إذا كان مجال الشغل مرتبطا، في جانبه الأبرز، بالإنتاج والربح وتحصيل الأجر، فهو لا ينفك يرتبط بالمخاطر التي تترتب عنه سواء بسببه أو بمناسبته.
وهكذا فإن ظروف الشغل وسيرورته تنتج حالات تجعل الأجراء معرضين لحوادث تتراوح ما بين الإصابة الخفيفة السطحية والوفاة مرورا بالعاهات الخطيرة.
يسجل المغرب أكثر من 200 ألف حادثة شغل سنويا، بواقع 47.8 حالة وفاة من بين 100 ألف حادثة شغل (ما يعادل 2.5 من المتوسط في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط هو 18.6)
كما شكل التأمين ضد حوادث الشغل سنة 2012 نسبة 11.95 بالمائة من إصدارات الت
أمينات مقابل 47.01 الموجهة نحو تأمين العربات البرية ذات المحرك
وهو ما يترجم من حيث المبلغ المالي ب2395.1 مليون درهم مقابل 8020.86 مليون درهم للعربات
ومن هنا يظهر حجم ونوعية الاهتمام بمجال التامين ضد حوادث الشغل مقارنة مع التأمين ضد حوادث السير. حيث يمكن تكوين انطباع قوامه ضعف الإقبال على التأمين من حيث الإصدار وارتفاع حجم مبالغه المؤداة، نظرا لارتفاع نسبة الحوادث المسجلة.
فهل من الممكن في ظل هذه الوضعية أن نتساءل عما إذا كانت هناك بدائل متاحة للأجراء ضحايا حوادث الشغل تكون قادرة على مساندتهم لأجل رفع الضرر والحصول على تعويضات في أحسن الظروف والشروط؟ وهل من الممكن توقع أداء مفتش الشغل دورا في هذا النظام؟
وذلك باعتباره الشخص الأول الذي يسهر على احترام قانون الشغل وبقية العناصر المشكلة للتشريع الاجتماعي أي قانون الضمان الاجتماعي وقانون التعويض عن حوادث الشغل. كما يمكن لنا ان نتسائل عن إمكانية إدراج التعويض عن حوادث الشغل ضمن منظومة أكبر متعلقة بتحقيق قدر مهم من الصحة والسلامة في الشغل.
وعليه يمكن لنا أن نتناول موضوع دور مفتش الشغل في نظام التعويض عن حوادث الشغل عبر الجواب عن سؤالين؟ أي دور في مجال الصلح من الممكن لمفتش الشغل أن يؤديه؟ وهل يعد الدور الأساسي لمفتش الشغل عاملا حاسما للحيلولة دون وقوع حوادث الشغل أصلا؟ ذلك أن درهم وقاية خير من قنطار علاج. ولكن قبل الجواب عن هذين السؤالين لا بأس من بعض الحديث عن روحية ومنطق القانون 12.18.
1. التعويض عن حوادث الشغل نظام جديد بمنطق متجاوز
نص القانون "الجديد" على إلزامية إبرام عقد التأمين بالنسبة للمقاولات المنخرطة في نظام الضمان الاجتماعي، لكن بالرجوع إلى الإحصائيات الرسمية يتبين لنا بأن "الأشخاص المؤمنين منذ إقرار مبدأ التامين الإلزامي سنة 2003 لا يتجاوز 10 بالمائة من الأجراء المصرح بهم لدى ص.و.ض.ج" الذين هم بدورهم لا يشكلون "سوى 33 بالمائة من مجموع الأجراء"، مما يؤكد الاعتقاد بأن مستجدات النظام القانوني الجديد لن تخفف العبء عن كاهل المحاكم .
وإذا كان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قد سجل بأن المغرب انخرط في المجهود الدولي للصحة والسلامة والتعويض عن حوادث الشغل، فإن الملاحظ هو أنه اقتصر على الجيل الأول القائم على المسؤولية الفردية للمشغل. في حين أنه لاحظ بأن المغرب لم "ينتقل بعد إلى الجيل الثاني المتمثل في الحماية الشمولية ضد المخاطر المهنية والصحية والاقتصادية عن طريق الضمان الاجتماعي وتدبير المخاطر المهنية"
لكن المغرب الذي أقر نظام التعويض عن فقدان الشغل وأسنده إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لم ينسجم مع نفس المنطق فيما يتعلق بتدبير حوادث الشغل وأبقى على روحية النظام القانوني لسنة 1927. لا سيما فيما يتعلق بالإبقاء على مقاولات التأمين والمسطرة القضائية انسجاما مع فهمه للمسؤولية الفردية للمشغل. في غير انسجام مع تطور التشريع الدولي للشغل والتشريعات الوطنية المقارنة (فرنسا الجزائر تونس مثلا).
