MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




دعوى ثبوت الزوجية بين شروط الإبقاء ودواعي الإلغاء

     



خديجة فضيــل
باحـثة بكلية الحقوق بمراكش



دعوى ثبوت الزوجية بين شروط الإبقاء ودواعي الإلغاء
 
 
في إطار مسلسل تحديث المنظومة التشريعية المغربية أصدر المشرع المغربي في الثالث من فبرايـر 2004 مدونة الأسرة بموجب القانون رقم 70.03، والتي شكلت حدثا بارزا في مغرب الألفية الثالثة، اكتنز في طياته التحولات الاجتماعية والدينامية السياسية التي بصمت بنية المجتمع المغربي.

وإذا كانت المدونة قد أتت بمشروع متكامل، يؤسس لثقافة مجتمعية جديدة، فإن مرور عشر سنوات على تطبيقها قد عرف عدة إشكالات أظهرت الحاجة إلى المزيد من الجهد من أجل رصد الحصيلة الكمية والكيفية لتطبيق مدونة الأسرة وتليين الصعوبات التي تكتنف عمل أقسام قضاء الأسرة، خصوصا تجاه قضية تعتبر من الأهمية بمكان، ويتعلق الأمر بموضوع ثبوت الزوجية، الذي يعتبر مدخلا من مداخل استقرار المراكز القانونية للأفراد داخل المجتمع.، إذ أضحى عقد الزواج شكلية مقصودة لذاتها، خصوصا في زمننا هذا، الذي قل فيه الوازع الديني، وانعدمت ضمائر كثير من الناس، وساد فيه التنكر والتحلل من الالتزامات، لذلك كانت المدونة صريحة وواضحة عندما اعتبرت في الفقرة الأولى من المادة 16  وثيقة الزواج الوسيلة المقبولة لإثباته، لكنها مع ذلك أبقت الباب مواريا عندما تحُول ظروف قاهرة دون توثيق العقد في إبّانه، فمنحت المحكمة صلاحية إجراء البحث عن الظروف والقرائن المؤكدة لقيام العلاقة الزوجية، معتمدة  على جميع وسائل الإثبات وكذا الخبرة، آخذة بعين الاعتبار وجود أطفال أو حمل ناتج عن تلك العلاقة، وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين.

وقد حددت الفقرة الأخيرة من المادة 16 سقفا زمنيا مداه عشر سنوات ابتداء من تاريخ دخول المدونة حيز التنفيذ بتاريخ 05- 02- 2004 للعمل بسماع دعوى الزوجية وتصحيح جميع الوضعيات العالقة.

وحيادا عن النتائج المحصّلة نتيجة تطبيق مقتضيات هذه المادة، فإن انقضاء الفترة الانتقالية المحددة لسماع دعوى ثبوت الزوجية، قد جعل المشرع المغربي في مأزق سيناريوهات متعددة ما بين منطق الإبقاء وهاجس الإلغاء. ليبقى السؤال المطروح، ما مصير الزيجات غير الموثقة بعد انتهاء مدة العمل بمقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة ؟ هل سيتم إبقاء المادة على حالها، أم سيتم تقييدها بشروط ؟ أم سيتم إلغاء العمل بها نهائيا؟
لمقاربة هذا الموضوع، ارتأينا تتبع  منهجية التحليل في هذا الموضوع وفق العناصر التالية:

المحور الأول: رصد لأهم شروط الإبقاء على مقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة
المحور الثاني: دواعي إلغاء دعوى ثبوت الزوجية

المحور الأول: رصد لأهم شروط الإبقاء على مقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة

قبل الشروع في رصد أهم الشروط لإبقاء على مقتضيات المادة 16  من المدونة لابد أن نعطي تعريفا للإثبات كما عرفه الدكتورالسنهوري، بأنه: " إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي يحددها القانون  على واقعة قانونية". والزواج كما عرفته مدونة الأسرة هو: " ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة"، وبرجوعنا إلى المادة 16 من مدونة الأسرة التي تعتبر أن وثيقة الزواج هي المقبولة قانونا لإثبات الزواج .

