من بين الاعراف والتقاليد الراسخة في مهنة المحاماة، والتي ارتبطت بتاريخها الطويل وترسخت في الضمير المهني كمدخل وأرضية اولية لاستقبال الاجيال المقبلة على المهنة وتنشئتها على التماهي مع سلوكيات و وظيفة ورسالة حاملي الجبة السوداء ,نجد الزيارة التقليدية ,او زيارة المجاملة, او الزيارة الواجبة، أي زيارة الزملاء الجدد المقبلون على التقييد بلائحة التمرين لقدماء المهنة و نقبائها واعضاء مجالس هيئاتها ،
والاكيد ان الزيارة ليست مجرد طقس من الطقوس المهنية المتعارف عليه ،بل هي مدخل تقليدي ومنطقي للممارسة المهنية ,مدخل اشبه بعلاقة المنطق بالفلسفة, أي انها المدخل التقليدي الذي يمكن الزملاء الجدد من الاطلاع على مرفولوجيا المكان، أي الاماكن التي تزاول فيها مهنة المحاماة من مكاتب مهنية وأماكن ومقرات الهيئات ,هذا الاطلاع والاتصال الاولي للوافد الجديد مع المكان يعطيه فكرة عن مختلف المدارس، والسلوكيات المهنية والمرتبطة بالمدارس الكلاسيكية دات المنحى الحقوقي او المدارس المعاصرة ذات المنحى المقاولاتي وما يرتبط بهما من طبيعة ثقافة وبنيات و مكونات المكاتب ,والشركات المدنية المهنية من ادارة واستقبال وخطاب سلوكي الخ.
والزيارة المهنية مدخل كذلك يمكن الزملاء الجدد من الاطلاع على العلاقات البنيوية داخل الجسم المهني من خلال الاستماع الى اراء ونصائح السادة النقباء والقدماء وأعضاء المجالس ,كل من منظوره الخاص وقراءته للواقع المهني والواقع المجتمعي العام وعلاقتهما بمبادئ ورسالة المحاماة، ذلك ان الزميل القيدوم وعضو المجلس الموضوعي غالبا ما يقدم للزملاء الجدد خلاصة تجربته المهنية وقراءة موضوعية لما ينبغي ان يكون عليه سلوك المقبل على التمرين والشروط الموضوعية للممارسة المهنية السليمة في ظل الواقع المهني الاجتماعي والتي تمكنه من تجنب اخطاء من سبقوه للمهنة لضمان النجاح في القادم من ممارسته المهنية .
والاكيد ان المجهود المبذول من طرف الزملاء المتمرنون للاستماع وطرح الاسئلة والصبر في انتظار مواعيد الزيارات التي قد تكون منطقية ومقبولة وقد تكون مبالغ فيها سيمكن المقبلون على التمرين من اخذ نظرة اولية عن المسرح المهني الذي سوف يزاولون داخله وسوف يشكلون جزءا من شخوصه في القادم الايام .
والأكيد كذلك ان اختيار الزملاء الجدد لرسالة المحاماة عن رغبة واقتناع يشكل المدخل الحقيقي الضامن لنجاحهم ، هذا النجاح المرتبط بالدرجة الاولى بالرغبة والاقدام على الممارسة في ظل مبادئ المهنة واعرافها ومنها الاستماع الجيد والموضوعي لخطاب الكل للوصول الى اخذ فكرة موضوعية عن المحاماة والانضمام الى الجماعة المهنية بكل ماتحمله كلمة الجماعة من معنى التضامن المهني الدي يفرض على مكوناتها الوقوف الى جانب اعضائها حفاظا على رسالتها الانسانية الرائعة داخل المجتمع
وهذا ما يوضح ان زيارة المجاملة لها بعد نفسي كبير تجعل المحامي المتمرن يندمج في المهنة الى جانب انه استفادته من نصائح النقباء والزملاء القدامى واعضاء المجالس، ومن هدا المنظور فان زيارة المجاملة هي واجب مهني واخلاقي للمحامي المتمرن، وحتى المحامي الممارس الذي ياتي من هيئة اخرى او مهنة اخرى تجاه زملائه في الهيئة الجديدة وتجاه من هم اقدم منه في المهنة وتجاه مهنة المحاماة وفي هدا الاطار و استحضار للتحديات ذهب السيد النقيب عبدالعزيز بنزاكور في الجلسة الافتتاحية لندوة التمرين سنة 1984 الى تذكير المتمرنين بان لنا حقوقا ومكاسب، كما ان علينا التزامات وواجبات، واذا كان من الزم واجباتنا نحن المحامون جميعا ان نسهر على حماية حقوقنا ومكاسبنا، وان لا نقبل أي مساس بها او نيل من حرمتها، ولا اية محاولة للتغاضي عن بعض صلاحيات مؤسساتنا القانونية او المجادلة في بعض اختصاصاتها التقليدية،فانه من اوجب التزاماتنا في ذات الوقت، ان نقوم وبنفس العزم والايمان برعاية الامانة التي تحملناها، وان نؤديها على الوجه الاكمل، ولا شك ان من لا يتحلى بالفضيلة فعلا، لا يمكنه ان يخدم العدالة حقيقة، ومن لا اخلاق له في حياته الخاصة فلا اخلاق له في حياته العامة.
ويذهب متمسكا بالأعراف والتقاليد وبنفس المنحى قيدومنا المرحوم الطيب البواب الى القول ما كان لمهنة من المهن ان يضمن لها البقاء وتعرف الازدهار والنماء بدون تلقينها من سلف الى خلف، وباستمرار وبانتظام مشيرا الى بيت شعري جاء فيه:
عهد تحملته من صفوة سلفوا....... فلا براءة لي حتى يعي الخلف.
ويذهب القيدوم الجليل موجها كلامه لفوج 1984 من المتمرنين تذكروا دائما، زملائي الاعزاء، وانتم تمارسون مهنتكم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم<< انما انا بشر، وانكم تختصمون الي، ولعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض، فأقضي نحو ما اسمع، فمن قضيت له بحق اخيه، فانما اقطع له قطعة من النار.>>.
والاكيد ان شكل الزميل المقبل على الزيارة و التمرين من حيث اللباس حاملا محفظته في انتظار ارتداء بدلته متسما بأخلاقيات القبول من ابتسامة يكون لها وقع على المحامي القيدوم والسادة النقباء وأعضاء المجالس مما يمكنهم من الارتياح شكلا للمقبلين على التمرين ومستقبل المهنة، ويمكنهم من الاسترسال في التذكير بان الحماية الكافية لحقوق الانسان والحريات الاساسية المقررة لجميع الاشخاص اقتصادية كانت او اجتماعية او ثقافية او سياسية تقتضي حصول جميع الاشخاص فعلا على خدمات قانونية يقدمها مهنيون قانونيون مستقلون وان للهيئات المهنية للمحامين دورا حيويا في اعلاء المهنة وآدابها وحماية اعضائها من الملاحقة والقيود والانتهاكات التي لا موجب لها، وفي توفير الخدمات القانونية لكل من يحتاج اليها والتعاون مع المؤسسات الحكومية وغيرها في تعزيز اهداف العدالة والمصلحة العامة.
ويذهب السيد النقيب الدكتور عبدالله درميش في هدا الاطار الى القول على ان بذلة المحامي ترمز الى المساواة بين اصحاب المهنة مهما اختلفت او تباينت مداخليهم ومهما كانت ترتيباتهم في الجدول، وتقاليد وأعراف المهنة وآدابها تفرض على المحامي الحرص على الاعتزاز بالبذلة السوداء وتكريمها والتقييد بالمبادئ والرسالة التي ترمز اليها. وهي رسالة الدفاع عن الشرف والنفس والحرية والمال ضد الظلم والطغيان والجور والجبروت، ورسالة تجعل المحامي يتمسك بالعدل ويميل مع الحق ويسعى الى الوصول الى دولة الحق والقانون.
لدلك ولأجله
خذوا زملائي الاعزاء المقبلون على التمرين زيارة التعارف او المجاملة على انها المدخل لمهنة المحاماة لأنكم شرف للمهنة ولنا و دعم لنا من اجل خلق جيل حقوقي جديد من المحامين الشباب.