MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




قراءة في الخطاب الملكي "حول جاهزية ميثاق إصلاح المنظومة القضائية " وخيارات نادي قضاة المغرب بقلم الأستاذ عبد الله الكرجي عضو مؤسس لنادي قضاة المغرب

     



قراءة في الخطاب الملكي "حول جاهزية ميثاق إصلاح المنظومة القضائية " وخيارات نادي قضاة المغرب بقلم  الأستاذ عبد الله الكرجي عضو مؤسس لنادي قضاة المغرب
 
 
 
 
     توطئــــة:

      تضمن الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الرابعة عشر لعيد العرش إشارات شاملة عن مختلف جوانب الدولة الداخلية والخارجية، العمودية والأفقية، القطاعية والإستراتيجية،  الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية ، بشكل يجعل أي راغب بتتبع شؤون المغرب يكتفي وينطفؤ ظمؤه حين يقرأ مضامينه ويغترف من معين ما حواه من خلال جولته على مختلف المنجزات؛ خاصة الأوراش والإصلاحات السياسية والمؤسساتية .

    فيكون بذلك هذا الخطاب "خطاب الحقيقة"،  خطاب واع بل ومحتضن للمشروع المجتمعي كحلقة متراصة ، يعكس تصور الملك لهندسة الدولة مذكرا بسمو العرش وكونه المؤتمن على قيادة الشعب، وأن هذا الأخير مبايع له ولتقلده هذه القيادة وفق التقاليد المرعية؛ والتي يضيف إليها عبارة "حكومتنا"  بين الفينة والأخرى، في وقت عجزت هذه الأخيرة عن الإبقاء على تماسكها، كما عجز كافة من يفترض ممارستهم سلطة تنفيذية في ظل دستور جديد عن قلب موازين القوى لصالحهم من أجل تشاركية ديمقراطية ودستورية في تدبير السياسة العمومية .

    كما تضمن الخطاب الملكي 2089 كلمة ، تشكل لفظة "شعبي العزيز" رابطا بين مواضيعها ، موثرا رصد فقرة ونصف لتلخيص انتظارات مجتمع كامل من الحوار الوطني حول إصلاح العدالة؛  قائلا : " شعبي العزيز ..ما فتئنا منذ تولينا أمانة قيادتك، نضع إصلاح القضاء، وتخليقه وعصرنته، وترسيخ استقلاله، في صلب اهتماماتنا، ليس فقط لإحقاق الحقوق ورفع المظالم ، وإنما أيضا لتوفير مناخ الثقة، كمحفز على التنمية والاستثمار؛ وفي هذا الصدد، نسجل بارتياح التوصل إلى ميثاق لإصلاح المنظومة القضائية، حيث توافرت له كل الظروف الملائمة، ومن ثم، فإنه يجب أن نتجند جميعا، من أجل إيصال هذا الإصلاح الهام، إلى محطته النهائية.

    ومهما تكن أهمية هذا الإصلاح، وما عبأنا له من نصوص تنظيمية، وآليات فعالة، فسيظل “الضمير المسؤول” للفاعلين فيه، هو المحك الحقيقي لإصلاحه، بل وقوام نجاح هذا القطاع برمته ".. انتهى النطق الملكي.

  ولعل ما يثير الانتباه هو عبارة ، نسجل بارتياح التوصل إلى ميثاق لإصلاح المنظومة القضائية ..."، فهل تعني كلمة "الارتياح الملكي" لما تضمنه هذا الميثاق (أو التوصيات) كون هذه الأخيرة نهائية غير قابلة لأي نقاش، أو احتجاج إن اقتضى الأمر؟؟؟  سيما وقد لا ترقى في بعض جزئياتها الهامة إلى طموح بعض الفاعلين في منظومة العدالة؟؟؟
   نطرح هذا السؤال ليس من جانب حقوقي فقط ، بل من الناحية القانونية ، كذلك؛ طالما أن هذه التوصيات ستتبلور ـــ إن لم تكن قد بلورت ـــ إلى مشاريع نصوص قانونية، والتي في حاجة إلى قناة مصادقة وهي البرلمان .

