لم يأت السيد الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات بجديد يوم السادس من الشهر الجاري أثناء عرضه أمام البرلمان بمجلسيه بخصوص موضوع الكلفة المالية الباهضة التي تتحملها ميزانية الدولة جراء المنازعات القضائية التي تكون الدولة أو أحد أشخاص القانون العام طرفا فيها، على اعتبار أن الكلفة المالية لهذه المنازعات ظلت محل تساؤل طيلة العشر سنوات الأخيرة مع التزايد الملحوظ في عدد النزاعات القضائية للمرفق العمومي، وكذا هول المبالغ المالية التي تقضي بها المحاكم عموما، والمحاكم الإدارية على وجه الخصوص، مما يطرح معه سؤال الحكامة الجيدة والتدبير الوقائي والاستراتيجي للمرافق العمومية.
غير أن ناقوس الخطر الذي دقته هذه المؤسسة الدستورية الرقابية التي تشكل إحدى اللبنات الأساسية لحماية المال العام والرقابة على التدبير العمومي، له عدة دلالات، أبرزها أن الوقت قد حان لإيقاف نزيف الأموال العمومية، حيث أن ميزانية الدولة في أمس الحاجة إلى هذه الأموال من أجل دعم الاستثمارات العمومية وتشجيع القطاع الخاص للنهوض بأدواره الاقتصادية والاجتماعية أيضا.
وهكذا، فقد أكد السيد الرئيس الأول بأن المهمة الرقابية التي قام بها المجلس الأعلى للحسابات بشأن تدبير المنازعات القضائية للدولة، تؤكد أن ميزانية الدولة قد تكلفت أداء ما يفوق أربعة ملايير درهم خلال الفترة بين 2006 و2013، حيث بلغ عدد القضايا المسجلة أمام المحاكم ما يقدر ب 30.000 قضية سنويا، مسجلا أن قضايا الاعتداء المادي الأكثر إرهاقا لميزانية الدولة.
وانطلاقا من المعطيات التي صرح بها السيد الرئيس الأول والمتضمنة بالتقرير السنوي للمجلس لسنة 2013، يمكن القول أن الدولة في حاجة إلى إعادة النظر بشكل جدي في طبيعة تعاملها مع مجال تدبير المنازعات الإدارية سواء تعلق الأمر بالأجهزة الإدارية أو السلطات القضائية.
بالنسبة للأجهزة الإدارية: فمن المعلوم أن تدبير المنازعات الإدارية قد أوكله المشرع إلى مؤسسة الوكالة القضائية للمملكة التابعة تنظيميا لوزارة الاقتصاد والمالية، وهو الجهاز الإداري الذي يعترف له بقدرات مهمة في الدفاع عن مصالح الدولة خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا التعويض، حيث تظهر مجموعة من المؤشرات التي يمكن الاطلاع عليها عبر تقرير المؤسسة لسنة 2013، أن هذه الأخيرة تبذل مجهودات جبارة في تجنيب ميزانية الدولة الحكم عليها، إلا أن هذه المجهودات تقابلها إكراهات عملية حقيقية أبرزها النقص الحاد على مستوى الموارد البشرية، حيث لا يتعدى عدد موظفي الوكالة القضائية للمملكة إلى متم 2013، 161 موظفا، 66 % منهم مكلفين بتدبير هذه الملفات عبر مجموع التراب الوطني مما يؤكد الخصاص المهول في الموارد البشرية، وكذا الحاجة إلى خلق المندوبيات الجهوية والإقليمية لتغطية جميع محاكم المملكة، وهو ما يدفع الوكالة القضائية إلى الاستعانة بالسادة المحامون في مجموعة من القضايا حيث بلغت تكلفة هذا الإجراء سنة 2013 ما يناهز 3 118 069,90 درهم، وهو ما يزيد من إرهاق ميزانية الدولة.
لذلك، فإنه بات من الضروري كما أوصى بذلك المجلس الأعلى للحسابات، "إعادة النظر في طبيعة ومكانة الوكالة القضائية للمملكة، لتتبوأ الموقع الذي يؤهلها للقيام بوظائف اليقظة والإشراف على عمليات الصلح"، وكذا بتوحيد استراتيجية الدفاع القضائي عن مصالح الدولة، عبر ومنحهاالاستقلالالإداريوالماليالكفيلبتمكينها
منممارسةاختصاصاتها،وفقالتخصصوالطابعالتقنيوالمهنيلمهامها".