وعندما نتحدث عن الكتابة في الزواج ليس كالكتابة في باقي العقود، نظرا لتميزها بخصائص شكلية               وموضوعية لأن الكتابة ليست فقط مجرد أداة لإثبات الزواج وإنما شرط لصحته.  

ومن بين الشروط التي يجب توفرها للإبقاء على مقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة، نذكر منها :

أولا/ تبسيط المسطرة: عندما نتحدث عن إثبات دعوى الزوجية لابد من الإشارة إلى نوع المسطرة المتبعة وما هي خصائصها ؟ هل تتسم بالتعقيد أم بالبساطة ؟

يمكن أن نعتبر الأحكام التي جاءت بها مدونة الأسرة بأنها معقدة نوعا ما، بحيث نلاحظ غياب الأرضية الملائمة لهذه الأحكام خاصة في بعض المناطق النائية التي تفتقر لأقرب مرفق قضائي مما يجعل ساكنتها تتكبد عناء فوق طاقتها للوصول إلى المراكز القضائية لتحقيق مصالحها، لهذا يجب على السلطات المسؤولة أخذ هذا بعين الاعتبار ومحاولة تبسيط المسطرة، ولما لا تخويل هذه المهمة لضباط الحالة المدنية.

وعلى خلاف ذلك يرى الدكتور أحمد الخمليشي " أن هذه الشكليات لا تكلف الراغب في الزواج وقتا غير عادي أو يؤثر على عمله المهني أو الوظيفي، ويؤكد ذلك أن أغلب المتزوجين بعقود غير موثقة لا يمارسون مهنة أو عملا منتظما. إن الزواج بالنسبة لأغلبية مرتفعة جدا يعقد مرة واحدة في العمر، وما يستغرقه توثيقه عقده لايتعدى بضع ساعات بين إنجاز وثائق الملف وإشهاد العدليين وهو ما يجعل شكليات توثيقه بسيطة لا تشدد فيها من القانون ولا مبالغة ".

ثانيا/ اعتماد مقاربة زجرية، وذلك من خلال ضرورة التنصيص على مقتضيات زجرية من شأنها الحد من استمرار الزيجات الغير موثقة، باعتبار هذا الموضوع يلحق ضررا محققا بالأطفال وهويتهم، وليس بالزوجين فقط، لهذا ينبغي إضفاء صفة النظام العام على توثيق العقد، وبالتالي تمكين النيابة العامة من إحالة المعنيين بالأمر على قاضي التوثيق لكتابة العقد، كلما بلغ إلى علمها زواج غير موثق، وذلك تحت طائلة إمكانية متابعتهما بالفساد ما دامت علاقة الزواج غير موثقة. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه تمّ حذف الغرامة الجنائية في النص النهائي، عندما تم صياغة مشروع مدونة الأسرة، بعد أن كان رأي اللجنة الملكية المكلفة بتعديل مدونة الأحول الشخصية يقول : " يعاقب المسؤول عن عدم توثيق العقد بغرامة تتراوح ما بين 100 و500 درهم ". والمبلغ وإن كان بسيطا، ولكن لو تقرر لساهم ولو بشئ ضئيل في الإحجام من هاته الزيجات غير الموثقة.

وفي هذا الصدد يمكن أن نعتبر كل مستعمل لا قانوني وبشكل متعسف للمادة   16مرتكب لجريمة مع سبق الإصرار والترصد وعن سوء نية في كثير من الأحيان قصد التحايل على القانون بمبررات أقبح خاصة عندما يتعلق الأمر بزواج القاصر أو بزواج التعدد، ولا ننسى كذلك زواج المصاب بإعاقة ذهنية وهلم جرّا.

ثالثا/ تكثيف الحملات التوعوية والتحسيسية
تلعب الحملات التحسيسية والتوعوية دورا فعالا في إشعار المواطنين بضرورة توثيق الزيجات الغير الموثقة كحل لاستقرار الأسرة ولضمان كافة حقوقها. وهذا ما تمّ تسجيله من خلال الدراسة الميدانية التي قام بها الأستاذ أنس سعدون، كحصيلة عن الجلسات التنقلية التي عقدتها المحكمة الابتدائية بأزيلال، بحيث بلغ عدد الملفات المتعلقة بثبوت الزوجية المسجلة إلى حدود سنة 2014 ما مجموعه 2206 ملفا، مما يبين حجم الملفات المتضخمة بهذه المناطق النائية، بحيث بلغت قضايا ثبوت الزوجية التي تعود إلى الفترة السابقة لصدور مدونة الأسرة ما مجموعه 1296 مقابل 910 قضية تتعلق بحالات أبرمت بعد صدور المدونة.
 
 
المحورالثاني: دواعي إلغاء المادة 16 من مدونة الأسرة

بالرغم من أن مبدأ الاستثناء في المادة 16 عمّـر أزيد من نصف قرن من الزمن، لكن هذا يبقى فقط تمديدا في الزمان الذي يصارعه المشرع، ويبقى واقع الأسرة المتردي بالمغرب أكبر دليل على ضرورة إلغاء هذه المادة والتفكير في حلول جديدة تنقد الأسر المغربية من مستنقعات الزيجات الغير الموثقة، لأن هذا الخلل أوضح لنا وجود انفلات قانوني أو ما سماها البعض بالثورة الخفية على النص القانوني، لأن استمرار مسلسل الزواج بالفاتحة هو حجة قاطعة على عدم فعالية مبدأ الاستثناء، الذي يتوسّل به طالبي الزيجات غير الموثقة.
وقد أوضحت دراسة ميدانية أنجزتها جمعية مبادرات للنهوض بحقوق النساء، بمدن فاس مكناس و خنيفرة، أن 25% من نساء العينة واللواتي حصلن على حكم إيجابي لطلب ثبوت  الزواج يبلغن ما بين 10و 15 سنة في بداية العلاقة الزوجية، و46% من الأحكام الإيجابية لطلبات ثبوت الزوجية تهم فتيات قاصرات عند تاريخ العلاقة الزوجية.

الدراسة تشير كذلك أن   61 % من الأحكام الإيجابية لطلبات ثبوت الزوجية  التي تقدم بها الأزواج الذين ليس لديهم أطفال تخص فتيات قاصرات عند تاريخ العلاقة الزوجية.

والعديد من الأزواج الذين يصطدمون بالبنود الجديدة لمدونة الأسرة يتحايلون على القانون بإقامة "علاقات زوجية" مع زوجة ثانية دون توثيق الزواج في حينه. ولا  يلجأ هؤلاء في الغالب  إلى إجراءات  ثبوت الزوجية  إلا بعد إنجاب أطفال. وهذه الثغرة تسمح بها المادة 16 كما هي معمول بها حاليا حيث أن ملف دعوى ثبوت الزوجية لا يلزم الإدلاء بشهادة العزوبة، والقضاة ليسوا ملزمين بطرح السؤال على صاحب الطلب، أو فتح تحقيق في الموضوع. وقد بينت اللقاءات التي أجريت مع القضاة رؤساء أقسام قضاء الأسرة بالمحاكم  المعنية بهذه الدراسة أن القاضي يستدعي الزوجة الثانية عبر عون قضائي  فقط حين يصرح صاحب الطلب بأن الدعوى تخص التعدد، و في الجلسة الموالية وفي حالة عدم حضور الزوجة الأولى أمام المحكمة  يبث القاضي في الملف على  حالته.

 



الاربعاء 4 مارس 2015
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter