MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




قضاة الحريات والتحديات....

     

تعليقا على قرار مجلس الدولة الفرنسي وملف البوركيني



قضاة الحريات والتحديات....

التجأت بعض المنظمات الممثلة للراي العام الحقوقي بفرنسا وكعادتها، لمواجهة قرارات السلطة أمام القضاء الاداري، وتحركت للتصدي لمحاولات اعتداء الدولة والحكومة الفرنسية  على قيم الشعب الفرنسي التي جسدتها الثورة الفرنسية منذ القرن الثامن عشر والعديد من المكتسبات التي تحققت عبر قرون انتصارا للحريات الفردية والجماعية.
ووقف طرفي النزاع  امام القضاء الاداري وامام اعلى منصة قضائية ممثلة في مجلس الدولة ، ووقف معهما الراي العام و كل مكونات الشعب الفرنسي  من مثقفين و مفكرين وقانونيين  ومنظمات سياسية ومن صحافة بكل مؤسساتها،  منبهين ومنتبهين  ومتابعين ومعلقين ومحللين للنعرات اليمينية والعنصرية والإقصائية التي اتسعت تهديداتها .

وأما الحدث المثير لهذه  " الثورة الاجتماعية والسياسية " فقد كان موضوع  " الاعتداء على حرية أساسية " المتمثّلة في حرية التعبير والحق في الاختلاف، عندما لجأت السلطات المحلية ببعض الجماعات والبلديات إلى اعلان حربها ضد البوركينيات لمنع النساء من ارتداء البوركيني للسباحة بالشواطىء بدواف شتى مثل المحافظة على النظام العام وتجنب استفزاز الجماعات الإرهابية لارتكاب اعتداءاتها  وحماية الساكنة من مخاطر المتطرفين المتوقعة....الخ.

ومن دون شك فموضوع البوركيني،  كما هو الشأن بمواضيع العنف ضد النساء والحجاب بالفصاءات العمومية وموضوع الاسلام السياسي، وموضوع العنصرية، والهجرة، وموضوع الاندماج والتعايش  وموضوع الفساد المالي ....الخ، كلها اهتمامات يتصارع حولها الفرقاء داخل المجتمع الفرنسي وداخل كل المواقع . 
  
لكن  " الدرس الحقوقي والقانوني والسياسي "  لما يمكن وصفه  بمعركة  "  الشاطئ بالمؤنث " ،  ومهما بلغ الاختلاف ومهما كانت درجة الاتفاق امام موضوع  البوركيني او بخصوص اذواق النساء في ان  تتحجبن او ان تلبسن فستانا قصيرا او طويلا او ان تتزين بطريقتهن او ان تسقن سيارة او دراجة او ان تتمتعن بالشاطئ  وجماله او ان تفكرن وتمارسن معتقداتهن وتعبرن بما يناسب قناعاتهن  ...، فإن الدرس المتميز الذي  يبرز أمامنا نستخلص منه مايلي :

١/ ان الدولة والحكومة لم تتهم المنظمات الحقوقية والإنسانية التي واجهت قرارات السلطة بانها منظمات عميلة تخدم اجندات خارجية ولم  تطعن في مصداقيتها ولم تضايقها في نشاطاتها ولم تبحث في من يمولها ولم تهاجمها لا في الصحافة ولا  في البرلمان ولم تلتجئ لابتزازها والضغط عليها.   

٢/ أن القضاء الاداري مارس صلاحياته واستقلاله في حياد عن الدولة وعن الأطراف وبرهن انه لا يتاثر امام دوره ومسؤولياته  في حماية الحريات والحقوق  الاساسية،  لا بشعارات سياسية ولا  أمنية ولا ظرفية ولا يتاثر لا بمخاطر الاٍرهاب ولا بعنف الجريمة لتبرير الاعتداء على الحريات  ولا  بما هو منوط من مهام   بسلطات ومسؤوليات الاجهزة الاخرى ، ولا يخلط القضاء الاداري أبدا  بين الضرورتين الأساسيتين المصريتين بالمجتمع وهما الحرية من جهة والأمن والنظام العام من جهة ثانية،  فرفع القضاة  راس الحرية عاليا لتبقى  الصمام الثابت ولتظل هي المآل وهي الحل وهي المصير كيفما كانت الظروف أو درجة المخاطر وحتى ولو كانت هناك حالة الاستثناء .    
٣/ انهزمت الحكومة امام خصومها في المنازلة القضائية ، ولكنها لم تنتقم من القضاة سواء بعزلهم او بتنقيلهم  ولا من أحكامهم باحتقارها وإهمالها ورفض تنفيذها... 

وأما بعد ،      

قال مجلس الدولة الفرنسي يوم امس الامس الجمعة الكلمة الاخيرة في موضوع منع ارتداء البوركيني بالشاطئ  وبذلك فقد رسم حدودا من اجل تجنب  الفوضى والخلط الذي قد يسقط فيه السياسيون والأمنيون ،   وأكد لهم  ومن جديد مفاهيم سياسية وقانونية لدلالات  المخاطر و النظام العام و التهديد والعلاقة ما بين اللائكية والقناعات والممارسات اللصيقة بالحريات ومنها حرية التعبير والراي والتنقل، وسيظل رغم ذلك  الموضوع مثيرا للجدل سياسيا، ولكن القضاء الاداري بتاريخه  المجيد واجتهاداته الكبرى   الممتدة عبر قرون،  سيبقى عنوان فخر قضائي  ومرجعا وثراتا ليس لفرنسا وحدها بل للفكر القانوني والقضائي الكوني والبشري   .

                                                                                                            السبت 27 غست 2016
                                                                                                              عبد الرحيم الجامعي       



الاحد 28 غشت 2016
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter