تمهيد
شهدِت ساحة العدالة القانونية في الآونة الأخيرة حوارات يمكن تسميتها بالماراطونية، تمت عنونتها بالحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، ونصبت فيها لجنة ملكية مختصة، يتجاذب مناصبها ومراكزها رجالات القانون بالمغرب من مختلف الأطياف المهنية والتخصصات الفرعية الكبرى والوليدة، وهذا إن دل إنما يدل على الإعتلال الطافح الذي يصيب جسم العدالة بالمملكة ويكاد يقسم ظهرها حتى قبل أن نكمل قرنا واحدا على استقلال الدولة السياسي وحتى قبل أن نكمل نصفه عن إخراج ظهير التنظيم القضائي لحيز الوجود وتنفيذه والذي سيتم السنة المقبلة.
ودون خروج عما سبق فالنيابة العامة كجهاز قضائي لا يعتبر أجنبيا عن هذا الإعتلال، فحقا هو جهاز متماسك بالمغرب ومتشابك لا يكاد يصيبه ضرر، لكنه هو مصدر الضرر والداء نظرا لهيكلة إدارية تنفيذية سيئة عوض هيكلة مهنية قضائية نزيهة والتي تعد من بين البرامج الطموحة التي تسعى الدولة لإخراجها وضمان استقلالية هذا الجهاز القضائي، تماشيا مع روح دستور المملكة الوليد والذي فك كل غموض باعتبار السلطة القضائية سلطة قائمة بذاتها مستقلة عن كل تحكم تنفيذي إداري، وهو ما بقي على اللجنة المذكورة أعلاه أن تصدر القرارات الحاسمة بشأنه، وتفك ارتباط السيد وزير العدل والحريات، من تواجده في أعلى هرمه.
وباعتبار جهاز النيابة العامة ذاك الجهاز المتولي لإقامة الدعوى العمومية ومراقبتها والمطالب بتطبيق القانون حسب ما جاء بالفصل 36 من ق.م.ج، فهذا لا ينفي عنها اختصاصات مدنية وتجارية وإدارية والتي أعطاها المشرع لها في جل القوانين المسطرية وغيرها، رغم اختصاصها في الدعاوى العمومية بتدخلها كطرف أصيل وخصم فيه لرد الإعتبار لمصلحة المجتمع وإحقاقا للحق وإزهاقا للباطل.
فلا بأس قبل الغطس في صلب إشكاليتنا أن نعرف بهذا الجهاز ونرصد مختلف التطورات التاريخية التي مر منها بالمغرب مع تبيان خصائصها بصفة عامة، هاته الإشكالية التي تتساءل حول الدور المنوط بهذا الجهاز القضائي المنظَّم في الدعاوى المدنية سواء كطرف أصلي أو مجرد منضمٍّ إليها، مع استبيان جوهر هيكلتها التنظيمية والتي سنفرد لها المحور الثاني من هذا العرض البسيط والذي لن يفي هذا الجهاز حقه من الأحرف ولو كتبت بمياه الأمطارِ.
أولا: نظرة عامة
سبق وتكلمنا حول مدى أهمية هذا الجهاز في حماية حقوق المجتمع والمصلحة العامة وضبط الأمن العام كإحدى مرتكزات النظام العام، ولهذا السبب توسعت أغلب التشريعات في النظم القضائية الحديثة في الأخذ بنظام النيابة العامة، وذلك لما أثبته العمل من أن الدعاوى التي تتدخل فيها النيابة العامة وتبدي رأيها فيها قلما يحيد الحكم فيها عن جادة الصواب[[1]]url:#_ftn1 ، وعلى هذا الأساس نرى أن نقسم هذا المحور لتعريف ثم تطور تاريخي له زد على ذلك أهم خصائصه ومميزاته.
بدورنا نعرفها تعريفا ضيقا على اعتبارها تلك الهيئة القضائية ذات التنظيم الهيكلي الإداري والعامل جنبا لجنب مع هيئة الحكم القضائية في تكامل واستقلال في نفس الوقت، والمكلفة قانونا بالدخول إما طرفا أصيلا أو منضما في الدعاوى العمومية على وجه الإلزام والتحتيم، وفي الدعوى المدنية على وجه الإختيار، صونا لحقوق الجماعة ودرءا للأخطار عنها وتطبيقا للقانون تطبيقا نافيا لكل جهالة.
وبغض النظر عن أصل النيابة العامة بشكل عام، فإن ما يهمنا نحن في هذا المحور هو تطورها التاريخي بالمغرب، فنرى لزاما علينا تقسيم هذا الفرع بحسب الأحقاب التاريخية التقليدية الكبرى التي دُرج عليها في المنهج التاريخي، والتي تعتبر محطات مفصلية في تاريخ جملة من الأجهزة والقضايا باعتبار مرحلة الحماية فيها هي العقدة.
ليتم فيما بعد إبعاد هذا الإختصاص من القاضي فيما يخص النزاعات الجنائية وتخويله الحق في النظر في القضايا المدنية فقط في حين أن تلك القضايا الجنائية كلف بها الجهاز المخزني المتمثل في القواد (بالبوادي) والباشوات (بالمدن)، ويمكن أن يقال بحق إن هذا الإجراء كان من بين الإجراءات الممهدة لإستقبال الإستعمار فكان بمثابة ذاك السجاد الأحمر الذي بسط ليطأ عليه الجلادون أرجلهم بعد النزول من حوامات الهيليكوبتر وطائرات رافال وميراج، حيث تمت خلاله ممارسة كل أشكال التقتيل والتشريد الجبري ضد سكان المغرب خاصة بالبوادي والقرى، مع ما نُزع منهم من أراضي بقيت تطرح إشكالات قانونية لحين كتابة هذه الأسطر، وبالتالي من الأخطاء السلطانية الفادحة أن تم إسناد المتابعات الجنائية للجهاز المخزني الذي لم يحمي مؤسسات الدولة ولا الشعب المغربي وصدق بحق من عنون المغرب آنذاك ب "بلاد السيبة والمخزن".
أما عن تلك المخالفات الحرفية البسيطة فقد تم تمكينها إلى أمين الحرفة أو المحتسب أحيانا أخرى[[6]]url:#_ftn6 .
مع العلم أن قضايا الأحوال الشخصية والمواريث والعقارات غير المحفظة لم يتم إيلاءها لهذه المحاكم سواء خصت المسلمين أو اليهود بل تم منحها للمحاكم الشرعية كما يأتي بيانه.
فكان له اختصاص الحضور والتدخل ثم تنفيذ الأحكام أيضا، رغم الإختلاف في فرض الرقابة على المحاكم بحسب المناطق وحسب الجهة الإستعمارية.
ولا نسقط من الإعتبار صدور قرار وزيري سنة 1934 يخول للمندوب المخزني مراقبة هذه المحاكم العرفية[[7]]url:#_ftn7 .
مع العلم أن هذه المحاكم اختصت بالنظر في قضايا الأحوال الشخصية والمواريث والعقارات غير المحفظة الخاصة بالمسلمين وطبقا لمذهب الإمام مالك.
وكان وكيل الملك هو من يثير الدعوى العمومية ويسيرها ويراقبها والخاضع لمراقبة الوكيل العام للملك، ونبغي الإشارة إلى أن دور النيابة العامة كان جد ضعيف في قانون المسطرة المدنية الملغى حيث كان له فقط الإطلاع على مجموعة من القضايا التي ورد تعدادها على سبيل المثال لا الحصر بالفصل 186 منه، ليتم تعزيزه بضرورة حضورها في ظهير التنظيم القضائي الصادر سنة 1967 في كل القضايا الجنائية وجوبا، واختيارا في القضايا المدنية، لدى كل من محاكم السدد والمحاكم الإقليمية ومحاكم الإستئناف (أنظر الفصول 11 و 15 و 20 منه)[[8]]url:#_ftn8 وهو ما زاد في تعزيزه أكثر فأكثر في القانون الحالي كما سيأتي توضيحه في المحور الثاني.
وبعدما قمنا بالإحاطة السريعة لمجمل التطورات التاريخية التي عاشها هذا الجهاز بالمغرب ووقفنا قبله على تعريف الفقه له، فيمكننا الآن أن نبرز السمات والمميزات التي يتسم بها.
وبضمان استقلاليتها عن باقي الجهات وأيضا عدم تجريح قضاتها فقد نكون قد قطعنا النزاهة والتجرد والمصداقية بسيف الحجاج، فيكفي أن نضمن استقلاليتها تجاه باقي الجهات لكن التجريح لازم واجب من منطق العقل السليم.
والآن وبعد أن حلقنا بعجالة فوق سماء جهاز النيابة العامة حيث رصدنا ما تتميز به يمكننا أن نستمد من ذات تحليقنا تنظيم هذا الجهاز والمهام الموكولة له في القضايا المدنية.
ثانيا: الهيكلة التنظيمية والإختصاصات
تمتاز النيابة العامة بتنظيم هيكلي فريد من نوعه حيث هي جهاز قضائي وذات تنظيم إداري لا بد أن نقف عنه في أول فرع قبل أن نمر بسرعة شعاع الضوء على الإختصاصات الموكلة لها.
مع العلم أن الوكيل العام للملك بمحكمة النقض ترجع إليه الصلاحية في تنقيط الوكلاء العامون للملك بمحاكم الإستئناف وتوجيه كل التعليمات الواجبة لهم بخصوص ملفات الطعن بالنقض.
بقي في آخر متن دراستنا لهذا الموضوع وهو أهم المهام الموكلة لرجال النيابة العامة في القضايا المدنية.
بل هذا ما ذهب له حتى المجلس الأعلى (سابقا) في أحد قراراته بالقول "الفصل 8 من قانون المسطرة المدنية ينص على أن النيابة العامة تتدخل كطرف منضم في جميع القضايا التي يأمر القانون بتبليغها إليها، وأن تدخلها يعني حضورها في الجلسة، وأن عدم التنصيص على اسم ممثل النيابة العامة في القرار المطعون فيه يعني عدم حضورها في الجلسة بالنسبة للقرار المذكور. كما أن الفصل 10 من قانون المسطرة المدنية ينص على أن حضور النيابة العامة في الجلسة يعتبر غير إلزامي إلا إذا كانت طرفا رئيسيا، أو كان حضورها محتما قانونا والحالة الأخيرة هي التي تتعلق بالفصلين 8 و 10 من قانون المسطرة المدنية ومن ثمة فإن عدم حضور ممثل النيابة العامة في الجلسة التي صدر فيها القرار المطعون فيه، يشكل خرقا لمقتضيات الفصلين المذكورين مما يعرضه للنقض"[[20]]url:#_ftn20 .
وبالإضافة للحالات السابقة في الفصل الثامن فهناك حالات أخرى وردت في الفصل لتاسع يجب على النيابة العامة التدخل فيها عن طريق تبليغها إياها وهي:
مع العلم أن هذه القضايا تبلغ إلى النيابة العامة قبل ثلاثة أيام من انعقاد الجلسة، وإلا جاز للنيابة العامة طلب تأخيرها حتى يتسنى لها إبداء مستنتاجاتها وملاحظاتها في صلب الموضوع[[22]]url:#_ftn22 .
وكل هذه القضايا يكون التدخل فيها اختياريا للنيابة العامة فلا وجود لما يلزمها وهذا واضح البيان على كونها مجرد حالة جوازية من صيغة العبارة "يمكن" المبدوءة بها رابع فقرة من الفصل 9 ق.م.م.
" وما توفيقي إلا بالله " صدق الله العظيم
المراجع المعتمدة
شهدِت ساحة العدالة القانونية في الآونة الأخيرة حوارات يمكن تسميتها بالماراطونية، تمت عنونتها بالحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، ونصبت فيها لجنة ملكية مختصة، يتجاذب مناصبها ومراكزها رجالات القانون بالمغرب من مختلف الأطياف المهنية والتخصصات الفرعية الكبرى والوليدة، وهذا إن دل إنما يدل على الإعتلال الطافح الذي يصيب جسم العدالة بالمملكة ويكاد يقسم ظهرها حتى قبل أن نكمل قرنا واحدا على استقلال الدولة السياسي وحتى قبل أن نكمل نصفه عن إخراج ظهير التنظيم القضائي لحيز الوجود وتنفيذه والذي سيتم السنة المقبلة.
ودون خروج عما سبق فالنيابة العامة كجهاز قضائي لا يعتبر أجنبيا عن هذا الإعتلال، فحقا هو جهاز متماسك بالمغرب ومتشابك لا يكاد يصيبه ضرر، لكنه هو مصدر الضرر والداء نظرا لهيكلة إدارية تنفيذية سيئة عوض هيكلة مهنية قضائية نزيهة والتي تعد من بين البرامج الطموحة التي تسعى الدولة لإخراجها وضمان استقلالية هذا الجهاز القضائي، تماشيا مع روح دستور المملكة الوليد والذي فك كل غموض باعتبار السلطة القضائية سلطة قائمة بذاتها مستقلة عن كل تحكم تنفيذي إداري، وهو ما بقي على اللجنة المذكورة أعلاه أن تصدر القرارات الحاسمة بشأنه، وتفك ارتباط السيد وزير العدل والحريات، من تواجده في أعلى هرمه.
وباعتبار جهاز النيابة العامة ذاك الجهاز المتولي لإقامة الدعوى العمومية ومراقبتها والمطالب بتطبيق القانون حسب ما جاء بالفصل 36 من ق.م.ج، فهذا لا ينفي عنها اختصاصات مدنية وتجارية وإدارية والتي أعطاها المشرع لها في جل القوانين المسطرية وغيرها، رغم اختصاصها في الدعاوى العمومية بتدخلها كطرف أصيل وخصم فيه لرد الإعتبار لمصلحة المجتمع وإحقاقا للحق وإزهاقا للباطل.
فلا بأس قبل الغطس في صلب إشكاليتنا أن نعرف بهذا الجهاز ونرصد مختلف التطورات التاريخية التي مر منها بالمغرب مع تبيان خصائصها بصفة عامة، هاته الإشكالية التي تتساءل حول الدور المنوط بهذا الجهاز القضائي المنظَّم في الدعاوى المدنية سواء كطرف أصلي أو مجرد منضمٍّ إليها، مع استبيان جوهر هيكلتها التنظيمية والتي سنفرد لها المحور الثاني من هذا العرض البسيط والذي لن يفي هذا الجهاز حقه من الأحرف ولو كتبت بمياه الأمطارِ.
أولا: نظرة عامة
سبق وتكلمنا حول مدى أهمية هذا الجهاز في حماية حقوق المجتمع والمصلحة العامة وضبط الأمن العام كإحدى مرتكزات النظام العام، ولهذا السبب توسعت أغلب التشريعات في النظم القضائية الحديثة في الأخذ بنظام النيابة العامة، وذلك لما أثبته العمل من أن الدعاوى التي تتدخل فيها النيابة العامة وتبدي رأيها فيها قلما يحيد الحكم فيها عن جادة الصواب[[1]]url:#_ftn1 ، وعلى هذا الأساس نرى أن نقسم هذا المحور لتعريف ثم تطور تاريخي له زد على ذلك أهم خصائصه ومميزاته.
- تعريف النيابة العامة
بدورنا نعرفها تعريفا ضيقا على اعتبارها تلك الهيئة القضائية ذات التنظيم الهيكلي الإداري والعامل جنبا لجنب مع هيئة الحكم القضائية في تكامل واستقلال في نفس الوقت، والمكلفة قانونا بالدخول إما طرفا أصيلا أو منضما في الدعاوى العمومية على وجه الإلزام والتحتيم، وفي الدعوى المدنية على وجه الإختيار، صونا لحقوق الجماعة ودرءا للأخطار عنها وتطبيقا للقانون تطبيقا نافيا لكل جهالة.
- التطور التاريخي للنيابة العامة
وبغض النظر عن أصل النيابة العامة بشكل عام، فإن ما يهمنا نحن في هذا المحور هو تطورها التاريخي بالمغرب، فنرى لزاما علينا تقسيم هذا الفرع بحسب الأحقاب التاريخية التقليدية الكبرى التي دُرج عليها في المنهج التاريخي، والتي تعتبر محطات مفصلية في تاريخ جملة من الأجهزة والقضايا باعتبار مرحلة الحماية فيها هي العقدة.
- ماقبل الحماية
ليتم فيما بعد إبعاد هذا الإختصاص من القاضي فيما يخص النزاعات الجنائية وتخويله الحق في النظر في القضايا المدنية فقط في حين أن تلك القضايا الجنائية كلف بها الجهاز المخزني المتمثل في القواد (بالبوادي) والباشوات (بالمدن)، ويمكن أن يقال بحق إن هذا الإجراء كان من بين الإجراءات الممهدة لإستقبال الإستعمار فكان بمثابة ذاك السجاد الأحمر الذي بسط ليطأ عليه الجلادون أرجلهم بعد النزول من حوامات الهيليكوبتر وطائرات رافال وميراج، حيث تمت خلاله ممارسة كل أشكال التقتيل والتشريد الجبري ضد سكان المغرب خاصة بالبوادي والقرى، مع ما نُزع منهم من أراضي بقيت تطرح إشكالات قانونية لحين كتابة هذه الأسطر، وبالتالي من الأخطاء السلطانية الفادحة أن تم إسناد المتابعات الجنائية للجهاز المخزني الذي لم يحمي مؤسسات الدولة ولا الشعب المغربي وصدق بحق من عنون المغرب آنذاك ب "بلاد السيبة والمخزن".
أما عن تلك المخالفات الحرفية البسيطة فقد تم تمكينها إلى أمين الحرفة أو المحتسب أحيانا أخرى[[6]]url:#_ftn6 .
- إبان الحماية
- المحاكم العصرية
مع العلم أن قضايا الأحوال الشخصية والمواريث والعقارات غير المحفظة لم يتم إيلاءها لهذه المحاكم سواء خصت المسلمين أو اليهود بل تم منحها للمحاكم الشرعية كما يأتي بيانه.
- المحاكم المخزنية
فكان له اختصاص الحضور والتدخل ثم تنفيذ الأحكام أيضا، رغم الإختلاف في فرض الرقابة على المحاكم بحسب المناطق وحسب الجهة الإستعمارية.
- المحاكم العرفية
ولا نسقط من الإعتبار صدور قرار وزيري سنة 1934 يخول للمندوب المخزني مراقبة هذه المحاكم العرفية[[7]]url:#_ftn7 .
- المحاكم الشرعية
مع العلم أن هذه المحاكم اختصت بالنظر في قضايا الأحوال الشخصية والمواريث والعقارات غير المحفظة الخاصة بالمسلمين وطبقا لمذهب الإمام مالك.
- المحاكم العبرية
- بعد الإستقلال
وكان وكيل الملك هو من يثير الدعوى العمومية ويسيرها ويراقبها والخاضع لمراقبة الوكيل العام للملك، ونبغي الإشارة إلى أن دور النيابة العامة كان جد ضعيف في قانون المسطرة المدنية الملغى حيث كان له فقط الإطلاع على مجموعة من القضايا التي ورد تعدادها على سبيل المثال لا الحصر بالفصل 186 منه، ليتم تعزيزه بضرورة حضورها في ظهير التنظيم القضائي الصادر سنة 1967 في كل القضايا الجنائية وجوبا، واختيارا في القضايا المدنية، لدى كل من محاكم السدد والمحاكم الإقليمية ومحاكم الإستئناف (أنظر الفصول 11 و 15 و 20 منه)[[8]]url:#_ftn8 وهو ما زاد في تعزيزه أكثر فأكثر في القانون الحالي كما سيأتي توضيحه في المحور الثاني.
وبعدما قمنا بالإحاطة السريعة لمجمل التطورات التاريخية التي عاشها هذا الجهاز بالمغرب ووقفنا قبله على تعريف الفقه له، فيمكننا الآن أن نبرز السمات والمميزات التي يتسم بها.
- خصائص النيابة العامة
- الوحدة
- الإستقلال
- عدم المسؤولية
- عدم قابلية التجريح
وبضمان استقلاليتها عن باقي الجهات وأيضا عدم تجريح قضاتها فقد نكون قد قطعنا النزاهة والتجرد والمصداقية بسيف الحجاج، فيكفي أن نضمن استقلاليتها تجاه باقي الجهات لكن التجريح لازم واجب من منطق العقل السليم.
- التدرج والتبعية الرئاسية
- تمثيل جهة الحق العام
والآن وبعد أن حلقنا بعجالة فوق سماء جهاز النيابة العامة حيث رصدنا ما تتميز به يمكننا أن نستمد من ذات تحليقنا تنظيم هذا الجهاز والمهام الموكولة له في القضايا المدنية.
ثانيا: الهيكلة التنظيمية والإختصاصات
تمتاز النيابة العامة بتنظيم هيكلي فريد من نوعه حيث هي جهاز قضائي وذات تنظيم إداري لا بد أن نقف عنه في أول فرع قبل أن نمر بسرعة شعاع الضوء على الإختصاصات الموكلة لها.
- التنظيم الهيكلي
- وزير العدل
- الوكيل العام للملك بمحكمة النقض
مع العلم أن الوكيل العام للملك بمحكمة النقض ترجع إليه الصلاحية في تنقيط الوكلاء العامون للملك بمحاكم الإستئناف وتوجيه كل التعليمات الواجبة لهم بخصوص ملفات الطعن بالنقض.
- الوكيل العام للملك لدى محكمتي الإستئناف العادية والتجارية
- وكيل الملك بالمحكمة الإبتدائية
- وكيل الملك بالمحكمة التجارية
- المفوض الملكي بالمحكمة الإدارية
بقي في آخر متن دراستنا لهذا الموضوع وهو أهم المهام الموكلة لرجال النيابة العامة في القضايا المدنية.
- الإختصاصات
- تدخل النيابة العامة في الدعاوى المدنية كطرف منضم
- التدخل الإجباري
بل هذا ما ذهب له حتى المجلس الأعلى (سابقا) في أحد قراراته بالقول "الفصل 8 من قانون المسطرة المدنية ينص على أن النيابة العامة تتدخل كطرف منضم في جميع القضايا التي يأمر القانون بتبليغها إليها، وأن تدخلها يعني حضورها في الجلسة، وأن عدم التنصيص على اسم ممثل النيابة العامة في القرار المطعون فيه يعني عدم حضورها في الجلسة بالنسبة للقرار المذكور. كما أن الفصل 10 من قانون المسطرة المدنية ينص على أن حضور النيابة العامة في الجلسة يعتبر غير إلزامي إلا إذا كانت طرفا رئيسيا، أو كان حضورها محتما قانونا والحالة الأخيرة هي التي تتعلق بالفصلين 8 و 10 من قانون المسطرة المدنية ومن ثمة فإن عدم حضور ممثل النيابة العامة في الجلسة التي صدر فيها القرار المطعون فيه، يشكل خرقا لمقتضيات الفصلين المذكورين مما يعرضه للنقض"[[20]]url:#_ftn20 .
وبالإضافة للحالات السابقة في الفصل الثامن فهناك حالات أخرى وردت في الفصل لتاسع يجب على النيابة العامة التدخل فيها عن طريق تبليغها إياها وهي:
- القضايا المتعلقة بالنظام العام والدولة[[21]]url:#_ftn21 والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والهبات والوصايا لفائدة المؤسسات الخيرية وممتلكات الأحباس والأراضي الجماعية.
- القضايا المتعلقة بالأسرة (أنظر المادة 3 من مدونة الأسرة).
- القضايا المتعلقة بفاقدي الأهلية وبصفة عامة جميع القضايا التي يكون فيها ممثل قانوني نائبا أو مؤازرا لأحد الأطراف.
- القضايا التي تتعلق وتهم الأشخاص المفترضة غيبتهم.
- القضايا التي تتعلق بعدم الإختصاص النوعي.
- القضايا التي تتعلق بتنازع الإختصاص، تجريح القضاة والإحالة بسبب القرابة أو المصاهرة.
- مخاصمة القضاة.
- قضايا الزور الفرعي.
مع العلم أن هذه القضايا تبلغ إلى النيابة العامة قبل ثلاثة أيام من انعقاد الجلسة، وإلا جاز للنيابة العامة طلب تأخيرها حتى يتسنى لها إبداء مستنتاجاتها وملاحظاتها في صلب الموضوع[[22]]url:#_ftn22 .
- التدخل الإختياري
وكل هذه القضايا يكون التدخل فيها اختياريا للنيابة العامة فلا وجود لما يلزمها وهذا واضح البيان على كونها مجرد حالة جوازية من صيغة العبارة "يمكن" المبدوءة بها رابع فقرة من الفصل 9 ق.م.م.
- تدخل النيابة العامة في الدعاوى المدنية كطرف رئيسي
- القضايا المتعلقة بالتدابير الواجب اتخاذها لصالح القاصرين ضد الحاجرين.
- قضايا الأموال الخاصة بالأشخاص المفترضة غيبتهم.
- القضايا المتعلقة بالتركات الشاغرة.
- قضايا التحجير على السفيه والمجنون والمعتوه.
- النزاع الحاصل بشأن صحة إجراءات الإكراه البدني لتنفيذ الأحكام المدنية والمالية.
- التعرض على بعض مطالب التحفيظ العقاري.
- دعاوى البطلان وسقوط الحق بالنسبة لبراءات الإختراع المسلمة من المكتب المغربي للملكية الصناعية.
- قضايا الحالة المدنية.
- قضايا المحامين.
- المنازعات بشأن الجنسية.
- قضايا حل الجمعيات.
- متابعة تأديبية ضد المفوضين القضائيين.[[23]]url:#_ftn23
" وما توفيقي إلا بالله " صدق الله العظيم
المراجع المعتمدة
- رياضي عبد الغاني؛ النيابة العامة أمام المحاكم العادية والاستثنائية ودورها من خلال مسطرتي الإمتياز القضائي والحصانة القانونية؛ الطبعة الأولى 2002؛ نشر وتوزيع مطبعة دار السلام؛ الرباط.
- شرح قانون المسطرة الجنائية؛ الجزء الأول؛ منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية؛ سلسلة الشروح والدلائل؛ العدد الثاني؛ 2004.
- الشرقاوي الغزواني نور الدين؛ تدخل النيابة العامة في الدعاوى المدنية؛ أطروحة لنيل دبلوم الدراسات العليا بجامعة محمد الخامس؛ منشورات جمعية تنمية البحث والدراسات القضائية؛ مطبعة المعارف الجديدة؛ الرباط 1995.
- عبد الواحد العلمي؛ شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية؛ الجزء الأول؛ الدعوى العمومية – الدعوى المدنية – البحث التمهيدي؛ الطبعة الثالثة 2011؛ مطبعة النجاح الجديدة؛ الدار البيضاء.
- محمد بفقير؛ قانون المسطرة المدنية والعمل القضائي المغربي؛ الطبعة الثانية 2009.
- محمد بوزيان: دور النيابة العامة أمام المحاكم المدنية؛ سلسلة دروس بالمعهد الوطني للدراسات القضائية؛ الطبعة الرابعة 1992.
- المصطفى ناظر بوعبيد؛ الوسيط في الإجراءات القضائية والإدارية بالنيابة العامة؛ الطبعة الثانية 2011؛ دار أبي رقراق للطباعة والنشر.
- مجلة القصر؛ العدد 10
- ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية؛ منشور بالجريدة الرسمية عدد 3230 مكرر بتاريخ 13 رمضان 1394 (30 شتنبر 1974) ص 2742.
- ظهير شريف رقم 1.02.255 صادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002) بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية؛ منشر بالجريدة الرسمية عدد 5078 بتاريخ 30 يناير 2003 ص 315.
- ظهير شريف رقم 1.04.22 صادر في 12 من ذي الحجة 1424 (3 فبراير 2004) بتنفيذ القانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة؛ منشور بالجريدة الرسمية عدد 5184 بتاريخ 14 من ذي الحجة 1424 (5 فبراير 2004).
الهوامش
([1])- الشرقاوي الغزواني نور الدين؛ تدخل النيابة العامة في الدعاوى المدنية؛ أطروحة لنيل دبلوم الدراسات العليا بجامعة محمد الخامس؛ منشورات جمعية تنمية البحث والدراسات القضائية؛ مطبعة المعارف الجديدة؛ الرباط 1995.
([2])- رياضي عبد الغاني: النيابة العامة (أمام المحاكم العادية والإستثنائية ودورها من خلال مسطرتي الإمتياز القضائي والحصانة القانونية) الطبعة الأولى 2002؛ مطبعة دار السلام؛ الرباط؛ الصفحة 9.
([3])- المصطفى ناظر بوعبيد؛ الوسيط في الإجراءات القضائية والإدارية بالنيابة العامة؛ الطبعة الثانية 2011؛ دار أبي رقراق للطباعة والنشر؛ الصفحة 14.
([4]) - شرح قانون المسطرة الجنائية؛ الجزء الأول؛ منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية؛ سلسلة الشروح والدلائل؛ العدد الثاني؛ 2004؛ الصفحة 148 ومابعدها.
([5])- رياضي عبد الغاني؛ مرجع سابق؛ ص 15.
([6]) - رياضي عبد الغاني؛ مرجع سابق؛ ص 15.
([7]) - رياضي عبد الغاني؛ مرجع سابق؛ ص 20.
([8]) - محمد بوزيان؛ دور النيابة العامة أمام المحاكم المدنية؛ سلسلة درو بالمعهد الوطني للدراسات القضائية؛ الطبعة الرابعة 1992؛ ص من 10 إلى 13.
([9])- أنظر عبد الواحد العلمي؛ شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية؛ الجزء الأول؛ (الدعوى العمومية – الدعوى المدنية – البحث التمهيدي)؛ الطبعة الثالثة 2011؛ مطبعة النجاح الجديدة؛ الدار البيضاء؛ ص 89، الهامش 25.
([10])- رياضي عبد الغاني؛ مرجع سابق؛ ص 42.
([11])- عبد الواحد العلمي؛ مرجع سابق؛ ص 92.
([12])- سورة يوسف؛ الآية: 53 (رواية ورش عن نافع).
([13])- عبد الواحد العلمي؛ مرجع ابق؛ ص 96.
([14])- رياضي عبد الغاني؛ مرجع سابق؛ ص 43.
([15])- المصطفى ناظر بوعبيد؛ مرجع سابق؛ ص 16.
([16])- أنظر للتعمق في التسلسل الإداري: رياضي عبد الغاني؛ مرجع سابق؛ من الصفحة 29 إلى 40.
([17])- المصطفى ناظر بوعبيد؛ مرجع سابق؛ ص 17.
([18])- محمد بوزيان؛ مرجع سابق؛ ص 15.
([19])- الفصل الثامن من قانون المسطرة المدنية المصادق عليه بظهير بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) منشور بالجريدة الرسمية عدد 3230 مكرر بتاريخ 30 شتنبر 1974 ص 2742.
([20])- قرار صادر عن المجلس الأعلى (سابقا) بتاريخ 15 أبريل 2003 تحت عدد 370 في الملف الإجتماعي عدد 02.1089 منشور بمجلة القصر عدد 10 ص 223 وما بعدها.
([21])- منشور صادر عن وزير العدل بتاريخ 29 أكتوبر 1984 تحت عدد 968
حول دور النيابة العامة في القضايا المدنية
غير خفي ما تكتسيه بعض الدعاوى في الحقل المدني من أهمية استأثرت انتباه المشرع إلى حد أنه أوجب على النيابة العامة التدخل فيها بصفة أساسية وحدد الدور الذي يتعين عليها أن تضطلع به في حدود المهام المخصصة لها.
وحرصا من الوزارة على احترام إرادة المشرع في هذا المجال أصدرت عدة مناشير سواء في ظل قانون المسطرة المدنية السابق أو قانون المسطرة المدنية الحالي تناولت فيها بالشرح والتحليل أهداف وأبعاد اختصاصات النيابة العامة في الدعاوى التي تدخل في هذا الإطار مثيرة = = الإنتباه إلى نوعيتها، وحتمية تدخل النيابة العامة فيها بالإطلاع على ملفاتها قبل مناقشتها في جلسات الأحكام، وتقديم مستنتجات مكتوبة بخصوص قيمة ادعاءات الأطراف فيها.
ومما لا ريب فيه أن هذه الدعاوى تشمل كل ما يمس بالنظام العام، وحالة الأشخاص المدنية ومصالح الدولة والمؤسسات العمومية وشؤون القاصرين وما إلى ذلك مما هو مسطر في الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية، غير أننا لاحظنا بكامل الإستغراب فتورا في الإهتمام بهذا النوع من الدعاوى بالرغم من التعليمات والتوجيهات التي ما فتئت الوزارة تزود بها رؤساء النيابة العامة في هذا الصدد.
وعلى سبيل المثال نشير إلى تقرير تلقيناه أخيرا من إحدى المؤسسات العمومية الكبرى بالمملكة وهي مؤسسة المكتب الوطني للسكك الحديدية تلفت فيه الأنظار إلى أن المحاكم غالبا ما تجعل كامل مسؤولية حوادث السير على متن القطار على عاتق المكتب الوطني للسكك الحديدية، وتحكم للضحايا أو لذوي حقوقهم بمبالغ مالية جد مرتفعة، بالرغم من أن هذه الحوادث تنجم عن عدم مراعاة القوانين المنظمة لسير القطار واستعماله، كما هي منصوص عليها في الظهير الشريف المؤرخ ب 28 أبريل 1961. وقد عزز اليد المدير العام نظريته بلائحة سطر فيها وقائع مجموعة من الحوادث صدرت في شأنها أحكام تكتسي في نظره صبغة اجتماعية أكثر منها موضوعية، مركزا على أن الضحايا أو ذوي حقوقهم يتقدمون بطلبات مدنية خيالية لا لشيء إلا لكونهم يستفيدون من المساعدة القضائية مع أن مسؤولية الحوادث يتحملها الضحايا أنفسهم حب المحاضر التي يتولى تحريرها أعوان محلفون، ولها قيمتها القانونية.
وتلافيا لكل إخلال أو خطأ قد يتصادم والنصوص القانونية الصادرة في هذا الشأن.
وتذكيرا بما تلا هذه النصوص من تعليمات وتوضيحات تهدف بالدرجة الأولى إلى ضرورة التقيد بها وتنفيذها بكل دقة وحزم.
نهيب بقضاة النيابة العامة أن يحققوا بتناسق مع كتابة الضبط الإطلاع على هذه الملفات احتراما للمقتضيات القانونية ودراسة النزاعات المعروضة عليهم في هذا الشأن دراسة دقيقة ووضع المستنتجات المكتوبة المحددة لموقفها من هذه النقطة أو تلك مع الأخذ بعين الإعتبار بحقوق المؤسسات العمومية في إطار التوازن بين الفرد والجماعة الذي تضمنه الفلسفة التشريعية بالمغرب والسلام./
حول دور النيابة العامة في القضايا المدنية
غير خفي ما تكتسيه بعض الدعاوى في الحقل المدني من أهمية استأثرت انتباه المشرع إلى حد أنه أوجب على النيابة العامة التدخل فيها بصفة أساسية وحدد الدور الذي يتعين عليها أن تضطلع به في حدود المهام المخصصة لها.
وحرصا من الوزارة على احترام إرادة المشرع في هذا المجال أصدرت عدة مناشير سواء في ظل قانون المسطرة المدنية السابق أو قانون المسطرة المدنية الحالي تناولت فيها بالشرح والتحليل أهداف وأبعاد اختصاصات النيابة العامة في الدعاوى التي تدخل في هذا الإطار مثيرة = = الإنتباه إلى نوعيتها، وحتمية تدخل النيابة العامة فيها بالإطلاع على ملفاتها قبل مناقشتها في جلسات الأحكام، وتقديم مستنتجات مكتوبة بخصوص قيمة ادعاءات الأطراف فيها.
ومما لا ريب فيه أن هذه الدعاوى تشمل كل ما يمس بالنظام العام، وحالة الأشخاص المدنية ومصالح الدولة والمؤسسات العمومية وشؤون القاصرين وما إلى ذلك مما هو مسطر في الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية، غير أننا لاحظنا بكامل الإستغراب فتورا في الإهتمام بهذا النوع من الدعاوى بالرغم من التعليمات والتوجيهات التي ما فتئت الوزارة تزود بها رؤساء النيابة العامة في هذا الصدد.
وعلى سبيل المثال نشير إلى تقرير تلقيناه أخيرا من إحدى المؤسسات العمومية الكبرى بالمملكة وهي مؤسسة المكتب الوطني للسكك الحديدية تلفت فيه الأنظار إلى أن المحاكم غالبا ما تجعل كامل مسؤولية حوادث السير على متن القطار على عاتق المكتب الوطني للسكك الحديدية، وتحكم للضحايا أو لذوي حقوقهم بمبالغ مالية جد مرتفعة، بالرغم من أن هذه الحوادث تنجم عن عدم مراعاة القوانين المنظمة لسير القطار واستعماله، كما هي منصوص عليها في الظهير الشريف المؤرخ ب 28 أبريل 1961. وقد عزز اليد المدير العام نظريته بلائحة سطر فيها وقائع مجموعة من الحوادث صدرت في شأنها أحكام تكتسي في نظره صبغة اجتماعية أكثر منها موضوعية، مركزا على أن الضحايا أو ذوي حقوقهم يتقدمون بطلبات مدنية خيالية لا لشيء إلا لكونهم يستفيدون من المساعدة القضائية مع أن مسؤولية الحوادث يتحملها الضحايا أنفسهم حب المحاضر التي يتولى تحريرها أعوان محلفون، ولها قيمتها القانونية.
وتلافيا لكل إخلال أو خطأ قد يتصادم والنصوص القانونية الصادرة في هذا الشأن.
وتذكيرا بما تلا هذه النصوص من تعليمات وتوضيحات تهدف بالدرجة الأولى إلى ضرورة التقيد بها وتنفيذها بكل دقة وحزم.
نهيب بقضاة النيابة العامة أن يحققوا بتناسق مع كتابة الضبط الإطلاع على هذه الملفات احتراما للمقتضيات القانونية ودراسة النزاعات المعروضة عليهم في هذا الشأن دراسة دقيقة ووضع المستنتجات المكتوبة المحددة لموقفها من هذه النقطة أو تلك مع الأخذ بعين الإعتبار بحقوق المؤسسات العمومية في إطار التوازن بين الفرد والجماعة الذي تضمنه الفلسفة التشريعية بالمغرب والسلام./
- أنظر: محمد بفقير؛ قانون المسطرة المدنية والعمل القضائي المغربي ؛ الطبعة الثانية 2009؛ ص 40.
([22])- منشور صادر عن وزير العدل بتاريخ 20 مارس 1982 تحت عدد 926
حول دور النيابة العامة في القضايا المدنية
لا يخفى عليكم أن الفقرة الأخيرة من الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية نصت على أنه "يشار في الحكم إلى إيداع مستنتجات النيابة أو تلاوتها بالجلسة وإلا كان باطلا" واعتبارا لأهمية هذه المستنتجات فقد تبنى المشرع بالنسبة إلى تجاوزها إيداعا أو تلاوة جزاءا خطيرا ألا وهو بطلان الحكم تماشيا مع القاعدة الفقهية لا بطلان بدون نص.
وتجدر الإشارة إلى أن نفس الفصل حتم تبليغ القضايا موضوع هذه المستنتجات إلى النيابة العامة قبل الجلسة بثلاثة أيام على الأقل.
غير أنه بلغ إلى علمنا أن بعض المحاكم تحيل إلى النيابات العامة لديها في وقت واحد وقبل تاريخ الجلسة بأجل قليل سيلا وافرا من القضايا المنصوص عليها في الفصل المذكور لتقديم مستنتجاتها مما تعذر معه عليها أن تقوم بواجبها في هذا المجال على الوجه الأكمل.
وغير خاف أن أجل ثلاثة أيام المشار إليه أعلاه هو حد أدنى فقط لذلك فتصريف القضايا في أحن الظروف يفترض أن تراعى في هذه الإحالة عدد الملفات والنزاعات، وعدد الوثائق والمستندات المشتملة عليها، والوقت الضروري لدراستها حتى يتسنى للنيابة أن تقوم بعملها في ظروف ملائمة ليكون تدخلها ناجعا ومفضيا إلى الأهداف المتوخاة منه والمتمثلة في حسن سير العدالة والحفاظ على سلامة معاييره القانونية وصيانة الحقوق حمايتها بما حددته النصوص من قواعد وأحكام.
لعل من الضروري أن نثير الإنتباه إلى أن النيابة العامة لا يحق لها أن تتذرع بقصر الأجل لتطالب بتأخير القضايا إلى جلسات مقبلة نظرا لكن هذا الموقف سيقلل من الإنتاج يساعد لعى رفع القضايا المتراكمة بالمحاكم وهو عمل لا يتناسق مع الرسالة الملقاة على عاتقنا بتحقيق الفاعلية في متوى الإنتاج كما وكيفا لأن القانون حصر حق النيابة في طلب تأخير القضية في حالة ما إذا وقع التبليغ أمام المحكمة الإبتدائية في الجلة المندرجة في القضية فيها.
ولذلك فإننا إذ نذكركم بفحوى المناشير الصادرة في دور النيابة العامة في القضايا المدنية نطلب منكم الإهتمام بهذه القضايا والإعتناء بها عناية خاصة وتنظيم تداولها بين مصالح النيابة العامة وكتابة الضبط بكيفية تضمن تحقيق الغايات والأهداف التي توخاها المشرع من تبليغ هذه القضايا التي تعتبر النيابة العامة فيها طرفا منضما يتعين عليها أن تقدم مستنتجاتها لإحقاق الحق وإشعاع سلطان القانون، والسلام. /
حول دور النيابة العامة في القضايا المدنية
لا يخفى عليكم أن الفقرة الأخيرة من الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية نصت على أنه "يشار في الحكم إلى إيداع مستنتجات النيابة أو تلاوتها بالجلسة وإلا كان باطلا" واعتبارا لأهمية هذه المستنتجات فقد تبنى المشرع بالنسبة إلى تجاوزها إيداعا أو تلاوة جزاءا خطيرا ألا وهو بطلان الحكم تماشيا مع القاعدة الفقهية لا بطلان بدون نص.
وتجدر الإشارة إلى أن نفس الفصل حتم تبليغ القضايا موضوع هذه المستنتجات إلى النيابة العامة قبل الجلسة بثلاثة أيام على الأقل.
غير أنه بلغ إلى علمنا أن بعض المحاكم تحيل إلى النيابات العامة لديها في وقت واحد وقبل تاريخ الجلسة بأجل قليل سيلا وافرا من القضايا المنصوص عليها في الفصل المذكور لتقديم مستنتجاتها مما تعذر معه عليها أن تقوم بواجبها في هذا المجال على الوجه الأكمل.
وغير خاف أن أجل ثلاثة أيام المشار إليه أعلاه هو حد أدنى فقط لذلك فتصريف القضايا في أحن الظروف يفترض أن تراعى في هذه الإحالة عدد الملفات والنزاعات، وعدد الوثائق والمستندات المشتملة عليها، والوقت الضروري لدراستها حتى يتسنى للنيابة أن تقوم بعملها في ظروف ملائمة ليكون تدخلها ناجعا ومفضيا إلى الأهداف المتوخاة منه والمتمثلة في حسن سير العدالة والحفاظ على سلامة معاييره القانونية وصيانة الحقوق حمايتها بما حددته النصوص من قواعد وأحكام.
لعل من الضروري أن نثير الإنتباه إلى أن النيابة العامة لا يحق لها أن تتذرع بقصر الأجل لتطالب بتأخير القضايا إلى جلسات مقبلة نظرا لكن هذا الموقف سيقلل من الإنتاج يساعد لعى رفع القضايا المتراكمة بالمحاكم وهو عمل لا يتناسق مع الرسالة الملقاة على عاتقنا بتحقيق الفاعلية في متوى الإنتاج كما وكيفا لأن القانون حصر حق النيابة في طلب تأخير القضية في حالة ما إذا وقع التبليغ أمام المحكمة الإبتدائية في الجلة المندرجة في القضية فيها.
ولذلك فإننا إذ نذكركم بفحوى المناشير الصادرة في دور النيابة العامة في القضايا المدنية نطلب منكم الإهتمام بهذه القضايا والإعتناء بها عناية خاصة وتنظيم تداولها بين مصالح النيابة العامة وكتابة الضبط بكيفية تضمن تحقيق الغايات والأهداف التي توخاها المشرع من تبليغ هذه القضايا التي تعتبر النيابة العامة فيها طرفا منضما يتعين عليها أن تقدم مستنتجاتها لإحقاق الحق وإشعاع سلطان القانون، والسلام. /
- أنظر: محمد بفقير؛ مرجع سابق؛ص 39.
([23])- للتعمق أكثر في حالات تدخل النيابة العامة سواء كطرف منضم أو أصيل في الدعوى يرجى مراجعة المرجع السابق للأستاذ محمد بوزيان؛ مع الأخذ بعين الإعتبار جملة التعديلات والقوانين المستحدثة خاصة ما يتعلق بقانون المحاماة وقانون الجنسية وقانون الحالة المدنية ...