع جاك لومير تاريخ صناعة الرق في العصور الوسطى وأساليب صنع الرق، فقبل القرن الثاني عشر كانت تلك الصناعة ضعيفة ورديئة ولم تعرف نهضتها إلى مع نهاية القرن الثاني عشر، عند توسع صناعة الرق بظهور الجامعات الكبرى، وقد جعل الرهبان والكهان من صناعة الكتب تخصصهم واستمر ذلك إلى أن اخترعت المطبعة في نهاية القرن الخامس عشر.
وكان الظهور الأول للرق مع الصينيين فهم من اخترعه، وقد أدخله العرب الى الغرب أثناء العصور الوسطى، وانتشر على سواحل البحر الأبيض المتوسط ابتداء من القرون الوسطى. ويبحث عن مرحلة الاستغناء عن الرق في صناعة المخطوط قبل نهاية العصر الوسيط وتغيره بالورق. والورق هو مادة اصطناعية صنعت سابقا بواسطة لفائف نباتية محولة إلى عجين، ويمدد الصناع هذا العجين وينشفونه و يصنعون منه ورقة ذات سمك محدد. ويستطرد الكاتب في وصف طريقة الصناعة والتقنيات والآلات المستعملة لذلك، وطريقة تقطيع الورق واستعماله وأحجام الورق. وتساعد العلامات الموجودة على الورق على تحديد حجم الورق ونوعه وعلى تاريخ وضبط مكان مادة الكراس.
و بعد أن يتم اختيار مادة الكتابة وتحديد نوع الملازم وإنجاز تركيب الصفحات، تأتي مرحلة نسخ النصوص في صناعة الكراس أو المخطوط الوسطي. كانت عمليات النسخ غالبا ما تتم في أماكن يتوفر فيها الصمت والهدوء مثل الأديرة، حيث يعمل الناسخ بعيدا عن الضجيج الذي قد يربكه ويوقعه في الأخطاء، وطريقة النسخ إما تتم مباشرة عبر النقل من الكتاب الأصلي إلى النسخة، أو تتم عن طريق الإملاء، ويمكن أن يكون مجموعة من النساخ ينسخون بطريقة متزامنة في نفس المخطوط. ويستعمل في النسخ القلم أو الريشة، وفي أغلب الأحيان كانت تؤخذ الريشة من ريش الإوز البري، فيتم شق رأسها إلى اثنين لتيسير جريانه على مادة الكتابة.
ويعتبر التسفير آخر عملية من عمليات إنجاز المخطوط في العصر الوسيط، وهو عملية جمع مختلف الملازم وحفظ كل الصحائف المشكلة بواسطة دفتين صلبتين. وذلك لمواجهة الأضرار التي تصيب المخطوطات. لذا يجب على عالم المخطوطات الانتباه إلى تفاصيل عملية التسفير وتدوين الدلائل المادية التي تفيد في معرفة تاريخ المخطوط ومكان تسفيره، كما يعرف إن كان الكتاب قد أعيد تسفيره مرة ثانية بعد ضياع الغلاف الأول، فمثلا الملاحظة الدقيقة تفيد في معرفة إن كان مخطوط ما من القرن 9 م قد أعيد تسفيره بغلاف من القرن 17م وذلك بملاحظة تقنيات التسفير.
وهكذا يمكن القول إن علم المخطوطات يصبح سندا أساسيا في ممارسة النقد الخارجي أو النقد التوثيقي. فهو يجيب على الأسئلة المتعلقة بأصول الوثيقة التي يدرسها الفيلولوجي أو المؤرخ. ويساعد على تحديد التاريخ (وحتى المحْتَرف) الذي ظهرت فيه الوثيقة. وتمكن المعلومات التاريخية التي يقدمها عالم المخطوطات باحث اليوم من أن يقف على المسالك التي مرت عبرها الوثيقة قبل أن تصل إلينا، وذلك عبر التحليل الدقيق للتجليد وللدفة الواقية والتقاييد المتنوعة.
وقد أنتج المسلمون على مَرِّ العصور الإسلامية كمًّا ضخمًا من الكتب والمؤلفات التي وصلتْ إلينا في صورةِ مَلايين من المخطوطات، وهو ما أدَّى إلى نَشْأةِ علم جديد هو: علم المخطوطات العربية، كي يُعنى بدراسة هذا التُّراث وتحقيقه، ونشره وفهرسته، وصيانته وحفظه.
وأنتج الباحثون في علم المخطوطات العربية عددًا كبيرًا من الدِّراسات والبحوث في جميع فروعه وما يرتبطُ به من علوم، وهو ما استلزم إعداد مجموعة من القوائم لحصْر هذا النِّتاج وضبطه، والتعريف به وتيْسير الوُصُول إليه من قِبَل الباحثين في هذا المجال والمعنيِّين به.
الجوانب القانونية لحماية المخطوطات في التشريع المغربي و المقارن
أفرد المشرع المغربي لحماية الحقوق المتعلقة بالمخطوطات مادة فريدة هي المادة 6 من قانون 2.00 التي تنص على أنه
( تضمن الحماية حسب مدلول هذا القانون بخصوص نشر المخطوطات القديمة المحفوظة في الخزانات العمومية أو أماكن إيداع المحفوظات العمومية أو الخصوصية من غير ان يجوز لمنجز هذا النشر التعرض على نشر نفس المخطوطات من جديد استنادا لنفس النص الاصلي )
و الواقع أن هذا النص قد تمت صياغته باقتضاب شديد، مما يثير نوعا من الغموض الذي يصعب معه فهم مقاصد المشرع من إيراد هذه المادة بهذا الإيجاز الشديد، و مع ذلك فسنحاول مقاربة المقتضيات الواردة فيها على ضوء أدبيات و مصطلحات علم المخطوطات، و ما يتفرع عنه من مباحث.
و الملاحظ أن المادة 6 السالفة الذكر لا تشير إلى مسالة في غاية الاهمية في تقديرنا و هي المتعلقة بإشكالية النظام القانوني لملكية المخطوطات الخاصة، ذلك أن مجموعة كبيرة من الأسر المغربية تحتفظ بأعداد من المخطوطات التي ورثتها عن أجدادها، كما أن بعض الأفراد آلت إليهم مخطوطات نادرة عن طريق الاقتناء من الغير أو الهبة أو الوصية، مما يطرح إشكالا حول مفهوم ملكية هذه المخطوطات، هل ينحصر في الملكية المادية بالمفهوم الضيق أم تنصرف آثاره إلى الحق الاستئثاري بالنشر، و وجوب الإشارة إلى حائز المخطوطة عند كل إشارة إليها و عند نشرها، و غير ذلك من الإشكاليات التي قد لا تنفع معها النصوص القانونية المنظمة لحقوق الملكية الادبية و الفكرية.
و لعل هذا الفراغ التشريعي ليس حكرا على قانون حقوق المؤلف المغربي بل نجد له مثيلا في كثير من التشريعات العربية التي و إن كانت قد أشارت إلى ضرورة حماية المخطوطات فإنها لم تحدد موقفا واضحا من مسألة حقوق ملكية الحائزين لها.
و هذا ما جعل بعض الباحثين في فن المخطوطات في الجزائر يدعون لإعادة النظر في قانون حقوق المؤلف وحقوق الملكية الجزائري ، وهذا حتى يتاح للعائلات المالكة للمخطوطات أن تسلم ما بحوزتها من مخطوطات للهيئات المختصة من أجل دراسة هذا النوع من التراث الإسلامي وتصنيفه، وأرشفته حتى لا يتعرض للضياع والتلف، مع العلم أن السفارة الأمريكية في الجزائر دخلت على الخط و عقدت اتفاقية مع جامعة الامير عبد القادر للتعاون في كل ما من شأنه جمع شتات المخطوطات و تصنيفها.
و يقدر بعض الباحثين مثلا عدد المخطوطات المنتشرة اليوم في دولة مالي بنحو 950 ألف مخطوطة. 100 ألف موجودة في تمبكتو وحدها في يد عائلات عريقة ورثتها أبا عن جد، والباقي في مناطق أخرى من مالي كمناطق غاو، وكايس، وسيغو، وكيدال، وأيضا في موريتانيا والنيجر وفرنسا والمغرب وإسبانيا تبعا للفترات الاستعمارية التي تعرضت لها هذه المنطقة. أهم هذه المكتبات العائلية مكتبة «ماما حيدرة» التي تضم نحو 9500 مخطوطة، وهي ملك لعائلة حيدرة المعروفة بعلمائها وقضاتها، وقد تلقت معونات مادية من منظمات أميركية وبريطانية لجمع المخطوطات وحفظها، ومكتبة تمبكتو الأندلسية المسماة أيضا مكتبة «فوندو كانتي» وهي ملك لعائلة إسماعيل ديادي حيدرة، وهي تضم نحو 7000 مخطوطة يتم فهرستها الآن، إضافة لمكتبة «واناكاري» التابعة لعائلة مختار الواناكري، وهي تضم نصوصا في الفقه وتفسير القرآن والنحو، والأهم: معهد «أحمد بابا للتعليم العالي والبحوث الإسلامية» الذي يضم اليوم نحو 30 ألف مخطوطة معظمها كانت ملكا لعائلة أحمد بابا الذي كان عالما كبيرا وعائلات أخرى من تمبكتو تم جمعها بفضل جهود شخصيات علمية بارزة، وقد أنشئ هذا المركز أول مرة عام 1973 واستفاد من تمويل دول كجنوب أفريقيا، والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت.
أما محمود زبير المؤرخ ومدير معهد أحمد بابا، فيتحدث عن مشكلة أخرى متعلقة بتردد الأهالي في تسليم الكتب والمخطوطات للمعاهد التي تتولى حفظها وفهرستها، قائلا: «كثير من مكتبات هذه العائلات تعرضت للنهب وللحرق، خلال الاستعمار الفرنسي، ولهذا السبب، فإن عائلات مالي التي ورثت هذه الكنوز المعرفية باتت لا تمنح ثقتها بسهولة، وكثير منها استمروا في حفظ هذه المخطوطات في أقبية منازلهم وفي صناديق حديدية وحتى تحت الرمال بالنسبة للطوارق».
وتتراوح أرصدة المخطوطات العربية المحفوظة في مختلف خزائن العالم ما بين ثلاثة إلى خمسة ملايين مخطوط بينما لا تتجاوز المخطوطات اليونانية خمسين ألف مخطوط، وتتراوح المخطوطات اللاتينية بين ثلاثمائة ألف وخمسمائة ألف مخطوط.
ويشكل المغرب أكبر مراكز تجمع هذه المخطوطات، ويعتقد الباحثون في مجال المخطوطات أن المغرب يحتفظ في بعض الخزانات العامة ضمن الأرصدة التي لم تفهرس بعد في خزانات أخرى مخطوطات خاصة بكتب الإغريق واللاتين، التي نقل بعضها إلى اللغة العربية، والتي لا توجد في أي بلد عربي آخر..
ومما يدل على هذا اهتمام الباحثين الأوربيين بهذه المخطوطات، وبحثهم عنها في بلاد المغرب، وحصولهم على ما تعذر الحصول عليه من مخطوطات عربية غير مترجمة في جهات أخرى، مكابدتهم من أجل البحث عن الوثيقة التاريخية للمؤرخ اللاتيني تيتوس ليفوس صاحب العشريات. فقد بحث عنها باي لعباسي ثم المستشرق ليفي بروفنسال فلم يجدها، مع أن بروفنسال أكد من جهته أن المؤرخ ابن خلدون قد قرأ هذا الكتاب في ترجمته الكلية أو الجزئية إلى العربية.
و لهذا فإن مقاربتنا للمادة 6 من قانون حقوق المؤلف المغربي لا يمكن ان تمر دون بيان أهمية تنظيم المشرع المغربي لملكية المخطوطات الخاصة، لأن هناك أعدادا هائلة منها غير محفوظة في الخزانات الوطنية، و الغريب أن ظاهر صياغة هذه المادة توحي باستبعاد المشرع المغربي لكل المخطوطات الني يحوزها الخواص من الحماية التي يكفلها قانون 2.00 و الحال أنها اولى بالحماية من غيرها، كما أن هذا الفراغ التشريعي يجعلنا مجبرين على الاستناد للقواعد العامة في حماية المخطوطات الخاصة، و أهم هذه القواعد هي كون الحيازة سند الملكية في المنقول، و بالتالي يصبح كل حائز لمخطوط مالكا له إلى ان يثبت العكس، و الواقع ان هذه القاعدة و إن كانت قد تضفي الحماية على المخطوطات المتوارثة أو التي حصل عليها البعض بواسطة الهبة أو الوصية، فإنها قد تثير إشكالات كثيرة بشأن إثبات البيوع المتعلقة بها، خاصة أن هناك بعض العصابات المتخصصة في الاستيلاء على هذه المخطوطات بإيهام حائزيها برغبتهم بشرائها أو مجرد الاطلاع عليها، فيتم تهريبها بطرق ملتوية و بيعها إلى المراكز الاستشراقية الغربية بأثمان خيالية.
إن ما سبق بيانه يستوجب تدخل المشرع المغربي لسن قانون خاص لحماية المخطوطات المنتشرة في المغرب من الاندثار و الضياع و النهب و التهريب، و ذلك إسوة بالمشرع المصري الذي أصدر قانونا حديثا سنة 2009 و هو قانون رقم 8 لسنة99 الذي صدر بالجريدة الرسمية بتاريخ 18 فبراير 2009 بعد مصادقة مجلس الشعب، و سوف نعرض لبعض مقتضياته نظرا لاهميتها الشديدة.
و قبل أن نعرض لمقتضيات التشريع المصري الجديد نشير إلى النقاش الفقهي الكبير الذي رافق مسطرة مناقشته داخل البرلمان المصري، و مختلف الكتابات المعترضة على إصدار هذا القانون بحجة مخالفته لحرية التملك و نصه على جزاءات جنائية.
فقد أعلن عضو الكتلة البرلمانية للاخوان المسلمين في مجلس الشعب النائب محسن راضي خلال الندوة التي نظمها «المعهد الديموقراطي المصري» حول مشروع قانون حماية المخطوطات تقدمه بمشروع قانون مواز لمشروع الحكومة لحماية المخطوطات العربية، يتم طرحه على البرلمانات العربية على غرار وثيقة وزراء الإعلام العرب، مؤكدا أنها تهدف إلى حماية المخطوطات العربية خاصة أن أغلبها سرق من مصر وفلسطين والعراق وسورية. ورأى راضى أن القانون الحالي لا يوفر الحماية للمخطوطات وأن القانون الجديد سيوفر حماية لسرقة المخطوطات مجددًا حيث إنه لا يخضع الموظف سارق المخطوطة إلى عقوبة مغلظة ضمن قانون العقوبات بوصفه مرتكبا لجناية سرقة.
كما تم التحذير من تحول القانون إلى سيف على رقاب المثقفين حائزي المخطوطات، كما حذر من تحنيطها لدى الجهات الحكومية واستمرار غياب جهة محددة مسؤولة عن الحصر والجمع والتصوير والاتاحة للمخطوطات وطالب بفصل القضاء الإداري بين لجنة نزع حيازة المخطوطات وصاحبها في شأن تقييم ثمنها المادي مع الإبقاء على حقه المعنوي والأصلي في إرثها وحيازتها.
كما تم التحذير ايضا من خطورة انتعاش التهريب بنص القانون الجديد الذي يطبق عقوبات متدرجة ومتأخرة زمنيا، واقترح تحديد أهمية المخطوطات عبر لجنة علية تصدر قراراتها تحت إشراف الوزير المختص على أن تضم ممثلين في وزارة العدل بجانب علماء متخصصين وأيد راضي عودة الاعتراف بالمزادات في محاولة لاستعادة المخطوطات المصرية والوثائق المهربة.
من جانبه، اتهم مدير التوثيق الأثري في المجلس الأعلى للآثار د. محمد الششتاوي القائمين على حماية المخطوطات والوثائق ومراقبي وحدة المضبوطات والمنافذ «بتسهيل تهريب المخطوطات والوثائق المصرية»، وقال (غير خفي على أحد أن هذه الوحدة التي صارت بؤرة للفساد ، وأن 99 في المئة من مخطوطات مصر موجودة في دار الكتب وأن وكلاء الوزارات القائمين عليها هم من يسرقونها )على حد قوله.
من جانبه، قال أحمد نصر مدير وحدة الأبحاث والدراسات في المعهد الديموقراطي المصري إن 60 مليون وثيقة تمثل ثروة قومية وتاريخية لمصر تظل خارج نطاق الأمان لسهولة سرقتها وعدم وجود أمناء حقيقيين عليها أو محاسبتهم، في الوقت الذي اكتفي فيه وزير الثقافة بتوثيقها عن طريق الأرشفة فقط وأن خطوات الوزير لم تحمِ المخطوطات الموزعة على مكتبات الأوقاف ودار الكتب والأزهر الشريف وعدد من المكتبات العامة والخاصة ليتم الاتجار بها أو تهريبها للخارج دون رادع قانوني.
و رغم هذا النقاش الشديد فقد صدر التشريع المصري المشار إليه سابقا.
وحدد التشريع الجديد مفهوم المخطوط الذى يطبق عليه أحكام القانون معتبرا المخطوط كل ما دون بخط اليد قبل عصر الطباعة متى كان يشكل إبداعا فكريا أو فنيا أيا كان نوعه وكل أصل لكتاب لم يتم نشره أو نسخة نادرة من كتاب نفذت طباعته إذا كان له من القيمة الفكرية أو الفنية ما ترى الهيئة أن فى حمايته مصلحة قومية وأعلنت ذوى الشأن به.
وينص التشريع المصري على أن تكون الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية دون غيرها الجهة المختصة فيما يتعلق بتطبيق أحكام هذا القانون ويعبر عنه بالهيئة، كما نص على أن تنشأ بالهيئة لجنة دائمة من الخبراء الفنيين والقانونيين والإداريين وممثلى الأزهر ووزارتى الأوقاف والعدل وكذا الجهات المعنية بالحفاظ على المخطوطات ويصدر بتشكيلها قرار من الوزير المختص بالثقافة, وتخول اللجنة بوضع المعايير التفصيلية الخاصة بالمخطوطات وتصنيفها وترقيمها وتقييمها ورقابتها بما يكفل المحافظة عليها وتنشر قراراتها فى الوقائع المختصة.
ونص القانون المصري كذلك على ضرورة أن يلتزم كل من يحوز مخطوطا بإبلاغ الهيئة عنه خلال عام واحد من تاريخ العمل بهذا القانون ويلتزم كل من يحوز أو يعثر على مخطوط بعد العمل بهذا القانون بإبلاغ الهيئة عنه خلال ثلاثين يوما، وتلتزم الهيئة بصيانة وترميم المخطوطات المسجلة لديها التى يحوزها الأفراد، وتتحمل الهيئة والحائز التكلفة مناصفة.
ومن بين مقتضيات التشريع المصري الجديد أنه يحظر على حائز المخطوط إخراجه من مصر إلا بناء على إذن كتابى من الهيئة بعد التأمين عليه ويحق للهيئة تحقيقا للمصلحة العامة استعارة المخطوط من حائزه لمدة معينة بمقابل مادى يتفق عليه الطرفان، ويجوز لها كذلك تحقيقا لمصلحة عامة شراء ما ترى ضمه إليها من مخطوطات.
و نعتقد أن أغرب و أخطر ما جاء به التشريع المصري بشأن حماية المخطوطات هو نصه على جزاءات جنائية مشددة تتضمن غرامات و عقوبات حبسية و إضافية.
و هكذا نص قانون حماية المخطوطات المصري على معاقبة كل من يخالف أحكام القانون بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد عن خمسين ألفا من لم يبلغ الهيئة عن حيازته لمخطوط أو عثوره عليه أو عدم تسجيله لدى الهيئة، كما يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد عن مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين من أخرج مخطوط من مصر, ويجوز للمحكمة أن تحكم بمصادرة المخطوط وتضاعف عقوبتى الحبس والغرامة إذا كان الفاعل من المؤتمنين على المخطوط مع عزله من الوظيفة.
و بمجرد صدور هذا القانون لقي معارضة قوية من بعض الفقه القانوني المصري الذي اعتبره اعتداء صريحا على حق الملكية المضمون دستوريا، في حين ذهب البعض الاخر إلى تكييف مقتضياته باعتبارها تدخل في نطاق نزع الملكية لأجل المصلحة العامة، و هو الاتجاه الذي نؤيده و نرى أنه مناسب للتطبيق في المغرب بشروط، من اهمها ان يكون التعويض عادلا و أن تتاح للحائز إمكانية الطعن في مقرر التعويض لدى المحكمة الادارية في إطار القضاء الشامل، و أن يتم الاشارة في تعريف المخطوط إلى هوية صاحبه الاصلي في الفهارس الاصلية و الدراسات الاكاديمية ما لم يتنازل عن هذا الحق صراحة.
حماية المخطوطات و الواقع العملي
إن مناط حماية المخطوطات وفقا لمقتضيات المادة 6 من قانون حقوق المؤلف و الحقوق المجاورة هو النشر، سواء استند هذا النشر إلى مخطوطة محفوظة في الخزانات العامة أو في أماكن إيداع المصنفات، و يبقى من البديهي أن نعرف بطرائق النشر المعتمدة لإخراج المخطوطات للعموم بواسطة الطباعة و ما يرافق ذلك من وجوب تحقيقها و معالجتها وفق المناهج العلمية الرصينة، و ذلك حتى نتبين مناحي الحماية القانونية من الوجهة العملية البحثة مع الإشارة للقرصنة التي يعرفها هذا الميدان.
و نشر المخطوطات يستوجب أن يكون الناشر على دراية واسعة بعلم التحقيق.
ولا بد أن يسعى المحقِّقُ بادئَ ذي بدء إلى التعرُّف على نُسَخ مخطوطه التي قد تكون منتشرة في مكتبات العالم، ووسيلتُه إلى ذلك فهارس المخطوطات المختلفة، على أن أجلَّ الكتب المصنفة في هذا الباب، وأكثرها نفعًا للمحقِّق: كتاب "تاريخ الأدب العربي" للمستشرق الألماني كارل بروكلمان؛ فهو سجلٌّ ضخمٌ للمصنفات العربية، سواء المخطوط منها والمطبوع، مع العناية بتراجم المؤلفين، والدلالة على أماكن وجود المخطوطات في مكتبات العالم المختلفة، وقد ترجم إلى العربية أجزاء منه، وما تزال بقيته تنتظر من يترجمها، وكذا كتاب "تاريخ التراث العربي" للأستاذ الدكتور فؤاد سزكين، وهو أعظم من كتاب بروكلمان.
وأول محاولة لوضع قواعد علمية دقيقة لنشر المخطوطات مستقاة من نهج المستشرقين الألمان والفرنسيين ومن قواعد المحدثين القدامى في ضبط الروايات ومن خبرة شخصية كانت للدكتور صلاح الدين المنجد في كتيبه "قواعد تحقيق المخطوطات"، ثم تلاه في ذلك الدكتور اسد رستم وغيره من الذين كتبوا في المنهجية التاريخية وجلّهم يجمعون على ما ذكره المنجد مع زيادة بعض التفاصيل توخياً للدقة.
وغاية التحقيق تقديمُ المخطوط صحيحًا كما وضَعَه مؤلِّفُه، أو هو أقرب إلى ما وضعه مؤلفه، دون شرحه، ومعنى ذلك أن الجهود التي تبذل في كل مخطوط يجب أن تتناول البحث في تحقيق العنوان اولا لأن بعضُ المخطوطات خِلْوٌ من العنوان؛ إما لفقْد الورقة الأولى منها، أو لانطماس العنوان، أو لمخالفته الواقعَ لداعٍ من دواعي التزييف أو الجهل، ولا بد في هذه الأحوال من الرجوع إلى طائفة من كتُب التراجم والتصنيف، كـ"الفهرست" لابن النديم، و"كشف الظنون" لحاجي خليفة، و"معجم الأدباء" لياقوت الحَمَوي، وغيرها، ويساعد في ذلك أيضًا معرفةُ أسلوب المؤلف وطريقته في التصنيف.
ولا بد للناشر من التأكُّد من صحة ما يوضع على غلاف المخطوطة من معلومات؛ فقد ينسب كتابٌ إلى غير صاحبه، وخيرُ مثال على ذلك "معجم العين" - أول معجم في تراثنا العربي - فقد نُسب إلى الخليل بن أحمد، وفي هذه لنسبة نظرٌ، وقد يُطمَس اسمُ المؤلف، أو يمحى، أو يعتريه التصحيف والتحريف، فالنصريُّ قد يصحف بالبصري، والحسنُ بالحسين، والخرازُ بالخزار... إلخ، كلُّ ذلك يوجب علينا أن نراجع فهارس المكتبات، وكتب المؤلفات، وكتب التراجم والمتشابه، وكتب التصحيف والتحريف؛ لنقف على حقيقة المؤلف، ونستوثق من نسبة الكتاب إليه.
وتُعَدُّ الاعتباراتُ التاريخية من أقوى المقاييس في تصحيح نسبة الكتاب أو تزييفها؛ فالكتاب الذي تُحشد فيه أخبارٌ تاريخية تالية لعصر مؤلِّفه الذي نُسب إليه، جديرٌ بأن يسقط من حساب ذلك المؤلف، من ذلك كتابٌ يُنسب إلى الجاحظ عنوانه: (تنبيه الملوك والمكايد) فيه كلام على كافور الإخشيدي، مع أن هذا الأخير ولد بعد وفاة الجاحظ بعشرات السنين (292هـ)، على حين توفي الجاحظ سنة (255هـ).
وعلى المحقِّق أن يرمز لنسخ المخطوطة المختلفة برموز معينة، يشير إليها عند مقابلة النسخ، حيث يثبت اختلافاتها مع نسخة الأصل في الهامش، ولا ينبغي إثقال الحواشي بفروقات ضئيلة، واختلافاتٍ يسيرة، لا يتوقَّف عليها أيُّ معنى، ولا يتحصل منها أيُّ فائدة، كاختلاف النسخ بحرف المضارعة (يفعل - تفعل) وما شابه ذلك، وهكذا يُثبت المحقِّقُ نصَّ نسخة الأصل في المتن، ما لم تجانِبِ الصوابَ، فإذا تبين له أنها صُحِّفتْ، أو حُرِّفتْ، أو جانبَتِ الصوابَ بوجه من الوجوه - تعيَّنَ عليه أن يثبت ما يراه صوابًا مما تتضمنه بقيةُ النسخ، إلا إذا كانت نسخة الأصل بخط المؤلف، فيثبت عندئذٍ الخطأَ في المتن ويصحِّحه في الهامش، ويحسن أن يعلل المحقِّق ما يذهب إلى ترجيحه من عبارات وألفاظ تُخالِفُ ما عليه نسخةُ الأصل، وإذا احتاج النص إلى زيادة ليست في الأصول، فعليه أن يجعلها بين معقوفتين.
ولا ريب أن الكتب القديمة - بما تضمنتْ من معارفَ قديمةٍ - محتاجةٌ إلى توضيحٍ يخفِّف ما فيها من غموض، ويحمل إلى القارئ الثقةَ بما يقرأ، والاطمئنانَ إليه، ومن هنا كان من المستحسَن ألاَّ يترك المحقِّقُ الكتابَ غُفْلاً من التعليقات الضرورية اللازمة لفهم النص، دون شطط أو تزيُّد يؤدِّي إلى إثقال الحواشي، وتحميل الكتاب ما لا طاقة له به، إلا أن هناك أمورًا لا بد منها في تحقيق أي كتاب، وهي تخريج الآيات القرآنية، والأحاديث الشريفة، والأشعار المختلفة، وترجمة الأعلام التي يمرُّ ذِكرُها، ولا بد من توثيق كلِّ ذلك بعزوه إلى مصدره والمرجع الذي أخذ منه، ويُراعى ذِكرُ الجزء والصفحة دون الإشارة إلى سائر المعلومات؛ لأن موضعها مسرد المراجع الذي يأتي الكلام عليه.
وينشر المخطوط كما وضعه المؤلف من دون زيادة او نقصان او تصويب. واذا نقل المؤلف نصوصاً من مصادر اخرى، وجب على الناشر اسنادها الى اصلها والتأكد من صحة نقله لها. واذا لم يذكر مصادره، فعلى المحقق ان يكون على درجة من الاحاطة بموضوعه تسمح له باكتشاف المصدر الدي اخذ عنه الكاتب والتأكد ايضاً من صحة ما ورد عنده.
و لهذا فإن قوانين الملكية الفكرية عموما تحمي جهود المحققين نظرا للعناء الكبير المبذول في التحقيق.
و في هذا السياق، حكمت محكمة استئناف المنصورة بمصادرة طبعة كتاب (البرهان في أصول الفقه) الصادر عن دار الكتب العلمية ببيروت بتحقيق صلاح محمد عويضة وتغريمه خمسة آلاف جنيه والزامه بدفع مبلغ مقداره 51 جنيها علي سبيل التعويض المؤقت، وقد صدر هذا الحكم لصالح المحقق الأصلي الدكتور عبدالعظيم محمود الديب الذي حقق هذا الكتاب في الثمانينات وصدر عن مكتبة إمام الحرمين.
خاتمة
و خلاصة القول أن حماية قانون 2.00 لنشر المخطوطات لا ترقى إلى مستوى الحماية المخولة لباقي أنواع المصنفات الواردة في هذا القانون، و لعل ما يدل على إهمال هذا الجانب من قبل المشرع هو إفراده لمادة وحيدة لتنظيم مقتضيات نشر المخطوطات و الحال أن المشرع المصري مثلا أفرد لها قانونا خاصا متضمنا لعقوبات زجرية و سار على نهجه المشرع اليمني، و بالإضافة إلى ذلك فإن نزع ملكية المخطوطات من الخواص للمصلحة العامة صار ضرورة قومية في نظرنا، و إن كنا نرى أن هذه المصادرة يجب أن ترافقها مسطرة مرنة لأداء تعويضات عادلة للمالكين الأصلية.
إن دراسة موضوع الحماية القانونية للمخطوطات لم يكتب لها من الذيوع و الانتشار في الأوساط الأكاديمية الحقوقية ما يرقى لتراكم معرفي و لو تعلق بمفاهيم اساسية أو مبادئ عامة فضلا عن محاولة إنشاء نظرية عامة او ترسيخ اجتهادات قضائية.
و لعل هذا الفراغ المعرفي ليس إلا نوعا من الإهمال العام الشائع لكل ذخائر التراث في العالم العربي الاسلامي على وجه التحديد، مع أنه لا يمكن في تقديرنا نكران الجهود المبذولة من طرف أساطين الفكر و الاداب و التاريخ لتحقيق مجموعة مهمة من هذه المخطوطات و إخراجها من غيابات النسيان إلى نور الطباعة الحديثة سواء بوسائل فردية أو مؤسساتية أو حتى بمناسبة الإعداد لأطاريح و رسائل جامعية.
و لهذا كان لابد من اقتحام هذه العقبة على الاقل في مستوى التعريف بأهمية الموضوع و ما قد يطرحه من إشكاليات قانونية، و ذلك على ضوء مقتضيات قانون 2.00 المتعلق بحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة مع الإشارة للقوانين المقارنة.
و سوف نقوم بمقاربة هذا الموضوع في ثلاثة محاور، نخصص المحور الأول منها لمفهوم المخطوط و أصوله التاريخية، ثم نعطف في المحور الثاني على بحث الجوانب القانونية التي تثيرها إشكالية حماية المخطوطات، ثم نبين في المحور الثالث سمات الواقع العملي لهذه المخطوطات.
مفهوم المخطوط و اصوله التاريخية
يحاول جاك لومير في كتابه (المدخل الى علم المخطوطات) أن يقارب مجالا تخصصيا ما زال يبحث عن تقعيده العلمي، بل إن الكاتب يطمح حسب قوله إلى تكوين مدخل إلى علم المخطوطات، ويقول إن الكتاب موجه إلى المبتدئين غير المتمرسين في هذا العلم. كما يحاول الكاتب ان يجيب على أحد الأسئلة المركزية في علم المخطوطات وهو : كيف صنع المخطوط في العصر الوسيط ؟
يبدأ جاك لومير بتحديد مفهوم علم المخطوطات أو الكوديكولوجيا انطلاقا من تحديد موضوعه الذي يدرسه، لأن الشرط الرئيسي لكل علم هو الموضوع المتميز، والمنهج الواضح. ويفهم من الكوديكولوجيا أنه العلم الذي يدرس الكتاب والمخطوط، أي علم آثار الكتاب، ومعنى ذلك أنه يهتم بدراسة مختلف مظاهر الصناعة المادية الأولية للكراس أو المخطوط، ويطرح عدة أسئلة توجه الباحث أو يحاول هذا العلم الإجابة عليها، مثل كيف ومتى وأين صنع هذا الكتاب؟ ولأي غاية تم إنجازه؟ ومن هو مستكتبه؟ كما يهتم بأساليب صنع الكتاب في زمن معطى وفي مكان محدود النطاق بعض الشيء، وأيضا يهتم بتقنيات المخطوط في العصر الوسيط. وبهذا المعنى يعتبر علم المخطوطات علما مساعدا للتاريخ باعتباره يبحث في المخطوط كوثيقة تاريخية.
غير أن علم المخطوطات لا يهتم بتاتا بمضمون المخطوط، أو قيمته الفكرية أو المتن الداخلي، وإنما يدرس الكتاب من الناحية الخارجية، مثل نوع الورق أو الرق المستعمل وطبيعته وكيف كان يصنع الرق من جلد الحيوان، وكذلك طريقة جمع أوراق الكتاب، شكل الخط، طريقة وضع أرقام الصفحات، والناسخين للمخطوطات، وأساليب نسخهم للمخطوط، ثم التسفير وتغليف الكتب .... وبجملة واحدة كل ما يهم الكتاب المخطوط من ألفه إلى يائه، أي من إزالة الجلد المستعمل في الكتابة حتى تسفيره وإخراجه وأيضا مصيره بعض ذلك.
ويتتبع جاك لومير تاريخ صناعة الرق في العصور الوسطى وأساليب صنع الرق، فقبل القرن الثاني عشر كانت تلك الصناعة ضعيفة ورديئة ولم تعرف نهضتها إلى مع نهاية القرن الثاني عشر، عند توسع صناعة الرق بظهور الجامعات الكبرى، وقد جعل الرهبان والكهان من صناعة الكتب تخصصهم واستمر ذلك إلى أن اخترعت المطبعة في نهاية القرن الخامس عشر.
وكان الظهور الأول للرق مع الصينيين فهم من اخترعه، وقد أدخله العرب الى الغرب أثناء العصور الوسطى، وانتشر على سواحل البحر الأبيض المتوسط ابتداء من القرون الوسطى. ويبحث عن مرحلة الاستغناء عن الرق في صناعة المخطوط قبل نهاية العصر الوسيط وتغيره بالورق. والورق هو مادة اصطناعية صنعت سابقا بواسطة لفائف نباتية محولة إلى عجين، ويمدد الصناع هذا العجين وينشفونه و يصنعون منه ورقة ذات سمك محدد. ويستطرد الكاتب في وصف طريقة الصناعة والتقنيات والآلات المستعملة لذلك، وطريقة تقطيع الورق واستعماله وأحجام الورق. وتساعد العلامات الموجودة على الورق على تحديد حجم الورق ونوعه وعلى تاريخ وضبط مكان مادة الكراس.
و بعد أن يتم اختيار مادة الكتابة وتحديد نوع الملازم وإنجاز تركيب الصفحات، تأتي مرحلة نسخ النصوص في صناعة الكراس أو المخطوط الوسطي. كانت عمليات النسخ غالبا ما تتم في أماكن يتوفر فيها الصمت والهدوء مثل الأديرة، حيث يعمل الناسخ بعيدا عن الضجيج الذي قد يربكه ويوقعه في الأخطاء، وطريقة النسخ إما تتم مباشرة عبر النقل من الكتاب الأصلي إلى النسخة، أو تتم عن طريق الإملاء، ويمكن أن يكون مجموعة من النساخ ينسخون بطريقة متزامنة في نفس المخطوط. ويستعمل في النسخ القلم أو الريشة، وفي أغلب الأحيان كانت تؤخذ الريشة من ريش الإوز البري، فيتم شق رأسها إلى اثنين لتيسير جريانه على مادة الكتابة.
ويعتبر التسفير آخر عملية من عمليات إنجاز المخطوط في العصر الوسيط، وهو عملية جمع مختلف الملازم وحفظ كل الصحائف المشكلة بواسطة دفتين صلبتين. وذلك لمواجهة الأضرار التي تصيب المخطوطات. لذا يجب على عالم المخطوطات الانتباه إلى تفاصيل عملية التسفير وتدوين الدلائل المادية التي تفيد في معرفة تاريخ المخطوط ومكان تسفيره، كما يعرف إن كان الكتاب قد أعيد تسفيره مرة ثانية بعد ضياع الغلاف الأول، فمثلا الملاحظة الدقيقة تفيد في معرفة إن كان مخطوط ما من القرن 9 م قد أعيد تسفيره بغلاف من القرن 17م وذلك بملاحظة تقنيات التسفير.
وهكذا يمكن القول إن علم المخطوطات يصبح سندا أساسيا في ممارسة النقد الخارجي أو النقد التوثيقي. فهو يجيب على الأسئلة المتعلقة بأصول الوثيقة التي يدرسها الفيلولوجي أو المؤرخ. ويساعد على تحديد التاريخ (وحتى المحْتَرف) الذي ظهرت فيه الوثيقة. وتمكن المعلومات التاريخية التي يقدمها عالم المخطوطات باحث اليوم من أن يقف على المسالك التي مرت عبرها الوثيقة قبل أن تصل إلينا، وذلك عبر التحليل الدقيق للتجليد وللدفة الواقية والتقاييد المتنوعة.
وقد أنتج المسلمون على مَرِّ العصور الإسلامية كمًّا ضخمًا من الكتب والمؤلفات التي وصلتْ إلينا في صورةِ مَلايين من المخطوطات، وهو ما أدَّى إلى نَشْأةِ علم جديد هو: علم المخطوطات العربية، كي يُعنى بدراسة هذا التُّراث وتحقيقه، ونشره وفهرسته، وصيانته وحفظه.
وأنتج الباحثون في علم المخطوطات العربية عددًا كبيرًا من الدِّراسات والبحوث في جميع فروعه وما يرتبطُ به من علوم، وهو ما استلزم إعداد مجموعة من القوائم لحصْر هذا النِّتاج وضبطه، والتعريف به وتيْسير الوُصُول إليه من قِبَل الباحثين في هذا المجال والمعنيِّين به.
الجوانب القانونية لحماية المخطوطات في التشريع المغربي و المقارن
أفرد المشرع المغربي لحماية الحقوق المتعلقة بالمخطوطات مادة فريدة هي المادة 6 من قانون 2.00 التي تنص على أنه
( تضمن الحماية حسب مدلول هذا القانون بخصوص نشر المخطوطات القديمة المحفوظة في الخزانات العمومية أو أماكن إيداع المحفوظات العمومية أو الخصوصية من غير ان يجوز لمنجز هذا النشر التعرض على نشر نفس المخطوطات من جديد استنادا لنفس النص الاصلي )
و الواقع أن هذا النص قد تمت صياغته باقتضاب شديد، مما يثير نوعا من الغموض الذي يصعب معه فهم مقاصد المشرع من إيراد هذه المادة بهذا الإيجاز الشديد، و مع ذلك فسنحاول مقاربة المقتضيات الواردة فيها على ضوء أدبيات و مصطلحات علم المخطوطات، و ما يتفرع عنه من مباحث.
و الملاحظ أن المادة 6 السالفة الذكر لا تشير إلى مسالة في غاية الاهمية في تقديرنا و هي المتعلقة بإشكالية النظام القانوني لملكية المخطوطات الخاصة، ذلك أن مجموعة كبيرة من الأسر المغربية تحتفظ بأعداد من المخطوطات التي ورثتها عن أجدادها، كما أن بعض الأفراد آلت إليهم مخطوطات نادرة عن طريق الاقتناء من الغير أو الهبة أو الوصية، مما يطرح إشكالا حول مفهوم ملكية هذه المخطوطات، هل ينحصر في الملكية المادية بالمفهوم الضيق أم تنصرف آثاره إلى الحق الاستئثاري بالنشر، و وجوب الإشارة إلى حائز المخطوطة عند كل إشارة إليها و عند نشرها، و غير ذلك من الإشكاليات التي قد لا تنفع معها النصوص القانونية المنظمة لحقوق الملكية الادبية و الفكرية.
و لعل هذا الفراغ التشريعي ليس حكرا على قانون حقوق المؤلف المغربي بل نجد له مثيلا في كثير من التشريعات العربية التي و إن كانت قد أشارت إلى ضرورة حماية المخطوطات فإنها لم تحدد موقفا واضحا من مسألة حقوق ملكية الحائزين لها.
و هذا ما جعل بعض الباحثين في فن المخطوطات في الجزائر يدعون لإعادة النظر في قانون حقوق المؤلف وحقوق الملكية الجزائري ، وهذا حتى يتاح للعائلات المالكة للمخطوطات أن تسلم ما بحوزتها من مخطوطات للهيئات المختصة من أجل دراسة هذا النوع من التراث الإسلامي وتصنيفه، وأرشفته حتى لا يتعرض للضياع والتلف، مع العلم أن السفارة الأمريكية في الجزائر دخلت على الخط و عقدت اتفاقية مع جامعة الامير عبد القادر للتعاون في كل ما من شأنه جمع شتات المخطوطات و تصنيفها.
و يقدر بعض الباحثين مثلا عدد المخطوطات المنتشرة اليوم في دولة مالي بنحو 950 ألف مخطوطة. 100 ألف موجودة في تمبكتو وحدها في يد عائلات عريقة ورثتها أبا عن جد، والباقي في مناطق أخرى من مالي كمناطق غاو، وكايس، وسيغو، وكيدال، وأيضا في موريتانيا والنيجر وفرنسا والمغرب وإسبانيا تبعا للفترات الاستعمارية التي تعرضت لها هذه المنطقة. أهم هذه المكتبات العائلية مكتبة «ماما حيدرة» التي تضم نحو 9500 مخطوطة، وهي ملك لعائلة حيدرة المعروفة بعلمائها وقضاتها، وقد تلقت معونات مادية من منظمات أميركية وبريطانية لجمع المخطوطات وحفظها، ومكتبة تمبكتو الأندلسية المسماة أيضا مكتبة «فوندو كانتي» وهي ملك لعائلة إسماعيل ديادي حيدرة، وهي تضم نحو 7000 مخطوطة يتم فهرستها الآن، إضافة لمكتبة «واناكاري» التابعة لعائلة مختار الواناكري، وهي تضم نصوصا في الفقه وتفسير القرآن والنحو، والأهم: معهد «أحمد بابا للتعليم العالي والبحوث الإسلامية» الذي يضم اليوم نحو 30 ألف مخطوطة معظمها كانت ملكا لعائلة أحمد بابا الذي كان عالما كبيرا وعائلات أخرى من تمبكتو تم جمعها بفضل جهود شخصيات علمية بارزة، وقد أنشئ هذا المركز أول مرة عام 1973 واستفاد من تمويل دول كجنوب أفريقيا، والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت.
أما محمود زبير المؤرخ ومدير معهد أحمد بابا، فيتحدث عن مشكلة أخرى متعلقة بتردد الأهالي في تسليم الكتب والمخطوطات للمعاهد التي تتولى حفظها وفهرستها، قائلا: «كثير من مكتبات هذه العائلات تعرضت للنهب وللحرق، خلال الاستعمار الفرنسي، ولهذا السبب، فإن عائلات مالي التي ورثت هذه الكنوز المعرفية باتت لا تمنح ثقتها بسهولة، وكثير منها استمروا في حفظ هذه المخطوطات في أقبية منازلهم وفي صناديق حديدية وحتى تحت الرمال بالنسبة للطوارق».
وتتراوح أرصدة المخطوطات العربية المحفوظة في مختلف خزائن العالم ما بين ثلاثة إلى خمسة ملايين مخطوط بينما لا تتجاوز المخطوطات اليونانية خمسين ألف مخطوط، وتتراوح المخطوطات اللاتينية بين ثلاثمائة ألف وخمسمائة ألف مخطوط.
ويشكل المغرب أكبر مراكز تجمع هذه المخطوطات، ويعتقد الباحثون في مجال المخطوطات أن المغرب يحتفظ في بعض الخزانات العامة ضمن الأرصدة التي لم تفهرس بعد في خزانات أخرى مخطوطات خاصة بكتب الإغريق واللاتين، التي نقل بعضها إلى اللغة العربية، والتي لا توجد في أي بلد عربي آخر..
ومما يدل على هذا اهتمام الباحثين الأوربيين بهذه المخطوطات، وبحثهم عنها في بلاد المغرب، وحصولهم على ما تعذر الحصول عليه من مخطوطات عربية غير مترجمة في جهات أخرى، مكابدتهم من أجل البحث عن الوثيقة التاريخية للمؤرخ اللاتيني تيتوس ليفوس صاحب العشريات. فقد بحث عنها باي لعباسي ثم المستشرق ليفي بروفنسال فلم يجدها، مع أن بروفنسال أكد من جهته أن المؤرخ ابن خلدون قد قرأ هذا الكتاب في ترجمته الكلية أو الجزئية إلى العربية.
و لهذا فإن مقاربتنا للمادة 6 من قانون حقوق المؤلف المغربي لا يمكن ان تمر دون بيان أهمية تنظيم المشرع المغربي لملكية المخطوطات الخاصة، لأن هناك أعدادا هائلة منها غير محفوظة في الخزانات الوطنية، و الغريب أن ظاهر صياغة هذه المادة توحي باستبعاد المشرع المغربي لكل المخطوطات الني يحوزها الخواص من الحماية التي يكفلها قانون 2.00 و الحال أنها اولى بالحماية من غيرها، كما أن هذا الفراغ التشريعي يجعلنا مجبرين على الاستناد للقواعد العامة في حماية المخطوطات الخاصة، و أهم هذه القواعد هي كون الحيازة سند الملكية في المنقول، و بالتالي يصبح كل حائز لمخطوط مالكا له إلى ان يثبت العكس، و الواقع ان هذه القاعدة و إن كانت قد تضفي الحماية على المخطوطات المتوارثة أو التي حصل عليها البعض بواسطة الهبة أو الوصية، فإنها قد تثير إشكالات كثيرة بشأن إثبات البيوع المتعلقة بها، خاصة أن هناك بعض العصابات المتخصصة في الاستيلاء على هذه المخطوطات بإيهام حائزيها برغبتهم بشرائها أو مجرد الاطلاع عليها، فيتم تهريبها بطرق ملتوية و بيعها إلى المراكز الاستشراقية الغربية بأثمان خيالية.
إن ما سبق بيانه يستوجب تدخل المشرع المغربي لسن قانون خاص لحماية المخطوطات المنتشرة في المغرب من الاندثار و الضياع و النهب و التهريب، و ذلك إسوة بالمشرع المصري الذي أصدر قانونا حديثا سنة 2009 و هو قانون رقم 8 لسنة99 الذي صدر بالجريدة الرسمية بتاريخ 18 فبراير 2009 بعد مصادقة مجلس الشعب، و سوف نعرض لبعض مقتضياته نظرا لاهميتها الشديدة.
و قبل أن نعرض لمقتضيات التشريع المصري الجديد نشير إلى النقاش الفقهي الكبير الذي رافق مسطرة مناقشته داخل البرلمان المصري، و مختلف الكتابات المعترضة على إصدار هذا القانون بحجة مخالفته لحرية التملك و نصه على جزاءات جنائية.
فقد أعلن عضو الكتلة البرلمانية للاخوان المسلمين في مجلس الشعب النائب محسن راضي خلال الندوة التي نظمها «المعهد الديموقراطي المصري» حول مشروع قانون حماية المخطوطات تقدمه بمشروع قانون مواز لمشروع الحكومة لحماية المخطوطات العربية، يتم طرحه على البرلمانات العربية على غرار وثيقة وزراء الإعلام العرب، مؤكدا أنها تهدف إلى حماية المخطوطات العربية خاصة أن أغلبها سرق من مصر وفلسطين والعراق وسورية. ورأى راضى أن القانون الحالي لا يوفر الحماية للمخطوطات وأن القانون الجديد سيوفر حماية لسرقة المخطوطات مجددًا حيث إنه لا يخضع الموظف سارق المخطوطة إلى عقوبة مغلظة ضمن قانون العقوبات بوصفه مرتكبا لجناية سرقة.
كما تم التحذير من تحول القانون إلى سيف على رقاب المثقفين حائزي المخطوطات، كما حذر من تحنيطها لدى الجهات الحكومية واستمرار غياب جهة محددة مسؤولة عن الحصر والجمع والتصوير والاتاحة للمخطوطات وطالب بفصل القضاء الإداري بين لجنة نزع حيازة المخطوطات وصاحبها في شأن تقييم ثمنها المادي مع الإبقاء على حقه المعنوي والأصلي في إرثها وحيازتها.
كما تم التحذير ايضا من خطورة انتعاش التهريب بنص القانون الجديد الذي يطبق عقوبات متدرجة ومتأخرة زمنيا، واقترح تحديد أهمية المخطوطات عبر لجنة علية تصدر قراراتها تحت إشراف الوزير المختص على أن تضم ممثلين في وزارة العدل بجانب علماء متخصصين وأيد راضي عودة الاعتراف بالمزادات في محاولة لاستعادة المخطوطات المصرية والوثائق المهربة.
من جانبه، اتهم مدير التوثيق الأثري في المجلس الأعلى للآثار د. محمد الششتاوي القائمين على حماية المخطوطات والوثائق ومراقبي وحدة المضبوطات والمنافذ «بتسهيل تهريب المخطوطات والوثائق المصرية»، وقال (غير خفي على أحد أن هذه الوحدة التي صارت بؤرة للفساد ، وأن 99 في المئة من مخطوطات مصر موجودة في دار الكتب وأن وكلاء الوزارات القائمين عليها هم من يسرقونها )على حد قوله.
من جانبه، قال أحمد نصر مدير وحدة الأبحاث والدراسات في المعهد الديموقراطي المصري إن 60 مليون وثيقة تمثل ثروة قومية وتاريخية لمصر تظل خارج نطاق الأمان لسهولة سرقتها وعدم وجود أمناء حقيقيين عليها أو محاسبتهم، في الوقت الذي اكتفي فيه وزير الثقافة بتوثيقها عن طريق الأرشفة فقط وأن خطوات الوزير لم تحمِ المخطوطات الموزعة على مكتبات الأوقاف ودار الكتب والأزهر الشريف وعدد من المكتبات العامة والخاصة ليتم الاتجار بها أو تهريبها للخارج دون رادع قانوني.
و رغم هذا النقاش الشديد فقد صدر التشريع المصري المشار إليه سابقا.
وحدد التشريع الجديد مفهوم المخطوط الذى يطبق عليه أحكام القانون معتبرا المخطوط كل ما دون بخط اليد قبل عصر الطباعة متى كان يشكل إبداعا فكريا أو فنيا أيا كان نوعه وكل أصل لكتاب لم يتم نشره أو نسخة نادرة من كتاب نفذت طباعته إذا كان له من القيمة الفكرية أو الفنية ما ترى الهيئة أن فى حمايته مصلحة قومية وأعلنت ذوى الشأن به.
وينص التشريع المصري على أن تكون الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية دون غيرها الجهة المختصة فيما يتعلق بتطبيق أحكام هذا القانون ويعبر عنه بالهيئة، كما نص على أن تنشأ بالهيئة لجنة دائمة من الخبراء الفنيين والقانونيين والإداريين وممثلى الأزهر ووزارتى الأوقاف والعدل وكذا الجهات المعنية بالحفاظ على المخطوطات ويصدر بتشكيلها قرار من الوزير المختص بالثقافة, وتخول اللجنة بوضع المعايير التفصيلية الخاصة بالمخطوطات وتصنيفها وترقيمها وتقييمها ورقابتها بما يكفل المحافظة عليها وتنشر قراراتها فى الوقائع المختصة.
ونص القانون المصري كذلك على ضرورة أن يلتزم كل من يحوز مخطوطا بإبلاغ الهيئة عنه خلال عام واحد من تاريخ العمل بهذا القانون ويلتزم كل من يحوز أو يعثر على مخطوط بعد العمل بهذا القانون بإبلاغ الهيئة عنه خلال ثلاثين يوما، وتلتزم الهيئة بصيانة وترميم المخطوطات المسجلة لديها التى يحوزها الأفراد، وتتحمل الهيئة والحائز التكلفة مناصفة.
ومن بين مقتضيات التشريع المصري الجديد أنه يحظر على حائز المخطوط إخراجه من مصر إلا بناء على إذن كتابى من الهيئة بعد التأمين عليه ويحق للهيئة تحقيقا للمصلحة العامة استعارة المخطوط من حائزه لمدة معينة بمقابل مادى يتفق عليه الطرفان، ويجوز لها كذلك تحقيقا لمصلحة عامة شراء ما ترى ضمه إليها من مخطوطات.
و نعتقد أن أغرب و أخطر ما جاء به التشريع المصري بشأن حماية المخطوطات هو نصه على جزاءات جنائية مشددة تتضمن غرامات و عقوبات حبسية و إضافية.
و هكذا نص قانون حماية المخطوطات المصري على معاقبة كل من يخالف أحكام القانون بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد عن خمسين ألفا من لم يبلغ الهيئة عن حيازته لمخطوط أو عثوره عليه أو عدم تسجيله لدى الهيئة، كما يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد عن مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين من أخرج مخطوط من مصر, ويجوز للمحكمة أن تحكم بمصادرة المخطوط وتضاعف عقوبتى الحبس والغرامة إذا كان الفاعل من المؤتمنين على المخطوط مع عزله من الوظيفة.
و بمجرد صدور هذا القانون لقي معارضة قوية من بعض الفقه القانوني المصري الذي اعتبره اعتداء صريحا على حق الملكية المضمون دستوريا، في حين ذهب البعض الاخر إلى تكييف مقتضياته باعتبارها تدخل في نطاق نزع الملكية لأجل المصلحة العامة، و هو الاتجاه الذي نؤيده و نرى أنه مناسب للتطبيق في المغرب بشروط، من اهمها ان يكون التعويض عادلا و أن تتاح للحائز إمكانية الطعن في مقرر التعويض لدى المحكمة الادارية في إطار القضاء الشامل، و أن يتم الاشارة في تعريف المخطوط إلى هوية صاحبه الاصلي في الفهارس الاصلية و الدراسات الاكاديمية ما لم يتنازل عن هذا الحق صراحة.
حماية المخطوطات و الواقع العملي
إن مناط حماية المخطوطات وفقا لمقتضيات المادة 6 من قانون حقوق المؤلف و الحقوق المجاورة هو النشر، سواء استند هذا النشر إلى مخطوطة محفوظة في الخزانات العامة أو في أماكن إيداع المصنفات، و يبقى من البديهي أن نعرف بطرائق النشر المعتمدة لإخراج المخطوطات للعموم بواسطة الطباعة و ما يرافق ذلك من وجوب تحقيقها و معالجتها وفق المناهج العلمية الرصينة، و ذلك حتى نتبين مناحي الحماية القانونية من الوجهة العملية البحثة مع الإشارة للقرصنة التي يعرفها هذا الميدان.
و نشر المخطوطات يستوجب أن يكون الناشر على دراية واسعة بعلم التحقيق.