إلا أن إصلاح مجال تدبير المنازعات الإدارية، يتعين أن يؤخذ في شموليته، ووفق رؤيا استراتيجية بعيدة المدى، وذلك عبر تعبئة كافة المتدخلين و المسؤولين عن التخطيط والإعداد الاستراتيجي، وكذا اتخاذ القرار، على اعتبار أن أصل المنازعة هو تعبير عن سوء تطبيق القانون أو في تقديره وتفسيره، ولا يتم ذلك إلا بتعزيز الأدوار الاستشارية والاستباقية للمصالح المكلفة بالشؤون القانونية والمنازعات وتقويتها ودعم تأطيرها في مختلف الإدارات العمومية والجماعات الترابية، التي لا تولي لهذه الوحدات الأهمية التي تستحقها لا من حيث الموارد البشرية الكمية والنوعية، ولا من خلال التأهيل التقني واستغلال تقنيات المعلوميات، من أجل رصد وتتبع مصادر المنازعات من أجل الوقاية منها والحد من تزايدها.
وفي هذا الصدد، لا بد من استحضار دور بعض المؤسسات الوطنية التي تم إحداثها من أجل الوساطة وحل النزاعات دون الحاجة إلى اللجوء للقضاء، ويتعلق الأمر أساسا بمؤسسة وسيط المملكة، التي حلت سنة 2011 محل ديوان المظالم، وهي مؤسسة دستورية، وطنية مستقلة ومتخصصة، أوكلها المشرع مهمة الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية، وكذا تقديم الاقتراحات والمساعي اللازمة لإيجاد الحلول العادلة للنزاعات بما في ذلك اقتراح تعديل النصوص القانونية.
وهكذا، فإن مؤشرات تدخل مؤسسة وسيط المملكة، تبين بجلاء الخلل الذي يعتري التدبير العمومي من خلال الأعداد المتزايدة للتظلمات والشكايات التي بلغت سنة 2013، ما مجموعه 1919، بزيادة قدرت ب 14 % مقارنة مع سنة 2012، والتي تحتل خلالها القطاعات الاجتماعية النسبة الأكبر، كما أن تعامل الإدارات العمومية مع هذه المؤسسة لم يرقى بعد إلى المستوى المطلوب، أذ لا يزال التجاوب ضعيفا، بالإضافة إلى ضعف التنسيق بين الإدارات العمومية، واستمرار تعقد المساطر الإدارية الذي يحول دون نجاعة التدخل...، كما أكد على ذلك تقرير مؤسسة وسيط المملكة لسنة 2013، وهو ما يستدعى بذل الإدارات العمومية مجهودات مضاعفة في تحسين مؤشرات الأداء التي تنعكس بشكل مباشر على الحد من المنازعات وبالتالي عقلنة تدبير المال العام، خاصة وأن قوانين المالية أصبحت واعية بهذه الإشكالية عندما أعطت الأولوية لتنفيذ الالتزامات المالية الناتجة عن تنفيذ الأحكام القضائية باعتبارها تعبيرا صريحا للخضوع لسلطة القانون ولأحكام السلطة القضائية.
أما بالنسبة لدور السلطة القضائية في الحد من نزيف المالية العمومية، فإنه لا يمكن التغاضي عنه ما دامت السلطة القضائية مكونا أساسيا من مكونات الدولة متعه الدستور المغربي بالاستقلال المطلوب، ذلك أن الإدارات العمومية كباقي الأشخاص تخضع للرقابة القضائية المنصبة على قراراتها وأعمالها الموكولة أساسا للمحاكم الإدارية المحدثة بموجب القانون رقم 41-90.
وهكذا، فمنذ إحداثها، في سياق تعزيز مؤسسات الدولة الرامية إلى حماية الحقوق والحريات، فقد أبدت هذه المحاكم تعاطيا مهما مع أعمال الإدارات العمومية تراوح بين الطبيعة التقويمية أحيانا وبين الطابع العقابي أحيانا أخرى، حيث عرفت السنوات الأخيرة زيادة الوعي القانوني لدى المغاربة وتكسيرهم للحاجز السيكولوجي الذي ساد سابقا والمتمثل في الخوف من مقاضاة الإدارة أو المخزن، إذ أصبحت هذه الممارسة جد عادية ومتاحة كلما تعلق الأمر بالمساس بالحقوق والحريات، وهو وجه من أوجه الدولة العصرية التي تضع مؤسساتها الإدارية تحت طائلة القانون.
