أثار طلب حزب الأصالة والمعاصرة من المحكمة الدستورية سحب الطعن في القانون المالي إشكالا قانونيا ودستوريا يتعلق بالقيمة القانونية للتنازل عن عريضة الإحالة على المحكمة الدستورية للبت في مدى دستورية القانون؟ ، بمعنى هل التنازل عن مسطرة الطعن في دستورية القوانين يعتد به وينتج أثره القانوني لتعلقه بمصلحة جهة بعينها مقدمة الطعن بتصريح المحكمة بالاستجابة للطلب ام أن هذا التنازل غير مقبول قانونيا ودستوريا لتعلقه بمصلحة عامة على اعتبار ان الطعن بعدم دستورية قانون يرتبط بالنظام العام وبتفعيل أعلى قانون في المملكة ؟
قبل ابداء وجهة النظر الدستورية والقانونية اعتبر شخصيا أن التنازل عن عريضة الطعن بعدم الدستورية يتنافى مع القيم والمبادئ الدستورية الرامية الى تعزيز المؤسسات الدستورية وإلى دور أعضاء مجلس النواب او مجلس المستشارين في ممارسة صلاحيتهم الدستورية التي منحها لهم القانون كممثلي الامة في الانتصار لسمو الدستور طبقا للفصل 132 منه الذي ينص أنه يمكن للملك،وكذا لكل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، وخُمس أعضاء مجلس النواب، وأربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين،أن يحيلوا القوانين ، قبل إصدار الأمر بتنفيذها إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور.
ومن المهم الإشارة ان الإحالة إلى المحكمة الدستورية تؤدي في هذه الاحالة إلى وقف سريان أجل إصدار الأمر بالتنفيذ.
ومما لاشك فيه فإن المحكمة الدستورية المغربية حرصت على صيانة مبدأ سمو الدستور في العديد من اجتهاداتها القيمة والمبدئية
-"...إن الدستور ...له السمو على ما عداه، ويتعين على جميع المواطنات والمواطنين احترامه".(قرار المجلس الدستوري رقم 819 بتاريخ 16 نونبر 2011)
-"... احترام مبدأ سمو الدستور يعد، بموجب فصله السادس، من المبادئ الملزمة".( قرار المجلس الدستوري رقم 937 بتاريخ 29 مايو 2014).
المبادئ الملزمة
"... ضمان احترام مبدأ سمو الدستور يعد ، بموجب فصله السادس من المبادئ الملزمة".( قرار المجلس الدستوري رقم 937بتاريخ 29 مايو 2014)
سمو الدستور على كل ماعداه من القوانين
قرار المجلس الدستوري رقم 854 بتاريخ 3 يونيو 2012.
-القرارات منشورة بالجامع لمبادئ وقواعد القضاء الدستوري المغربي من خلال قرارات الغرفة الدستورية(1994-1963) والمجلس الدستوري (2015-1994).مطبعة الأمنية –الرباط 2015 ص 11و13.
وبالنظر لارتباط سمو الدستور بطبيعة اختصاص المحكمة الدستورية كمحكمة تحرص على إضفاء الطابع العملي على هذا السمو نصا وروحا فان هذا يجعل من اختصاص المحكمة ذات طبيعة ملزمة ومرتبطة بالنظام العام بشكل يجعل من رفع عريضة الطعن بعدم الدستورية امامه غير قابلة للتنازل او السحب لتعلقها بتطبيق اسمى قانون يتعين على جميع القوانين ان تنضبط له ،ولا يمكن حرمان المحكمة من ممارسة اختصاص دستوري اصيل وطبيعي بحماية الوثيقة الدستورية وصيانة علويتها على ما أدناها من قوانين طبقا لقاعدة التراتبية الهرمية التشريعية.
وبمناسبة بحثنا عن السوابق القضائية للمحكمة الدستورية المغربية في شكلها الجديد كمحكمة او في الشكل القديم كمجلس عثرنا على قرار مبدئي ينتصر لمبدأ عدم جواز سحب الطعن بعدم الدستورية
وهكذا جاء في قرار رقم937بتاريخ 29 مايو 2014). "بصرف النظر عن كون طلب التنازل عن إحالة قانون إلى المجلس الدستوري جاء موقعا من قبل رئيس فريق وليس من طرف جميع أعضاء مجلس المستشارين الموقعين على رسالة الإحالة، فان إحالة القوانين على المحكمة الدستورية – بغض النظر عن قبولها أو عدم قبولها – لا ترمي إلى تحقيق مصلحة خاصة بالجهة المحلية للقانون، بل تروم ضمان احترام مبدأ سمو الدستور الذي يعد، بموجب فصله السادس، من المبادئ الملزمة ... وتبعا لذلك، فان مآل القوانين المحالة إلى المحكمة الدستورية للبت في مطابقتها للدستور من قبل الجهات المحددة بالفقرة الثالثة من فصله 132، لا يمكن التقيد فيه بالإرادة المنفرد للجهة المحلية للقانون، الأمر الذي يتعين معه رفض طلب التنازل" منشور بالجامع لمبادئ وقواعد القضاء الدستوري المغربي مرجع سابق ص26.
وفي نفس الاتجاه وحسما للاشكاية وتمسكا منها بعدم مشروعية سحب مسطرة الطعن بعدم الدستورية في النازلة الحالية اكدت المحكمة الدستورية بموجب قرارها عدد 17/66 في الملف عدد 17/15 الصادر بتاريخ 23/12/2017 ذات المبدأ بحيثياتها التالية: "حيث إن رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، وجه إلى المحكمة الدستورية طلبا بالتنازل عن الإحالة، وأتبع الطلب المذكور برسالة مرفقة بتوقيعات 79 عضوا بمجلس النواب، لسحب توقيعاتهم عن لائحة التوقيعات المرفقة بالإحالة؛
لكن،
حيث إن طلب رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، الذي جاء واضحا وصريحا، يرمي إلى التنازل عن الإحالة المقدمة، وأن طلب الموقعين على الإحالة يهدف إلى "سحب توقيعاتهم" المرفقة بها؛
وحيث إن المحكمة الدستورية، التي تعود إليها صلاحية التكييف القانوني السليم للطلبات المقدمة لها، فإنها تتقيد في ذلك بالمقصود منها لا بالصيغ والتعابير التي تأتي وفقها؛
وحيث إن السحب، باعتباره إجراء يرمي إلى توقيف أثر الفعل في المستقبل كما في الماضي وجعله كأن لم يكن، يعني، في قصد طالبيه، بالنظر للصبغة الجماعية التي يتخذها، التخلي عن توقيعاتهم، بما يستتبع ذلك التنازل عن الإحالة المرفقة بها؛
وحيث إنه، لئن كان الحق في التنازل يقابله الحق في إقامة الدعوى، فإن هذه القاعدة المدنية يقتصر إعمالها على الدعاوى الشخصية الرامية إلى حماية حقوق أو مراكز قانونية فردية، ولا تطبق على إطلاقيتها، في الدعاوى الموضوعية، لا سيما منها تلك التي ترمي إلى التحقق من التقيد بسمو الدستور؛
وحيث إن طلب التنازل يرمي إلى وقف تفعيل ونفاذ المراقبة الدستورية، مع ما ينطوي عليه ذلك من الحد من صلاحيات المحكمة الدستورية في بسط نظرها على إحالة معروضة عليها ومستوفية لشروط قبولها؛
وحيث إن كلا من الدستور والقانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية، لا يتضمنان أي أساس قانوني يمكن الاستناد إليه، سواء من قبل الطرف المحيل أو المحكمة الدستورية، فيما يتعلق بإنهاء الإحالة الدستورية قبل البت فيها، انطلاقا من الإرادة المنفردة لمقدميها؛
وحيث إنه، لئن كان عمل المشرع محاطا بمبدإ قرينة الدستورية، فإن هذه القرينة يمتد إليها الشك بإحالة الموضوع المتعلق بها على المحكمة الدستورية، التي يصبح عليها واجب رفع هذا الشك والتحقق من دستوريته، بغض النظر عن الموقف البعدي لمقدمي الإحالة منها، ضمانا لمبدإ الأمن القانوني؛
وحيث إن الإحالة الدستورية، استحضارا لطبيعتها وغايتها، لا يوقفها ولا يحد من ممارستها، التنازل الصادر عن مقدميها إلا إذا كانت توقيعاتهم المتطلبة للإحالة على المحكمة الدستورية قد شابها عيب للرضى أو تم وضعها دون إذن من صاحبها أو كانت نتيجة خطإ مادي، وفي ما عدا مثل هذه الحالات الاستثنائية، فإن المحكمة الدستورية تصرح برفض التنازل؛
وحيث إنه، فضلا عن عدم الاعتداد بالتنازل المقدم من قبل رئيس الفريق المذكور، فإن تنازل النائبات والنواب المتخذ في شكل سحب للتوقيعات، لم يبرر بإحدى العيوب المشار إليها، مما يتعين معه التصريح برفضه"
وحيث ان هذا الاتجاه الجدير بالتأييد ينتصر للفصل السادس من الدستور الذي ينص صراحة على ان "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له.
تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، ووجوب نشرها، مبادئ ملزمة".
وبذلك تكون المحكمة الدستورية قد حصت الطعن بعدم الدستورية من التنازل او السحب لانه يتعلق بمصلحة عامة وهي السهر على سمو الدستور وليس مصلحة خاصة لمقدمه ورفضت التنازل عن صلاحياتها في ضمان التطبيق السليم للدستور
والملاحظ ان هذا الاتجاه تلتقي فيه جل المحاكم الدستورية المقارنة ،بحيث أن هيئة مراقبة دستورية القوانين التونسية اكدت على ذات المبدأ في قرار لها بتاريخ 8/6/2015 -"حيث أن الاحتجاج بسقوط الطعن تبعا لتزان تعبير النائب .. عن إرادته في سحب إمضائه مع تقديم قائمة الطاعنين في نفس الوقت يوما وساعة ودقيقة ،لا يجوز ولا يصح التعويل عليه ضرورة أن المشرع لما خول بموجب الفصل 18 من القانون الأساسي المذكور آنفا إمكانية الطعن في دستورية مشاريع القوانين في صيغة شكل يستوجب اتحاد إرادة ثلاثين نائبا على الأقل لا يجيز لأي نائب الانسحاب والرجوع في انخراطه وانصهاره في هذا المنحنى باعتبار أن توجهه هذا لا يكتسي صبغة النزاع الشخصي الذي يجوز التخلي عنه والرجوع فيه ،باعتبار أن لهذا الانسحاب تأثير جوهري على حق بقية المجموعة في المحافظة على النصاب المتعين توفره لممارسة طعن يتملك صميمه ويختلج كيانه وثيق ارتباطه بالمصلحة العامة الداعية إلى وجوب مراقبة احترام مقتضيات الدستور وعلويته. وحيث أضحى والحالة العامة ما ذكر الطعن في مشروع القانون المذكور محرزا جميع مقوماته الشكلية مما يجعله متجه القبول من هذه الناحية". قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين عدد 02/2015 يتعلق بمشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء.)"
احمد بوعون : قرارات الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين منشورات مجمع الأطرش للكتاب المختص الطبعة الأولى تونس 2016 ص 34.
وقد سبق للرسالة السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله الموجهة للمشاركين في المؤتمر السادس لجمعية المحاكم الدستورية التي تتقاسم استعمال اللغة الفرنسية بمراكش في 4 يوليوز 2012 أن أكدت على أنه "..بالنظر لكافة المضامين المتقدمة للدستور الجديد للمملكة الذي أضحت ديباجته جزءا لا يتجزأ منه،وبارتقاء المجلس الدستوري إلى محكمة دستورية ذات اختصاصات واسعة،فإننا نتوخى توطيد دعائم المدرسة الدستورية المغربية الحافة بعطاء الفقهاء الدستوريين المغاربة، عن طريق انبثاق اجتهاد قضائي دستوري خلاق وطموح ،غايته المثلى تكريس سمو الدستور والتقيد بأحكامه ،نصا وروحا ."
قبل ابداء وجهة النظر الدستورية والقانونية اعتبر شخصيا أن التنازل عن عريضة الطعن بعدم الدستورية يتنافى مع القيم والمبادئ الدستورية الرامية الى تعزيز المؤسسات الدستورية وإلى دور أعضاء مجلس النواب او مجلس المستشارين في ممارسة صلاحيتهم الدستورية التي منحها لهم القانون كممثلي الامة في الانتصار لسمو الدستور طبقا للفصل 132 منه الذي ينص أنه يمكن للملك،وكذا لكل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، وخُمس أعضاء مجلس النواب، وأربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين،أن يحيلوا القوانين ، قبل إصدار الأمر بتنفيذها إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور.
ومن المهم الإشارة ان الإحالة إلى المحكمة الدستورية تؤدي في هذه الاحالة إلى وقف سريان أجل إصدار الأمر بالتنفيذ.
ومما لاشك فيه فإن المحكمة الدستورية المغربية حرصت على صيانة مبدأ سمو الدستور في العديد من اجتهاداتها القيمة والمبدئية
-"...إن الدستور ...له السمو على ما عداه، ويتعين على جميع المواطنات والمواطنين احترامه".(قرار المجلس الدستوري رقم 819 بتاريخ 16 نونبر 2011)
-"... احترام مبدأ سمو الدستور يعد، بموجب فصله السادس، من المبادئ الملزمة".( قرار المجلس الدستوري رقم 937 بتاريخ 29 مايو 2014).
المبادئ الملزمة
"... ضمان احترام مبدأ سمو الدستور يعد ، بموجب فصله السادس من المبادئ الملزمة".( قرار المجلس الدستوري رقم 937بتاريخ 29 مايو 2014)
سمو الدستور على كل ماعداه من القوانين
قرار المجلس الدستوري رقم 854 بتاريخ 3 يونيو 2012.
-القرارات منشورة بالجامع لمبادئ وقواعد القضاء الدستوري المغربي من خلال قرارات الغرفة الدستورية(1994-1963) والمجلس الدستوري (2015-1994).مطبعة الأمنية –الرباط 2015 ص 11و13.
وبالنظر لارتباط سمو الدستور بطبيعة اختصاص المحكمة الدستورية كمحكمة تحرص على إضفاء الطابع العملي على هذا السمو نصا وروحا فان هذا يجعل من اختصاص المحكمة ذات طبيعة ملزمة ومرتبطة بالنظام العام بشكل يجعل من رفع عريضة الطعن بعدم الدستورية امامه غير قابلة للتنازل او السحب لتعلقها بتطبيق اسمى قانون يتعين على جميع القوانين ان تنضبط له ،ولا يمكن حرمان المحكمة من ممارسة اختصاص دستوري اصيل وطبيعي بحماية الوثيقة الدستورية وصيانة علويتها على ما أدناها من قوانين طبقا لقاعدة التراتبية الهرمية التشريعية.
وبمناسبة بحثنا عن السوابق القضائية للمحكمة الدستورية المغربية في شكلها الجديد كمحكمة او في الشكل القديم كمجلس عثرنا على قرار مبدئي ينتصر لمبدأ عدم جواز سحب الطعن بعدم الدستورية
وهكذا جاء في قرار رقم937بتاريخ 29 مايو 2014). "بصرف النظر عن كون طلب التنازل عن إحالة قانون إلى المجلس الدستوري جاء موقعا من قبل رئيس فريق وليس من طرف جميع أعضاء مجلس المستشارين الموقعين على رسالة الإحالة، فان إحالة القوانين على المحكمة الدستورية – بغض النظر عن قبولها أو عدم قبولها – لا ترمي إلى تحقيق مصلحة خاصة بالجهة المحلية للقانون، بل تروم ضمان احترام مبدأ سمو الدستور الذي يعد، بموجب فصله السادس، من المبادئ الملزمة ... وتبعا لذلك، فان مآل القوانين المحالة إلى المحكمة الدستورية للبت في مطابقتها للدستور من قبل الجهات المحددة بالفقرة الثالثة من فصله 132، لا يمكن التقيد فيه بالإرادة المنفرد للجهة المحلية للقانون، الأمر الذي يتعين معه رفض طلب التنازل" منشور بالجامع لمبادئ وقواعد القضاء الدستوري المغربي مرجع سابق ص26.
وفي نفس الاتجاه وحسما للاشكاية وتمسكا منها بعدم مشروعية سحب مسطرة الطعن بعدم الدستورية في النازلة الحالية اكدت المحكمة الدستورية بموجب قرارها عدد 17/66 في الملف عدد 17/15 الصادر بتاريخ 23/12/2017 ذات المبدأ بحيثياتها التالية: "حيث إن رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، وجه إلى المحكمة الدستورية طلبا بالتنازل عن الإحالة، وأتبع الطلب المذكور برسالة مرفقة بتوقيعات 79 عضوا بمجلس النواب، لسحب توقيعاتهم عن لائحة التوقيعات المرفقة بالإحالة؛
لكن،
حيث إن طلب رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، الذي جاء واضحا وصريحا، يرمي إلى التنازل عن الإحالة المقدمة، وأن طلب الموقعين على الإحالة يهدف إلى "سحب توقيعاتهم" المرفقة بها؛
وحيث إن المحكمة الدستورية، التي تعود إليها صلاحية التكييف القانوني السليم للطلبات المقدمة لها، فإنها تتقيد في ذلك بالمقصود منها لا بالصيغ والتعابير التي تأتي وفقها؛
وحيث إن السحب، باعتباره إجراء يرمي إلى توقيف أثر الفعل في المستقبل كما في الماضي وجعله كأن لم يكن، يعني، في قصد طالبيه، بالنظر للصبغة الجماعية التي يتخذها، التخلي عن توقيعاتهم، بما يستتبع ذلك التنازل عن الإحالة المرفقة بها؛
وحيث إنه، لئن كان الحق في التنازل يقابله الحق في إقامة الدعوى، فإن هذه القاعدة المدنية يقتصر إعمالها على الدعاوى الشخصية الرامية إلى حماية حقوق أو مراكز قانونية فردية، ولا تطبق على إطلاقيتها، في الدعاوى الموضوعية، لا سيما منها تلك التي ترمي إلى التحقق من التقيد بسمو الدستور؛
وحيث إن طلب التنازل يرمي إلى وقف تفعيل ونفاذ المراقبة الدستورية، مع ما ينطوي عليه ذلك من الحد من صلاحيات المحكمة الدستورية في بسط نظرها على إحالة معروضة عليها ومستوفية لشروط قبولها؛
وحيث إن كلا من الدستور والقانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية، لا يتضمنان أي أساس قانوني يمكن الاستناد إليه، سواء من قبل الطرف المحيل أو المحكمة الدستورية، فيما يتعلق بإنهاء الإحالة الدستورية قبل البت فيها، انطلاقا من الإرادة المنفردة لمقدميها؛
وحيث إنه، لئن كان عمل المشرع محاطا بمبدإ قرينة الدستورية، فإن هذه القرينة يمتد إليها الشك بإحالة الموضوع المتعلق بها على المحكمة الدستورية، التي يصبح عليها واجب رفع هذا الشك والتحقق من دستوريته، بغض النظر عن الموقف البعدي لمقدمي الإحالة منها، ضمانا لمبدإ الأمن القانوني؛
وحيث إن الإحالة الدستورية، استحضارا لطبيعتها وغايتها، لا يوقفها ولا يحد من ممارستها، التنازل الصادر عن مقدميها إلا إذا كانت توقيعاتهم المتطلبة للإحالة على المحكمة الدستورية قد شابها عيب للرضى أو تم وضعها دون إذن من صاحبها أو كانت نتيجة خطإ مادي، وفي ما عدا مثل هذه الحالات الاستثنائية، فإن المحكمة الدستورية تصرح برفض التنازل؛
وحيث إنه، فضلا عن عدم الاعتداد بالتنازل المقدم من قبل رئيس الفريق المذكور، فإن تنازل النائبات والنواب المتخذ في شكل سحب للتوقيعات، لم يبرر بإحدى العيوب المشار إليها، مما يتعين معه التصريح برفضه"
وحيث ان هذا الاتجاه الجدير بالتأييد ينتصر للفصل السادس من الدستور الذي ينص صراحة على ان "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له.
تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، ووجوب نشرها، مبادئ ملزمة".
وبذلك تكون المحكمة الدستورية قد حصت الطعن بعدم الدستورية من التنازل او السحب لانه يتعلق بمصلحة عامة وهي السهر على سمو الدستور وليس مصلحة خاصة لمقدمه ورفضت التنازل عن صلاحياتها في ضمان التطبيق السليم للدستور
والملاحظ ان هذا الاتجاه تلتقي فيه جل المحاكم الدستورية المقارنة ،بحيث أن هيئة مراقبة دستورية القوانين التونسية اكدت على ذات المبدأ في قرار لها بتاريخ 8/6/2015 -"حيث أن الاحتجاج بسقوط الطعن تبعا لتزان تعبير النائب .. عن إرادته في سحب إمضائه مع تقديم قائمة الطاعنين في نفس الوقت يوما وساعة ودقيقة ،لا يجوز ولا يصح التعويل عليه ضرورة أن المشرع لما خول بموجب الفصل 18 من القانون الأساسي المذكور آنفا إمكانية الطعن في دستورية مشاريع القوانين في صيغة شكل يستوجب اتحاد إرادة ثلاثين نائبا على الأقل لا يجيز لأي نائب الانسحاب والرجوع في انخراطه وانصهاره في هذا المنحنى باعتبار أن توجهه هذا لا يكتسي صبغة النزاع الشخصي الذي يجوز التخلي عنه والرجوع فيه ،باعتبار أن لهذا الانسحاب تأثير جوهري على حق بقية المجموعة في المحافظة على النصاب المتعين توفره لممارسة طعن يتملك صميمه ويختلج كيانه وثيق ارتباطه بالمصلحة العامة الداعية إلى وجوب مراقبة احترام مقتضيات الدستور وعلويته. وحيث أضحى والحالة العامة ما ذكر الطعن في مشروع القانون المذكور محرزا جميع مقوماته الشكلية مما يجعله متجه القبول من هذه الناحية". قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين عدد 02/2015 يتعلق بمشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء.)"
احمد بوعون : قرارات الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين منشورات مجمع الأطرش للكتاب المختص الطبعة الأولى تونس 2016 ص 34.
وقد سبق للرسالة السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله الموجهة للمشاركين في المؤتمر السادس لجمعية المحاكم الدستورية التي تتقاسم استعمال اللغة الفرنسية بمراكش في 4 يوليوز 2012 أن أكدت على أنه "..بالنظر لكافة المضامين المتقدمة للدستور الجديد للمملكة الذي أضحت ديباجته جزءا لا يتجزأ منه،وبارتقاء المجلس الدستوري إلى محكمة دستورية ذات اختصاصات واسعة،فإننا نتوخى توطيد دعائم المدرسة الدستورية المغربية الحافة بعطاء الفقهاء الدستوريين المغاربة، عن طريق انبثاق اجتهاد قضائي دستوري خلاق وطموح ،غايته المثلى تكريس سمو الدستور والتقيد بأحكامه ،نصا وروحا ."