وبما أن القانون الجديد قد صرح بان مفتش الشغل مسؤول عن مراقبة مدى الالتزام باحترام مقتضياته، وجعل مفتشية الشغل في مركز دائرة الإعلام والمراقبة بخصوص تطور تدبير حوادث الشغل، فغن السؤال الممكن طرحه هو هل لمفتش الشغل من مجال لأداء مهمة التصالح في هذا المجال؟
2. مفتش الشغل والمصالحة في مجال التعويض عن حوادث الشغل.
أناط القانون18.12 بموجب المادة 12 مهمة مراقبة تطبيق أحكامه بالأعوان المكلفين بتفتيش الشغل المشار إليهم في الباب الأول من الكتاب الخامس من مدونة الشغل.
وهؤلاء الأعوان، بحسب المادة 530 من المدونة، هم:
مفتشو ومراقبو الشغل والشؤون الاجتماعية ومفتشو ومراقبو القوانين الاجتماعية في الفلاحة. والأعوان التابعون للإدارة المكلفة بالمعادن فيما يتعلق بتفتيش الشغل بالمقاولات المنجمية وإلى كل من الأعوان الذين كلفتهم إدارات أخرى بهذه المهمة، وأسندت إليهم الصلاحيات التي تقتضيها مهامهم وحسب الطريقة التي وزعت بها تلك الإدارات الاختصاصات فيما بينهم وتبعا لنوع المقاولات والمؤسسات.
يضطلع مفتشو ومراقبو الشغل والشؤون الاجتماعية ومفتشو ومراقبو القوانين الاجتماعية في الفلاحة في نطاق مهامهم بمراقبة تطبيق النصوص القانونية والتنظيمية المعمول بها في المقاولات والمؤسسات التابعة للدولة وللجماعات المحلية ما لم تستند هذه المهمة بنص خاص إلى أعوان آخرين.
وانطلاقا من هذه المادة يمكننا تصنيف الأعوان المكلفين بتفتيش الشغل إلى عدة أصناف
وهم :
- مفتشون مكلفون تابعون لوزارة الشغل والشؤون الاجتماعية.
- أعوان مكلفون بالتفتيش تابعون لوزارة الطاقة والمعادن (مهندسو المعادن).
- أعوان مكلفون بالتفتيش تابعون لوزارة الصيد البحري (رؤساء الأقسام البحرية ومتفقدو الملاحة البحرية).
وبناء على هذا التقسيم وجب انتظار صدور النص التنظيمي الذي وعدت به المادة 12 المشار إليها.
وعموما هل هناك من تدخل منصوص عليه صراحة في مسطرة الصلح؟ الجواب سيكون بالنفي مصحوبا ببعض التحفظ، وذلك بسبب ما أسس له هذا القانون من ضرورة إشعار المشغل أو المؤمن للمدير الإقليمي للتشغيل بكل ما يتعلق بالحادثة منذ حدوثها إلى نهاية أطوار متابعتها.
وبالفعل فقد نصت المادة 17 من القانون على أنه يتم إخبار المدير الإقليمي للتشغيل بكل حادثة وقعت في دائرة اختصاصه الترابي، خلال أجل خمسة أيام الموالية لتاريخ وقوعها على أبعد تقدير. وموافاته كذلك بنسخة من التصريح بالحادثة، في ظرف خمسة أيام من تاريخ إيداعه لدى مقاولة التأمين. وهو نفس الإجراء الواجب اتخاذه مع كل تطور في أثناء تتبع الحادثة، سواء تعلق المر بالشفاء منها أو بتمديد آجال الراحة المتطلبة لتجاوز آثارها. وذلك تحت طائلة غرامة ما بين 10.000 و50.000 درهم (المادة 186). كما أن الإشارة إلى المديرية الجهوية أو الإقليمية المختصة ترابيا مع عنوانها صارا من بين المعلومات الواجب تبليغها وتعليقها أمام الأجراء شأنها شأن المقاولة المؤمنة. وفي هذا تعديل للمقتضى الذي نص عليه الفصلان 19 و27 من ظهير 1963 المعدل من حيث الشكل لظهير 1927 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل، والتين أوجبتا على الجهة المصرح لديها بأن تحيل التصريح بالحادثة والتصريح بالشفاء على التوالي إلى العون المكلف بتفتيش الشغل .
