MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




في محاولة لاستقراء إرهاصات الحراك السياسي والاجتماعي العربي

     

ذ، عادلة الوردي
باحثة في القانون
سلك الدكتوراه



في محاولة لاستقراء إرهاصات الحراك السياسي والاجتماعي العربي
تقديم

تشهد المنطقة العربية حركة غريبة لم نعتدها في شارعنا العربي وتحولا هاما وكبيرا لم يحدث منذ عقود. جاء هذا التحول على شكل ثورات لإسقاط الأنظمة الديكتاتورية والمطالبة بتحولات وتغييرات دستورية وتشريعية كأساس لحياة ديمقراطية تشارك فيها الشعوب في إدارة مصالحها تحت ظل وضع مستقر وحر يطبعه جو العدالة والمساواة داخل البلد الواحد.

حملت هذه الثورات شعار" الشعب يريد إسقاط النظام" " الشعب يريد إسقاط الفساد". فقد أدرك الشعب أخيرا أن الكلمة العليا لم تعد للحاكم بل اليوم أصبحت للشعب كلمته وإرادته. الأمر الذي جعل المتتبعين يطلقون على هذه الثورات " ربيع العالم العربي المعاصر".

لهذا الربيع أسباب ودوافع أدت إلى بروز ونمو زهراته (المحور الأول)، لكن كيف سيكتمل إزهار هذا الربيع (محور الثاني).

المحور الأول: أسباب الحراك السياسي والاجتماعي في العالم العربي

إن ما يشهده العالم العربي اليوم من ثورات وانتفاضات ما هو إلا نتيجة مباشرة لمجموعة من السلوكات والأخلاقيات التي أفرزتها النظم الديكتاتورية، وقد تعددت الأسباب وتباينت الدوافع التي جعلت الشباب يفكر في اللجوء إلى هذه الثورات كطريقة للمطالبة بحقه المشروع في حياة كريمة، بعيدا عن حياة الذل والمهانة التي تعود عليها في ظل الأنظمة المستبدة التي تحكمه.
فما هي أهم الأسباب التي كانت وراء هذه الانتفاضات الشعبية البيضاء؟

الفقرة الأولى: سياسة داخلية فاشلة

أولى أسباب هذا الحراك الشعبي يرجع إلى السياسة الداخلية لهذه البلدان التي قادت الشعب إلى ما تحت خط الفقر، وأفرزت تقسيمه إلى طبقتين، طبقة تعيش برخاء وترف وبذخ وأخرى تعيش الحرمان والعوز والحاجة، وبالتالي تغيب الطبقة الوسطى التي تتيح إمكانيات التوازن الاجتماعي، مما يعني أن سياسة هذه الدول سياسة غير عادلة تقوم على عدم العدل في توزيع المال العام بين الشعب، لتكون معه الثورة رد فعل طبيعي على السياسة الداخلية الفاشلة للبلاد.
ويكمن السبب الجوهري لسوء سياسة هذه البلدان الداخلية في ضعف الأنظمة الحاكمة وعجزها عن الخروج من حالة التخلف وتزايد الممارسات الديكتاتورية في العالم العربي، مما ترتب عنها تراجع الحريات والعدالة وسوء العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بين الشعب والنظام.

الفقرة الثانية: العولمة وتكريس الهوة السوسيو اقتصادية

كما أن نشوب هذه الثورات البيضاء جاء كنتيجة طبيعية للعولمة، فهذه الأخيرة بما تفترضه من فتح للأسواق وتحرير للمبادلات، وفتح الأسواق بما يتطلبه من احترام والتزام لمعايير السوق الدقيقة والقابلة للقياس وأولها الشفافية، لا تتناسب مع أهداف الأنظمة الديكتاتورية – التي ترعاها بطبيعة الحال القوى العظمى - من تكريس للمحسوبية، الرشوة والزبونية، الأمر الذي يضر بصحة وسلامة قواعد السوق، ومنه اتساع الهوة بين الحد الأدنى للدخل والحد الأقصى ومظاهر البذخ والترف غير العادي لدى الطبقة الارستقراطية المتحكمة في السوق مقابل تدني أوضاع غالبية الشعب التي تعيش دون حد أدنى من شروط الحياة الكريمة، مما يؤدي إلى نشوب أسباب الانفجار.

الفقرة الثالثة: الوسائط الإعلامية وتنامي الوعي السياسي

وبالحديث عن أسباب الثورات لا يمكن أن نغفل دور وسائل الإعلام والاتصال في إشعال هذه الثورات وإعطائها زخما عالميا ما جعل الحراك يتمتع بشرعية شعبية وإنسانية، فالعديد من الشبكات كالفيسبوك وتويتر واليوتيوب تحولت من مجرد شبكات وقنوات للتواصل الاجتماعي إلى فضاء سياسي مستقل مفتوح وآمن، بل إن هذه الوسائل مكنت المواطن من سهولة الولوج إلى المعلومات حتى ذات الطابع السري مما ساعد على تنامي الوعي السياسي لدى الشباب.

أسباب متعددة ومتداخلة لهذا الحراك، مباشرة وغير مباشرة، من استبداد سياسي وتجاهل خطير لمطالب الشعوب العربية من قبل حكامها، الفقر، أنظمة فاسدة، نهب المال العام، شعور المواطن العربي بالاحتقار والمهانة كلها عوامل أدت إلى احتقان مشاعر الشعوب وتجسدت صور هذا الاحتقان في هذا الحراك الذي قادته القاعدة الشعبية.

المحور الثاني: ما بعد الثورات...ربيع أم خريف عربي؟

الشعار الذي رفع خلال الثورات التي شهدها ولا زال العالم العربي هو إسقاط الأنظمة ورفع الظلم والفساد، مع التأكيد دائما على حب الوطن والتشبت بقيم المواطنة الحقة، الأمر الذي جعل هذه الثورات تقوم على قيم الحرية والديمقراطية والمطالب الاجتماعية والإصلاحات السياسية ومحاسبة المفسدين وهدم الهوة بين الطبقات المتسلطة وعامة الشعب.
أما ما بعد الثورة، وماذا حققت الشعوب الثائرة، فإن قراءة وتقييم النتائج تتطلب المزيد من الوقت، غير أنه وبرؤية أولية وقراءة استباقية للمؤشرات المتاحة يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات:

الفقرة الأولى: سيناريو يرسم ملامح جديدة للعالم العربي.

هو أن يتم جني ثمار هذه الثورات التي تنعكس على إعادة بناء منظومة القيم والأخلاقيات والمبادئ والعمل والإنتاج والقضاء على الديكتاتوريات ومن تم تحقيق مطالب الشعب بإقامة نظام قائم على ديمقراطية حقيقية أساسها انتخابات حرة ونزيهة، تسفر على حاكم يختاره الشعب بشكل حر ودون خوف وتردد وذلك وفق أحكام ومبادئ عقد اجتماعي جديد يمحدد التزامات ومسؤوليات كل طرف، على أمل العيش بسلام بدون طغاة يحكمون واستبداد للشعوب. وهذا السيناريو يتطلب ضرورة الدعم الأجنبي. فإذا تحقق هذا السيناريو فسوف ترتسم ملامح جديدة للعالم العربي وعلى رأسها وضوح العلاقة بين أنظمة الحكم غير الشرعية وبين الشعوب العربية، حيث سيكون للمشهد الدولي والإقليمي ملامح رسمها الشارع العربي.

الفقرة الثانية: سيناريو الفوضى

هو استمرار الفوضى والصراعات الطائفية وربما يتطور الأمر إلى حروب أهلية، وهذا سيكون معطى طبيعي إذا لم يكن المجتمع واع بأن تحقيق النتائج التي تطالب بها الثورة يتطلب وقتا ليس بالهين، حيث على الشعب أن يعطي فرصة ووقت كاف لمن وقع عليهم الاختيار لتسيير الشأن العام حتى يمكن تقييم ما تحقق من نتائج تقييما موضوعيا في ظل وعي تام بالإكراهات والصعوبات المطروحة وما تفرضه من حدود على فعالية الأداء السياسي.
الفقرة الثالثة: سيناريو إعادة إنتاج الديكتاتورية

وهو الرجوع إلى نقطة الصفر، وبالعودة إلى نقطة البدء لن تتحقق أية نتائج سوى إعادة إنتاج الديكتاتورية، وهنا ستكون هذه البلدان قد خسرت مرحلة تاريخية كان بالإمكان استغلالها في تطوير وتنمية أوضاعها وقد فاتها الركب الحضاري.

كانت هذه أهم السيناريوهات التي يمكن أن تفرزها الثورات التي قادها ويقودها الشباب العربي، وخلال المرحلة الآنية - أي مرحلة ما بعد الثورة وما قبل الاستقرار- يجب على الشباب العربي الباسل الذي أشعل فتيل هذا الحراك وفعل ما لم يستطيع أن تفعله أجيال سبقته، أن يثور ثورة أخرى إلى جانب ثورته البيضاء هاته وهي أن يثور على نفسه كذلك ويحاول إصلاح ما به من عيوب ونواقص ويربي نفسه على ضرورة الالتزام بمبادئ المواطنة، وأن يكون واع بأن الخسارة ستكون خسارة ذاتية داخلية خاصة في وجود قوى تتحين الفرصة للاستفادة من كافة السيناريوهات المحتملة.

خاتمة

كيفما كانت السيناريوهات، فقد نجح الشباب العربي، نجح في تكسير حاجز الخوف وأثبتت الشعوب أنها قادرة على التغيير وأخرى أثبتت أنها قادرة على الأقل على المطالبة بالتغيير، ووضعت القوى السياسية وفعاليات المجتمع المدني في مواجهة ضعفها التاريخي عن الاضطلاع بالدور التأطيري المنوط بها.


تاريخ التوصل: 27يوليوز2011
تاريخ النشر: 28يوليوز2011



الاربعاء 27 يوليوز 2011
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter