يعتبر القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية أحد أهم القوانين التنظيمية التي يفترض صدورها قريبا حيث يعول عليها كثيرا من أجل المساهمة في تنزيل الدستور 2011، وتشكل عملية اقرار هذا القانون اختبارا حقيقيا لمدى وجود ارادة سياسية في احترام الوثيقة الدستورية الجديدة في شقها المتعلق بالسلطة القضائية، نظرا لحجم الوظائف الموكولة للمجلس والانتظارات المعلقة عليه، وفي هذا الإطار وفور الانتهاء من الحوار الوطني حول الاصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة والشروع في الاعلان عن أولى مسودات القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والذي تضمن عدة مقتضيات تتنافى مع روح الدستور الجديد، انخرطت الجمعيات المهنية القضائية في تنظيم صفوفها من أجل تقديم ملاحظاتها حول المشروع المعلن عنها، وهكذا وبعد تقديم هذه الجمعيات لملاحظاتها على انفراد لوزارة العدل والحريات، قررت تنسيق الجهود بينها وتشكيل ائتلاف لتقديم مذكرة موحدة تلخص مطالبها تزامنا مع عرض مشاريع قوانين السلطة القضائية على أنظار البرلمان.. الشيء الذي تمثل بالأساس في مذكرة الائتلاف بخصوص مشروع قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
الإطار المرجعي للمذكرة
تستند المذكرة التي قدمها الائتلاف المكون من نادي قضاة المغرب، الودادية الحسنية للقضاة، الجمعية المغربية للنساء القاضيات، الجمعية المغربية للقضاة، على مرجعية متنوعة تتمثل في بعدها الوطني في دستور 2011 وما اشتمل عليه من مقتضيات غير مسبوقة في مجال اقرار القضاء كسلطة مستقلة، فضلا عن توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، أما على المستوى الكوني تنهل المذكرة من مختلف الوثائق الدولية ذات الصلة بموضوع استقلال القضاء وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومبادئ الأمم المتحدة بشأن استقلال القضاء والتي تم إقرارها في مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة و معاملة المجرمين، والميثاق العالمي للقضاة، ومبادئ بنغالور للسلوك القضائي والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان ..
ملاحظات المذكرة بخصوص صياغة قانون المجلس:
شددت المذكرة التأكيد على كون الصياغة التامة والواضحة لنصوص قوانين السلطة القضائية هي الضمان الوحيد والفعال الذي يضمن ظروف اشتغال القاضي في جو من الثقة في النفس سواء فيما يتعلق بالجانب المعزز لاستقلاليته، أو الجانب المتعلق بالحقوق والالتزامات الملقاة على عاتقه . وفي هذا الاطار نبهت المذكرة إلى وجد عدة عيوب في صياغة مشروع قانون المجلس من قبيل اشتماله على مصطلحات عامة قابلة لأكثر من تفسير مثل "واجب التحفظ"، والإدارة القضائية..وعدم حصره وتحديده المعايير التي سيعتمدها المجلس في طريقة اشتغاله وهو ما يظهر من خلال استعمال عبارات تفيد ذلك مثل "على الخصوص" و"لاسيما"...الأمر الذي يترتب عنه التوسع في تفسير بعض النصوص من قبل المجلس عبر إقرار معايير غير واردة بها من شأنها التأثير سلبا عند تدبير الوضعيات الفردية للقضاة مما يستلزم حذف هذه العبارات والاستعاضة عنها بصياغة واضحة ودقيقة.
التصورات المفصلية :
أهم التصورات المفصلية التي اشتملت عليها مذكرة ائتلاف الجمعيات المهنية القضائية فقد أتت متطابقة تماما مع ما جاء في مذكرة نادي قضاة المغرب التي رفعت في توقيت سابق لوزارة العدل والحريات، كما أنها أتت لتؤكد أيضا على المقترحات التي تضمنتها مذكرة النسيج المدني الذي يضم عددا من الجمعيات الحقوقية وعلى رأسها جمعية عدالة، والمرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية ونادي القضاة. وهكذا همت هذه الملاحظات الشروط المتعلقة بتشكيلة المجلس، وحقوق وواجبات أعضائه، وآليات عمل المجلس، واختصاصاته.
فبالنسبة لتشكيلة أعضاء المجلس من القضاة : أكد الائتلاف على عدم اشتراط أي سن أو أقدمية معينة للترشح لعضوية المجلس، وهي ملاحظة دافع عليها نادي القضاة وانضمت باقي الجمعيات المهنية القضائية لتبني هذا المطلب بشكل صريح، وهو ما يعبر عن رفض مقترح وزارة العدل باشتراط أقدمية خمس سنوات للقضاة للترشح لعضوية المجلس لا سيما وأن القانون الحالي لا يشترط هذا الشرط.
وقد أكدت المذكرة بالنسبة لانتخاب ممثلي محاكم الدرجة الثانية، على ضرورة احترام إرادة كل من توفر فيه شرط الانتماء لهذه الفئة من المحاكم في أن يترشح من غير تقييد لهذا الحق ، و ذلك حتى لا يمكن اعتماد تلك الشروط التعسفية من أجل حرمان المجلس الأعلى للسلطة القضائية وكذا حرمان قضاة محاكم الدرجة الثانية من كفاءات وطاقات قد تسهم مساهمة فعالة في تكريس روح الاستقلال الحقيقي للسلطة القضائية.
أما بالنسبة لتشكيلة أعضاء المجلس من غير القضاة : فقد أوصت المذكرة بعدم امكانية تعيين شخصيات تنتمي إلى السلطة التنفيذية أو التشريعية معتبرة الانتماء إلى إحدى السلطتين المذكورتين بمثابة حالة للتنافي, كما طالبت بالنص على حالات تضارب المصالح التي تتعارض مع تعيين هذه الشخصيات أو استمرار عملهم بالمجلس .
و تماشيا مع مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة و شفافية اتخاذ القرار و مصداقية المؤسسات ؛ اقترحت المذكرة أن تحدد للشخصيات المعينة من طرف الملك نفس مدة التعيين بالنسبة لباقي أعضاء المجلس من أجل ضمان انسجامه.
كما طالبت بانفتاح المجلس وأعضائه على الجمعيات المهنية القضائية من خلال السماح لممثلي هذه الجمعيات بحضور اجتماعاته كملاحظين لتتبع أشغاله مع التزامهم بكتمان سرية أشغاله.
ج-آليات عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية :
أوصت المذكرة بضمان الاستقلال المالي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وذلك عبر مشاركته في إعداد ميزانيته وتوفير جميع الإمكانيات المادية والموارد البشرية لتضطلع السلطة القضائية وأعضاؤها بدورهم في حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون .
وطالبت المذكرة بإعداد المجلس الاعلى للسلطة القضائية مشروع ميزانية خاص به بتنسيق مع السلطة الحكومية المكلفة بالمالية، وتسجيل ميزانية المجلس في الميزانية العامة، وتكليف المصالح المالية التابعة للمجلس بتنفيذ تلك الميزانية، وتخويل الرئيس المنتدب صفة الآمر بالصرف مع إمكانية التفويض .
في نفس السياق تضمنت مذكرة الائتلاف عدة مطالب تتعلق بتدعيم آليات اشتغال المجلس من بينهاّ:
- تحديد النصاب اللازم لاجتماع المجلس في 14 عضوا على الأقل وفي حالة عدم توفره يؤجل الاجتماع لتاريخ لاحق داخل أجل 15 يوما ولا يكتمل النصاب في هذه الحالة الثانية إلا بحضور 10 أعضاء مع ضرورة اتخاذ قراراته وجوبا بحضور 10 أعضاء على الأقل.
- تكوين جمعية عامة للمجلس تتشكل من جميع الأعضاء المنصوص عليهم في المادة 115 من الدستور تسند إليها وفق النظام الداخلي للمجلس صلاحيات تعزز مبدأ الشفافية والتشاركية في اتخاذ القرارات.
