www.majalah.new.ma
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد ، لاشك أن موضوع العلاقة بين فقهاء الشرع والقانون من المواضيع الحساسة والمهمة التي قد يجهلها بعض الباحثين الأكاديميين وغيرهم ، والتي تدفعنا إلى التساؤل حول مدى وجود روابط تجمع بين الفريقين ، وحول مدى تعاونهم وتقاربهم من أجل النهوض بأمتنا المجيدة ، وهل العلاقة بينهما هي علاقة تقارب وتعاون ؟ أم علاقة تنافر و تباعد ؟ وحول ثنائية الشرع والقانون في بلادنا هل هي ظاهرة صحية ؟ أم أنه لا مفر لنا من وجود فقه وتشريع واحد منسجم ومتناغم يذوب فيه ما هو شرعي وما هو قانوني؟
هذه الأسئلة وغيرها كثير سنحاول الإجابة عليها من خلال مبحثين على الشكل التالي :
المبحث الأول : فصل المقال في ما بين فقهاء الشرع والقانون من الاتصال:
المبحث الثاني : دعوة للتواصل والتعاون والتفاعل بين فقهاء الشرع والقانون:
المبحث الأول : فصل المقال في ما بين فقهاء الشرع والقانون من الاتصال :
لاشك ان المتتبع والمستقرء للعلاقة التي تربط بين الشرع والقانون سيلاحظ وجود فئة قليلة ونادرة تعترف بالعلاقة بين الشرع والقانون ، وفئة أخرى لا تتصور وجود علاقة بين الشرع والقانون على الإطلاق وتعتبر الفقه الإسلامي مليئا -بالتطرف والتخلف- وبالمقابل نجد طائفة ثالثة تنظر إلينا من برجها العاجي وتقول نعم للفقه الإسلامي ولا للفقه القانوني ، على اعتبار أن مصدر هذا الأخير قانون وضعي يعتريه الخطأ والنسيان هو من صنع البشر ، ونسوا بأن فقهاء الإسلام هم أنفسهم مجتهدون إن أصابوا فلهم أجران وإن اخطأوا فلهم اجر واحد! مصداقا لقول النبي عليه أزكى الصلاة والسلام : "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر [1] "، وأين نحن من كلام الإمام الشافعي رضي الله عنه الذي قال : إذا صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط[2]. ونسوا أيضا بان الشريعة الإسلامية بسماحتها وشموليتها جاءت رحمة للعالمين ، قال جل من قائل : "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[3] " وجاءت أيضا لتحتضن وتستوعب كل أمر يحقق المقاصد بما فيه الفصول القانونية الملائمة والمنسجمة مع الكتاب والسنة.
هذا من جهة ومن جهة ثانية ينبغي أن نعلم بأن قانونا المغربي به العديد من الفصول القانونية التي صيغت استنادا إلى الفقهين المالكي والحنفي [4]- وإن كنا نأمل انفتاحا أكبر على كنوز الفقه الإسلامي في قانونا المغربي- بالإضافة إلى أنه كم من قاض - وهو رجل قانون- أعوزه الحكم الشرعي فوجد ضالته في فقهنا المالكي المجيد ، وكم من فقيه مسلم أشتغل بأمور الشرع سيجد ضالته في العديد من الفصول القانونية مادمت تحقق المقاصد وتنسجم مع الكتاب العزيز والسنة النبوي المطهرة ، ويمكن اعتبار هذه الفصول القانونية من قبيل المصالح المرسلة[5] ، فما العيب في تنبي فصل قانوني كيفما كانت جنسيته مادام يحقق المقاصد ولا يعارض الكتاب العزيز والسنة المطهرة ، وما دامت الشريعة السمحة تستوعب كل ما فيه مصلحة ومنفعة للعباد في العاجل والآجل ؟ !!! وفي هذا الصدد لابد أن أنبه الباحثين في المقارنات بين الشرع والقانون إلى الصعوبة الكبرى التي قد تصادفهم عند بحثهم في كتب النوازل الفقهية التي تزخر بالكنوز المكنونة من الأحكام ، لكنها متناثرة بشكل يجعل أمر تجميعها وتنظيمها وفق منهجية وتصميم مناسبين أمرا شاقا ، والذي قد يساهم الإطلاع على منهجية وتصميم الكتب القانونية دورا هاما في تيسيره وتنظيم البحث في هذه النوازل على اعتبار أن فقهاء القانون الوضعي استطاعوا بنجاح صياغة نظريات متكاملة ستفيد لا محالة فقهاء الشرع فكرا ومنهجا ، وهنا تبرز مسؤولية فقهاء الشرع المعاصرين العظمى فهم مطالبون أيضا بصياغة نظريات متكاملة على غرار أقرانهم القانونيين حتى نستطيع تجديد فقهنا الإسلامي المجيد والمضي به قدما إلى الأمام ، فهناك عدة أقضية جديدة تحتاج إلى رأي الشرع الحنيف ، لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، كالجرائم الإلكترونية والعقود الإلكترونية...وقس على ذلك من طوارئ هذا العصر الجديد : عصر الإنترنيت والهاتف والنقال وعجائب التقدم التكنولوجي عموما...فلماذا لا يتقارب فقهاء الشرع والقانون إذن؟ !!!
المبحث الثاني : دعوة للتواصل والتقارب والتفاعل بين فقهاء الشرع والقانون :
لا يسعنا في هذا الإطار إلا إلى أن نجدد دعواتنا إلى مزيد من التآخي والتراحم والتفاعل بين الباحثين في الشرع والقانون ونؤكد بأن السبيل إلى هذا خلق الانسجام والتلاقح المنشود بين الفريقين هو الدراسات المقارنة بين الشرع والقانون ، بحيث ينبغي لكل باحث في هذا المجال أن ينكب على المنهج المقارن ليكرمنا بدراسات وبحوث قيمة ويستنبط لنا أحكاما شرعية وقانونية تحقق المقاصد .
وليعلم الجميع بأن من أعظم الفقهاء عبر التاريخ هم الذين أكرمهم الله بالجمع بين الشرع والقانون ، من أمثال العلامة سيدي المكي الناصري ، والعلامة سيدي الغازي الحسيني ، والعلامة سيدي عبد الهادي بوطالب والعلامة سيدي محمد ابن معجوز والعلامة سيدي عبد الرزاق السنهوري.... والأمثلة كثيرة لصفوة من العلماء الذين أدركوا حلاوة الجمع بين الشرع والقانون ، والتكامل بين الأحكام الشرعية والقانونية.
ولا تفوتنا الإشارة إلى أنه ارتباطا بما سبق ومحاولة لربط أواصر التعاون والتقارب بين فقهاء الشرع والقانون برز في الساحة الالكترونية منبر إعلامي يحاول قدر المستطاع التقريب بين هذه الفئة من الباحثين نظرا لأهميته الكبرى في النهوض بأمتنا والمضي بها قدما إلى ركب التقدم والنماء ، ويدعى مجلة الفقه والقانون [6] ، وستعمل المجلة بإذن الله وقوته على مزيد من تفعيل التواصل والتفاعل بين الباحثين في الشرع والقانون من خلال نشر الدراسات المقارنة بين الشرع والقانون ومن خلال ربط أواصر التعارف والتفاعل والنقاش عبر هذا المنبر الإعلامي الإلكتروني وغير ذلك من سبل الاتصال الحديثة التي أكرمنا الله بها .
خاتمة :
وفي الختام نتمنى أن يقع الانسجام والتلاحم بين فقهاء الشرع والقانون لدرجة يصبح لنا فيها تشريع واحد يحقق المقاصد لا مجال للتمييز فيه بين ما هو فقهي وما هو قانوني ، وهذا ما أكده فضيلة لعلامة الدكتور سيدي أحمد العبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب عند إجابته على سؤال حول التكامل بين الفقه المالكي والقانون المغربي ، "بحيث أكد بأن التوصل إلى فقه شامل مستوعب متزن لاشك يقتضي عملا مستداما ومتجددا، ويمكننا من تجاوز ثنائية الفقه والقانون وذلك من خلال مؤسسات مؤهلة ومواكبة في مجتمعاتنا الإسلامية"[7].
جعلنا العلي القدير نحن معاشر الباحثين مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، آمين وما ذلك على الله بعزيز إليه المآب وهو على كل شيء قدير.
والحمد لله رب العالمين .
المصادر والمراجع المعتمدة :
- القرآن الكريم برواية ورش عن نافع .
- محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي ، صحيح البخاري دار ابن كثير سنة النشر: 1414هـ / 1993م .
- محمد بن علي الشوكاني ، نيل الأوطار دار الحديث سنة النشر 1413هـ/1993 الطبعة الأولى .
- عبد الوهاب خلاف ، علم أصول الفقه ، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع-الكويت- الطبعة الثانية عشرة .
- فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد ادريوش، أصول قانون الالتزامات والعقود، بحث في الأصول الفقهية والتاريخية، منشورات سلسلة المعرفة القانونية ، الطبعة الأولى ، 1996م .
- فضيلة الأستاذ عبد العزيز توفيق، قانون الالتزامات والعقود، مطبعة النجاح الجديدة ، 1418هـ - 1998م .
- فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الشيلح ، أصول قانون الالتزامات والعقود المغربي من زاوية واضعه وموضوعه، محاولة قراءة في ق.ل.ع.م من خلال سيرته، مقال منشور، بمجلة القانون والاقتصاد، العدد 5، السنة 1989م، ص: 76 .
- موقع الرابطة المحمدية للعلماء http://www.arrabita.ma/
الهوامش
[1] - صحيح البخاري ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ ، حديث رقم 9619 .
[2] - نيل الأوطار محمد بن علي الشوكاني دار الحديث، سنة النشر: 1413هـ/1993 رقم الطبعة: ط1 ، الجزء الخامس ص 399- 400.
[3] - سورة الأنبياء ، الآية : 107.
[4] - إن ما ينبغي تسجيله في هذا الصدد هو اختلاف الباحثين حول المصادر التاريخية التي تكون قانون الالتزامات والعقود المغربي ، بين كونه مستمدا من الفقه الإسلامي أو من القوانين الأوروبية وعلى رأسها القانون الفرنسي /- د.أحمد ادريوش، أصول قانون الالتزامات والعقود، بحث في الأصول الفقهية والتاريخية، منشورات سلسلة المعرفة القانونية ، ط1 ، 1996م، ص: 10.
والحقيقة وبغض النظر عن هذا الخلاف الفقهي فلاشك أن الباحث الممحص في النوازل الفقهية المالكية والحنفية على وجه الخصوص ، وفصول قانون )ل.ع.م( سيكتشف بالدليل الدامغ ، بأن هناك بعض الفصول قد أخذت طبق الأصل من الفقهين المالكي والحنفي ، هذا فضلا عن أن بعض الباحثين المغاربة في الأصول التاريخية لقانون )ل.ع. م( أكدوا من خلال بحوثهم القيمة وجود أثر واضح للفقهين المالكي والحنفي بهذا القانون، ومن بينهم على سبيل المثال لا الحصر الأستاذ عبد العزيز توفيق ، والدكتور محمد الشيلح...ومن بين مصادر الفقه المالكي التي اعتمدت في صياغة بعض فصول ق.ل.ع.م (مختصر خليل ، البهجة في شرح التحفة للتسولي ، تبصرة الحكام لابن فرحون ...) أما من بين مصادر الفقه الحنفي التي اعتمدت في صياغة ق.ل.ع.م ( الأشباه والنظائر لابن نجيم ، مرشد الحيران لقدري باشا ، الفتاوى الهندية للحصكفي ، مجلة الأحكام العدلية لعلي حيدر ...)/ عبد العزيز توفيق، قانون الالتزامات والعقود، مطبعة النجاح الجديدة ، 1418هـ - 1998م ، ص: 7-8 .
إلا أن أستاذنا الدكتور محمد الشيلح اعتبر من خلال دراساته الإحصائية الدقيقة لنسبة تأثير القوانين في )ق.ل.ع.م( بأن القانون الفرنسي هو الذي يحتل الرتبة الأولى في نسبة تأثر (ق.ل.ع.م) به ، وذلك بالمقارنة مع القوانين الأوروبية العادية الأخرى من جهة والفقه الإسلامي من جهة أخرى . / د.محمد الشيلح ، أصول قانون الالتزامات والعقود المغربي من زاوية واضعه وموضوعه، محاولة قراءة في ق.ل.ع.م من خلال سيرته، مقال منشور، بمجلة القانون والاقتصاد، العدد 5، السنة 1989م، ص: 76 .
والحقيقة وبغض النظر عن هذا الخلاف الفقهي فلاشك أن الباحث الممحص في النوازل الفقهية المالكية والحنفية على وجه الخصوص ، وفصول قانون )ل.ع.م( سيكتشف بالدليل الدامغ ، بأن هناك بعض الفصول قد أخذت طبق الأصل من الفقهين المالكي والحنفي ، هذا فضلا عن أن بعض الباحثين المغاربة في الأصول التاريخية لقانون )ل.ع. م( أكدوا من خلال بحوثهم القيمة وجود أثر واضح للفقهين المالكي والحنفي بهذا القانون، ومن بينهم على سبيل المثال لا الحصر الأستاذ عبد العزيز توفيق ، والدكتور محمد الشيلح...ومن بين مصادر الفقه المالكي التي اعتمدت في صياغة بعض فصول ق.ل.ع.م (مختصر خليل ، البهجة في شرح التحفة للتسولي ، تبصرة الحكام لابن فرحون ...) أما من بين مصادر الفقه الحنفي التي اعتمدت في صياغة ق.ل.ع.م ( الأشباه والنظائر لابن نجيم ، مرشد الحيران لقدري باشا ، الفتاوى الهندية للحصكفي ، مجلة الأحكام العدلية لعلي حيدر ...)/ عبد العزيز توفيق، قانون الالتزامات والعقود، مطبعة النجاح الجديدة ، 1418هـ - 1998م ، ص: 7-8 .
إلا أن أستاذنا الدكتور محمد الشيلح اعتبر من خلال دراساته الإحصائية الدقيقة لنسبة تأثير القوانين في )ق.ل.ع.م( بأن القانون الفرنسي هو الذي يحتل الرتبة الأولى في نسبة تأثر (ق.ل.ع.م) به ، وذلك بالمقارنة مع القوانين الأوروبية العادية الأخرى من جهة والفقه الإسلامي من جهة أخرى . / د.محمد الشيلح ، أصول قانون الالتزامات والعقود المغربي من زاوية واضعه وموضوعه، محاولة قراءة في ق.ل.ع.م من خلال سيرته، مقال منشور، بمجلة القانون والاقتصاد، العدد 5، السنة 1989م، ص: 76 .
[5] - المصلحة المرسلة أي المطلقة، في اصطلاح الأصوليين : المصلحة التي لم يشرع الشارع حكما لتحقيقها، ولم يدل دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها. وسميت مطلقة لأنها لم تقيد بدليل اعتبار أو دليل إلغاء. ومثالها المصلحة التي شرّع لأجلها الصحابة اتخاذ السجون، أو ضرب النقود، أو إبقاء الأرض الزراعية التي فتحوها في أيدي أهليها ووضع الخراج عليها، أو غير ذلك من المصالح التي اقتضتها الضرورات، أو الحاجات أو التحسينات ولم تشرع أحكام لها، ولم يشهد شاهد شرعي باعتبارها أو إلغائها. وتوضيح هذا التعريف: أن تشريع الأحكام ما قصد به إلا تحقيق مصالح الناس، أي جلب نفع لهم أو دفع ضرر أو رفع حرج عنهم، وأن مصالح الناس لا تنحصر جزئياتها، ولا تتناهى أفرادها وأنها تتجدد بتجدد أحوال الناس وتتطور باختلاف البيئات. وتشريع الحكم قد يجلب نفعا في زمن وضررا في آخر، وفي الزمن الواحد قد يجلب الحكم نفعا في بيئة ويجلب ضررا في بيئة أخرى./ عبد الوهاب خلاف ، علم أصول الفقه ، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع-الكويت- الطبعة الثانية عشرة- الصفحة84/ وعليه وحسب التعريف السابق سنجد العديد من الأحكام القانونية تحقق المصالح والمقاصد ولا تناقض الشرع الحنيف ، وبالتالي سيكون هناك تكامل بين أحكام الشرع والقانون.
[6] - مجلة الفقه والقانون : مجلة مغربية تعنى بخلق التواصل بين الباحثين في الشرع والقانون ونشر دراسات فقهية وقانونية ومقارنة بين الفقه والقانون ، المدير المسؤول : الدكتور صلاح الدين دكداك عنوانها الإلكتروني : http://www.majalah-droit.ici.st/