السيد رئيس مكتب المؤتمر؛
السيد الأمين العام للمؤتمر؛
السيد الأمين العام التنفيذي للمؤتمر؛
السادة رؤساء الوفود وممثلي الدول؛
حضرات السيدات والسادة؛
يطيب لي بداية أن أتقدم باسم المملكة المغربية بالشكر الجزيل لدولة قطر الشقيقة، على استضافتها لهذا المؤتمر الهام بالعاصمة الدوحة و على المجهودات القيمة التي بدلت من طرف اللجنة الوطنية القطرية لإنجاح هذا المؤتمر.
كما أغتنم هذه الفرصة لأهنأ السيد معالي الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني لانتخابه رئيسا للمؤتمر، كما أهنئ الأمانة العامة للمؤتمر على حسن التنظيم و تسهيل مشاركة المؤتمرين.
حضرات السيدات والسادة،
ينعقد مؤتمر الأمم المتحدة الثالث عشر لمنع الجريمة و العدالة الجنائية، في ظرفية تشهد تطورا ملحوظا للجريمة، إذ لم تعد هذه الأخيرة مجرد نشاط لأفراد وجماعات يهدد الحقوق والممتلكات، بل أصبحت تمثل أكبر تهديد لاستتباب أمن المجتمعات والأمم، وهي بذلك، تمثل التحدي الأبرز لتشريعات الدول ومؤسساتها، لاسيما وأن الجريمة في ظل العولمة ووفرة التكنولوجيا ووسائل الاتصال أصبحت تأخذ أبعادا إيديولوجية وتنتظم في أنساق تتقاطع أفقيا بين أصناف الإجرام المختلفة، كما تتقاطع عموديا حيث يتغذى الإجرام الكبير وينمي أرباحه عبر الإجرام الصغير.
حضرات السيدات والسادة؛
إن هذه التحولات الخطيرة التي تعرفها الجريمة من حيث الوسائل المستعملة ومن حيث صورها ونتائجها الوخيمة التي ما فتئت تزداد خطورة، تقتضي تضافر الجهود الدولية لابتكار حلول ناجعة وفعالة لمواجهتها وتكثيف التعاون الدولي بغية محاصرتها وكشفها قصد الحد من آثارها وأضرارها. في احترام تام للحقوق والحريات، مع المزاوجة بين المقاربة الوقائية والمقاربة الزجرية، والعمل على محاربة أسباب الجريمة قبل التفكير في سبل مواجهتها، لا سيما من خلال توفير شروط التنمية المستدامة وسيادة القانون ومساواة الجميع أمام أحكامه.
وفي هذا الإطار فإن المملكة المغربية ووعيا منها بالتحديات الجديدة التي يفرضها الإجرام المتطور و احتراما لالتزاماتها الدولية باعتبارها قد صادقت على جل اتفاقيات منع الجريمة والوقاية منها، فإنها تؤكد انخراطها الدائم في الجهود الدولية و الإقليمية الرامية إلى تحقيق الأهداف المسطرة من قبل المنتظم الدولي في مجال منع الجريمة و العدالة الجنائية.
و استحضارا لكل ذلك فقد وضعت المملكة المغربية استراتيجية متكاملة لمواجهة الجريمة، تجمع بين تطوير آليات الردع ومحاصرة الجريمة وبين توفير الضمانات وحماية حقوق الإنسان، وكل ذلك في ظل مقاربة شمولية تنبني على تكامل السياسات العمومية، واستحضار البعد الثقافي والاجتماعي والاقتصادي عند رسم خطط الوقاية من الجريمة ومكافحتها.
ويعد تطوير العدالة الجنائية لبنة أساسية في استراتيجية مواجهة الجريمة والحد من آثارها الوخيمة، لذلك جعل دستور المملكة المغربية من القضاء سلطة مستقلة ووفر مجموعة من الضمانات الكفيلة باضطلاع السلطة القضائية بأدوارها في حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القانوني بتجرد واستقلالية. كما نظمت المملكة المغربية حوارا وطنيا حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، تمخضت عنه مجموعة من التوصيات التي تضمنها ميثاق إصلاح منظومة العدالة، والذي سطر مجموعة من الأهداف الإستراتيجية الخاصة بضمان نجاعة وفعالية العدالة الجنائية.
وفي هذا السياق تم تطوير الآليات القانونية والمؤسساتية الموضوعة رهن إشارة العدالة الجنائية من خلال مراجعة أحكام القانون الجنائي تبعا للتحديات الجديدة التي فرضها تطور الجريمة و رغبة في ملاءمة قواعده مع المواثيق الدولية، فضلا عن وضع قواعد إجرائية فعالة توفر أجوبة للتحديات التي يفرزها التطور المذهل لأساليب الجريمة و استخدامها لمنتوجات تكنولوجيا المعلوميات والصناعات الحديثة، على نحو يوفر ردود إجرائية من نفس النوع بالنسبة لآليات البحث و التحري الجنائي في ظل احترام تام لمبادئ المحاكمة العادلة و حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.
حضرات السيدات والسادة؛
إن هذه المقاربة الشمولية بخصوص تطوير العدالة الجنائية و تطوير الآليات القانونية لمواجهة الجريمة، مكنت المغرب من التحكم في معدلات الجريمة رغم النمو الديمغرافي و التوسع الحضري و التحولات الجذرية التي عرفها النسيج الاقتصادي و الاجتماعي الوطني، في ظل انفتاح المملكة على الخارج.
و في ظل هذه المقاربة الشمولية تبدل المملكة المغربية جهودا أخرى لحماية بعض الفئات أو لمواجهة أنواع خاصة من الإجرام.فعلى مستوى حماية الطفل، تولي المملكة المغربية عناية خاصة لحماية حقوق الطفل في وضعياته الثلاث: الطفل في وضعية مخالفة للقانون، الطفل ضحية الجريمة و الطفل في وضعية صعبة، وذلك من خلال فتح ورش طموح لتطوير الإطار التشريعي المرتبط بحماية الطفل، و ملاءمته مع مبادئ الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل و بروتوكوليها.
حضرات السيدات والسادة؛
بالنظر لما تشكله الجريمة الإرهابية من خطورة استثنائية على أمن المملكة وسلامة مؤسساتها ومواطنيها، واستحضارا للجهود الدولية ذات الصلة بمكافحة الجريمة الإرهابية، بادر المغرب إلى إجراء عدة خطوات عملية سواء على الصعيد المؤسساتي أو القانوني.حيث تم وضع استراتيجية شاملة للوقاية. مع دعم الترسانة القانونية و تحيينها على ضوء المواثيق الدولية و التحديات التي تطرحها الجريمة الإرهابية و لا سيما فيما يتعلق بالمقاتلين الأجانب.
و في هذا الإطار فإن المملكة المغربية تجدد إدانتها المطلقة لكل أشكال الإرهاب، و تؤكد انخراطها التام في تنفيذ أي استراتيجية شاملة لتدعيم التعاون الدولي في مواجهة التهديدات الإرهابية المتنامية، إذ لا بد من استحضار الوضعية المقلقة التي تعرفها العديد من المناطق بالقارة الإفريقية و لا سيما بمنطقة الساحل و الصحراء، في ظل هشاشة الأوضاع الأمنية الناتجة عن الأعمال الإجرامية، الانفصالية و الإرهابية، مما يستدعي المساهمة القيمة للأمم المتحدة و خاصة مكتبها المعني بالجريمة و المخدرات ل مساعدة دول المنطقة على مواجهة هذه الأعمال الإجرامية.
هذا و لا يمكن بلوغ كافة النتائج المرجوة من جهود المنتظم الدولي في مجال مكافحة الإرهاب، ما لم تدرج هذه الجهود في إطار مقاربة شاملة و متعددة الأبعاد، تتجه رأسا إلى الأسباب العميقة للإرهاب و في مقدمتها حل النزاعات الدولية العالقة، و خاصة النزاع العربي الإسرائيلي و النزاعات بكل من سوريا و العراق و اليمن.