- تشكيل لجان دائمة وأخرى مؤقتة تساعد المجلس في الإعداد لأشغاله وتجهيز الملفات والقضايا التي تدخل في نطاق اختصاصه.
- تشكيل أمانة عامة للمجلس تحت إشراف الرئيس المنتدب مهمتها القيام بجميع الأعمال الإدارية التي تساعد المجلس في تدبير أشغاله.
- ضرورة تعيين الأمين العام للمجلس من بين القضاة الذي قضوا على الأقل خمسة عشر (15) سنة من الممارسة القضائية الفعلية بقرار للمجلس بعد إعلان شغور المنصب والترشح له وإعمال مبدأ المباراة ، لمدة أربع (4) سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
- تحديد اختصاصات الأمين العام للمجلس بشكل واضح ودقيق مع التأكيد على عدم حضوره مداولات المجلس التي ينبغي أن تبقى حكرا على الأعضاء المحددين بمقتضى الفصل 115 من الدستور.
- تخويل القضاة المنتخبين حق البت في الوضعية الفردية لجميع القضاة بدون استثناء ولو كانوا أعلى درجة منهم بالنظر لصفتهم التمثيلية.
- ضمان شفافية الاشتغال والحق في المعلومة، وذلك من خلال الإعلان عن جدول أعمال دورات المجلس العادية والاستثنائية وكذا نتائج اجتماعاته بغرض إطلاع القضاة والرأي العام على ذلك، وذلك باستعمال كل الوسائل الممكنة، وخاصة بالجريدة الرسمية وبالموقع الالكتروني للمجلس وبالمحاكم.
د-وظائف المجلس الأعلى للسلطة القضائية
أكدت مذكرة الائتلاف على ضرورة جعل تدبير المسار المهني والوضعية الفردية للقضاة المتمرنين والقضاة الممارسين حكرا على المجلس دون غيره تفعيلا لمبدأ التدبير الذاتي للسلطة القضائية وتعزيزا لاستقلاليتها وإبعادها عن كل تأثير محتمل، وضرورة جعل مهام التفتيش القضائي تحت إمرة المجلس وإبعاد وزارة العدل والحريات بصفة نهائية عنه تكريسا لاستقلالية السلطة القضائية بكافة مكوناتها.
ولتعزيز الأداء الفعال والمنتج لعمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية أوصت المذكرة بجعل الوظيفة الاستشارية للمجلس أمرا واقعا لا يمكن تجاوزها مادام الأمر يتعلق بصميم اختصاصاته لكن ما كان لافتا في مذكرة الائتلاف أن الجمعيات المهنية القضائية التفت حول مطلب نادي القضاة بإلغاء آليتي التكليف والتمديد على اعتبار أن هاتين الآليتين تجسدان عدم المساواة وعدم تكافؤ الفرص؛ كما تعتبران وسيلة للتأثير على استقلال القاضي و ضرب أسس استقلال السلطة القضائية وهو مطلب واقعي وجريء انضاف لعدة مطالب أخرى اشتملت عليها مذكرة الائتلاف من بينها:
-ضمان شروط الشفافية والنزاهة والتجرد والاستحقاق عند تعيين القضاة الجدد اعتبارا لكون تعيين القاضي الجديد يعتبر أهم مرحلة في بداية المشوار المهني.
-التنصيص على ضمان سهر المجلس فعليا على تعزيز ضمانات استقلال القضاة في مختلف أطوار مشوارهم المهني ولا سيما من حيث تعيينهم ونقلهم وترقيتهم وتأديبهم وتقاعدهم.
ماس بوضعيته الفردية، و ذلك بصفة انتقالية أمام أعلى هيئة إدارية بالمملكة – في انتظار إنشاء مجلس الدولة المشار إليه أعلاه - وفق مسطرة خاصة تضمن من خلالها استقلالية القرار على أن توضع شروط خاصة من أجل البت في الطعون المعروضة عليها ضمانا للحياد و عدم التأثر على ألا يتجاوز هذا الأجل ستة أشهر من تاريخ تقديم الطعن.
وقد تضمنت مذكرة الائتلاف لعدة مقترحات مؤسسة التفتيش القضائي، من بينها:
-ضرورة مراجعة نظام التفتيش وإلغاء نظام التفتيش التسلسلي .
-إسناد وظيفة المراقبة والافتحاص والتفتيش لمفتشية عامة للشؤون القضائية تابعة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يشرف عليها مفتش عام تحدد اختصاصاتها بموجب النظام الداخلي للمجلس بما لا يتنافى واستقلال القاضي أثناء ممارسته لمهامه القضائية.
-ضرورة تعيين المفتش العام للشؤون القضائية من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية وموافقة الملك على هذا التعيين لمدة خمس سنوات غير قابلة للتجديد - يختار من بين القضاة الذين قضوا مدة 20 سنة على الأقل من الممارسة القضائية الفعلية .
-إقرار مسطرة واضحة وشفافة بخصوص اختيار المفتش العام عن طريق الإعلان عن شغور هذا المنصب وفتح باب الترشح له وإعمال مبدأ المباراة تكريسا لمبدأ تكافؤ الفرص بين جميع القضاة .
-منح المفتشين سلطة عامة للتحري في إطار القوانين الجاري بها العمل مع عدم إمكانية مواجهتهم بمقتضيات السر المهني .
-ضمان حق كل قاض موضوع بحث أو تحر من قبل المفتشية العامة للشؤون القضائية في الاطلاع على كافة الوثائق و تسلم نسخ منها .
-تكريس الحق في الدفاع بما فيه حق الصمت والمؤازرة عند الاستماع إلى القاضي المعني.
وطالبت مذكرة الائتلاف بتدعيم الوظيفة الاستشارية والاقتراحية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية مع ضرورة تفعيل دور الجمعيات المهنية القضائية في هذا المجال، لا سيما على مستوى اعداد مذكرة السلوك التي تعتبر الإطار المرجعي والسلوكي لتدعيم الأخلاقيات بالنسبة لأعضاء السلطة القضائية، والتي يجب أن تعتمد على أرضية قواعد بنغلور كأساس كوني يحتاج الى التطوير بالنظر لطبيعة أدوار السلطة القضائية.
وعموما تبقى خطوة تنسيق الجمعيات المهنية القضائية فيما بينها لتقديم مذكرة واحدة حول قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية خطوة ايجابية مهمة ينبغي تدعيمها بتحويل الائتلاف إلى اطار يضم كافة الجمعيات المهنية القضائية التي تأسست بعد المصادقة على دستور 2011 والتي بلغ عددها ست جمعيات. كما يبقى الرهان معقودا على الخطوات التي يمكن أن يعتمدها الائتلاف من أجل شرح مضامين مذكرته وإيصال صوته للجهات المسؤولة وعلى رأسهم ممثلو السلطة التشريعية والدفاع على مذكرته بكل الوسائل المشروعة.
الإطار المرجعي للمذكرة
تستند المذكرة التي قدمها الائتلاف المكون من نادي قضاة المغرب، الودادية الحسنية للقضاة، الجمعية المغربية للنساء القاضيات، الجمعية المغربية للقضاة، على مرجعية متنوعة تتمثل في بعدها الوطني في دستور 2011 وما اشتمل عليه من مقتضيات غير مسبوقة في مجال اقرار القضاء كسلطة مستقلة، فضلا عن توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، أما على المستوى الكوني تنهل المذكرة من مختلف الوثائق الدولية ذات الصلة بموضوع استقلال القضاء وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومبادئ الأمم المتحدة بشأن استقلال القضاء والتي تم إقرارها في مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة و معاملة المجرمين، والميثاق العالمي للقضاة، ومبادئ بنغالور للسلوك القضائي والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان ..
ملاحظات المذكرة بخصوص صياغة قانون المجلس:
شددت المذكرة التأكيد على كون الصياغة التامة والواضحة لنصوص قوانين السلطة القضائية هي الضمان الوحيد والفعال الذي يضمن ظروف اشتغال القاضي في جو من الثقة في النفس سواء فيما يتعلق بالجانب المعزز لاستقلاليته، أو الجانب المتعلق بالحقوق والالتزامات الملقاة على عاتقه . وفي هذا الاطار نبهت المذكرة إلى وجد عدة عيوب في صياغة مشروع قانون المجلس من قبيل اشتماله على مصطلحات عامة قابلة لأكثر من تفسير مثل "واجب التحفظ"، والإدارة القضائية..وعدم حصره وتحديده المعايير التي سيعتمدها المجلس في طريقة اشتغاله وهو ما يظهر من خلال استعمال عبارات تفيد ذلك مثل "على الخصوص" و"لاسيما"...الأمر الذي يترتب عنه التوسع في تفسير بعض النصوص من قبل المجلس عبر إقرار معايير غير واردة بها من شأنها التأثير سلبا عند تدبير الوضعيات الفردية للقضاة مما يستلزم حذف هذه العبارات والاستعاضة عنها بصياغة واضحة ودقيقة.
التصورات المفصلية :
أهم التصورات المفصلية التي اشتملت عليها مذكرة ائتلاف الجمعيات المهنية القضائية فقد أتت متطابقة تماما مع ما جاء في مذكرة نادي قضاة المغرب التي رفعت في توقيت سابق لوزارة العدل والحريات، كما أنها أتت لتؤكد أيضا على المقترحات التي تضمنتها مذكرة النسيج المدني الذي يضم عددا من الجمعيات الحقوقية وعلى رأسها جمعية عدالة، والمرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية ونادي القضاة. وهكذا همت هذه الملاحظات الشروط المتعلقة بتشكيلة المجلس، وحقوق وواجبات أعضائه، وآليات عمل المجلس، واختصاصاته.
تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية:
رغم أن دستور 2011 حسم في تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية فإن مذكرة الائتلاف قدمت عدة توضيحات تتعلق بتنزيل المقتضيات الدستورية الجديدة في مشروع قانون المجلس. فبالنسبة لتشكيلة أعضاء المجلس من القضاة : أكد الائتلاف على عدم اشتراط أي سن أو أقدمية معينة للترشح لعضوية المجلس، وهي ملاحظة دافع عليها نادي القضاة وانضمت باقي الجمعيات المهنية القضائية لتبني هذا المطلب بشكل صريح، وهو ما يعبر عن رفض مقترح وزارة العدل باشتراط أقدمية خمس سنوات للقضاة للترشح لعضوية المجلس لا سيما وأن القانون الحالي لا يشترط هذا الشرط.
وقد أكدت المذكرة بالنسبة لانتخاب ممثلي محاكم الدرجة الثانية، على ضرورة احترام إرادة كل من توفر فيه شرط الانتماء لهذه الفئة من المحاكم في أن يترشح من غير تقييد لهذا الحق ، و ذلك حتى لا يمكن اعتماد تلك الشروط التعسفية من أجل حرمان المجلس الأعلى للسلطة القضائية وكذا حرمان قضاة محاكم الدرجة الثانية من كفاءات وطاقات قد تسهم مساهمة فعالة في تكريس روح الاستقلال الحقيقي للسلطة القضائية.
أما بالنسبة لتشكيلة أعضاء المجلس من غير القضاة : فقد أوصت المذكرة بعدم امكانية تعيين شخصيات تنتمي إلى السلطة التنفيذية أو التشريعية معتبرة الانتماء إلى إحدى السلطتين المذكورتين بمثابة حالة للتنافي, كما طالبت بالنص على حالات تضارب المصالح التي تتعارض مع تعيين هذه الشخصيات أو استمرار عملهم بالمجلس .
و تماشيا مع مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة و شفافية اتخاذ القرار و مصداقية المؤسسات ؛ اقترحت المذكرة أن تحدد للشخصيات المعينة من طرف الملك نفس مدة التعيين بالنسبة لباقي أعضاء المجلس من أجل ضمان انسجامه.
حقوق وواجبات أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية :
من أهم مطالب مذكرة الائتلاف في هذا الشق إلغاء مبدأ تجميد الترقية بالنسبة للقضاة أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية ضمانا لحقهم في المساواة مقارنة مع باقي القضاة والتأكيد على عدم إمكانية نقلهم أو تعيينهم في مهام أخرى طيلة مدة ولايتهم في المجلس، مع اقتراح عدم حضور العضو المعني بالترقية خلال اجتماعات المجلس للبت في وضعيته تنزيلا لمبدأ الوقاية من تضارب المصالح . كما طالبت بانفتاح المجلس وأعضائه على الجمعيات المهنية القضائية من خلال السماح لممثلي هذه الجمعيات بحضور اجتماعاته كملاحظين لتتبع أشغاله مع التزامهم بكتمان سرية أشغاله.
ج-آليات عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية :
أوصت المذكرة بضمان الاستقلال المالي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وذلك عبر مشاركته في إعداد ميزانيته وتوفير جميع الإمكانيات المادية والموارد البشرية لتضطلع السلطة القضائية وأعضاؤها بدورهم في حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون .
وطالبت المذكرة بإعداد المجلس الاعلى للسلطة القضائية مشروع ميزانية خاص به بتنسيق مع السلطة الحكومية المكلفة بالمالية، وتسجيل ميزانية المجلس في الميزانية العامة، وتكليف المصالح المالية التابعة للمجلس بتنفيذ تلك الميزانية، وتخويل الرئيس المنتدب صفة الآمر بالصرف مع إمكانية التفويض .
في نفس السياق تضمنت مذكرة الائتلاف عدة مطالب تتعلق بتدعيم آليات اشتغال المجلس من بينهاّ:
- تحديد النصاب اللازم لاجتماع المجلس في 14 عضوا على الأقل وفي حالة عدم توفره يؤجل الاجتماع لتاريخ لاحق داخل أجل 15 يوما ولا يكتمل النصاب في هذه الحالة الثانية إلا بحضور 10 أعضاء مع ضرورة اتخاذ قراراته وجوبا بحضور 10 أعضاء على الأقل.
- تكوين جمعية عامة للمجلس تتشكل من جميع الأعضاء المنصوص عليهم في المادة 115 من الدستور تسند إليها وفق النظام الداخلي للمجلس صلاحيات تعزز مبدأ الشفافية والتشاركية في اتخاذ القرارات.
- تشكيل لجان دائمة وأخرى مؤقتة تساعد المجلس في الإعداد لأشغاله وتجهيز الملفات والقضايا التي تدخل في نطاق اختصاصه.
- تشكيل أمانة عامة للمجلس تحت إشراف الرئيس المنتدب مهمتها القيام بجميع الأعمال الإدارية التي تساعد المجلس في تدبير أشغاله.
- ضرورة تعيين الأمين العام للمجلس من بين القضاة الذي قضوا على الأقل خمسة عشر (15) سنة من الممارسة القضائية الفعلية بقرار للمجلس بعد إعلان شغور المنصب والترشح له وإعمال مبدأ المباراة ، لمدة أربع (4) سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
- تحديد اختصاصات الأمين العام للمجلس بشكل واضح ودقيق مع التأكيد على عدم حضوره مداولات المجلس التي ينبغي أن تبقى حكرا على الأعضاء المحددين بمقتضى الفصل 115 من الدستور.
- تخويل القضاة المنتخبين حق البت في الوضعية الفردية لجميع القضاة بدون استثناء ولو كانوا أعلى درجة منهم بالنظر لصفتهم التمثيلية.
- ضمان شفافية الاشتغال والحق في المعلومة، وذلك من خلال الإعلان عن جدول أعمال دورات المجلس العادية والاستثنائية وكذا نتائج اجتماعاته بغرض إطلاع القضاة والرأي العام على ذلك، وذلك باستعمال كل الوسائل الممكنة، وخاصة بالجريدة الرسمية وبالموقع الالكتروني للمجلس وبالمحاكم.
د-وظائف المجلس الأعلى للسلطة القضائية
أكدت مذكرة الائتلاف على ضرورة جعل تدبير المسار المهني والوضعية الفردية للقضاة المتمرنين والقضاة الممارسين حكرا على المجلس دون غيره تفعيلا لمبدأ التدبير الذاتي للسلطة القضائية وتعزيزا لاستقلاليتها وإبعادها عن كل تأثير محتمل، وضرورة جعل مهام التفتيش القضائي تحت إمرة المجلس وإبعاد وزارة العدل والحريات بصفة نهائية عنه تكريسا لاستقلالية السلطة القضائية بكافة مكوناتها.
ولتعزيز الأداء الفعال والمنتج لعمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية أوصت المذكرة بجعل الوظيفة الاستشارية للمجلس أمرا واقعا لا يمكن تجاوزها مادام الأمر يتعلق بصميم اختصاصاته لكن ما كان لافتا في مذكرة الائتلاف أن الجمعيات المهنية القضائية التفت حول مطلب نادي القضاة بإلغاء آليتي التكليف والتمديد على اعتبار أن هاتين الآليتين تجسدان عدم المساواة وعدم تكافؤ الفرص؛ كما تعتبران وسيلة للتأثير على استقلال القاضي و ضرب أسس استقلال السلطة القضائية وهو مطلب واقعي وجريء انضاف لعدة مطالب أخرى اشتملت عليها مذكرة الائتلاف من بينها:
-ضمان شروط الشفافية والنزاهة والتجرد والاستحقاق عند تعيين القضاة الجدد اعتبارا لكون تعيين القاضي الجديد يعتبر أهم مرحلة في بداية المشوار المهني.
-التنصيص على ضمان سهر المجلس فعليا على تعزيز ضمانات استقلال القضاة في مختلف أطوار مشوارهم المهني ولا سيما من حيث تعيينهم ونقلهم وترقيتهم وتأديبهم وتقاعدهم.
- التأكيد على ضرورة البت في المساطر التأديبية للقضاة داخل آجال معقولة لا تتجاوز ثلاثة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة وفي حالة توقيف القاضي يجب التنصيص إما على احتفاظ القاضي بأجرته كاملة أو تحديد الجزء المقتطع منها على ألا يتجاوز النصف طيلة مدة توقيفه مع ضرورة تسوية وضعيته المالية خلال أجل لا يتجاوز ثلاثة أشهر نظرا للطابع المعيشي للأجرة واحتراما لقرينة البراءة.
- ضمان حق القاضي في المؤازرة خلال جميع أطوار البحث والمحاكمة التأديبية بدفاع من اختياره من بين القضاة والمحامين وممثلي الجمعيات المهنية للقضاة .
- إقرار مبدأ عدم المس بالوضعية المهنية للقاضي أو للقاضي المتمرن إلا بعد استنفاذ مسطرة تأديبية شفافة تضمن فيها مبادئ المحاكمة العادلة تحت طائلة البطلان .
- عدم قابلية العقوبات التأديبية الصادرة عن المجلس للتنفيذ إلا بعد صيرورتها نهائية باستنفاذ طرق الطعن.
- إلغاء نظام التنقيط وتعويضه بنظام للتقييم ينبني على معايير موضوعية قابلة لإثباتها وتعليلها بطرق علمية سواء بالنسبة للقضاة أو المسؤولين القضائيين.
- ضرورة التقيد برغبات القضاة المتعلقة بالانتقالات مع عدم إمكانية نقل القضاة من أماكن عملهم إلا بناء على طلب وفقا لما يقتضيه القانون مع ضرورة تعليل جميع مقررات المجلس بهذا الخصوص.
- إنشاء محكمة إدارية عليا بوصفها أعلى هيأة إدارية بالمملكة للفصل في الطعون المتعلقة بالوضعيات الفردية للقضاة لعدم خضوع الجهة المكلفة بالنظر في الطعون المتعلقة بالوضعية الفردية للقضاة لنفوذ وسلطة القضاة الأعضاء المعينين في المجلس بقوة
القانون.
- ضرورة تمكين القاضي من الحق في الطعن في كل قرار صادر عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية ماس بوضعيته الفردية، و ذلك بصفة انتقالية أمام أعلى هيئة إدارية بالمملكة – في انتظار إنشاء مجلس الدولة المشار إليه أعلاه - وفق مسطرة خاصة تضمن من خلالها استقلالية القرار على أن توضع شروط خاصة من أجل البت في الطعون المعروضة عليها ضمانا للحياد و عدم التأثر على ألا يتجاوز هذا الأجل ستة أشهر من تاريخ تقديم الطعن.
وقد تضمنت مذكرة الائتلاف لعدة مقترحات مؤسسة التفتيش القضائي، من بينها:
-ضرورة مراجعة نظام التفتيش وإلغاء نظام التفتيش التسلسلي .
-إسناد وظيفة المراقبة والافتحاص والتفتيش لمفتشية عامة للشؤون القضائية تابعة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يشرف عليها مفتش عام تحدد اختصاصاتها بموجب النظام الداخلي للمجلس بما لا يتنافى واستقلال القاضي أثناء ممارسته لمهامه القضائية.
-ضرورة تعيين المفتش العام للشؤون القضائية من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية وموافقة الملك على هذا التعيين لمدة خمس سنوات غير قابلة للتجديد - يختار من بين القضاة الذين قضوا مدة 20 سنة على الأقل من الممارسة القضائية الفعلية .
-إقرار مسطرة واضحة وشفافة بخصوص اختيار المفتش العام عن طريق الإعلان عن شغور هذا المنصب وفتح باب الترشح له وإعمال مبدأ المباراة تكريسا لمبدأ تكافؤ الفرص بين جميع القضاة .
-منح المفتشين سلطة عامة للتحري في إطار القوانين الجاري بها العمل مع عدم إمكانية مواجهتهم بمقتضيات السر المهني .
-ضمان حق كل قاض موضوع بحث أو تحر من قبل المفتشية العامة للشؤون القضائية في الاطلاع على كافة الوثائق و تسلم نسخ منها .
-تكريس الحق في الدفاع بما فيه حق الصمت والمؤازرة عند الاستماع إلى القاضي المعني.
وطالبت مذكرة الائتلاف بتدعيم الوظيفة الاستشارية والاقتراحية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية مع ضرورة تفعيل دور الجمعيات المهنية القضائية في هذا المجال، لا سيما على مستوى اعداد مذكرة السلوك التي تعتبر الإطار المرجعي والسلوكي لتدعيم الأخلاقيات بالنسبة لأعضاء السلطة القضائية، والتي يجب أن تعتمد على أرضية قواعد بنغلور كأساس كوني يحتاج الى التطوير بالنظر لطبيعة أدوار السلطة القضائية.
وعموما تبقى خطوة تنسيق الجمعيات المهنية القضائية فيما بينها لتقديم مذكرة واحدة حول قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية خطوة ايجابية مهمة ينبغي تدعيمها بتحويل الائتلاف إلى اطار يضم كافة الجمعيات المهنية القضائية التي تأسست بعد المصادقة على دستور 2011 والتي بلغ عددها ست جمعيات. كما يبقى الرهان معقودا على الخطوات التي يمكن أن يعتمدها الائتلاف من أجل شرح مضامين مذكرته وإيصال صوته للجهات المسؤولة وعلى رأسهم ممثلو السلطة التشريعية والدفاع على مذكرته بكل الوسائل المشروعة.