ولا بد أن يسعى المحقِّقُ بادئَ ذي بدء إلى التعرُّف على نُسَخ مخطوطه التي قد تكون منتشرة في مكتبات العالم، ووسيلتُه إلى ذلك فهارس المخطوطات المختلفة، على أن أجلَّ الكتب المصنفة في هذا الباب، وأكثرها نفعًا للمحقِّق: كتاب "تاريخ الأدب العربي" للمستشرق الألماني كارل بروكلمان؛ فهو سجلٌّ ضخمٌ للمصنفات العربية، سواء المخطوط منها والمطبوع، مع العناية بتراجم المؤلفين، والدلالة على أماكن وجود المخطوطات في مكتبات العالم المختلفة، وقد ترجم إلى العربية أجزاء منه، وما تزال بقيته تنتظر من يترجمها، وكذا كتاب "تاريخ التراث العربي" للأستاذ الدكتور فؤاد سزكين، وهو أعظم من كتاب بروكلمان.
وأول محاولة لوضع قواعد علمية دقيقة لنشر المخطوطات مستقاة من نهج المستشرقين الألمان والفرنسيين ومن قواعد المحدثين القدامى في ضبط الروايات ومن خبرة شخصية كانت للدكتور صلاح الدين المنجد في كتيبه "قواعد تحقيق المخطوطات"، ثم تلاه في ذلك الدكتور اسد رستم وغيره من الذين كتبوا في المنهجية التاريخية وجلّهم يجمعون على ما ذكره المنجد مع زيادة بعض التفاصيل توخياً للدقة.
وغاية التحقيق تقديمُ المخطوط صحيحًا كما وضَعَه مؤلِّفُه، أو هو أقرب إلى ما وضعه مؤلفه، دون شرحه، ومعنى ذلك أن الجهود التي تبذل في كل مخطوط يجب أن تتناول البحث في تحقيق العنوان اولا لأن بعضُ المخطوطات خِلْوٌ من العنوان؛ إما لفقْد الورقة الأولى منها، أو لانطماس العنوان، أو لمخالفته الواقعَ لداعٍ من دواعي التزييف أو الجهل، ولا بد في هذه الأحوال من الرجوع إلى طائفة من كتُب التراجم والتصنيف، كـ"الفهرست" لابن النديم، و"كشف الظنون" لحاجي خليفة، و"معجم الأدباء" لياقوت الحَمَوي، وغيرها، ويساعد في ذلك أيضًا معرفةُ أسلوب المؤلف وطريقته في التصنيف.
ولا بد للناشر من التأكُّد من صحة ما يوضع على غلاف المخطوطة من معلومات؛ فقد ينسب كتابٌ إلى غير صاحبه، وخيرُ مثال على ذلك "معجم العين" - أول معجم في تراثنا العربي - فقد نُسب إلى الخليل بن أحمد، وفي هذه لنسبة نظرٌ، وقد يُطمَس اسمُ المؤلف، أو يمحى، أو يعتريه التصحيف والتحريف، فالنصريُّ قد يصحف بالبصري، والحسنُ بالحسين، والخرازُ بالخزار... إلخ، كلُّ ذلك يوجب علينا أن نراجع فهارس المكتبات، وكتب المؤلفات، وكتب التراجم والمتشابه، وكتب التصحيف والتحريف؛ لنقف على حقيقة المؤلف، ونستوثق من نسبة الكتاب إليه.
وتُعَدُّ الاعتباراتُ التاريخية من أقوى المقاييس في تصحيح نسبة الكتاب أو تزييفها؛ فالكتاب الذي تُحشد فيه أخبارٌ تاريخية تالية لعصر مؤلِّفه الذي نُسب إليه، جديرٌ بأن يسقط من حساب ذلك المؤلف، من ذلك كتابٌ يُنسب إلى الجاحظ عنوانه: (تنبيه الملوك والمكايد) فيه كلام على كافور الإخشيدي، مع أن هذا الأخير ولد بعد وفاة الجاحظ بعشرات السنين (292هـ)، على حين توفي الجاحظ سنة (255هـ).
وعلى المحقِّق أن يرمز لنسخ المخطوطة المختلفة برموز معينة، يشير إليها عند مقابلة النسخ، حيث يثبت اختلافاتها مع نسخة الأصل في الهامش، ولا ينبغي إثقال الحواشي بفروقات ضئيلة، واختلافاتٍ يسيرة، لا يتوقَّف عليها أيُّ معنى، ولا يتحصل منها أيُّ فائدة، كاختلاف النسخ بحرف المضارعة (يفعل - تفعل) وما شابه ذلك، وهكذا يُثبت المحقِّقُ نصَّ نسخة الأصل في المتن، ما لم تجانِبِ الصوابَ، فإذا تبين له أنها صُحِّفتْ، أو حُرِّفتْ، أو جانبَتِ الصوابَ بوجه من الوجوه - تعيَّنَ عليه أن يثبت ما يراه صوابًا مما تتضمنه بقيةُ النسخ، إلا إذا كانت نسخة الأصل بخط المؤلف، فيثبت عندئذٍ الخطأَ في المتن ويصحِّحه في الهامش، ويحسن أن يعلل المحقِّق ما يذهب إلى ترجيحه من عبارات وألفاظ تُخالِفُ ما عليه نسخةُ الأصل، وإذا احتاج النص إلى زيادة ليست في الأصول، فعليه أن يجعلها بين معقوفتين.
ولا ريب أن الكتب القديمة - بما تضمنتْ من معارفَ قديمةٍ - محتاجةٌ إلى توضيحٍ يخفِّف ما فيها من غموض، ويحمل إلى القارئ الثقةَ بما يقرأ، والاطمئنانَ إليه، ومن هنا كان من المستحسَن ألاَّ يترك المحقِّقُ الكتابَ غُفْلاً من التعليقات الضرورية اللازمة لفهم النص، دون شطط أو تزيُّد يؤدِّي إلى إثقال الحواشي، وتحميل الكتاب ما لا طاقة له به، إلا أن هناك أمورًا لا بد منها في تحقيق أي كتاب، وهي تخريج الآيات القرآنية، والأحاديث الشريفة، والأشعار المختلفة، وترجمة الأعلام التي يمرُّ ذِكرُها، ولا بد من توثيق كلِّ ذلك بعزوه إلى مصدره والمرجع الذي أخذ منه، ويُراعى ذِكرُ الجزء والصفحة دون الإشارة إلى سائر المعلومات؛ لأن موضعها مسرد المراجع الذي يأتي الكلام عليه.
وينشر المخطوط كما وضعه المؤلف من دون زيادة او نقصان او تصويب. واذا نقل المؤلف نصوصاً من مصادر اخرى، وجب على الناشر اسنادها الى اصلها والتأكد من صحة نقله لها. واذا لم يذكر مصادره، فعلى المحقق ان يكون على درجة من الاحاطة بموضوعه تسمح له باكتشاف المصدر الدي اخذ عنه الكاتب والتأكد ايضاً من صحة ما ورد عنده.
و لهذا فإن قوانين الملكية الفكرية عموما تحمي جهود المحققين نظرا للعناء الكبير المبذول في التحقيق.
و في هذا السياق، حكمت محكمة استئناف المنصورة بمصادرة طبعة كتاب (البرهان في أصول الفقه) الصادر عن دار الكتب العلمية ببيروت بتحقيق صلاح محمد عويضة وتغريمه خمسة آلاف جنيه والزامه بدفع مبلغ مقداره 51 جنيها علي سبيل التعويض المؤقت، وقد صدر هذا الحكم لصالح المحقق الأصلي الدكتور عبدالعظيم محمود الديب الذي حقق هذا الكتاب في الثمانينات وصدر عن مكتبة إمام الحرمين.
خاتمة
و خلاصة القول أن حماية قانون 2.00 لنشر المخطوطات لا ترقى إلى مستوى الحماية المخولة لباقي أنواع المصنفات الواردة في هذا القانون، و لعل ما يدل على إهمال هذا الجانب من قبل المشرع هو إفراده لمادة وحيدة لتنظيم مقتضيات نشر المخطوطات و الحال أن المشرع المصري مثلا أفرد لها قانونا خاصا متضمنا لعقوبات زجرية و سار على نهجه المشرع اليمني، و بالإضافة إلى ذلك فإن نزع ملكية المخطوطات من الخواص للمصلحة العامة صار ضرورة قومية في نظرنا، و إن كنا نرى أن هذه المصادرة يجب أن ترافقها مسطرة مرنة لأداء تعويضات عادلة للمالكين الأصلية.