إذن فالفرق بين النظامين هو هوية الجهة التي يقدم لها الصريح مبدئيا، في السابق كانت السلطة المحلية أو الشرطة أو الدرك على أن تحيل أحداهما نسخة من التصريح المودع لديها، أما الآن فصارت مفتشية الشغل جهة ذات اختصاص أولي.
يمكن أن يفهم من هذا التشديد على ممثل وزارة التشغيل على المستوى الجهوي أو الإقليمي بأن المشرع وبالرغم من أنه أشار إلى الأعوان المكلفين بتفتيش الشغل بصيغة تشمل كل من أنيطت بهم مهمة المراقبة والتفتيش كما سبقت الإشارة إليهم فإن دور مفتش الشغل (كما هو متعارف عليه) يبقى الحاضر بقوة، وهذا ما يجعل المحتمل أن يمارس دور المسهل لعملية الصلح إن لم يجد نفسه، بفعل تطور الزمان، ممارسا لعملية التصالح بشكل أساسي.
وقد يطرح سؤال مفاده، بأي معنى يمكن أن يقع هذا الاحتمال؟ والجواب هو أن مفتش الشغل ظل يمارس عملية التصالح منذ إنشائه بالمغرب حتى سنة 2004 بدون سند قانوني إلا ما أقامه الواقع وأكده العرف. ولم تعد مهمة المصالحة من مهام مفتش الشغل إلا بموجب المادة 532 من مدونة الشغل التي دخلت حيز التنفيذ في يونيو 2004.
لكن أليس تجنب البلاء خيرا من دفع آثاره؟ أليست الوقاية خيرا من العلاج؟ بلى هو كذلك. وعلى هذا الأساس يقع دور مفتش الشغل في درجة عالية من الأهمية، لجهة مراقبة شروط الصحة والسلامة المهنية التي تنظمها النصوص التشريعية والتنظيمية في مختلف مناحيها، ومن عدة مداخل.
3. الدور الوقائي لمفتش الشغل ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية
يكفي أن نعرف بأن التكاليف المترتبة عن حادثة الشغل بشكل مباشر لا تساوي أكثر من عشر تكاليفها الحقيقية (وهو ما يعرف بنظرية جبل الجليد).
يندرج مجهود مفتش الشغل في مجال الوقاية والصحة في العمل ضمن منظومة متكاملة قوامها ضمان الشغل اللائق، إذ لا شغل لائقا في ظروف تمس بسلامة وصحة الأجراء.
وإذا رجعنا للتشريع الدولي في مجال الصحة والسلامة المهنية نجد بأن هذا المجال كان من بين أوائل المجالات التي وقع تنظيمها ولا يزال ينظم إلى وقت قريب.
وقد كانت سنة 1921 سنة أول اتفاقية نظمت حوادث الشغل (الاتفاقية 12 حوادث الشغل في الزراعة) إلى غاية الاتفاقية بخصوص الإطار الترويجي للصحة والسلامة في الشغل لسنة 2006، التي صادق عليها المغرب سنة 2013 . ولعل من بين أهم مؤشرات الاهتمام الدولي بهذا المجال أنه يشكل ربع منظومة المعايير الدولية للشغل.
وفي المغرب اهتمت تشريع الشغل بجانب السلامة المهنية من خلال مدونة الشغل المواد 281 إلى 290. مع نصوصها التنظيمية والتطبيقية. هذا مع تخصيص كل المخالفات التي تمس جانب السلامة المهنية بمسطرة ضبط خاصة نظمتها المواد من 540 إلى 545.
ويمكن الحديث بأن هنالك سعيا لتعزيز "دور جهاز تفتيش الشغل في النهوض بالصحة والسلامة المهنية عبر تكثيف المراقبة في هذا المجال وإعطاء الأولوية لهذا الجانب خلال زيارات تفتيش الشغل.
هذا، وقد تم إنجاز حوالي 3238 زيارة للتفتيش خلال سنة 2013 مقابل 1243 زيارة خلال سنة 2012 أي بارتفاع يقدر ب 160 بالمائة. وعلى إثر هذه الزيارات تم توجيه 2977 تنبيها و35 محضر مخالفة.
ونظرا لاستفحال حوادث الشغل الخطيرة ذات الصلة بقطاع البناء والأشغال العمومية، فقد أنجزت حملة للمراقبة في هذا المجال خلال شهري يونيو ويوليوز 2013. ولقد تمت خلال هذه الحملة، زيارة أكثر من 900 مؤسسة وجهت على إثرها 4693 ملاحظة وأزيد من 1700 إنذارا بالإضافة الى 12 محضر مخالفة".
لكن أحد أبرز عوائق عمل مفتش الشغل في هذا المجال، ذلك المتمثل في مصير محاضر ضبط المخالفات، وكذلك إحساسه بالتهديد في بخطر المتابعة القضائية بسبب أدائه لمهامه. ذلك أن محاضر مفتش الشغل ليست من المحاضر التي لا يطعن فيها إلا بالزور بل يوثق بمضمونها حتى يتبين عكس ما فيها. وهذا الواقع يجعل من محضر مفتش الشغل مجرد وثيقة للاستئناس في أحسن الأحوال ووثيقة لإدانته في أسوأها.
لذلك نرى أنه من اللازم التفكير بكل جدية فيما يلي:
تدعيم حماية مفتش الشغل أثناء أداء مهامه؛
من نافلة القول التأكيد على تقوية هذا الجهاز الذي يسير بشكل حثيث نحو الانقراض بفعل قلة التوظيف وكثرة المرشحين للإحالة على التقاعد؛
تعزيز التنسيق مع جهاز القضاء لمعرفة مآل المحاضر سواء التي قبلت وحكم بناء عليها على المخالفين، أو تلك التي حفظت لمعرفة أسباب الحفظ لتجنبها؛
ضرورة التفكير في حلول قانونية تمكن من تجنب وقوع تغيير في الوقائع التي رصدت وكانت سببا في تحرير محاضر المخالفات، ما بين زمن هذا الإجراء وزمن البت فيه. ولم لا التفكير في نوع من الغرامات الإدارية التي تحصل مباشرة بدون المرور بالمسطرة القضائية.
وهكذا فإن ظروف الشغل وسيرورته تنتج حالات تجعل الأجراء معرضين لحوادث تتراوح ما بين الإصابة الخفيفة السطحية والوفاة مرورا بالعاهات الخطيرة.
يسجل المغرب أكثر من 200 ألف حادثة شغل سنويا، بواقع 47.8 حالة وفاة من بين 100 ألف حادثة شغل (ما يعادل 2.5 من المتوسط في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط هو 18.6)
كما شكل التأمين ضد حوادث الشغل سنة 2012 نسبة 11.95 بالمائة من إصدارات الت
أمينات مقابل 47.01 الموجهة نحو تأمين العربات البرية ذات المحرك
وهو ما يترجم من حيث المبلغ المالي ب2395.1 مليون درهم مقابل 8020.86 مليون درهم للعربات
ومن هنا يظهر حجم ونوعية الاهتمام بمجال التامين ضد حوادث الشغل مقارنة مع التأمين ضد حوادث السير. حيث يمكن تكوين انطباع قوامه ضعف الإقبال على التأمين من حيث الإصدار وارتفاع حجم مبالغه المؤداة، نظرا لارتفاع نسبة الحوادث المسجلة.
فهل من الممكن في ظل هذه الوضعية أن نتساءل عما إذا كانت هناك بدائل متاحة للأجراء ضحايا حوادث الشغل تكون قادرة على مساندتهم لأجل رفع الضرر والحصول على تعويضات في أحسن الظروف والشروط؟ وهل من الممكن توقع أداء مفتش الشغل دورا في هذا النظام؟
وذلك باعتباره الشخص الأول الذي يسهر على احترام قانون الشغل وبقية العناصر المشكلة للتشريع الاجتماعي أي قانون الضمان الاجتماعي وقانون التعويض عن حوادث الشغل. كما يمكن لنا ان نتسائل عن إمكانية إدراج التعويض عن حوادث الشغل ضمن منظومة أكبر متعلقة بتحقيق قدر مهم من الصحة والسلامة في الشغل.
وعليه يمكن لنا أن نتناول موضوع دور مفتش الشغل في نظام التعويض عن حوادث الشغل عبر الجواب عن سؤالين؟ أي دور في مجال الصلح من الممكن لمفتش الشغل أن يؤديه؟ وهل يعد الدور الأساسي لمفتش الشغل عاملا حاسما للحيلولة دون وقوع حوادث الشغل أصلا؟ ذلك أن درهم وقاية خير من قنطار علاج. ولكن قبل الجواب عن هذين السؤالين لا بأس من بعض الحديث عن روحية ومنطق القانون 12.18.
1. التعويض عن حوادث الشغل نظام جديد بمنطق متجاوز
نص القانون "الجديد" على إلزامية إبرام عقد التأمين بالنسبة للمقاولات المنخرطة في نظام الضمان الاجتماعي، لكن بالرجوع إلى الإحصائيات الرسمية يتبين لنا بأن "الأشخاص المؤمنين منذ إقرار مبدأ التامين الإلزامي سنة 2003 لا يتجاوز 10 بالمائة من الأجراء المصرح بهم لدى ص.و.ض.ج" الذين هم بدورهم لا يشكلون "سوى 33 بالمائة من مجموع الأجراء"، مما يؤكد الاعتقاد بأن مستجدات النظام القانوني الجديد لن تخفف العبء عن كاهل المحاكم .
وإذا كان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قد سجل بأن المغرب انخرط في المجهود الدولي للصحة والسلامة والتعويض عن حوادث الشغل، فإن الملاحظ هو أنه اقتصر على الجيل الأول القائم على المسؤولية الفردية للمشغل. في حين أنه لاحظ بأن المغرب لم "ينتقل بعد إلى الجيل الثاني المتمثل في الحماية الشمولية ضد المخاطر المهنية والصحية والاقتصادية عن طريق الضمان الاجتماعي وتدبير المخاطر المهنية"
لكن المغرب الذي أقر نظام التعويض عن فقدان الشغل وأسنده إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لم ينسجم مع نفس المنطق فيما يتعلق بتدبير حوادث الشغل وأبقى على روحية النظام القانوني لسنة 1927. لا سيما فيما يتعلق بالإبقاء على مقاولات التأمين والمسطرة القضائية انسجاما مع فهمه للمسؤولية الفردية للمشغل. في غير انسجام مع تطور التشريع الدولي للشغل والتشريعات الوطنية المقارنة (فرنسا الجزائر تونس مثلا).
وبما أن القانون الجديد قد صرح بان مفتش الشغل مسؤول عن مراقبة مدى الالتزام باحترام مقتضياته، وجعل مفتشية الشغل في مركز دائرة الإعلام والمراقبة بخصوص تطور تدبير حوادث الشغل، فغن السؤال الممكن طرحه هو هل لمفتش الشغل من مجال لأداء مهمة التصالح في هذا المجال؟
2. مفتش الشغل والمصالحة في مجال التعويض عن حوادث الشغل.
أناط القانون18.12 بموجب المادة 12 مهمة مراقبة تطبيق أحكامه بالأعوان المكلفين بتفتيش الشغل المشار إليهم في الباب الأول من الكتاب الخامس من مدونة الشغل.
وهؤلاء الأعوان، بحسب المادة 530 من المدونة، هم:
مفتشو ومراقبو الشغل والشؤون الاجتماعية ومفتشو ومراقبو القوانين الاجتماعية في الفلاحة. والأعوان التابعون للإدارة المكلفة بالمعادن فيما يتعلق بتفتيش الشغل بالمقاولات المنجمية وإلى كل من الأعوان الذين كلفتهم إدارات أخرى بهذه المهمة، وأسندت إليهم الصلاحيات التي تقتضيها مهامهم وحسب الطريقة التي وزعت بها تلك الإدارات الاختصاصات فيما بينهم وتبعا لنوع المقاولات والمؤسسات.
يضطلع مفتشو ومراقبو الشغل والشؤون الاجتماعية ومفتشو ومراقبو القوانين الاجتماعية في الفلاحة في نطاق مهامهم بمراقبة تطبيق النصوص القانونية والتنظيمية المعمول بها في المقاولات والمؤسسات التابعة للدولة وللجماعات المحلية ما لم تستند هذه المهمة بنص خاص إلى أعوان آخرين.
وانطلاقا من هذه المادة يمكننا تصنيف الأعوان المكلفين بتفتيش الشغل إلى عدة أصناف
وهم :
- مفتشون مكلفون تابعون لوزارة الشغل والشؤون الاجتماعية.
- أعوان مكلفون بالتفتيش تابعون لوزارة الطاقة والمعادن (مهندسو المعادن).
- أعوان مكلفون بالتفتيش تابعون لوزارة الصيد البحري (رؤساء الأقسام البحرية ومتفقدو الملاحة البحرية).
وبناء على هذا التقسيم وجب انتظار صدور النص التنظيمي الذي وعدت به المادة 12 المشار إليها.
وعموما هل هناك من تدخل منصوص عليه صراحة في مسطرة الصلح؟ الجواب سيكون بالنفي مصحوبا ببعض التحفظ، وذلك بسبب ما أسس له هذا القانون من ضرورة إشعار المشغل أو المؤمن للمدير الإقليمي للتشغيل بكل ما يتعلق بالحادثة منذ حدوثها إلى نهاية أطوار متابعتها.
وبالفعل فقد نصت المادة 17 من القانون على أنه يتم إخبار المدير الإقليمي للتشغيل بكل حادثة وقعت في دائرة اختصاصه الترابي، خلال أجل خمسة أيام الموالية لتاريخ وقوعها على أبعد تقدير. وموافاته كذلك بنسخة من التصريح بالحادثة، في ظرف خمسة أيام من تاريخ إيداعه لدى مقاولة التأمين. وهو نفس الإجراء الواجب اتخاذه مع كل تطور في أثناء تتبع الحادثة، سواء تعلق المر بالشفاء منها أو بتمديد آجال الراحة المتطلبة لتجاوز آثارها. وذلك تحت طائلة غرامة ما بين 10.000 و50.000 درهم (المادة 186). كما أن الإشارة إلى المديرية الجهوية أو الإقليمية المختصة ترابيا مع عنوانها صارا من بين المعلومات الواجب تبليغها وتعليقها أمام الأجراء شأنها شأن المقاولة المؤمنة. وفي هذا تعديل للمقتضى الذي نص عليه الفصلان 19 و27 من ظهير 1963 المعدل من حيث الشكل لظهير 1927 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل، والتين أوجبتا على الجهة المصرح لديها بأن تحيل التصريح بالحادثة والتصريح بالشفاء على التوالي إلى العون المكلف بتفتيش الشغل .
إذن فالفرق بين النظامين هو هوية الجهة التي يقدم لها الصريح مبدئيا، في السابق كانت السلطة المحلية أو الشرطة أو الدرك على أن تحيل أحداهما نسخة من التصريح المودع لديها، أما الآن فصارت مفتشية الشغل جهة ذات اختصاص أولي.
يمكن أن يفهم من هذا التشديد على ممثل وزارة التشغيل على المستوى الجهوي أو الإقليمي بأن المشرع وبالرغم من أنه أشار إلى الأعوان المكلفين بتفتيش الشغل بصيغة تشمل كل من أنيطت بهم مهمة المراقبة والتفتيش كما سبقت الإشارة إليهم فإن دور مفتش الشغل (كما هو متعارف عليه) يبقى الحاضر بقوة، وهذا ما يجعل المحتمل أن يمارس دور المسهل لعملية الصلح إن لم يجد نفسه، بفعل تطور الزمان، ممارسا لعملية التصالح بشكل أساسي.
وقد يطرح سؤال مفاده، بأي معنى يمكن أن يقع هذا الاحتمال؟ والجواب هو أن مفتش الشغل ظل يمارس عملية التصالح منذ إنشائه بالمغرب حتى سنة 2004 بدون سند قانوني إلا ما أقامه الواقع وأكده العرف. ولم تعد مهمة المصالحة من مهام مفتش الشغل إلا بموجب المادة 532 من مدونة الشغل التي دخلت حيز التنفيذ في يونيو 2004.
لكن أليس تجنب البلاء خيرا من دفع آثاره؟ أليست الوقاية خيرا من العلاج؟ بلى هو كذلك. وعلى هذا الأساس يقع دور مفتش الشغل في درجة عالية من الأهمية، لجهة مراقبة شروط الصحة والسلامة المهنية التي تنظمها النصوص التشريعية والتنظيمية في مختلف مناحيها، ومن عدة مداخل.