    فهل يمكن القول أن مشاريع النصوص القانونية حول إصلاح العدالة لها خصوصياتها؛ إذ عينت بصددها لجنة ملكية، وصلت إلى توافق مختلف المعنيين بحقل العدالة بالمغرب، مما يلغي مسألة المناقشة والتعديل من قبل البرلمان ؟؟؟

  يتعين للوقوف على ذلك ، مناقشة ــ بداءة ـــ مدى نهائية ميثاق إصلاح المنظومة القضائية (أولا)، ليتسنى لنا طرح خيارات نادي قضاة المغرب على ضوء ذلك (ثانيا) .

 أولا: مناقشة مدى نهائية ميثاق إصلاح المنظومة القضائية

    إن مناقشة مدى نهائية ميثاق إصلاح المنظومة القضائية ووضع هذا الرأي في الميزان؛ يجبرنا على الوقوف عند الطبيعة القانونية للخطابات الملكية من جهة (1) ، ثم النبش في طريقة تدبير عمل وسريان الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة للوقوف على صحة القول بكون ما تم التوصل إليه يشكل توافقا بين مكونات المجتمع المغربي من عدمه؟؟؟ من جهة أخرى (2 ) .

1ـ  الطبيعة  القانونية للخطابات الملكية :

    تقوم الملكية بوظيفتها بالمغرب بناء على: "بيعة الإمامة الشرعية الموصولة بما سبقها على امتداد أزيد من اثني عشر قرنا موثقة السند بكتاب الله ورسوله الكريم ومشدودة العرى إلى الدستور المغربي" ؛ وفق ماجاء بخطاب الملك محمد السادس في 20 غشت 1999.

   وبتوظيف الدلالات الدينية والمضامين الثيولوجية من طرف المؤسسة الملكية، وباستحضار مضامين كافة الدساتير منذ دستور 1962 وتعديلاته خلال سنوات 1970 و 1972 و1980 و1992 و 1996؛ نخلص إلى أنه تم إيجازها في الفصل التاسع عشر من الدستور السالف، الذي ينص على أن: "الملك هو أمير  المؤمنين والممثل الأسمى للأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة ".

    وتتمظهر ممارسة الإمامة ، داخل خطاب الإصلاح ، من خلال الاستناد على المرجعية الدينية بإنهاء بعض الخطب الملكية بالآيات القرآنية "إن أريد الإصلاح ما استعطت وما توفيقي  إلا بالله" (الخطاب الملكي بتاريخ 12 أكتوبر 1999 والخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش 30 يوليوز 2000 ) ، أو التذكير في إحدى الحوارات الصحفية التي أجراها الملك  محمد السادس بأن مهمته كملك تجعل منه "الخديم الأول للمغاربة" (الحوار الصحفي الذي  خص به الملك أسبوعية "باري ماتش" 13 / 10 / 2001 ) .

    ويستمر نفس الخطاب بين ما جاء على لسان الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله حين اعتبر أنه: "إذا كانت الملكية الدستورية تعني عادة نظاما يسود فيه الملك ولا يحكم، فإن خصوصيات المغرب تجعل وجود ملكية يسود فيها الملك ويحكم ضرورة حتمية .. فالشعب المغربي لا يستطيع أن يفهم كيف يمكن أن يكون ملك ولا يحكم، فلكي يستطيع الشعب أن يعيش، وتكون الدولة محكومة، يجب أن يعمل الملك وأن يأخذ بين يديه سلطاته ويتحمل مسؤوليته... فالدستور لا ينشئ مؤسسة جديدة، وإنما يقرها استمرارا للتاريخ، على عكس المؤسسات الأخرى التي يمكن اعتبارها من صنع الدستور"  ("التحدي" المطبعة الملكية، ط 2، 1983)، وبين ما جاء على لسان الملك محمد السادس حين أجاب عن سؤال لصحفي جريدة "إيل باييس" بتاريخ 16/01/ 2000 حول ماذا كان من الممكن تصور أن يصبح المغرب ملكية برلمانية، معتبرا أنه لا يعني نقل نموذج أنظمة الملكيات الأوروبية، فـ "للمغرب خصوصياته والتزاماته ".

