في السادس من شهر شتنبر الماضي (2015)، وفي معرض خطابه الأسبوعي، دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى ضرورة التفكير، وبشكل جدي، في الترتيب لتدخل عسكري في سوريا. فقد اعتبر رئيس البيت الأبيض أن الحاجة أصبحت أمس وأكثر إلحاحا إلى اتخاذ خطوة صارمة في مواجهة ومعاقبة النظام السوري الذي يقوده بشار الأسد، خاصة مع اتهامه باستخدام الأسلحة الكيماوية بضواحي العاصمة دمشق.
*- الوضع في سوريا.
منذ سنة 2011 والحرب الأهلية في سورية تحتدم بوتيرة متصاعدة ومتسارعة، لتخلف حتى الآن مئات الآلاف من الضحايا حسب الاحصائيات التي تعرضها منظمة الأمم المتحدة. فقد وجد السكان المدنيون أنفسهم محاصرين بصراع يعتبر الأكثر دموية، قضى من جراءه الكثير من الأبرياء، وارتكبت فيه أفظع الجرائم والتجاوزات التي تدينها كل الأنظمة والشرائع القانونية والحقوقية، والتي طالت حتى الأطفال والنساء والكهول. بل ولم تستثن الشجر والحجر والدواب!! في ظل صوت مطبق من الأسرة الدولية بكل مكوناتها.
فها الوضع في سورية من الصورة التي تستدعي تحرك الجماعة الدولية بكل أشخاصها (دول-منظمات دولية حكومية وغير حكومية-المجتمع المدني الدولي...الخ) لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ وهل -والحالة هذه- يمكن الحديث عن إمكانية الركوب على العامل الإنساني لخدمة أجندات سياسية لفائدة هذا الطرف على حساب الطرف الآخر؟
بمعنى آخر: إلى أي حد يمكن القول بأن الدعوة التي أطلقها الرئيس أوباما للتدخل العسكري في سورية لها من الغطاء القانوني ما يجعلها بعيدة من أن تستثمر سياسيا لإعادة ترتيب المواقع على الساحة الدولية؟
*- عن دولة القانون:
من حيث المبدأ، لا يمكن اللجوء إلى استخدام القوة أو التهديد بها لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لاستعادتهما إلا على ضوء منصوص الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو الذي يسند هذه المهمة لمجلس الأمن بوصفة جهاز المنظمة التنفيذي.
وعلى الرغم من حقيقة أن هناك مبدأ أساسيا مدرجا ضمن بنود الميثاق الأممي، وهو مبدأ الامتناع عن التدخل في كل ما يخص الشؤون الداخلية للدول، وهو مبدأ ذو ارتباط وثيق بمبدأ آخر وهو مبدأ سيادة الدول، إلا أن عديدا من القرارات والتوصيات الصادرة عن المنظمة الدولية والتي استندت على مبدأ "واجب الحماية" تؤكد على إمكانية التدخل في حالات الأزمات الانسانية والانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان داخل دولة من الدول الأعضاء قواعد القانون الدولي نفسها تؤكد على أن تفعيل هذا المقتضى يجب أن يكون في إطاره الضيق الذي لا يتجاوز البعد الإنساني. لكن يبدو أن واجب التدخل لدواع إنسانية قد يمتد بعيدا نحو السماح باللجوء الى الآلية العسكرية بدعوى مبدأ واجب الحماية، وهو مبدأ تم تأكيده في الوثيقة الختامية لمؤتمر القمة العالمي لسنة 2005 بالقول: "يجب علينا حماية الساكنة من الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والتطهير العرقي. ويجب أن تكون على أهبة الاستعداد للإتيان بعمل جماعي، ومساعدة الدول على بلورة وتطوير آليات ووسائل كفيلة بحماية السكان من جرائم الإبادة وغيرها".
إن مفهوم مبدأ "واجب الحماية" لا يزال يلفه اللبس والغموض، وليس بعدُ موضوع إجماع من الجماعة الدولية بكل عناصرها ومكوناتها، لا لشيء إلا لافتقاره للدقة من جهة، وكونه يشكل خرقا ومساسا بأهم المبادئ التي تقوم عليها منظمة الأمم المتحدة، وهو مبدأ سيادة الدول. ناهيك عن غياب ضمانات بأن تفعيل مثل هذا المبدأ قد يحقق نتائج إيجابية ستساعد الساكنة المعنية على الخروج من المحنة التي تتخبط فيها، وما تداعيات العمليات العسكرية (الإنسانية) في الصومال وأفغانستان والعراق وليبيا –على سبيل المثال لا الحصر- إلا عامل من العوامل التي تؤكد هذا الطرح، وتعيد طرح السؤال حول مدى شرعية ومشروعية مثل هذه التدخلات! ومدى حق التشكيك في مصداقيتها وفي طابعها الإنساني المزعوم!!
*- التدخل العسكري بين الشرعية والمشروعية.
لا يمكن الحديث –كمبدأ عام- عن قانونية التدخل العسكري إلا في الحالة التي يبدي فيها مجلس الأمن الدولي موافقته على ذلك. ولا يمكن الحديث على موافقة من هذا النوع بخصوص الوضع في سورية ما دامت روسيا لا تتوانى في ابداء اعتراضها (الفيتو) بخصوص أي تحرك دولي قد يفضي إلى تدخل عسكري في سورية.
لكن إذا قررت بعض الدول التحرك خارج مجلس الأمن الأممي، بالتحرك بناء على قناعاتها الأخلاقية، فهل –والحالة هذه- يمكن الحديث عن فعل تدخلي مشروع؟ وهل الأمر سيتعلق بكونه حرباً عادلة؟
والحرب العادلة كمفهوم صاغه وأطلقه شيشرون تلقفه بعض المثقفين الكاتوليككـ"توما الاكويني، والذي يركز على ثلاثة عناصر حتى تنعت الحرب بأنها عادلة، وهي:
في زمن الإمبراطورية الرومانية، تعتبر عادلة كل حرب تخاض ضد كل أجنبي. أما في العصور الوسطى، مع الهيمنة المسيحية، كل الحروب ضد الغير متدينين واللادينيين والملحدين توسم بأنها حرب عادلة. وهنا نتساءل: هل فعلاً هي عادلة، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تبريرات ترمي أكثر ما ترمي إليه توفير مظلة شرعية ومشروعة على سيطرة شعب على شعب آخر، أو إيجاد مبررات لفعل التدخل؟
قائمة التدخلات العسكرية الأمريكية في كل مناطق المعمور أمر مثير للاستغراب، لكن من الصعوبة بمكان –من وجهة نظر شخصية على الأقل- إيجاد مبررات وحجج مقنعة على عدالة كل هذه الحروب!! ويزداد الأمر تعقيدا لما يتعلق بغياب التحديد والدقة في ارتباط بفعل التدخل الإنساني ومفهومه؟
هذا اللبس الذي يشوب مفهوم دولة القانون في علاقتها بموضوع التدخل العسكري والتدخل لدواع إنسانية هو أساس المشكلة وجوهرها. ناهيك عن المخاطر التي قد تنتج على أعمال امتطاء الدول لمطية المساعدات الإنسانية واتخاذها ذريعة لتبرير سلوك باطني مفاده التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستهدفة.
من هذا التخوف تتسلل مجموعة من علامات الاستفهام أهمها: لماذا التدخل؟ كيفية التدخل؟ المهام الواجب إنجازها خلال التدخل؟ المبررات التي ينبغي سوقها للابتعاد بالفعل عن خانة العدوان؟...الخ.
*- التدخل..لماذا وكيف؟
من أولى التحديات التي يطرحها فعل التدخل في مراحله الإعدادية هو الكيفية التي يمكن الوصول معها إلى قناعة أكيدة لدى الجماعة الدولية بأن فعلاً من الأفعال يشكل –بما فيه الكفاية- تهديدا للسلم والأمن الدوليين، ويفتح المجال أمام ضرورة استصدار موافقة من المجتمع الدولي –عبر مجلس الأمن- للتدخل العسكري!! وما هي الجهة والوجهة التي تنبغي على الجماعة الدولية مساعدتها؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل الشرائع القانونية تشترط أن يكون فعلاً التدخل إذا ما تم إقراره بعيدا عن أية حسابات اقتصادية وسياسية لدى هذه المجموعة دون الأخرى على مستوى الدعم والمساعدة.
فالتدخل الروسي في سورية، وعلى اعتبار عامل المصلحة الحزبية الضيقة، ناهيك أن موسكو تعتبر أكبر مورد للنظام السوري للأسلحة. كل ذلك يجعلنا نجزم يأن هناك مصالح أخرى أكبر من هاجس حماية الحقوق الأساسية المعلن عنها.
مدى النجاع والفعالية في انجاز المهام المتدخل بشأنها وفق المعايير القانونية والمحددة يشكل هو الآخر إحدى التحديات المطروحة على صعيد تفعيل فعل التدخل.
فالممارسة أبانت مثلا أن العديد من الهجمات التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية في مناطق التدخل أسفر عنها سقوط أعداد كبيرة من الضحايا الأبرياء، وخلف خسائر مادية هائلة بفعل الهجمات الجوية العشوائية التي لا تميز بين العناصر المسلحة والمدنيين العزل، وبين المقرات العسكرية وغيرها من الأحياء السكنية المدنية.
بمثل هذه العمليات، هل يمكن أن نتحدث –والحالة هذه- عن عنصر "القانونية"؟ وبالمقابل، كيف يمكن التصدي لهذا العدوان وهذه الانتهاكات التي تطال الحقوق الأساسية، وعلى رأسها "الحق في الحياة"، أثناء التدخل لعوامل إنسانية؟ ومن يملك حق مراقبة العمليات العسكرية طيلة فترة التدخل؟
عندما تدخل حلف شمال الأطلسي في كوسوفو سنة 1999، تبين، وبما لا يدع مجالا للشك، أن الأمم المتحدة افتقدت كل سيطرة فعلية على العمليات العسكرية الأطلسية على الأرض، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام سيل من التساؤلات بخصوص مرحلة ما بعد التدخل، ومن ثم ما يعقب العمليات العسكرية؟
فإذا كان السجل الأمريكي في مادة التدخلات العسكرية حافلا بانتهاكات وتجاوزات طالت قواعد القانون الدولي العام، كما طالت مبادئ عديدة، كمبدأ الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية، ومبدأ السيادة وغيرهما. فهل حلف شمال الأطلسي في الموقع الذي يسمح له بأن يقدم تبريرات مقنعة عن عملياته هذه درءا لكل اتهام بممارسة العدوان ضد دولة ذات سيادة وعضو بالأمم المتحدة؟
إن مسألة التبرير على ضوء قواعد القانون الدولي العام لهو التحدي الأهم في مثل هذه السلوكيات في العمل الدولي، بكونه هو الذي يكيف مدى قانونية العمل التدخلي من عدمه.
الرئيس الأمريكي أوباما ما فتئ يربط ضرورة التدخل العسكري في سورية بمبدأ مسؤولية الحماية واستعادة النظام الدولي، وربما لتكريس المزيد من التفوق الأمريكي على ضوء لعبة المواقع على الساحة الدولية.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من الضفة الأخرى، يؤكد على المساواة بين الشعوب، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدولة السورية. وهو على عكس سيد البيت الأبيض، يعتقد بأن أي تدخل دولي عسكري في سورية من شأنه أن يؤزم الوضع ويعقد الأزمة أكثر. بل وسيخلف المزيد من الضحايا الأبرياء. ومن المحتمل أن يوسع من دائرة الصراع إلى خارج الحدود السورية.
وحسب بوتين دائما، كل هذه المعطيات من شأنها الرفع من وتيرة العنف، إيذانا بقدوم موجة جديدة من الإرهاب. ومن المرجح أن يقوض ذلك كل الجهود الدولية المبذولة لإيجاد مخرج لملف ايران النووي، وللصراع العربي الإسرائيلي بما سيحول دون استقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط المتأججة أصلا ومعها منطقة الشمال الأفريقي. وقد يعصف بكل المنظومة الدولية التي يؤطرها القانون الدولي.
على ضوء هذين التحليلين المبررين لضرورة التدخل من عدمها المقدمين من قائدي البيت الأبيض والكرملين، لا بد من التذكير بأن روسيا وإيران والصين من أكثر الداعمين لنظام بشار الأسد، في الوقت الذي لا تخفي فيه كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وبريطانيا وقطر وفرنسا دعمها للجيش السوري الحر.
روسيا والولايات المتحدة، وهما دولتان قويتان، تحركهما اتجاهات مصلحية متعاكسة في مجراها، تدعم كل منهما اتجاه معين على حساب الاتجاه الآخر (النظام ومناهضيه). من هذه الزاوية لا يمكن لأحدهما أن يتنازل لفائدة الآخر وقيادة تدخل عسكري (من الجهة الأمريكية) على نظام يشكل الطرف الآخر أحد داعميه بالعتاد وأحد أكبر حلفاءه (روسيا).
*- على سبيل الختم:
هل يمكننا القول –على وجه اليقين- بأن الممارسة الدولية في مجال التدخل لأسباب إنسانية أبانت عن نجاعتها وفق ما يصبو إليه روح القانون الدولي العام في هذا الباب؛ هل انتجت وضعا أحسن داخل البلد المتدخل فيه، أو على الأقل عملت على ثبات الوضع؟ هل نجحت في حقن دماء المتحاربين وغيرهم من الأبرياء المدنيين؟
الممارسة الدولية أبانت نقيض كل ذلك؛ ففي العديد من الحالات، وعلى عكس المأمول منها، عملت عمليات التدخل العسكرية تحت يافطة "الإنسانية" على تأزيم الوضع أكثر، وعلى زرع بذور الفتنة، وسقوط أعداد لا تحصى من الضحايا دون تمييز بين المسلح والأعزل، وبين الأطفال والشيوخ، وبين العدو والحليف...الخ.
