يحتفل الشعب المغربي بعيد العرش المجيد، تزامنا مع العشر الأواخر من شهر رمضان الأبرك، والذي يعتبر بمثابة تجديد للعقد و العهد بين أمير المؤمنين الملك المواطن و رعاياه، بروح وطنية مستحضرين للبيعة الشرعية التي تجمع الملك بشعبه الوفي. و بالرجوع إلى فلسفة سن هذه الذكرى يستحضر الشعب المغربي بجلاء نضالات الحركة الوطنية إبان فترة الحماية، و مواقفها الراسخة للدفاع عن حوزة المغرب.
و ردا على الظهير البربري الذي أصدرته سلطات الحماية، قررت الحركة الوطنية الإحتفال بعيد العرش كمناسبة رسمية لتؤكد على سيادة المغرب و وحدة شعبه حول قضاياه الوطنية بقيادة السلطان محمد بن يوسف طيب الله تراه، عاقدين العزم على التضحية بالغالي و النفيس من أجل إستكمال الوحدة الترابية للمملكة، وترسيخ دولة المؤسسات.
إن الجذور التاريخية للبيعة بين المغاربة و العرش العلوي هي أقوى و أثبت من أن نتحدث عنها انطلاقا من الإحتفال بأول عيد العرش سنة 1933، أو حتى 12 قرنا من حكم الدول العلوية، بل هو امتداد تاريخي و تعاقدي بين شعب مغربي و أحفاد خاتم الأنبياء و المرسلين عليه أفضل الصلاة و السلام منذ بزوغ فجر الإسلام.
ولعل ما يميز فترة حكم الملك محمد السادس عن أسلافه الميامين، ترسيخه لدولة الحق و القانون و المؤسسات، والعمل على بناء المغرب الجديد الحداثي، و التي استطاعت أن تفرض فاعليتها في المنتظم الدولي عن طريق مجموعة من المحافل الدولية، و كذا إشادة العالم بالاستثناء المغربي و تدبير مرحلة عصيبة عاشها العالم العربي، دشنت بثورة للملك و الشعب، و الإجماع على دستور مغربي، و تنظيم انتخابات حرة و نزيهة.
و قد أكد الخطاب الملكي السامي ل17 يونيو 2011 على التكريس الدستوري للملكية المواطنة و الملك المواطن من خلال التنصيص على عدم انتهاك حرمة الملك و الإحترم و التوقير الواجب له عوض القداسة، و كذا تحديد بلوغه سن الرشد في 18 عوض 16 إسوة بكافة إخوانه و أخواته المغاربة.
كما نص الدستور المغربي في الفصل 42 على أن الملك رئيس وممثلها الأسمى و رمز وحدة الأمة و ضامن دوام الدولة واستمرارها يسهر على احترام الدستور و حسن سير المؤسسات الدستورية و على صيانة الإختيار الديمقراطي و حقوق و حريات المواطنين و المواطنات و الجماعات ... كما أنه ضامن استقلال البلاد و حوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة. و نص الفصل 41 على أنه أمير المؤمنين و حامي حمى الملة و الدينة الضامن لحرية ممارسة شؤونه الدينية.
إن هذا الأساس التعاقدي بين الملك و الشعب و ما له من دلالة روحية و سياسية، والمتجسد في البيعة الشرعية، بمثابة عقد ملزم لطرفيه، بنجاحه يتحقق إستمرار و وحدة المملكة و ازدهارها.