3. الدور الوقائي لمفتش الشغل ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية
يكفي أن نعرف بأن التكاليف المترتبة عن حادثة الشغل بشكل مباشر لا تساوي أكثر من عشر تكاليفها الحقيقية (وهو ما يعرف بنظرية جبل الجليد).
يندرج مجهود مفتش الشغل في مجال الوقاية والصحة في العمل ضمن منظومة متكاملة قوامها ضمان الشغل اللائق، إذ لا شغل لائقا في ظروف تمس بسلامة وصحة الأجراء.
وإذا رجعنا للتشريع الدولي في مجال الصحة والسلامة المهنية نجد بأن هذا المجال كان من بين أوائل المجالات التي وقع تنظيمها ولا يزال ينظم إلى وقت قريب.
وقد كانت سنة 1921 سنة أول اتفاقية نظمت حوادث الشغل (الاتفاقية 12 حوادث الشغل في الزراعة) إلى غاية الاتفاقية بخصوص الإطار الترويجي للصحة والسلامة في الشغل لسنة 2006، التي صادق عليها المغرب سنة 2013 . ولعل من بين أهم مؤشرات الاهتمام الدولي بهذا المجال أنه يشكل ربع منظومة المعايير الدولية للشغل.
وفي المغرب اهتمت تشريع الشغل بجانب السلامة المهنية من خلال مدونة الشغل المواد 281 إلى 290. مع نصوصها التنظيمية والتطبيقية. هذا مع تخصيص كل المخالفات التي تمس جانب السلامة المهنية بمسطرة ضبط خاصة نظمتها المواد من 540 إلى 545.
ويمكن الحديث بأن هنالك سعيا لتعزيز "دور جهاز تفتيش الشغل في النهوض بالصحة والسلامة المهنية عبر تكثيف المراقبة في هذا المجال وإعطاء الأولوية لهذا الجانب خلال زيارات تفتيش الشغل.
هذا، وقد تم إنجاز حوالي 3238 زيارة للتفتيش خلال سنة 2013 مقابل 1243 زيارة خلال سنة 2012 أي بارتفاع يقدر ب 160 بالمائة. وعلى إثر هذه الزيارات تم توجيه 2977 تنبيها و35 محضر مخالفة.
ونظرا لاستفحال حوادث الشغل الخطيرة ذات الصلة بقطاع البناء والأشغال العمومية، فقد أنجزت حملة للمراقبة في هذا المجال خلال شهري يونيو ويوليوز 2013. ولقد تمت خلال هذه الحملة، زيارة أكثر من 900 مؤسسة وجهت على إثرها 4693 ملاحظة وأزيد من 1700 إنذارا بالإضافة الى 12 محضر مخالفة".
لكن أحد أبرز عوائق عمل مفتش الشغل في هذا المجال، ذلك المتمثل في مصير محاضر ضبط المخالفات، وكذلك إحساسه بالتهديد في بخطر المتابعة القضائية بسبب أدائه لمهامه. ذلك أن محاضر مفتش الشغل ليست من المحاضر التي لا يطعن فيها إلا بالزور بل يوثق بمضمونها حتى يتبين عكس ما فيها. وهذا الواقع يجعل من محضر مفتش الشغل مجرد وثيقة للاستئناس في أحسن الأحوال ووثيقة لإدانته في أسوأها.
لذلك نرى أنه من اللازم التفكير بكل جدية فيما يلي:
تدعيم حماية مفتش الشغل أثناء أداء مهامه؛
من نافلة القول التأكيد على تقوية هذا الجهاز الذي يسير بشكل حثيث نحو الانقراض بفعل قلة التوظيف وكثرة المرشحين للإحالة على التقاعد؛
تعزيز التنسيق مع جهاز القضاء لمعرفة مآل المحاضر سواء التي قبلت وحكم بناء عليها على المخالفين، أو تلك التي حفظت لمعرفة أسباب الحفظ لتجنبها؛
ضرورة التفكير في حلول قانونية تمكن من تجنب وقوع تغيير في الوقائع التي رصدت وكانت سببا في تحرير محاضر المخالفات، ما بين زمن هذا الإجراء وزمن البت فيه. ولم لا التفكير في نوع من الغرامات الإدارية التي تحصل مباشرة بدون المرور بالمسطرة القضائية.