   وبعد استعراضنا الموجز لطبيعة الملكية المغربية تاريخيا، نرى مناقشة هذه الخصوصية على ضوء المستجدات الدستورية والتي كان للملك دور في إقرارها عبر لجنة ملكية عينها هو نفسه؛ وهكذا  نلحظ:

 ــ دسترة الديمقراطية كثابت من ثوابت الأمة (الفصل الأول من دستور2011) ، وإضفاء الطابع البرلماني في توصيف نظام الحكم ؛ فإذا كان الفصل الأول من الدستور المنسوخ ينص على أن : "نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية واجتماعية" ، فإن نظيره من دستور 2011 ينص على أن: "نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية، دستورية، ديمقراطية وبرلمانية" ؛

ــ تحديد وظائف المؤسسة الملكية، عن طريق الفصل بين:

     ــ إمارة المؤمنين (الفصل 41 من دستور 2011 ) ؛

     ــ ورئاسة الدولة (الفصل 42 من دستور 2011) ، عكس ما كان عليه الأمر في الفصل 19 من الدستور المنسوخ من جمع بينهما ؛

وبالتالي فالملك:

ــ لم يعد يتولى التشريع المباشر، كما أن ظهائره قابلة للطعن ؛

ــ ولم يعد الممثل الأسمى للأمة (الفصل 19 من الدستور المنسوخ) ، بل للدولة (الفصل 42 من دستور 2011 ) ؛

ــ ولم يعد شخصا مقدسا( الفصل 23 من الدستور المنسوخ)، بل مواطنا يحظى بالإحترام الواجب لشخصه، ولمكانته في هرم سلطة الدولة (الفصل 46 من دستور 2011).

 
2 ــ مناقشة منهجية وطريقة تدبير مراحل الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة:

   سجلنا ملاحظات على منهجية  هذا الحوار منذ إعلانه ، كما رصدنا إخلالات من الجهة الساهرة عليه عند تتبعنا لمساره ؛ ونلخصها في:

  ـــ كون الجهة التي تسهر عليه ، وهي وزارة العدل، قد تم رفع يدها عن السلطة القضائية بنص الدستور؛ على الرغم من النقاش الدائر حول مدى استقلال النيابة عنها؛ مما يجعلها خصما لمن ينتصر لرأي استقلال النيابة عنها ، وحكما بالنظر لكونها من سيسهر على إعداد التوصيات وبالتالي القوانين التنظيمية في النهاية ؛

   ــ طبيعة اللجنة العليا المعينة لإصلاح منظومة العدالة؛ إذ في مجملها تابعة للسلطة التنفيذية ، فلا يمثل القضاة سوى أشخاص معدودين (الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام لديها ورئيس الودادية الحسنية للقضاة... )؛ إذ لا يمكن اعتبار مدراء وزارة العدل أو رئيس ديوان وزير العدل ممثلين للقضاة رغم صفتهم القضائية ، طالما أنهم يمثلون السلطة التنفيذية مجسدة في وزارة العدل ؛
ــ الجذل الذي ثار بشأن طريقة تسيير وزارة العدل لندوات الحوار، والتي غلب عليها المنطق الولائمي ، وتوجيه مواضيع الحوار بشكل نظري يبرز عدم القدرة على الولوج في التفاصيل العملية اتقاء عدم إيقاظ الشيطان؛ طالما أنه: " في التفاصيل يكمن الشيطان"، ويبرز هذا التوجيه للندوات من خلال المواضيع الخلافية  الكبرى ؛ ونذكر هنا بالخلاف الذي شب بين القاضي الأستاذ عبد السلام العيماني وكيل الملك لدى ابتدائية الرباط وعضو المجلس الأعلى للقضاء وبين السيد وزير العدل والحريات مصطفى الرميد؛ هذا الأخير طلب من الأول بعد إنهائه عرضه الذي ذهب من خلاله إلى وجوب استقلالية النيابة العامة ، أن يلقي عرضا آخر يذهب إلى تبعيتها لوزير العدل، فرفض لعدم اقتناعه بذلك؛ ليثور خلاف وصل صداه مسامع الصحف.

  ـــ إقصاء مكونات هامة لقطاع العدالة من تركيبة اللجنة العليا، خاصة جهاز كتابة الضبط الذي يمثل قطب الرحى في صناعة العدالة ، والشأن نفسه بالنسبة لنادي قضاة المغرب الذي يمثل ثلة هامة من خيرة قضاة المملكة، ناهيك عن انسحاب بعض مكونات العدالة بدءا بنادي قضاة المغرب الذي رفض المشاركة منذ البداية، لتحذو حذوه العديد من مكونات العدالة بالمغرب .

