نصت المادة 2 من مدونة الحقوق العينية على ما يلي:
"إن الرسوم العقارية وما تتضمنه من تقييدات تابعة لإنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه وتكون حجة في مواجهة الغير على أن الشخص المعين بها هو فعلا صاحب الحقوق المبنية فيها.
إن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية، كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر، إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعمال شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه"
وسوف نقف عند الفقرة الثانية من هذه المادة، والتي اعتبرت أن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن النية ، و لا يمكن أن يلحق به أي ضرر ، أي أن المقيد بالرسم العقاري بحسن نية لا يمكن مواجهته بأي شكل من أشكال الإحتجاج ، إلا في حالة إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله، ويجب على صاحب الحق أيضا، رغم ثبوت التدليس والزور أو استعماله أن يمارس دعوى المطالبة بحقه داخل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه وإلا سقط حقه.
وعليه فان المشرع أقر بأن التقييدات الواردة على الرسم العقاري بحسن نية لا يمكن مواجهة صاحبها بأي إبطال، باستثناء أن يكون هناك تدليس أو زور أو استعماله وشريطة أن تمارس دعوى المطالبة بالحق داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغيير أو تشطيب عليه.
هذا وحيث رغم ثبوت التدليس أو الزور فإنه يجب على صاحب الحق أن يمارس دعواه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله، وبمرور هذا الأجل سيحصن بكل تأكيد العقد الذي طاله التدليس أو الزور، ولا يمكن بالتالي إبطال العقد المزور بأي شكل من الأشكال، خلافا للقاعدة القائلة ما بني على باطل فهو باطل، بل سيصبح العقد المزور بعد مرور أربع سنوات عقدا صحيحا، مستجمعا لأركانه، منتجا لآثاره، وقائما بذاته ويعطي حقا لصاحبه.
وهو الأمر الذي أكدته أيضا محكمة النقض سيرا على هذا القانون في القرار عدد 170 بتاريخ 20/3/2013 في الملف رقم 1823/1/1/2012 الذي ذهب إلى اعتبار أن "تقييد التصرفات والحقوق في الرسوم العقارية قرينة لفائدة الغير حسن النية على صحتها وليس هناك ما يستثني حالة البطلان بسبب ثبوت التزوير في عقد وقع تقييده".
والخطير في الأمر المشرع حدد أجل أربع سنوات كأجل لممارسة الدعوى منذ تاريخ التقييد وليس من تاريخ العلم.
فأي تخريف هذا الذي يضرب عرض الحائط بحق من أبرز الحقوق وهو الحق في الملكية والذي نصت المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه لكل شخص حق التملك ولا يمكن تجريد أحد من ملكه تعسفا، وفي تناغم مع هذا الإعلان نص الفصل 35 من الدستور على أن القانون يضمن حق الملكية، وأنه لا يمكن الحد من نطاقها وممارستها إلا بموجب القانون إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الإقتصادية والإجتماعية للبلاد.
لنخلص إلى أن الفقرة الثانية من المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية تبقى غير دستورية، إذ تفرغ حق الملكية من محتواه، بحيث أنه يسمح في حالة وحيدة بالاعتداء على هذا الحق وبالقانون، وهي نزع الملكية من أجل المنفعة العامة.
أما أن يكون صاحب الحق المقيد بالرسم العقاري مطمئنا لملكه، ويمارس سلطته في الحصول على جميع المنافع التي يقرها له حق الملكية، فيفاجأ بأن حقه تم تفويته بعقد مزور وقيد بالرسم العقاري دون علمه وبعد مرور أربع سنوات لن يبقى أمام سوى البحر ليرمي نفسه فيه، أو يشرب ماءه، أو الحائط ليرتطم به، فان هذا ضرب من ضروب العبث وخرق لمبدأ الأمن القانوني الذي يقوم عليه التحفيظ العقاري.
إذ أن مسألة البحث في حسن النية مسألة صعبة، بحيث تتطلب السبر في أغوار مكنون الإنسان لاستجلاء الحقيقة، وهو أمر يصعب على القاضي تحقيقه، إذ لا يحتكم هذا الأخير إلا للوثائق الموجودة بين يديه للفصل في النزاع، وعلى فرض أن المشتري حسن النية وهو حتما من سيباشر تقييد حقه الذي اكتسبه بموجب عقد البيع، فإن البائع يمكن أن يسطو ويترامى على العقار ويزور وثائق هوية المالك الحقيقي ويعمد إلى بيعه، وبالتالي فالعقد يبقى مزور، والذي يزيد من استفحال الخطورة هو أجل ممارسة دعوى الإبطال الذي حدد لصاحب الحق الأصلي، إذ حدد في أجل 4 سنوات ومن تاريخ تقييد الحق المطلوب إبطاله، وليس حتى من تاريخ العلم، وكأني بالمشرع يشجع عصابات السطو والترامي على العقارات، وهي ظاهرة انتشرت منذ سنين، خصوصا الترامي على عقارات الأجانب والمقيمين خارج المغرب.
وهو ما يستدعي أن يستيقظ المشرع من غفوته، ويصلح هذا الخطأ التشريعي، ويعدل من مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 2 من مدونة الحقوق العينية، وذلك بتوفير حماية أكثر لصاحب الحق الأصلي، تقديسا لحق الملكية، وتماشيا مع مبدأ الحماية القانونية للتحفيظ العقاري.