إن المنظور الذي يتعين أن ينظر فيه إلى الرقابة القضائية التي يمارسها القضاء الإداري على الإدارات العمومية، لا ينبغي أن ينحصر في جانب ضيق متمثل في عقاب المسؤول الإداري على مخالفته للمشروعية، وإنما يتعين أن يتعدى ذلك، على اعتبار أن القضاء الإداري يعد شريكا في تقويم عمل الإدارة من خلال السلطات التي يتمتع من حيث المبدأ في تفسير النصوص القانونية تفسيرا متجددا ومسايرا لمختلف التطورات التي لا تستطيع في أحيان كثيرة أن تستوعبها الآلة التشريعية سواء من حيث التقنيات أو السرعة المطلوبتين.
وعليه، فإن التفاعل الإيجابي بين السلطة القضائية والتدبير العمومي لابد وأن يجد طريقه إلى الوجود، بغاية حماية الحقوق والحريات، وفي ذات الوقت حفظ حقوق الخزينة من الضياع، خاصة وإذا علمنا أن بعض القضايا المكلفة للدولة تكون أسبابها عدم احترام بعض المساطر الشكلية أو الآجالات القانونية المرتبطة بالنظام العام.
وفي سياق تعزيز حماية المال العام من قبل القاضي الإداري وتفادي الأحكام القضائية التي تقضي بمبالغ كبيرة، فإنه يتعين التأكيد على ضرورة مأسسة الدور الاستشاري للقاضي الإداري على غرار مجموعة من التجارب المقارنة كفرنسا ومصر، من خلال تمكين البرلمان والحكومة بجميع أجهزتها من إمكانية استشارة القضاء الإداري بالنسبة لمشاريع ومقترحات القوانين، وكذا بالنسبة للقرارات الإدارية والصفقات العمومية ذات الوقع على ميزانية الدولة.
وفي الأخير لا بد من التأكيد على أن الكلفة المالية التي تتحملها ميزانية الدولة جراء الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتها والتي بلغت سنة 2013، ما يناهز 799 343 066,80 درهم، أضحت مؤشرا مقلقا يجب التعامل معه بفعالية أكبر عبر تعبئة جميع الإمكانيات وتحقيق التنسيق والتكامل بين الهيئات والسلطات الإدارية من أجل التقليص من هذه الكلفة، وإيلاء النصوص القانونية ومبائ المشروعية ما تستحقه من مكانة وبما يضمن الأمن القانوني والقضائي الذي يعتبر رافعة للتنمية وتشجيع استقرار رؤوس الأموال وتنميتها بما ينعكس إيجابا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
غير أن ناقوس الخطر الذي دقته هذه المؤسسة الدستورية الرقابية التي تشكل إحدى اللبنات الأساسية لحماية المال العام والرقابة على التدبير العمومي، له عدة دلالات، أبرزها أن الوقت قد حان لإيقاف نزيف الأموال العمومية، حيث أن ميزانية الدولة في أمس الحاجة إلى هذه الأموال من أجل دعم الاستثمارات العمومية وتشجيع القطاع الخاص للنهوض بأدواره الاقتصادية والاجتماعية أيضا.
وهكذا، فقد أكد السيد الرئيس الأول بأن المهمة الرقابية التي قام بها المجلس الأعلى للحسابات بشأن تدبير المنازعات القضائية للدولة، تؤكد أن ميزانية الدولة قد تكلفت أداء ما يفوق أربعة ملايير درهم خلال الفترة بين 2006 و2013، حيث بلغ عدد القضايا المسجلة أمام المحاكم ما يقدر ب 30.000 قضية سنويا، مسجلا أن قضايا الاعتداء المادي الأكثر إرهاقا لميزانية الدولة.
وانطلاقا من المعطيات التي صرح بها السيد الرئيس الأول والمتضمنة بالتقرير السنوي للمجلس لسنة 2013، يمكن القول أن الدولة في حاجة إلى إعادة النظر بشكل جدي في طبيعة تعاملها مع مجال تدبير المنازعات الإدارية سواء تعلق الأمر بالأجهزة الإدارية أو السلطات القضائية.
بالنسبة للأجهزة الإدارية: فمن المعلوم أن تدبير المنازعات الإدارية قد أوكله المشرع إلى مؤسسة الوكالة القضائية للمملكة التابعة تنظيميا لوزارة الاقتصاد والمالية، وهو الجهاز الإداري الذي يعترف له بقدرات مهمة في الدفاع عن مصالح الدولة خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا التعويض، حيث تظهر مجموعة من المؤشرات التي يمكن الاطلاع عليها عبر تقرير المؤسسة لسنة 2013، أن هذه الأخيرة تبذل مجهودات جبارة في تجنيب ميزانية الدولة الحكم عليها، إلا أن هذه المجهودات تقابلها إكراهات عملية حقيقية أبرزها النقص الحاد على مستوى الموارد البشرية، حيث لا يتعدى عدد موظفي الوكالة القضائية للمملكة إلى متم 2013، 161 موظفا، 66 % منهم مكلفين بتدبير هذه الملفات عبر مجموع التراب الوطني مما يؤكد الخصاص المهول في الموارد البشرية، وكذا الحاجة إلى خلق المندوبيات الجهوية والإقليمية لتغطية جميع محاكم المملكة، وهو ما يدفع الوكالة القضائية إلى الاستعانة بالسادة المحامون في مجموعة من القضايا حيث بلغت تكلفة هذا الإجراء سنة 2013 ما يناهز 3 118 069,90 درهم، وهو ما يزيد من إرهاق ميزانية الدولة.
لذلك، فإنه بات من الضروري كما أوصى بذلك المجلس الأعلى للحسابات، "إعادة النظر في طبيعة ومكانة الوكالة القضائية للمملكة، لتتبوأ الموقع الذي يؤهلها للقيام بوظائف اليقظة والإشراف على عمليات الصلح"، وكذا بتوحيد استراتيجية الدفاع القضائي عن مصالح الدولة، عبر ومنحهاالاستقلالالإداريوالماليالكفيلبتمكينها
منممارسةاختصاصاتها،وفقالتخصصوالطابعالتقنيوالمهنيلمهامها".
إلا أن إصلاح مجال تدبير المنازعات الإدارية، يتعين أن يؤخذ في شموليته، ووفق رؤيا استراتيجية بعيدة المدى، وذلك عبر تعبئة كافة المتدخلين و المسؤولين عن التخطيط والإعداد الاستراتيجي، وكذا اتخاذ القرار، على اعتبار أن أصل المنازعة هو تعبير عن سوء تطبيق القانون أو في تقديره وتفسيره، ولا يتم ذلك إلا بتعزيز الأدوار الاستشارية والاستباقية للمصالح المكلفة بالشؤون القانونية والمنازعات وتقويتها ودعم تأطيرها في مختلف الإدارات العمومية والجماعات الترابية، التي لا تولي لهذه الوحدات الأهمية التي تستحقها لا من حيث الموارد البشرية الكمية والنوعية، ولا من خلال التأهيل التقني واستغلال تقنيات المعلوميات، من أجل رصد وتتبع مصادر المنازعات من أجل الوقاية منها والحد من تزايدها.
وفي هذا الصدد، لا بد من استحضار دور بعض المؤسسات الوطنية التي تم إحداثها من أجل الوساطة وحل النزاعات دون الحاجة إلى اللجوء للقضاء، ويتعلق الأمر أساسا بمؤسسة وسيط المملكة، التي حلت سنة 2011 محل ديوان المظالم، وهي مؤسسة دستورية، وطنية مستقلة ومتخصصة، أوكلها المشرع مهمة الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية، وكذا تقديم الاقتراحات والمساعي اللازمة لإيجاد الحلول العادلة للنزاعات بما في ذلك اقتراح تعديل النصوص القانونية.
وهكذا، فإن مؤشرات تدخل مؤسسة وسيط المملكة، تبين بجلاء الخلل الذي يعتري التدبير العمومي من خلال الأعداد المتزايدة للتظلمات والشكايات التي بلغت سنة 2013، ما مجموعه 1919، بزيادة قدرت ب 14 % مقارنة مع سنة 2012، والتي تحتل خلالها القطاعات الاجتماعية النسبة الأكبر، كما أن تعامل الإدارات العمومية مع هذه المؤسسة لم يرقى بعد إلى المستوى المطلوب، أذ لا يزال التجاوب ضعيفا، بالإضافة إلى ضعف التنسيق بين الإدارات العمومية، واستمرار تعقد المساطر الإدارية الذي يحول دون نجاعة التدخل...، كما أكد على ذلك تقرير مؤسسة وسيط المملكة لسنة 2013، وهو ما يستدعى بذل الإدارات العمومية مجهودات مضاعفة في تحسين مؤشرات الأداء التي تنعكس بشكل مباشر على الحد من المنازعات وبالتالي عقلنة تدبير المال العام، خاصة وأن قوانين المالية أصبحت واعية بهذه الإشكالية عندما أعطت الأولوية لتنفيذ الالتزامات المالية الناتجة عن تنفيذ الأحكام القضائية باعتبارها تعبيرا صريحا للخضوع لسلطة القانون ولأحكام السلطة القضائية.
أما بالنسبة لدور السلطة القضائية في الحد من نزيف المالية العمومية، فإنه لا يمكن التغاضي عنه ما دامت السلطة القضائية مكونا أساسيا من مكونات الدولة متعه الدستور المغربي بالاستقلال المطلوب، ذلك أن الإدارات العمومية كباقي الأشخاص تخضع للرقابة القضائية المنصبة على قراراتها وأعمالها الموكولة أساسا للمحاكم الإدارية المحدثة بموجب القانون رقم 41-90.
وهكذا، فمنذ إحداثها، في سياق تعزيز مؤسسات الدولة الرامية إلى حماية الحقوق والحريات، فقد أبدت هذه المحاكم تعاطيا مهما مع أعمال الإدارات العمومية تراوح بين الطبيعة التقويمية أحيانا وبين الطابع العقابي أحيانا أخرى، حيث عرفت السنوات الأخيرة زيادة الوعي القانوني لدى المغاربة وتكسيرهم للحاجز السيكولوجي الذي ساد سابقا والمتمثل في الخوف من مقاضاة الإدارة أو المخزن، إذ أصبحت هذه الممارسة جد عادية ومتاحة كلما تعلق الأمر بالمساس بالحقوق والحريات، وهو وجه من أوجه الدولة العصرية التي تضع مؤسساتها الإدارية تحت طائلة القانون.
إن المنظور الذي يتعين أن ينظر فيه إلى الرقابة القضائية التي يمارسها القضاء الإداري على الإدارات العمومية، لا ينبغي أن ينحصر في جانب ضيق متمثل في عقاب المسؤول الإداري على مخالفته للمشروعية، وإنما يتعين أن يتعدى ذلك، على اعتبار أن القضاء الإداري يعد شريكا في تقويم عمل الإدارة من خلال السلطات التي يتمتع من حيث المبدأ في تفسير النصوص القانونية تفسيرا متجددا ومسايرا لمختلف التطورات التي لا تستطيع في أحيان كثيرة أن تستوعبها الآلة التشريعية سواء من حيث التقنيات أو السرعة المطلوبتين.
وعليه، فإن التفاعل الإيجابي بين السلطة القضائية والتدبير العمومي لابد وأن يجد طريقه إلى الوجود، بغاية حماية الحقوق والحريات، وفي ذات الوقت حفظ حقوق الخزينة من الضياع، خاصة وإذا علمنا أن بعض القضايا المكلفة للدولة تكون أسبابها عدم احترام بعض المساطر الشكلية أو الآجالات القانونية المرتبطة بالنظام العام.
وفي سياق تعزيز حماية المال العام من قبل القاضي الإداري وتفادي الأحكام القضائية التي تقضي بمبالغ كبيرة، فإنه يتعين التأكيد على ضرورة مأسسة الدور الاستشاري للقاضي الإداري على غرار مجموعة من التجارب المقارنة كفرنسا ومصر، من خلال تمكين البرلمان والحكومة بجميع أجهزتها من إمكانية استشارة القضاء الإداري بالنسبة لمشاريع ومقترحات القوانين، وكذا بالنسبة للقرارات الإدارية والصفقات العمومية ذات الوقع على ميزانية الدولة.
وفي الأخير لا بد من التأكيد على أن الكلفة المالية التي تتحملها ميزانية الدولة جراء الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتها والتي بلغت سنة 2013، ما يناهز 799 343 066,80 درهم، أضحت مؤشرا مقلقا يجب التعامل معه بفعالية أكبر عبر تعبئة جميع الإمكانيات وتحقيق التنسيق والتكامل بين الهيئات والسلطات الإدارية من أجل التقليص من هذه الكلفة، وإيلاء النصوص القانونية ومبائ المشروعية ما تستحقه من مكانة وبما يضمن الأمن القانوني والقضائي الذي يعتبر رافعة للتنمية وتشجيع استقرار رؤوس الأموال وتنميتها بما ينعكس إيجابا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.