   يبدو بذلك أن ما سينجم عن هذا الحوار لا يمكن أن يعكس ، بذلك، طموحات كافة الفاعلين في قطاع العدالة؛ مما يهدم فكرة نهائية ما ضمن بالتوصيات أو الميثاق الناجم عنه .

ثانيا: خيارات نادي قضاة المغرب

   إذا ثبت ما سبق ؛ وبالنظر لما شاب الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة ، وفي ظل ملكية برلمانية، فإنه لا يمكن إلغاء القنوات القانونية لمرور النصوص المتعلقة بمنظومة العدالة؛ إذ يقتضي الأمر مصادقة أولى وثانية ، تتخللها مناقشات لجانية ، ناهيك عن الإحالة على المحكمة الدستورية، بل ومكنة الطعن في الدستورية؛ فتكون بذلك الخيارات المتاحة أمام نادي قضاة المغرب عديدة خلال هذه الفترة الهامة، والتي من شأنها تصحيح ما خلفه مسار الحوار من اختلالات ؛ ونوجز ذلك في شكلين اثنين؛ وهما:

1ــ الانفتاح على كافة الفاعلين في مجال التشريع:

   تعامل واضعي الدستور المغربي الجديد بمنطق المثل القائل "كم حاجة قضيناها بتركها"؛ فهم قد تركوا العديد من النقط الخلافية الكبرى لتوافقات مكونات المجتمع من فاعلين حقوقيين وجمعويين وكافة المتدخلين في منظومة العدالة .

   وعليه فإن تنزيل الحقوق المضمونة دستوريا من قبيل " القضاء سلطة ومستقلة" لا يمكن أن نجعل قوانينه التنظيمية بيد السلطتين التنفيذية والتشريعية ، كما لا يمكن أن يشكل ذلك تدخلا في اختصاصات السلطتين المذكورتين؛ إذ الأمر يتعلق بقوانين تنظيمية فضلا عما ذهب إليه واضعي هذا الدستور في الفصل 14 من دسترة للأسلوب التشاركي للمواطنين في صياغة القانون .

   وبالنظر لما أصبح يحويه البرلمان المغربي بغرفتيه من كفاءات عديدة في المجال القانوني؛ فإننا نرى وجوب الانفتاح عليها من قبل نادي قضاة المغرب بهدف تسويق فكره ؛ عبر لقاءات وندوات بمعية برلمانيين ورؤساء لجن ومختلف الفاعلين، دون الإغفال عن دور الكتابات التأصيلية التي تتميز بها أقلام أعضائه للتعريف بمضامين مذكرته وملفه المطلبي، والمنطلقات الحقوقية والكونية التقعيدية لذلك ؛ وذلك عبر الصحف المكتوبة والالكترونية وكافة وسائل الإعلام .

     ولعل طرحنا لوسائل الإعلام نابع من الدور الكبير الذي تلعبه في التأثير على الرأي العام سيما ما يتعلق بالحراك، إذ أن نسبة كبيرة من الجمهور العريض تعتمدها كمصدر للمعلومة ، فإذا كان صحيحا أن الإعلام وحده لا يصنع التغيير إذ التغيير هو نتاج إرادة عامة يحركها دافع الناس الطبيعي نحوه ، إلا أن الإعلام هو أداة هامة في عهد الربيع القضائي من مجموعة أدوات لتحقيق ذلك ، وكما قال يوما ميشيل فوكو: "الثورة الإيرانية انتشرت بشريط الكاسيت" وبالتالي فهو لم يقل إن شريط الكاسيت (الذي كان في حينه إعلاما بديلا) هو الذي صنع الثورة ؛ إلا أننا نقول إن فكر التغيير دون وسائل الإعلام قد يبقى محصورا في نطاقه المناطقي الضيق .
 
 2ــ الاحتجاج : 

ينص الفصل 111 من الدستور على أنه:

" للقضاة الحق في التعبير ...
يمكن للقضاة الانتماء إلى جمعيات، او إنشاء جمعيات مهنية ..."