هل العمليات التدخلية العسكرية لدواع إنسانية مزعومة هي آلية من آليات إدارة وحماية ورقابة مصالح القوى العظمى عن قرب عن طريق العمل على التواجد داخل الدول التي لها فيها مصالح جيوستراتيجية وسياسية واقتصادية على اعتبار طابع الانتقائية الذي يحكم هذا الفعل؟ هل التدخل في صورته هذه أسلوب من أساليب الحفاظ على توازن القوى داخل المنظومة الدولية؟ وبالتالي معرفة من الأكثر تأثيرا: روسيا أم الولايات المتحدة؟ هذا الصراع الذي اقترن بفترة الحرب الباردة، هل هناك لازال ما يستدعي وجوده؟
كان الأجدر بالبشرية التي تواجه تحديا كبيرا على مستوى تداعيات التغيرات المناخية، أن تعمل على المحافظة على حد أدنى من التناغم والانسجام مع الطبيعة. لكن الواقع أن عالمنا يسير بخطى حثيثة نحو المزيد من الرأسمالية القائمة على عنصري الإنتاج والاستهلاك، واللذين يعتبران أكبر مهدد للبيئة، مما يعني أن وجهة العالم في تباعد مستمر مع هذا الانسجام وهذا التناغم.
العالم في ظل المستجدات والأحداث في أمس الحاجة من أي وقت مضى للتعاون والتشارك، وليس لصراعات وصدامات الهيمنة والسيطرة. ومن المجحف شرعا وأخلاقا ترك تقرير مصير الإنسانية بين ايدي هذه القوى ذوات الحسابات السياسية المصلحية الضيقة، وأخطر تلك القرارات قرار اللجوء إلى القوة، والذي أبانت التجربة الدولية أن تفعيله لا يجلب على الإنسانية سوى المزيد من المآسي والدمار. فليس هناك أخطر من أن تسخر الصراعات الأيديولوجية وعلى السلطة بالشكل الذي يبرر لإحدى الدول العظمى إمكانية توظيف "المساعدة الإنسانية" أو مبدأ "واجب الحماية" لرعاية مصالحها الخاصة. ذلك أن كل ذرائع الحفاظ على السلم والسعي لتحقيق الأمن والاستقرار تقلب لتصبح –في نهاية المطاف- بذورا للفوضى والفتنة، يصعب بل ويستحيل السيطرة عليها، كما هو الحال في العراق وأفغانستان وليبيا...الخ!!
صحيح أن فئة كثيرة من البشرية تعاني القمع والضغط والتنكيل غير المقبول، وأنها فعلا بحاجة ماسة إلى المساعدة والرعاية. في هذه الحالة، ينبغي إيجاد حل جذري لمواجهة ما يعانيه مجلس الأمن الدولي من شلل يمس بمصداقية المنظمة الأممية في كليتها، وذلك للوصول بنجاح إلى وضع لسقوط المزيد من عشرات الآلاف من الضحايا في كل بقاع المعمور، فذلك يتطلب إعادة النظر في طريقة عمل أجهزة الأمم المتحدة، وفي مقدمتها جهاز مجلس الأمن ونظام الاعتراض (الفيتو) داخله، وهو الذي يرهن مستقبل وحياة ومصير النظام الدولي بين حفنة قليلة من الدول التي تتصارع على ضوء حماية مصالحها الخاصة، على حساب أحكام ومبادئ القوانين الدولية.
كيف يمكن الحديث عن عدالة أمام ضحايا هذه الأفعال التدخلية؟
على سبيل المثال، دائما ما تنصب واشنطن نفسها المدافع عن المستضعفين بزعم أن على عاتقها يقه واجب حمايتهم. لكن عن أية عدالة ستتحدث واشنطن أمام الضحايا إن كانت هي نفسها تقر بوقوع جرائم وانتهاكات جسيمة رافقت عملياتها العسكرية في مناطق التدخل باسم حماية السلم والأمن الدوليين؟
الولايات المتحدة أدانت وبشدة لجوء نظام بشار الأسد إلى استخدام الأسلحة المحظورة دوليا، وفي طليعتها السلاح الكيماوي، لكن نسيت أو تناست أن هذا كان هي الأخرى ديدنها في تدخلها مثلا في الفيتنام، حيث لا تزال قائمة آثارها المدمرة حتى اليوم على الانسان كما على الحيوان والنبات.
والفيتنام ما هو إلا حالة من بين عشرات الحالات. والسخرية كل السخرية أن يتدرع الأقوياء بمحاربة سلوكات وأفعال هم أول من يأتونها!!
الطابع المبهم، والغامض، وغير المكتمل والفضفاض لمفهوم دولة الحق لا ينتج عنه إلا الفراغات والهفوات القانونية، وكذا تسييس القاعدة القانونية أو تحويرها!!!
"الحق في القتل" لا ينبغي أن يسند بالسهولة وبهذه الطريقة. ومن هنا يصير التدخل لتدقيق مفاهيم القانون الدولي أكثر أهمية وحتمية من ذي قبل في موضوع التدخل الإنساني، وواجب الحماية، أو الحق في القتل...!!!
*- الوضع في سوريا.
منذ سنة 2011 والحرب الأهلية في سورية تحتدم بوتيرة متصاعدة ومتسارعة، لتخلف حتى الآن مئات الآلاف من الضحايا حسب الاحصائيات التي تعرضها منظمة الأمم المتحدة. فقد وجد السكان المدنيون أنفسهم محاصرين بصراع يعتبر الأكثر دموية، قضى من جراءه الكثير من الأبرياء، وارتكبت فيه أفظع الجرائم والتجاوزات التي تدينها كل الأنظمة والشرائع القانونية والحقوقية، والتي طالت حتى الأطفال والنساء والكهول. بل ولم تستثن الشجر والحجر والدواب!! في ظل صوت مطبق من الأسرة الدولية بكل مكوناتها.
فها الوضع في سورية من الصورة التي تستدعي تحرك الجماعة الدولية بكل أشخاصها (دول-منظمات دولية حكومية وغير حكومية-المجتمع المدني الدولي...الخ) لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ وهل -والحالة هذه- يمكن الحديث عن إمكانية الركوب على العامل الإنساني لخدمة أجندات سياسية لفائدة هذا الطرف على حساب الطرف الآخر؟
بمعنى آخر: إلى أي حد يمكن القول بأن الدعوة التي أطلقها الرئيس أوباما للتدخل العسكري في سورية لها من الغطاء القانوني ما يجعلها بعيدة من أن تستثمر سياسيا لإعادة ترتيب المواقع على الساحة الدولية؟
*- عن دولة القانون:
من حيث المبدأ، لا يمكن اللجوء إلى استخدام القوة أو التهديد بها لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لاستعادتهما إلا على ضوء منصوص الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو الذي يسند هذه المهمة لمجلس الأمن بوصفة جهاز المنظمة التنفيذي.
وعلى الرغم من حقيقة أن هناك مبدأ أساسيا مدرجا ضمن بنود الميثاق الأممي، وهو مبدأ الامتناع عن التدخل في كل ما يخص الشؤون الداخلية للدول، وهو مبدأ ذو ارتباط وثيق بمبدأ آخر وهو مبدأ سيادة الدول، إلا أن عديدا من القرارات والتوصيات الصادرة عن المنظمة الدولية والتي استندت على مبدأ "واجب الحماية" تؤكد على إمكانية التدخل في حالات الأزمات الانسانية والانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان داخل دولة من الدول الأعضاء قواعد القانون الدولي نفسها تؤكد على أن تفعيل هذا المقتضى يجب أن يكون في إطاره الضيق الذي لا يتجاوز البعد الإنساني. لكن يبدو أن واجب التدخل لدواع إنسانية قد يمتد بعيدا نحو السماح باللجوء الى الآلية العسكرية بدعوى مبدأ واجب الحماية، وهو مبدأ تم تأكيده في الوثيقة الختامية لمؤتمر القمة العالمي لسنة 2005 بالقول: "يجب علينا حماية الساكنة من الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والتطهير العرقي. ويجب أن تكون على أهبة الاستعداد للإتيان بعمل جماعي، ومساعدة الدول على بلورة وتطوير آليات ووسائل كفيلة بحماية السكان من جرائم الإبادة وغيرها".
إن مفهوم مبدأ "واجب الحماية" لا يزال يلفه اللبس والغموض، وليس بعدُ موضوع إجماع من الجماعة الدولية بكل عناصرها ومكوناتها، لا لشيء إلا لافتقاره للدقة من جهة، وكونه يشكل خرقا ومساسا بأهم المبادئ التي تقوم عليها منظمة الأمم المتحدة، وهو مبدأ سيادة الدول. ناهيك عن غياب ضمانات بأن تفعيل مثل هذا المبدأ قد يحقق نتائج إيجابية ستساعد الساكنة المعنية على الخروج من المحنة التي تتخبط فيها، وما تداعيات العمليات العسكرية (الإنسانية) في الصومال وأفغانستان والعراق وليبيا –على سبيل المثال لا الحصر- إلا عامل من العوامل التي تؤكد هذا الطرح، وتعيد طرح السؤال حول مدى شرعية ومشروعية مثل هذه التدخلات! ومدى حق التشكيك في مصداقيتها وفي طابعها الإنساني المزعوم!!
*- التدخل العسكري بين الشرعية والمشروعية.
لا يمكن الحديث –كمبدأ عام- عن قانونية التدخل العسكري إلا في الحالة التي يبدي فيها مجلس الأمن الدولي موافقته على ذلك. ولا يمكن الحديث على موافقة من هذا النوع بخصوص الوضع في سورية ما دامت روسيا لا تتوانى في ابداء اعتراضها (الفيتو) بخصوص أي تحرك دولي قد يفضي إلى تدخل عسكري في سورية.
لكن إذا قررت بعض الدول التحرك خارج مجلس الأمن الأممي، بالتحرك بناء على قناعاتها الأخلاقية، فهل –والحالة هذه- يمكن الحديث عن فعل تدخلي مشروع؟ وهل الأمر سيتعلق بكونه حرباً عادلة؟
والحرب العادلة كمفهوم صاغه وأطلقه شيشرون تلقفه بعض المثقفين الكاتوليككـ"توما الاكويني، والذي يركز على ثلاثة عناصر حتى تنعت الحرب بأنها عادلة، وهي:
- أن تخاض الحرب من السلطة العامة؛
- أن تكون القضية عادلة؛
- ألا تكتنفها أسباب ودواع مبطنة وخفية، بل تٌخاض فقط من أجل الصالح العام.
- أن يكون موقف الدولة مستندا على حق، للحيلولة دون استهجان تصرفها التدخلي؛
- أن تكون جميع الوسائل السلمية لاحتضان الموقف قد استنفذت؛
- ألا تكون الآثار والأضرار التي خلفتها الحرب أكثر من تلك التي خلفها الفعل المسبب للحرب (تناسب الفعل ورد الفعل).
في زمن الإمبراطورية الرومانية، تعتبر عادلة كل حرب تخاض ضد كل أجنبي. أما في العصور الوسطى، مع الهيمنة المسيحية، كل الحروب ضد الغير متدينين واللادينيين والملحدين توسم بأنها حرب عادلة. وهنا نتساءل: هل فعلاً هي عادلة، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تبريرات ترمي أكثر ما ترمي إليه توفير مظلة شرعية ومشروعة على سيطرة شعب على شعب آخر، أو إيجاد مبررات لفعل التدخل؟
قائمة التدخلات العسكرية الأمريكية في كل مناطق المعمور أمر مثير للاستغراب، لكن من الصعوبة بمكان –من وجهة نظر شخصية على الأقل- إيجاد مبررات وحجج مقنعة على عدالة كل هذه الحروب!! ويزداد الأمر تعقيدا لما يتعلق بغياب التحديد والدقة في ارتباط بفعل التدخل الإنساني ومفهومه؟
هذا اللبس الذي يشوب مفهوم دولة القانون في علاقتها بموضوع التدخل العسكري والتدخل لدواع إنسانية هو أساس المشكلة وجوهرها. ناهيك عن المخاطر التي قد تنتج على أعمال امتطاء الدول لمطية المساعدات الإنسانية واتخاذها ذريعة لتبرير سلوك باطني مفاده التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستهدفة.
من هذا التخوف تتسلل مجموعة من علامات الاستفهام أهمها: لماذا التدخل؟ كيفية التدخل؟ المهام الواجب إنجازها خلال التدخل؟ المبررات التي ينبغي سوقها للابتعاد بالفعل عن خانة العدوان؟...الخ.
*- التدخل..لماذا وكيف؟
من أولى التحديات التي يطرحها فعل التدخل في مراحله الإعدادية هو الكيفية التي يمكن الوصول معها إلى قناعة أكيدة لدى الجماعة الدولية بأن فعلاً من الأفعال يشكل –بما فيه الكفاية- تهديدا للسلم والأمن الدوليين، ويفتح المجال أمام ضرورة استصدار موافقة من المجتمع الدولي –عبر مجلس الأمن- للتدخل العسكري!! وما هي الجهة والوجهة التي تنبغي على الجماعة الدولية مساعدتها؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل الشرائع القانونية تشترط أن يكون فعلاً التدخل إذا ما تم إقراره بعيدا عن أية حسابات اقتصادية وسياسية لدى هذه المجموعة دون الأخرى على مستوى الدعم والمساعدة.
فالتدخل الروسي في سورية، وعلى اعتبار عامل المصلحة الحزبية الضيقة، ناهيك أن موسكو تعتبر أكبر مورد للنظام السوري للأسلحة. كل ذلك يجعلنا نجزم يأن هناك مصالح أخرى أكبر من هاجس حماية الحقوق الأساسية المعلن عنها.
مدى النجاع والفعالية في انجاز المهام المتدخل بشأنها وفق المعايير القانونية والمحددة يشكل هو الآخر إحدى التحديات المطروحة على صعيد تفعيل فعل التدخل.
فالممارسة أبانت مثلا أن العديد من الهجمات التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية في مناطق التدخل أسفر عنها سقوط أعداد كبيرة من الضحايا الأبرياء، وخلف خسائر مادية هائلة بفعل الهجمات الجوية العشوائية التي لا تميز بين العناصر المسلحة والمدنيين العزل، وبين المقرات العسكرية وغيرها من الأحياء السكنية المدنية.
بمثل هذه العمليات، هل يمكن أن نتحدث –والحالة هذه- عن عنصر "القانونية"؟ وبالمقابل، كيف يمكن التصدي لهذا العدوان وهذه الانتهاكات التي تطال الحقوق الأساسية، وعلى رأسها "الحق في الحياة"، أثناء التدخل لعوامل إنسانية؟ ومن يملك حق مراقبة العمليات العسكرية طيلة فترة التدخل؟
عندما تدخل حلف شمال الأطلسي في كوسوفو سنة 1999، تبين، وبما لا يدع مجالا للشك، أن الأمم المتحدة افتقدت كل سيطرة فعلية على العمليات العسكرية الأطلسية على الأرض، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام سيل من التساؤلات بخصوص مرحلة ما بعد التدخل، ومن ثم ما يعقب العمليات العسكرية؟
فإذا كان السجل الأمريكي في مادة التدخلات العسكرية حافلا بانتهاكات وتجاوزات طالت قواعد القانون الدولي العام، كما طالت مبادئ عديدة، كمبدأ الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية، ومبدأ السيادة وغيرهما. فهل حلف شمال الأطلسي في الموقع الذي يسمح له بأن يقدم تبريرات مقنعة عن عملياته هذه درءا لكل اتهام بممارسة العدوان ضد دولة ذات سيادة وعضو بالأمم المتحدة؟
إن مسألة التبرير على ضوء قواعد القانون الدولي العام لهو التحدي الأهم في مثل هذه السلوكيات في العمل الدولي، بكونه هو الذي يكيف مدى قانونية العمل التدخلي من عدمه.
الرئيس الأمريكي أوباما ما فتئ يربط ضرورة التدخل العسكري في سورية بمبدأ مسؤولية الحماية واستعادة النظام الدولي، وربما لتكريس المزيد من التفوق الأمريكي على ضوء لعبة المواقع على الساحة الدولية.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من الضفة الأخرى، يؤكد على المساواة بين الشعوب، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدولة السورية. وهو على عكس سيد البيت الأبيض، يعتقد بأن أي تدخل دولي عسكري في سورية من شأنه أن يؤزم الوضع ويعقد الأزمة أكثر. بل وسيخلف المزيد من الضحايا الأبرياء. ومن المحتمل أن يوسع من دائرة الصراع إلى خارج الحدود السورية.
وحسب بوتين دائما، كل هذه المعطيات من شأنها الرفع من وتيرة العنف، إيذانا بقدوم موجة جديدة من الإرهاب. ومن المرجح أن يقوض ذلك كل الجهود الدولية المبذولة لإيجاد مخرج لملف ايران النووي، وللصراع العربي الإسرائيلي بما سيحول دون استقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط المتأججة أصلا ومعها منطقة الشمال الأفريقي. وقد يعصف بكل المنظومة الدولية التي يؤطرها القانون الدولي.
على ضوء هذين التحليلين المبررين لضرورة التدخل من عدمها المقدمين من قائدي البيت الأبيض والكرملين، لا بد من التذكير بأن روسيا وإيران والصين من أكثر الداعمين لنظام بشار الأسد، في الوقت الذي لا تخفي فيه كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وبريطانيا وقطر وفرنسا دعمها للجيش السوري الحر.
روسيا والولايات المتحدة، وهما دولتان قويتان، تحركهما اتجاهات مصلحية متعاكسة في مجراها، تدعم كل منهما اتجاه معين على حساب الاتجاه الآخر (النظام ومناهضيه). من هذه الزاوية لا يمكن لأحدهما أن يتنازل لفائدة الآخر وقيادة تدخل عسكري (من الجهة الأمريكية) على نظام يشكل الطرف الآخر أحد داعميه بالعتاد وأحد أكبر حلفاءه (روسيا).
*- على سبيل الختم:
هل يمكننا القول –على وجه اليقين- بأن الممارسة الدولية في مجال التدخل لأسباب إنسانية أبانت عن نجاعتها وفق ما يصبو إليه روح القانون الدولي العام في هذا الباب؛ هل انتجت وضعا أحسن داخل البلد المتدخل فيه، أو على الأقل عملت على ثبات الوضع؟ هل نجحت في حقن دماء المتحاربين وغيرهم من الأبرياء المدنيين؟
الممارسة الدولية أبانت نقيض كل ذلك؛ ففي العديد من الحالات، وعلى عكس المأمول منها، عملت عمليات التدخل العسكرية تحت يافطة "الإنسانية" على تأزيم الوضع أكثر، وعلى زرع بذور الفتنة، وسقوط أعداد لا تحصى من الضحايا دون تمييز بين المسلح والأعزل، وبين الأطفال والشيوخ، وبين العدو والحليف...الخ.
هل العمليات التدخلية العسكرية لدواع إنسانية مزعومة هي آلية من آليات إدارة وحماية ورقابة مصالح القوى العظمى عن قرب عن طريق العمل على التواجد داخل الدول التي لها فيها مصالح جيوستراتيجية وسياسية واقتصادية على اعتبار طابع الانتقائية الذي يحكم هذا الفعل؟ هل التدخل في صورته هذه أسلوب من أساليب الحفاظ على توازن القوى داخل المنظومة الدولية؟ وبالتالي معرفة من الأكثر تأثيرا: روسيا أم الولايات المتحدة؟ هذا الصراع الذي اقترن بفترة الحرب الباردة، هل هناك لازال ما يستدعي وجوده؟
كان الأجدر بالبشرية التي تواجه تحديا كبيرا على مستوى تداعيات التغيرات المناخية، أن تعمل على المحافظة على حد أدنى من التناغم والانسجام مع الطبيعة. لكن الواقع أن عالمنا يسير بخطى حثيثة نحو المزيد من الرأسمالية القائمة على عنصري الإنتاج والاستهلاك، واللذين يعتبران أكبر مهدد للبيئة، مما يعني أن وجهة العالم في تباعد مستمر مع هذا الانسجام وهذا التناغم.
العالم في ظل المستجدات والأحداث في أمس الحاجة من أي وقت مضى للتعاون والتشارك، وليس لصراعات وصدامات الهيمنة والسيطرة. ومن المجحف شرعا وأخلاقا ترك تقرير مصير الإنسانية بين ايدي هذه القوى ذوات الحسابات السياسية المصلحية الضيقة، وأخطر تلك القرارات قرار اللجوء إلى القوة، والذي أبانت التجربة الدولية أن تفعيله لا يجلب على الإنسانية سوى المزيد من المآسي والدمار. فليس هناك أخطر من أن تسخر الصراعات الأيديولوجية وعلى السلطة بالشكل الذي يبرر لإحدى الدول العظمى إمكانية توظيف "المساعدة الإنسانية" أو مبدأ "واجب الحماية" لرعاية مصالحها الخاصة. ذلك أن كل ذرائع الحفاظ على السلم والسعي لتحقيق الأمن والاستقرار تقلب لتصبح –في نهاية المطاف- بذورا للفوضى والفتنة، يصعب بل ويستحيل السيطرة عليها، كما هو الحال في العراق وأفغانستان وليبيا...الخ!!
صحيح أن فئة كثيرة من البشرية تعاني القمع والضغط والتنكيل غير المقبول، وأنها فعلا بحاجة ماسة إلى المساعدة والرعاية. في هذه الحالة، ينبغي إيجاد حل جذري لمواجهة ما يعانيه مجلس الأمن الدولي من شلل يمس بمصداقية المنظمة الأممية في كليتها، وذلك للوصول بنجاح إلى وضع لسقوط المزيد من عشرات الآلاف من الضحايا في كل بقاع المعمور، فذلك يتطلب إعادة النظر في طريقة عمل أجهزة الأمم المتحدة، وفي مقدمتها جهاز مجلس الأمن ونظام الاعتراض (الفيتو) داخله، وهو الذي يرهن مستقبل وحياة ومصير النظام الدولي بين حفنة قليلة من الدول التي تتصارع على ضوء حماية مصالحها الخاصة، على حساب أحكام ومبادئ القوانين الدولية.
كيف يمكن الحديث عن عدالة أمام ضحايا هذه الأفعال التدخلية؟
على سبيل المثال، دائما ما تنصب واشنطن نفسها المدافع عن المستضعفين بزعم أن على عاتقها يقه واجب حمايتهم. لكن عن أية عدالة ستتحدث واشنطن أمام الضحايا إن كانت هي نفسها تقر بوقوع جرائم وانتهاكات جسيمة رافقت عملياتها العسكرية في مناطق التدخل باسم حماية السلم والأمن الدوليين؟
الولايات المتحدة أدانت وبشدة لجوء نظام بشار الأسد إلى استخدام الأسلحة المحظورة دوليا، وفي طليعتها السلاح الكيماوي، لكن نسيت أو تناست أن هذا كان هي الأخرى ديدنها في تدخلها مثلا في الفيتنام، حيث لا تزال قائمة آثارها المدمرة حتى اليوم على الانسان كما على الحيوان والنبات.
والفيتنام ما هو إلا حالة من بين عشرات الحالات. والسخرية كل السخرية أن يتدرع الأقوياء بمحاربة سلوكات وأفعال هم أول من يأتونها!!
الطابع المبهم، والغامض، وغير المكتمل والفضفاض لمفهوم دولة الحق لا ينتج عنه إلا الفراغات والهفوات القانونية، وكذا تسييس القاعدة القانونية أو تحويرها!!!
"الحق في القتل" لا ينبغي أن يسند بالسهولة وبهذه الطريقة. ومن هنا يصير التدخل لتدقيق مفاهيم القانون الدولي أكثر أهمية وحتمية من ذي قبل في موضوع التدخل الإنساني، وواجب الحماية، أو الحق في القتل...!!!