يورد المرحوم الجابري وهو يبسط أفكار أفلاطون، وما شاع عنه حول المدينة الفاضلة، ومن الأصلح لرئاستها. والتي خلص في النهاية أن المدينة لا تكون فاضلة إلا إذا كان رئيسها فيلسوفا، وهو ذلك الرجل الواسع المعرفة، الحكيم في تفكيره وسلوكه. لقد نظر أفلاطون كما يقول الجابري إلى رئيس المدينة نظرة الناس إلى الطبيب. فإذا كان من شرط مزاولة مهنة الطب، التي هي حفظ صحة البدن وإزالة المرض عنه، المعرفة الدقيقة بالبدن وبالأمراض وأسبابها وطرق علاجها، فكذلك يشترط آن يكون رئيس المدينة الفاضلة عارفا بشؤون المدينة قادرا على أن يحقق العدالة في تدبيره لها.لكن أفلاطون انتهى حسب أيضا الجابري، الى صعوبة قيام مثل هذه المدينة لأن الفلاسفة قليلون ولا يوجدون في كل وقت وإذا وجدوا فالناس في الغالب لا يسلمون أمرهم إليهم، ثم إن الفلاسفة أنفسهم من لا يتصفون بما يلزم من الخصال الحميدة التي لابد منها في رئيس المدينة.
لكن إذا كانت المدينة الفاضلة لا تكون كذلك، إلا إذا آلت وسلمت أمورها إلى فلاسفة حكماء عارفين. فإلى من تؤول أمور الجماعات بالمغرب التي تشهد اختلالات كبيرة في تدبير شؤونها -قد تكون المقارنة والمماثلة نوع من ضرب الخيال والحلم، لكن أليس من حقنا أن نحلم ونمني النفس برؤية جماعة فاضلة- ومن يأخذ بزمام أمورها وزمام تدبير الشأن المحلي، وما شروط من يتولى رئاستها؟ ألا يجدر بنا طرح هذا التساؤل والقيام بهذه المقارنة والمماثلة ونحن على مشارف الانتخابات الجهوية والجماعية؟
ان استنطاق محتوى النصوص القانونية وخصوصا القوانين الانتخابية التي تحدد شروط القابلية للانتخاب، لا يوجد فيها ما يفيد التوفر على مستوى دراسي معين و كفاءة ما، فالقانون رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء المجالس الترابية ينص في مادته الرابعة انه من شروط الترشح للانتخابات أن يكون المترشح ناخبا ومتمتعا بحقوقه المدنية والسياسية. كما ينص في مادته السادسة لا يؤهل للترشح، المتجنسون بالجنسية المغربية خلال الخمس السنوات التالية لحصوله عليها... الأشخاص الذي صدر في حقهم قرار عزل من مسؤولية انتدابية أصبح نهائيا بمقتضى حكم متسب الشيء المقضي به...، الأشخاص الذين اختل فيهم نهائيا شرط أو أكثر من الشروط المطلوبة ليكونوا ناخبين... ينظر المادة المطولة، التي لا تحتوي على أي شرط متعلق بالمستوى التعليمي أو بالكفاءة.
ان القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية التي صدرت مؤخرا بالجريدة الرسمية بعدما قضى المجلس الدستوري بدستوريتها ما عدا بعض المواد، اكتفت بالتنصيص على طريقة انتخاب رئيس المجلس ونوابه، ولم يتم تحديد أي من المؤهلات العلمية لانتخاب رئيس المجلس.( ينظر المادة 11 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات).
ان هذه النصوص القانونية تهدينا إلى أن المشرع لم يقيد المترشحين بتوفر شرط علمي أو كفاءة معينة، بل فتح المجال أمام كل شخص مقيد في اللوائح الانتخابية و يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية، ولا يوجد في حالة التنافي. وبالتالي فان من حق كل مواطن سواء كان أميا أو متعلما أو غير ذي كفاءة يمكنه الترشح للانتخابات. لقد كان حريا على المشرع أن أن ينص على ضرورة التوفر على مستوى تعليمي محترم-على الأقل الإجازة- والقدرة على التسيير والتدبير، لأنه لا يمكن العبث بأمور الجماعة و تسليم الأمور لأميين لا يعرفون القراءة والكتابة ولا خبرة لهم في مجال التسيير أو التدبير.
هذا من الناحية القانونية التي تدلنا على من يمكن أن تؤول إليه زمام الأمور، لكن ما الذي تدلنا عليه الدراسات السوسيولوجية؟
إن تدقيق النظر في طبيعة النخبة المحلية التي تقوم بتدبير الشأن المحلي تقودنا مباشرة إلى فهم من يترأس ويدبر شؤون الجماعة الحضرية أو القروية، و بالأخص التدقيق في طبيعة رؤساء الجماعات القروية، الذين تغلب عليهم تيمة الأعيان والوجاهة الاجتماعية والمكانة السامية داخل القبيلة أوالجماعة –اجماعة-. إنهم في الأصل رجال أعمال أو أصحاب مقاولات أو أصحاب تجارة. فهم يغلب عليهم منطق الربح و الخسارة في كل شيء، لا يتنافسون على كرسي الرياسة، ولا ينافحون عن شخص عبثا، بل كل شيء يخضع لقانون ومنطق الربح و الخسارة. يحدث إذن نوع من التواشج بين السلطة والمال، وليس بين الكفاءة العلمية والعملية لتربع على كرسي الرئاسة.
لنعدد مجددا الى الجابري وهو يحدثنا عن فيلسوف قرطبة ابن رشد، ونظرته الى تكوين المدينة الفاضلة وإمكانيةإقامتها وذلك من خلال حكام يتم تربيتهم تربية تجعل منهم يتصفون بصفات الفلاسفة الذين هم حسب أفلاطون المؤهلون لرئاسة المدينة الفاضلة، وكذا فإنهم في ذات الوقت قد اختاروا الناموس العام المشترك الذي لا مناص لأمة من هذه الأمم من اختياره، وتكون بذلك شريعتهم الخاصة بهم غير مخالفة للشرائع الإنسانية... يضيف ابن رشد وذلك حسب الجابري أيضا أن ذلك يكون في زمن طويل، وذلك بأن تتعاقب على هذه المدن وفي أزمان طويلة ملوك فضلاء، فلا يزالون يرعون هذه المدن ويؤثرون فيها قليلا قليلا إلى أن تبلغ في نهاية الأمر أن تصير على أفضل تدبير.
نعود إذن بعد الإطلاع على رأي ابن رشد من خلال الجابري، لنطرح سؤال من يدبر أمور الجماعة سواء الحضرية أو القروية بالمغرب؟ من خلال الإجابة نصطدم بمجموعة من الحقائق، أولا غياب تكوين للنخبة قادرة على تسيير الجماعة ودفع بها إلى مصاف الجماعات القوية على مختلف الأصعدة والمستويات. ثانيا انحسار النخب وعدم دورانها وتعاقبها، فهنالك هيمنة للنخب تتسم بمجموعة من السمات التي أوردناها سابقا والتي تفتقد إلى أبسط شروط تسيير و تدبير الجماعة. ثالثابالرغم غنى هذه النخب المسير للجماعات والتي تشكو دائما من فقر وغياب ميزانية كافية لهذه الجماعة، ليس هناك تضحية وإيثار من أجل تقوية هذه الجماعات بغض النظر عن الفاقة وخصوصا المالية للجماعة.
إذن نستشف من خلال ما تقدم جزء من مسوغات سوء تدبير الجماعات بالمغرب والتي ترجع بالأساس إلىفقدان الأهلية العلمية والعملية بالنسبة للمنتخبين لتسيير الجماعة. لن أرخي العنان للقلم لقول المزيد لأن الواقع أبلغ من القلم.
لكن إذا كانت المدينة الفاضلة لا تكون كذلك، إلا إذا آلت وسلمت أمورها إلى فلاسفة حكماء عارفين. فإلى من تؤول أمور الجماعات بالمغرب التي تشهد اختلالات كبيرة في تدبير شؤونها -قد تكون المقارنة والمماثلة نوع من ضرب الخيال والحلم، لكن أليس من حقنا أن نحلم ونمني النفس برؤية جماعة فاضلة- ومن يأخذ بزمام أمورها وزمام تدبير الشأن المحلي، وما شروط من يتولى رئاستها؟ ألا يجدر بنا طرح هذا التساؤل والقيام بهذه المقارنة والمماثلة ونحن على مشارف الانتخابات الجهوية والجماعية؟
ان استنطاق محتوى النصوص القانونية وخصوصا القوانين الانتخابية التي تحدد شروط القابلية للانتخاب، لا يوجد فيها ما يفيد التوفر على مستوى دراسي معين و كفاءة ما، فالقانون رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء المجالس الترابية ينص في مادته الرابعة انه من شروط الترشح للانتخابات أن يكون المترشح ناخبا ومتمتعا بحقوقه المدنية والسياسية. كما ينص في مادته السادسة لا يؤهل للترشح، المتجنسون بالجنسية المغربية خلال الخمس السنوات التالية لحصوله عليها... الأشخاص الذي صدر في حقهم قرار عزل من مسؤولية انتدابية أصبح نهائيا بمقتضى حكم متسب الشيء المقضي به...، الأشخاص الذين اختل فيهم نهائيا شرط أو أكثر من الشروط المطلوبة ليكونوا ناخبين... ينظر المادة المطولة، التي لا تحتوي على أي شرط متعلق بالمستوى التعليمي أو بالكفاءة.
ان القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية التي صدرت مؤخرا بالجريدة الرسمية بعدما قضى المجلس الدستوري بدستوريتها ما عدا بعض المواد، اكتفت بالتنصيص على طريقة انتخاب رئيس المجلس ونوابه، ولم يتم تحديد أي من المؤهلات العلمية لانتخاب رئيس المجلس.( ينظر المادة 11 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات).
ان هذه النصوص القانونية تهدينا إلى أن المشرع لم يقيد المترشحين بتوفر شرط علمي أو كفاءة معينة، بل فتح المجال أمام كل شخص مقيد في اللوائح الانتخابية و يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية، ولا يوجد في حالة التنافي. وبالتالي فان من حق كل مواطن سواء كان أميا أو متعلما أو غير ذي كفاءة يمكنه الترشح للانتخابات. لقد كان حريا على المشرع أن أن ينص على ضرورة التوفر على مستوى تعليمي محترم-على الأقل الإجازة- والقدرة على التسيير والتدبير، لأنه لا يمكن العبث بأمور الجماعة و تسليم الأمور لأميين لا يعرفون القراءة والكتابة ولا خبرة لهم في مجال التسيير أو التدبير.
هذا من الناحية القانونية التي تدلنا على من يمكن أن تؤول إليه زمام الأمور، لكن ما الذي تدلنا عليه الدراسات السوسيولوجية؟
إن تدقيق النظر في طبيعة النخبة المحلية التي تقوم بتدبير الشأن المحلي تقودنا مباشرة إلى فهم من يترأس ويدبر شؤون الجماعة الحضرية أو القروية، و بالأخص التدقيق في طبيعة رؤساء الجماعات القروية، الذين تغلب عليهم تيمة الأعيان والوجاهة الاجتماعية والمكانة السامية داخل القبيلة أوالجماعة –اجماعة-. إنهم في الأصل رجال أعمال أو أصحاب مقاولات أو أصحاب تجارة. فهم يغلب عليهم منطق الربح و الخسارة في كل شيء، لا يتنافسون على كرسي الرياسة، ولا ينافحون عن شخص عبثا، بل كل شيء يخضع لقانون ومنطق الربح و الخسارة. يحدث إذن نوع من التواشج بين السلطة والمال، وليس بين الكفاءة العلمية والعملية لتربع على كرسي الرئاسة.
لنعدد مجددا الى الجابري وهو يحدثنا عن فيلسوف قرطبة ابن رشد، ونظرته الى تكوين المدينة الفاضلة وإمكانيةإقامتها وذلك من خلال حكام يتم تربيتهم تربية تجعل منهم يتصفون بصفات الفلاسفة الذين هم حسب أفلاطون المؤهلون لرئاسة المدينة الفاضلة، وكذا فإنهم في ذات الوقت قد اختاروا الناموس العام المشترك الذي لا مناص لأمة من هذه الأمم من اختياره، وتكون بذلك شريعتهم الخاصة بهم غير مخالفة للشرائع الإنسانية... يضيف ابن رشد وذلك حسب الجابري أيضا أن ذلك يكون في زمن طويل، وذلك بأن تتعاقب على هذه المدن وفي أزمان طويلة ملوك فضلاء، فلا يزالون يرعون هذه المدن ويؤثرون فيها قليلا قليلا إلى أن تبلغ في نهاية الأمر أن تصير على أفضل تدبير.
نعود إذن بعد الإطلاع على رأي ابن رشد من خلال الجابري، لنطرح سؤال من يدبر أمور الجماعة سواء الحضرية أو القروية بالمغرب؟ من خلال الإجابة نصطدم بمجموعة من الحقائق، أولا غياب تكوين للنخبة قادرة على تسيير الجماعة ودفع بها إلى مصاف الجماعات القوية على مختلف الأصعدة والمستويات. ثانيا انحسار النخب وعدم دورانها وتعاقبها، فهنالك هيمنة للنخب تتسم بمجموعة من السمات التي أوردناها سابقا والتي تفتقد إلى أبسط شروط تسيير و تدبير الجماعة. ثالثابالرغم غنى هذه النخب المسير للجماعات والتي تشكو دائما من فقر وغياب ميزانية كافية لهذه الجماعة، ليس هناك تضحية وإيثار من أجل تقوية هذه الجماعات بغض النظر عن الفاقة وخصوصا المالية للجماعة.
إذن نستشف من خلال ما تقدم جزء من مسوغات سوء تدبير الجماعات بالمغرب والتي ترجع بالأساس إلىفقدان الأهلية العلمية والعملية بالنسبة للمنتخبين لتسيير الجماعة. لن أرخي العنان للقلم لقول المزيد لأن الواقع أبلغ من القلم.