يبدو أن الانقلاب على مسلسل إصلاح منظومة العدالة قد بدأ، ما دام أن وزارة العدل قد جعلت رؤوس القضاة المحركين لدينامية هذا الإصلاح هدفا للمتابعات التأديبية والاستدعاءات الترهيبية من طرف المفتشية العامة التابعة لها. فالقضاة المحالين على المجلس الأعلى أو المستمع إليهم من طرف المفتشية العامة أخيرا يلاحظ أن ما يجمع بينهم هو انتماؤهم لنادي قضاة المغرب الذي يجسد روح هذا الإصلاح أولا، وتحملهم المسؤولية في الدفاع عن استقلالهم والتنبيه إلى اختلالات الواقع القضائي ثانيا، مما يعني أن تحركهم هذا نابع من استيعابهم لدورهم الجديد المستمد من أجواء التغيير الذي ينبغي أن يخضع له جسم القضاء العليل، ومُـؤَطَّرا بالسعي لممارسة الضمانات التي يتيحها الدستور ويفرضها سياق الإصلاح، وهذا ما يفسر الطابع التحاملي للمساطر المفتوحة في حقهم من قبل وزارة العدل التي لم تستطع التعايش مع نموذج القاضي الجديد الذي كشفت عنه دينامية نادي القضاة ولا تريد لذلك إلا إصلاحا ناقصا محاكا على مقاس التصور الحكومي العام المتعلق بتنزيل الدستور والذي يسير في اتجاه التخفيف من شحنته الحقوقية وتقليص المسافة بين واقع ما بعد الدستور الجديد وما قبله.
إن ما يُظهر الخلفية الممنهجة لهذا الهجوم هو توقيته الذي جاء بعد المنع غير الدستوري الذي طال الوقفة المشروعة للقضاة يوم الثامن من شهر فبراير الفارط فيكون بذلك استكمالا لمسلسل القطيعة الذي دشنته وزارة العدل مع أهم فاعل جمعوي في وسط القضاء، لذلك أصبحت الوزارة تترصد تحركات القضاة النزهاء المطالبين بالإصلاح وتتعسف في تكييف ما تعتبره أخطاء صادرة عنهم، وهكذا استغلت وزارة العدل الشكاية التي تقدم بها أحد القضاة للوزارة من أجل الانقضاض على الدكتور محمد الهيني، المزعج بأحكامه الجريئة ومواقفه القوية، وإحالته على المجلس للتأديبي رغم طي الملف بالتنازل عن الشكاية ووقوع الصلح بين الزميلين. أما الأستاذ رشيد العبلاوي فلم يقم بأكثر من التنبيه لجزء من واقع الاختلالات التي تعرفها جل المحاكم، ولم يتحرك إلا بما يمليه عليه واجبه في المطالبة بما يضمن كرامته بتوفير مكتب له يسهل قيامه بدوره على أكمل وجه وذلك بالاطلاع على ملفاته ضمانا لجودة تسييرها خدمة للمواطن المتقاضي وتحصينا لحقوقه. أما الأستاذ عصام بنعلال فقد ظل يرسل الكتاب تلو الكتاب لرئيس المحكمة من أجل القيام بدوره، فكان ضحية تسرع هذا الأخير وعدم خبرته في الإدار القضائية ودفع لذلك ثمن استقلاليته وحرصه على القيام بمهامه بإحالته على المفتشية العامة، لتنضاف الأستاذة زينب بنعمر القاضية بابتدائية مراكش لقائمة ضحايا فوضى التفتيش بعد أن وُجه لها استدعاء بالهاتف للمثول أمام المفتشية العامة دون أن يُعرف سبب الاستدعاء إلى حدود كتابة هذه الأسطر.
ويتأكد هذا التوجه بالنظر للطابع التحاملي للمساطر المفتوحة في حق هؤلاء القضاة والتي لم تحترم أبسط الضمانات المعترف بها تنزيلا للمبادئ والمعايير الحقوقية المعمول بها في هذا الصدد، وذلك عبر الحرمان مثلا من الحق في الدفاع والمنع من الاطلاع على محضر الاستماع المحرر في حق القاضي المستمع إليه وعدم الإخبار بموضوع الاستدعاء إلى المفتشية بشكل مسبق بل والاكتفاء بالإعلام بالهاتف بخبر الاستدعاء وتوقيت الحضور كما في حالة الأستاذة زينب بنعمر والأستاذ عصام بنعلال القاضي بالمحكمة الابتدائية بتاونات. ثم إن مواصلة بت المجلس الأعلى في ملفات التأديب يشكل تراجعا عن الاتجاه الإيجابي الذي نحاه وزير العدل السابق المرحوم الأستاذ الطيب الناصري عندما علق مساطر تأديب القضاة إلى حين تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي أقره الدستور. فيكون بذلك ما تحركه وزارة العدل حاليا من مساطر تأديبية واقعا خارج ضمانات دستور 2011.
إن الهدف من هذه الهجومات هي جز رأس النادي بالتحديد، فالنادي ليس مجرد مجموعة أشخاص شكلت جمعية في سياق معزول، بل هو انبثاق موضوعي نابع من عمق الواقع القضائي الجديد الذي يجد غطاءه في الدستور الجديد، فالنادي هو المعبر الطبيعي والموضوعي عن حاجة القضاة إلى تجاوز سلبيات الماضي الذي كانوا فيه منتهكي الحقوق في صمت، وهو المعبر الطبيعي كذلك عن حاجة المجتمع لسلطة قضائية مستقلة وقضاة نزهاء وأقوياء، وهو التعبير الأبرز عن المرحلة الدستورية الجديدة التي ارتقاها المغرب في شقها المتعلق بالسلطة القضائية. لذلك فإن وزارة العدل تسعى إلى الإجهاز على هذه الروح التي تشكل مضمون النادي باعتباره حركة متجددة تعكس مستوى تطور وعي القضاة وتطور واقعهم، لـتُحَوله إلى مجرد مجموعة ضعيفة غير قادرة على القيام بأدوارها في الدفاع عن استقلال السلطة القضائية ونشر ثقافة التخليق ونبذ الفساد، وذلك لدفعه في مرحلة ثانية، بعد اختراقه، إلى الانخراط في مسلسل التمييع والتضبيع التي ظل القضاء المغربي ضحية لها منذ عقود.
إن ربط التحليل أعلاه بما يواجه به قضاة النادي من هجومات يقتضي بسط مستويات الإضعاف ومحاولات التدجين التي يتعرض لها نادي قضاة المغرب والتي يمكن التمثيل لها كما يلي:
- أولا: إن الرغبة في إبقاء ما كان على ما كان وتقليص هوامش الإصلاح المفتوحة دفع مهندسي المرحلة المقبلة للقضاء المغربي إلى الرهان على إضعاف نادي قضاة المغرب في مرحلة حساسة متسمة بدنو توقيت إغلاق النقاش القبلي حول مسودتي مشروعي القانونين المتعلقين بالسلطة القضائية قبل إحالتها على البرلمان قصد المناقشة والمصادقة، وذلك لتفادي الأشكال الاحتجاجية المحتمل خوضها من قبل النادي. فكانت إحدى مداخل الإضعاف في تصورهم هي الهجوم على بعض أعضائه بما يزرع الشك في نفوس باقي الأعضاء ويزعزع الثقة في قدرة إطارهم التنظيمي على توفير الحماية لهم ويعيد جو الإحساس بالخوف، مما يضعف بالتبعية مستوى تجاوب القضاة مع الخطوات النضالية التي تعلنها الأجهزة التقريرية، بشكل يدفعها في وقت لاحق إلى التردد في إعلان أشكال نضالية جديدة ويفرض عليها القبول بمستويات أدنى في تصورها لمضامين القوانين التنظيمية المرتقبة، لتختم الوزارة معركتها منتصرة ومكرٍّسة لفهمها المتدني لإصلاح منظومة العدالة في تناغم مع التصور الحكومي الذي لا يريد للدستور الجديد أن يمشي على قدمية.
لكن فشل هذا الأسلوب محقق لأنه يعبر عن تصور مغلق وَضع بسببه وزير العدل نادي قضاة المغرب الذي يعد شريكا في الإصلاح موضع العدو، بما لا يليق بمؤسسات الدولة التي ينبغي أن تقف على نفس المسافة مع الفاعلين بعيدا عن الحزازات النفسية التي يفترض ألا يقع رجال الدولة ضحية لها في تدبير مهامهم، وهذه المعادلة ستجعل مصداقية النادي تتوطد بما يجعل الفاتورة السياسية والأخلاقية لمواجهته باهضة. ثم إنه إذا نظرنا للنادي باعتباره تنظيما خلقته معطيات واقعية صارت الهجومات التي يتعرض لها في هذه الظرفية عامل قوة، لأن ما تخلقه من صدى يشكل أداة ضغط إضافي لصالحه وهو نفس ما تسعى إليه الأشكال النضالية التي تحاول الوزارة إعدامها.
- ثانيا: إن الدينامية التي حركها نادي قضاة المغرب كشفت عن نموذج جديد للقاضي المغربي، وهو النموذج الذي قطع مع ثقافة السلبية والصمت والخوف، وأصبح مُبَادرا إلى إعلان موقفه في كل ما يتعلق بممارسة مهامه القضائية والجمعوية والدفاع عن هذا الموقف، ومتملكا لرؤية مُؤسَّسَّة حول الدور الذي ينبغي أن يقوم به داخل المجتمع باعتباره حاميا لحقوق وحريات المواطنين مُستندا في ذلك إلى الاقتناع برفض التدخل غير المشروع في مهامه والدفاع عن استقلاله باعتباره واجبا دستوريا مع يفرضه هذا الموقف من تشبع بثقافة تخليق القضاء ونبذ الفساد فيه. لذلك يبدو أن الإحالات الأخيرة على المفتشية العامة أو على المجلس التأديبي التي تعرض لها كل محمد الهيني ورشيد العبدلاوي وعصام بنعلال وزينب بنعمر وقضاة آخرين تأتي في سياق الحرب على هذا النموذج الجديد بغرض محاصرته ومحاربته من أجل دفع القضاة إلى العودة مرة أخرى إلى مخابئ الصمت والسلبية وإعادة إنتاج زمن الانقياد والخضوع يوم كان يُداس على حقوق القضاة في الظلام بلا رقيب. إنها حرب على كل قاضٍ شجاع ذي رأي وفكر وموقف تهدف لأن يصبح القضاة من جديد مجرد أدوات هامدة تصلح للاستعمال عند الطلب!
وهكذا يرمي هذا التوجه إلى تخويف كل القضاة الحاملين لهذه الثقافة الجديدة المستندة إلى تفعيل الحقوق الدستورية المعترف بها للقضاة ودفعهم للتراجع حتى تتباطـأ دينامية النادي.
يبدو أن وزارة العدل وهي تحصي آخر لحظات تحكمها في السلطة القضائية قبل إقرار القوانين التنظيمية قد تحولت عن تنزيل شعاراتها المرفوعة بمحاربة الفساد في القضاء وتخليقه إلى محاربة ثقافة الاستقلالية والشجاعة والنزاهة وسط القضاة، عبر الهجوم على حقهم في التعبير بغاية محاصرة دور الجمعيات المهنية في الدفاع عن استقلال السلطة القضائية وحقوق القضاة.
إن وزير العدل يعلم أكثر من غيره أن إضعاف نادي قضاة المغرب هو إضعاف لفرص إصلاح منظومة العدالة وتقليص لهوامش التغيير التي يجب أن يتحقق داخله، بما يزيد من إرباك مسار التطور الديمقراطي الذي تحقق الإجماع حول ضرورة تحقيقه خدمة للوطن، وفي ذلك خروج عن الإرادة الملكية السامية المعبر عنها من قبل جلالته في العديد المناسبات. فلمصلحة من تشرع الأبواب من أجل العودة من جديد إلى الخلف؟
إن الوطن بحاجة أكثر من أي وقت مضى لنادي قضاة المغرب باعتباره أداة للتأسيس لثقافة جديدة وواقع جديد للسلطة القضائية قائم على نبذ الفساد في القضاء والتشبث باستقلاله تحصينا لحقوق للمواطن وتعزيزا لثقته في العدالة، وهو بذلك يخدم التطلعات المشتركة في تحديث الدولة وتعزيز استقرارها واستمرارها، لذلك فإن القنوات المؤسساتية ينبغي أن تكون دائما قابلة للاتساع من أجل استيعاب التصورات المتجددة للقضاة المعبر عنها من طرف النادي وباقي الفاعلين، وينبغي أن تكون هذه القنوات أكثر قابلية للاتساع من أجل حوار مستمر ومثمر، تفاديا لمنطق التحدي والصدام ثم القطيعة التي لن تُـنْـتِجَ غير الخراب !
إن ما يُظهر الخلفية الممنهجة لهذا الهجوم هو توقيته الذي جاء بعد المنع غير الدستوري الذي طال الوقفة المشروعة للقضاة يوم الثامن من شهر فبراير الفارط فيكون بذلك استكمالا لمسلسل القطيعة الذي دشنته وزارة العدل مع أهم فاعل جمعوي في وسط القضاء، لذلك أصبحت الوزارة تترصد تحركات القضاة النزهاء المطالبين بالإصلاح وتتعسف في تكييف ما تعتبره أخطاء صادرة عنهم، وهكذا استغلت وزارة العدل الشكاية التي تقدم بها أحد القضاة للوزارة من أجل الانقضاض على الدكتور محمد الهيني، المزعج بأحكامه الجريئة ومواقفه القوية، وإحالته على المجلس للتأديبي رغم طي الملف بالتنازل عن الشكاية ووقوع الصلح بين الزميلين. أما الأستاذ رشيد العبلاوي فلم يقم بأكثر من التنبيه لجزء من واقع الاختلالات التي تعرفها جل المحاكم، ولم يتحرك إلا بما يمليه عليه واجبه في المطالبة بما يضمن كرامته بتوفير مكتب له يسهل قيامه بدوره على أكمل وجه وذلك بالاطلاع على ملفاته ضمانا لجودة تسييرها خدمة للمواطن المتقاضي وتحصينا لحقوقه. أما الأستاذ عصام بنعلال فقد ظل يرسل الكتاب تلو الكتاب لرئيس المحكمة من أجل القيام بدوره، فكان ضحية تسرع هذا الأخير وعدم خبرته في الإدار القضائية ودفع لذلك ثمن استقلاليته وحرصه على القيام بمهامه بإحالته على المفتشية العامة، لتنضاف الأستاذة زينب بنعمر القاضية بابتدائية مراكش لقائمة ضحايا فوضى التفتيش بعد أن وُجه لها استدعاء بالهاتف للمثول أمام المفتشية العامة دون أن يُعرف سبب الاستدعاء إلى حدود كتابة هذه الأسطر.
ويتأكد هذا التوجه بالنظر للطابع التحاملي للمساطر المفتوحة في حق هؤلاء القضاة والتي لم تحترم أبسط الضمانات المعترف بها تنزيلا للمبادئ والمعايير الحقوقية المعمول بها في هذا الصدد، وذلك عبر الحرمان مثلا من الحق في الدفاع والمنع من الاطلاع على محضر الاستماع المحرر في حق القاضي المستمع إليه وعدم الإخبار بموضوع الاستدعاء إلى المفتشية بشكل مسبق بل والاكتفاء بالإعلام بالهاتف بخبر الاستدعاء وتوقيت الحضور كما في حالة الأستاذة زينب بنعمر والأستاذ عصام بنعلال القاضي بالمحكمة الابتدائية بتاونات. ثم إن مواصلة بت المجلس الأعلى في ملفات التأديب يشكل تراجعا عن الاتجاه الإيجابي الذي نحاه وزير العدل السابق المرحوم الأستاذ الطيب الناصري عندما علق مساطر تأديب القضاة إلى حين تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي أقره الدستور. فيكون بذلك ما تحركه وزارة العدل حاليا من مساطر تأديبية واقعا خارج ضمانات دستور 2011.
إن الهدف من هذه الهجومات هي جز رأس النادي بالتحديد، فالنادي ليس مجرد مجموعة أشخاص شكلت جمعية في سياق معزول، بل هو انبثاق موضوعي نابع من عمق الواقع القضائي الجديد الذي يجد غطاءه في الدستور الجديد، فالنادي هو المعبر الطبيعي والموضوعي عن حاجة القضاة إلى تجاوز سلبيات الماضي الذي كانوا فيه منتهكي الحقوق في صمت، وهو المعبر الطبيعي كذلك عن حاجة المجتمع لسلطة قضائية مستقلة وقضاة نزهاء وأقوياء، وهو التعبير الأبرز عن المرحلة الدستورية الجديدة التي ارتقاها المغرب في شقها المتعلق بالسلطة القضائية. لذلك فإن وزارة العدل تسعى إلى الإجهاز على هذه الروح التي تشكل مضمون النادي باعتباره حركة متجددة تعكس مستوى تطور وعي القضاة وتطور واقعهم، لـتُحَوله إلى مجرد مجموعة ضعيفة غير قادرة على القيام بأدوارها في الدفاع عن استقلال السلطة القضائية ونشر ثقافة التخليق ونبذ الفساد، وذلك لدفعه في مرحلة ثانية، بعد اختراقه، إلى الانخراط في مسلسل التمييع والتضبيع التي ظل القضاء المغربي ضحية لها منذ عقود.
إن ربط التحليل أعلاه بما يواجه به قضاة النادي من هجومات يقتضي بسط مستويات الإضعاف ومحاولات التدجين التي يتعرض لها نادي قضاة المغرب والتي يمكن التمثيل لها كما يلي:
- أولا: إن الرغبة في إبقاء ما كان على ما كان وتقليص هوامش الإصلاح المفتوحة دفع مهندسي المرحلة المقبلة للقضاء المغربي إلى الرهان على إضعاف نادي قضاة المغرب في مرحلة حساسة متسمة بدنو توقيت إغلاق النقاش القبلي حول مسودتي مشروعي القانونين المتعلقين بالسلطة القضائية قبل إحالتها على البرلمان قصد المناقشة والمصادقة، وذلك لتفادي الأشكال الاحتجاجية المحتمل خوضها من قبل النادي. فكانت إحدى مداخل الإضعاف في تصورهم هي الهجوم على بعض أعضائه بما يزرع الشك في نفوس باقي الأعضاء ويزعزع الثقة في قدرة إطارهم التنظيمي على توفير الحماية لهم ويعيد جو الإحساس بالخوف، مما يضعف بالتبعية مستوى تجاوب القضاة مع الخطوات النضالية التي تعلنها الأجهزة التقريرية، بشكل يدفعها في وقت لاحق إلى التردد في إعلان أشكال نضالية جديدة ويفرض عليها القبول بمستويات أدنى في تصورها لمضامين القوانين التنظيمية المرتقبة، لتختم الوزارة معركتها منتصرة ومكرٍّسة لفهمها المتدني لإصلاح منظومة العدالة في تناغم مع التصور الحكومي الذي لا يريد للدستور الجديد أن يمشي على قدمية.
لكن فشل هذا الأسلوب محقق لأنه يعبر عن تصور مغلق وَضع بسببه وزير العدل نادي قضاة المغرب الذي يعد شريكا في الإصلاح موضع العدو، بما لا يليق بمؤسسات الدولة التي ينبغي أن تقف على نفس المسافة مع الفاعلين بعيدا عن الحزازات النفسية التي يفترض ألا يقع رجال الدولة ضحية لها في تدبير مهامهم، وهذه المعادلة ستجعل مصداقية النادي تتوطد بما يجعل الفاتورة السياسية والأخلاقية لمواجهته باهضة. ثم إنه إذا نظرنا للنادي باعتباره تنظيما خلقته معطيات واقعية صارت الهجومات التي يتعرض لها في هذه الظرفية عامل قوة، لأن ما تخلقه من صدى يشكل أداة ضغط إضافي لصالحه وهو نفس ما تسعى إليه الأشكال النضالية التي تحاول الوزارة إعدامها.
- ثانيا: إن الدينامية التي حركها نادي قضاة المغرب كشفت عن نموذج جديد للقاضي المغربي، وهو النموذج الذي قطع مع ثقافة السلبية والصمت والخوف، وأصبح مُبَادرا إلى إعلان موقفه في كل ما يتعلق بممارسة مهامه القضائية والجمعوية والدفاع عن هذا الموقف، ومتملكا لرؤية مُؤسَّسَّة حول الدور الذي ينبغي أن يقوم به داخل المجتمع باعتباره حاميا لحقوق وحريات المواطنين مُستندا في ذلك إلى الاقتناع برفض التدخل غير المشروع في مهامه والدفاع عن استقلاله باعتباره واجبا دستوريا مع يفرضه هذا الموقف من تشبع بثقافة تخليق القضاء ونبذ الفساد فيه. لذلك يبدو أن الإحالات الأخيرة على المفتشية العامة أو على المجلس التأديبي التي تعرض لها كل محمد الهيني ورشيد العبدلاوي وعصام بنعلال وزينب بنعمر وقضاة آخرين تأتي في سياق الحرب على هذا النموذج الجديد بغرض محاصرته ومحاربته من أجل دفع القضاة إلى العودة مرة أخرى إلى مخابئ الصمت والسلبية وإعادة إنتاج زمن الانقياد والخضوع يوم كان يُداس على حقوق القضاة في الظلام بلا رقيب. إنها حرب على كل قاضٍ شجاع ذي رأي وفكر وموقف تهدف لأن يصبح القضاة من جديد مجرد أدوات هامدة تصلح للاستعمال عند الطلب!
وهكذا يرمي هذا التوجه إلى تخويف كل القضاة الحاملين لهذه الثقافة الجديدة المستندة إلى تفعيل الحقوق الدستورية المعترف بها للقضاة ودفعهم للتراجع حتى تتباطـأ دينامية النادي.
يبدو أن وزارة العدل وهي تحصي آخر لحظات تحكمها في السلطة القضائية قبل إقرار القوانين التنظيمية قد تحولت عن تنزيل شعاراتها المرفوعة بمحاربة الفساد في القضاء وتخليقه إلى محاربة ثقافة الاستقلالية والشجاعة والنزاهة وسط القضاة، عبر الهجوم على حقهم في التعبير بغاية محاصرة دور الجمعيات المهنية في الدفاع عن استقلال السلطة القضائية وحقوق القضاة.
إن وزير العدل يعلم أكثر من غيره أن إضعاف نادي قضاة المغرب هو إضعاف لفرص إصلاح منظومة العدالة وتقليص لهوامش التغيير التي يجب أن يتحقق داخله، بما يزيد من إرباك مسار التطور الديمقراطي الذي تحقق الإجماع حول ضرورة تحقيقه خدمة للوطن، وفي ذلك خروج عن الإرادة الملكية السامية المعبر عنها من قبل جلالته في العديد المناسبات. فلمصلحة من تشرع الأبواب من أجل العودة من جديد إلى الخلف؟
إن الوطن بحاجة أكثر من أي وقت مضى لنادي قضاة المغرب باعتباره أداة للتأسيس لثقافة جديدة وواقع جديد للسلطة القضائية قائم على نبذ الفساد في القضاء والتشبث باستقلاله تحصينا لحقوق للمواطن وتعزيزا لثقته في العدالة، وهو بذلك يخدم التطلعات المشتركة في تحديث الدولة وتعزيز استقرارها واستمرارها، لذلك فإن القنوات المؤسساتية ينبغي أن تكون دائما قابلة للاتساع من أجل استيعاب التصورات المتجددة للقضاة المعبر عنها من طرف النادي وباقي الفاعلين، وينبغي أن تكون هذه القنوات أكثر قابلية للاتساع من أجل حوار مستمر ومثمر، تفاديا لمنطق التحدي والصدام ثم القطيعة التي لن تُـنْـتِجَ غير الخراب !