  ومن خلال جمعيتنا "نادي قضاة المغرب" فإننا أرجأنا الاحتجاج إلى ما بعد انتهاء الحوار الوطني الذي أطلقه ملك البلاد؛ والذي أعطى توجيهاته الكبرى من خلال ما جاء في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية التاسعة يوم الجمعة 12 أكتوبر من سنة 2012 بقوله: "أما الإصلاح القضائي، فاعتبارا لبعده الاستراتيجي فإنه يتعين فيما يرجع إلى مهمة البرلمان اعتماد القوانين التنظيمية الخاصة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة. وهنا نود  مجددا أن ندعوكم إلى الالتزام الدقيق بروح ومنطوق مقتضيات الدستور المتعلقة بالسلطة القضائية كما نحث الهيئة العليا للحوار حول إصلاح المنظومة القضائية على أن تجعل من استقلاليته الحجر الأساس ضمن توصياتها..." . خاتما حديثه عن وجوب وضع قوانين تنظيمية بعبارة : "بعيدا عن الأحكام الجاهزة والحسابات الضيقة" .

   ويضفي الخطاب الرسمي طبيعة جماعية وتوافقية على أي مشروع يطلقه الملك تحت عبارة " إنه مشروع الملك" ؛ وهو غير قابل للنقاش أو للمناقشة أو للمحاسبة، وما على باقي الفاعلين الثانويين سوى العمل على تطبيقه والاجتهاد في حسن تأويله وتجسيده.

   وهكذا فإن المقرر دوما أنه إذا نجح  أي مشروع أطلقه الملك ، إن كلا أو بعضا، فالفضل في ذلك يعود بالدرجة الأولى له لكونه هو من سطر الأهداف والغايات، أما إذا لم يقدر لمشروع ما أقره ملك البلاد التحقق أو اعترضت سبيله عوائق ، فإن المسؤولية تقع على الهيئات والمؤسسات التي قد تكون، في هذه الحالة، حادت عن التوجهات الملكية أو أنها لم تجتهد في تطبيقها على الوجه المطلوب .

  وسيرا على نفس الفهم ، فإذا أعدمنا الوسيلة الفكرية لإيصال مطالبنا لن يبقى أمامنا إلا "أبغض الحلال لدينا" والذي أرجأناه إلى حين انتهاء الحوار الوطني حول إصلاح العدالة الذي أطلقه الملك ، فلم نترك لمن أفشلوا الحوار حجة علينا ؛ وهو سلوك الأشكال الإحتجاجية التي أقرها المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب ليوم 05 ــ 05 ــ 2012 .

أليس الاحتجاج واحدا من وسائل التعبير وإبداء الرأي الأربعة المتمثلة : في وسائل فردية ووسائل جماعية، ووسائل شفهية وأخرى مكتوبة ؟؟؟ وكلنا يتذكر احتجاج القضاة بفرنسا؛ حين أعلنوا سنة 2011 حركة احتجاج غير مسبوقة مع تأجيل كل الجلسات حتى التعبئة الوطنية ، بسبب انتقادات ساقها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بعد مقتل شابة فرنسية، محملا القضاة ورجال الشرطة مسؤولية مقتل 
الشابة  الفرنسية "ليتيسيا" التي عثر على جثتها مقطعة ومرتكب الجريمة شخص من أصحاب السوابق؛ وأعرب اتحاد نقابات القضاة في فرنسا  عن أسفه "لكون رئيس الدولة ومرة جديدة بداعي الغوغائية والشعبوية، يستخف بالقضاة" . فدخلت ، إثر ذلك ، المحاكم الفرنسية إضرابا عن العمل تضامنا مع القضاة في مدينة "نانت" غرب البلاد .

وبمصر ؛ حين اعتزم مجلس الشورى (السلطة التشريعية) خلال السنة الجارية مواصلة مناقشة مشروع قانون جديد للسلطة القضائية عم غضب وسط القضاة بعد أن كان الملف قد شهد بعض الانفراج عقب إعلان رئاسة الجمهورية عن تنظيم "مؤتمر للعدالة" يتولى صياغة مقترحات بشأن تعديل القانون . فأعلن مجلس القضاء الأعلى في اجتماع طارىء تأجيل الأعمال التحضيرية لمؤتمر العدالة الثاني، لحين "وضوح الرؤية في ما هو معروض على مجلس الشورى من تحديد جلسة لمناقشة تعديل قانون السلطة القضائية" ، وأشار المجلس في بيان له عقب الاجتماع  إلى أنه استعرض ما يدور بمجلس الشورى من استمرار عرض المقترحات الخاصة بتعديل قانون السلطة القضائية، وتحديد جلسة عاجلة لنظره "بما يتعارض مع مقتضيات انعقاد مؤتمر العدالة" ، وأوضح أن قراره بتعليق الأعمال التحضيرية لمؤتمر العدالة جاء في أعقاب الاتصال والتشاور مع رؤساء الهيئات القضائية المختلفة؛ وهي المحكمة الدستورية العليا، ومجلس الدولة، وهيئة قضايا الدولة  وهيئة النيابة الإدارية. ومن جهته أعلن "نادي قضاة مصر" مقاطعته التامة لمؤتمر العدالة الثاني المزمع عقده وعدم المشاركة في فعالياته حال انعقاده بأي صورة من الصور،  وهكذا فقد توافد العديد من رجال القضاء على نادي القضاة بشارع شامبليون بالقاهرة، للاعتصام داخل النادي احتجاجا على مشروع قانون السلطة القضائية .

  وأكد المستشارون أن ذلك الاعتصام هو بداية لبعض الخطوات التصعيدية التى سيتم اتخاذها من أجل وقف مناقشة مشروع السلطة القضائية من قبل مجلس الشورى ؛ لأن ذلك يمثل تحديا لإرادة القضاة وعدوانا عليهم بالمخالفة للدستور والقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها مصر.

  وقال المستشار محمد عبد الهادى" وكيل اللجنة الإعلامية لنادى القضاة" فى تصريحات لـ''مصراوي''، أن اعتصام القضاة هو تعبير عن اعتراضهم على ما يدبر ضد السلطة القضائية نتيجة محاولة تمرير تشريعات مشبوهة تهدف إلى إقصاء آلاف القضاء وتهدف إلى حرمانهم من أبسط حقوقهم .

  وقال سامي زين الدين، رئيس 
محكمة جنايات بالقاهرة، إن اعتراض القضاة على قانون السلطة القضائية الذي يناقشه مجلس الشورى، ووصفته اللجنة التشريعية بأنه "لا يمت لاستقلال القضاء من قريب أو بعيد، ولكنه يضع القضاء المصري في قبضة السلطة التنفيذية، وتجعل منه أداة لبطش المواطنين، والعصف بالحقوق والحريات"، وأضاف أن اعتصام القضاة طريق شرعي من طرق الاحتجاج، مؤكدًا أن قانون السلطة القضائية الذي يناقشه مجلس الشورى مخالف للدستور.

  و بتونس خاض القضاة خلال السنة الماضية إضرابا لمدة 3 أيام، وتقول رئيسة جمعية القضاة التونسيين كلثوم كنو، أن الإضراب الذي ينفذه القضاة هو: "محاولة للضغط على المجلس الوطني التأسيسي من أجل بعث هيئة وقتية للقضاء تضمن استقلالية السلك وتحل محل المجلس الأعلى للقضاء".

   وبليبيا قام أعضاء الهيئات القضائية والمحاكم والنيابات ومؤسسات المجتمع المدني خلال الأشهر الأخيرة بتنظيم وقفة احتجاجية واعتصام؛ بسبب استهداف عدد من القضاة الليبيين مؤخرا من قبل التنظيمات المسلحة.
 
خاتمة:

    نشير في الختام إلى أن التدابير التي تتخذها الدول بهدف  الانتقال نحو الديمقراطية أو لتحقيق التنمية تبقى غير كافية ما لم تستحضر ضمن مقوماتها تأهيل القضاء وتعزيز استقلاليته، إذ أن استقلال السلطة القضائية يعد مصححا لما يعتري اللعبة الديمقراطية الحالية من اختلالات ؛ فإذا كان دور البرلمان هو مراقبة الحكومة إلا أنه وبالنظر لكون هذه الأخيرة منبثقة عنه وتتوفر على أغلبية به فإن هذا الدور الرقابي يضعف (بل وينعدم على مستوى التنفيذ )، لذلك وجب أن تنهض السلطة القضائية بهذه الرقابة مما يستوجب استقلالها؛ لكونها الدعامة الأساسية التي يفترض أن تحمي الديمقراطية وتقوّيها وتوفر فضاءً آمنا ومستقرا مناسبا لقيام تنمية محورها الإنسان ، وذلك من خلال فرض سيادة القانون وإعطاء القوة والفعالية للمؤسسات .
 




الاربعاء 14 غشت 2013
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter