MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




خواطرإلى السيد رئيس مجلس الحكومة الموقر بقلم ذ فاتح كمال

     



خواطرإلى السيد رئيس مجلس الحكومة الموقر بقلم ذ فاتح كمال
أما بعد،

فلا يخفى عليكم أن "سيادة العدل الشامل هي ضمان الاستقرار و أساس التماسك الإجتماعي و الحافز للإنتاج و التنمية، و أن تولي شؤون الشأن العام يتطلب من صاحب تلك الولاية نشر ثقافة العدل بين الأفراد و في المسؤوليات الرسمية و غيرها، و العدل يكون أخلاقا و سلوكا على المستوى الرسمي و الشعبي و إلا ضاعت القيم و فسد و سقط العمل"[1].

لماذا أقول هذا؟ تحدثت إليكم بمناسبة إنعقاد مجلسكم الحكومي بتاريخ  4 شتنبر 2014  و إدراجه ضمن جدول أعماله نقطة دراسة مشروع القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.

 لن أحدثكم في تفاصيل أعلم أن وقتكم لا يسمح بها، و لن أرهق مستشاريك بمن فيهم قاض سابق تعرض للعزل على يد مجلس أعلى للقضاء في ظروف أنتم أعلم بها، لكنني فقط آمل أن تتمحص رسالتي البسيطة الموجهة إليكم كمؤسسة.

تساءلت طيلة أيام حول أمر حيرني: ألم يعينكم رئيس الدولة بعدما تصدر حزبكم إنتخابات أعضاء مجلس النواب و على أساسها تم تعيين شخصكم؟ كيف للسلط أن تتساوى إن كانت طريقة إختيار رؤسائها متباينة الشرعية؟

 كيف لك أن ترى كمنتخب إختاره الشعب بعد رفع شعار إستقلال القضاء و تحصينه ماديا و معنويا أن تقبل بقوانين تديم إقتراح أسماء كبار القضاة الذين سيشرفون على السلطة القضائية على رئيس الدولة من قبل ثلة قليلة قد تخطيء و تصيب كباقي البشر؟ المشكل أساسا يتمثل في كيف يمكن القبول بشرعية و تمثيلية ناقصة للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ووكيل عام للملك لديه، يدينان بالجميل لمن إقترحهم على رئيس الدولة، طبعا كل محب لصلاح قضائه لا يمكن أن يقبل بذلك.

أنتم سيادة رئيس الحكومة أدرى بأن الفساد ظاهرة إجتماعية متواجدة في كل الميادين لا يمكن بتاتا أن نطبع معها و لا سيما في قطاع العدل، لكن لمحاصرة ظاهرة معينة لا بأس من بعض الإحصائيات و لعل أهمها هذه السنة إحصائيات منظمة الشفافية التي نشرت أن قطاع العدل بمختلف فروعه الكثيرة في المرتبة السادسة، أستشهد بهذا و أنا أقول أنني لا أرضى بوجود أي قاض مرتشي في منصة القضاء الواقف أو الجالس، لكن تحيرني معادلة غريبة أنه إذا كان الفساد في القضاء بالحجم الذي يحاول البعض تسويقه، ففي مقابل عزوف المغاربة عن إختيار ممثليهم عبر صناديق الاقتراع، فإنه لا تكف قضاياهم الجديدة عن الارتفاع بالمحاكم سنة بعد أخرى.

هنا توقف معي سيادة رئيس الحكومة عند واقع أن القطاعات الأكثر تبليغا عنها بسبب الرشوة لدى جمعية الشفافية هي قطاعات وزارية في أغلبها تحت إشرافكم بموجب الدستور، فهل هذا يصح مبررا للقول بوجوب تغيير الدستور و جعل إختيارك يتم عن طريق التعيين و ليس عن طريق صناديق الاقتراع؟

ثم ماذا عن ذلك المبرر الذي يصح فيه القول " عذر  أفظع من زلة" من كون أن " القضاء الواقف يجب أن يظل تحت مراقبة وزير العدل حاليا( لانه مسؤول جيد) و ان إخراج تلك السلطة سيجعله كالمارد الذي خرج من القمقم" ؟

أذكر معاليك بهذا الصدد أنه لم يندد أحد من رجالات القضاء و نسائه بإختيارك لوزراء إتهمتهم الصحافة بشراء الشكلاطة أو وجبات الغذاء على حساب الميزانية العامة ربما بسبب واجب التحفظ أو ربما لأن قوانين المالية تسمح بذلك. كما لم يندد أحد و يشكك في ذمة وزير لكم إنتقل من عين مكتراة إلى فيلا تقارب قيمتها المليار سنتيم لأن ليس من ديدن رجال السلطة القضائية المرتقبة التشكيك العلني بالأشخاص دون دليل، فلربما يكون الوزير المعني قد ورثها – أكثر الله عليه من رزقه-.

لكن ربما قد يقول قائل و مشكك أن احدا من القضاة لم يتساءل عن ذلك علنا خوفا من وزير يشرف على المساطر التاديبية للقضاة قد تضعه الظروف في محاكمات يصير فيها الخصم و الحكم و تسيء تلك الوضعية الى السلطة السياسية أيما إساءة أكثر ممن يبلغون عن التعذيب طالما ان مصداقية مؤسسات الوطن للأسف تقاس بنقط معاهد الاحصاء الاجنبية.

طبعا أمام ذلك التشكيك المؤسف لا يمكن للمرء أن يواجهه بالمطالبة بالتراجع عن الطريقة الدستورية لاختياركم بل ما أريده كمواطن هو أن تتحسن صورة السلطة التنفيذية و تتقوى و تتحسن صورة البرلمان و تتقوى و ذلك لن يكون بتسفيهها كلها و لكن بإيجاد الحلول لمحاصرة أليات الفساد التي تفضي بالشخص غير المناسب في المكان غير المناسب.

أملي كمواطن أن يتحسن قضاء وطني و يستقل عن سلطة السياسيين و أن يشرف على كل صندوق انتخابات حتى يكون السياسي في مصاف أفضل رؤساء الحكومات أو يفوقهم إلتزاما بمطالب المواطنين فالقضاء ليس قاصر على تدبير شؤونه و إصلاح منزله الداخلي و أزمته مرتبطة بعقود من التبعية لم تنتج سوى ما تنددون به اليوم.

بكل محبة


[1]- الدكتور أحمد العماري، نظريات الإصلاح بين منطق الأصالة و الحداثة بالمغرب، مطبعة أنفو برنت، فاس، 2012، ص.172.



الخميس 4 سبتمبر 2014

عناوين أخرى
< >

السبت 29 يونيو 2024 - 19:13 البرلمان والضريبة


تعليق جديد
Twitter