حضرات السيدات والسادة؛
يعرف المغرب حاليا دينامية وطنية متميزة على مستوى مكافحة الاتجار في البشر و تهريب المهاجرين، إذ بالإضافة للقانون المتعلق بدخول و إقامة الأجانب و بالهجرة غير المشروعة، الذي شكل تنزيلا تشريعيا لمقتضيات البروتوكول الملحق باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية المتعلق بمكافحة تهريب المهاجرين، فقد دشن المغرب سياسة جديدة في مجال الهجرة بعد أن أصبح دولة استقبال و عبور في نفس الوقت، حيث تهدف هذه السياسة إلى تأهيل القانون الوطني من أجل تمكين المملكة من نظام للتدابير يتطابق مع المعايير الدولية ويحترم التزاماته في مجال النهوض بحقوق الإنسان، وكذا مواصلة التصدي لشبكات تهريب المهاجرين والاتجار في البشر.
كما يشكل موضوع مكافحة المخدرات في بلادنا أولوية وطنية، حيث اعتمدت المملكة منذ سنة 2003 و بتنسيق مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات و الجريمة، استرتيجية شاملة، متعددة الأبعاد، و ممتدة في الزمن، تنطلق من المقاربة الصحية و الاجتماعية لمواجهة مشكلة المخدرات، فضلا عن تدعيم المنظومة القانونية، و تقليص المساحات المزروعة بالقنب الهندي بنسبة 65%، و وضع برامج تنموية بديلة على رأسها المشاريع المتعلقة بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تهدف إلى محاربة الفقر و الهشاشة و تعزيز التنمية البشرية ، مع إشراك المجتمع المدني في عملية التحسيس و التوعية و الوقاية.
ووعيا من المملكة المغربية بالعلاقة القائمة بين تجارة المخدرات و مجموعة من الجرائم الخطيرة من جهة و بين غسل الأموال من جهة أخرى، فإن بلادنا ما فتئت تبدل مجهودات جبارة على مستوى مكافحة غسل الأموال و تمويل الإرهاب على رأسها ملاءمة التشريع الوطني مع توصيات مجموعة العمل المالي و إحداث وحدة لمعالجة المعلومات المالية، و هي الجهود التي توجت بإخراج المغرب من اللوائح السلبية لمجموعة العمل المالي سنة 2013.
كما بدلت المملكة المغربية مجهودات مهمة على مستوى مكافحة الفساد ، حيث احتضنت بلادنا سنة 2011 مؤتمر الأمم المتحدة الرابع للدول الأطراف في اتفاقية مكافحة الفساد، و الذي خلصت أشغاله إلى اعتماد إعلان مراكش بشأن الوقاية من الفساد، كما تمت مطابقة النصوص الوطنية بشكل شبه تام مع أحكام الاتفاقية المذكورة استنادا إلى توصيات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات و الجريمة.
و على مستوى مكافحة الجريمة المعلوماتية عملت المملكة المغربية على تحيين الإطار القانوني الوطني لملاءمته مع المعايير الدولية و مواجهة تطورات الجريمة المعلوماتية و زجر استغلال أنظمة و برامج الحاسوب في ارتكاب الجريمة.
كما أولت بلادنا أهمية كبير لقطاع السجون، حيث عملت المملكة المغربية على ملاءمة المنظومة القانونية الوطنية مع المواثيق الدولية ذات الصلة، و خاصة القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، من خلال وضع إطار قانوني ينظم وضعية نزلاء المؤسسات السجنية تحت رقابة القضاء، بما يتلاءم و مبادئ حقوق الإنسان، من أجل تأهيل السجناء و إعادة إدماجهم في المجتمع.
حضرات السيدات والسادة؛
لا يمكن لسياسات واستراتيجيات مكافحة الجريمة أن تحقق الغاية المرجوة منها ما لم يساهم المواطن في إنجاحها، لذلك فقد عملت المملكة المغربية على وضع إطار قانوني و مؤسساتي لتفصيل حقوق المتقاضين و ما يرتبط بها بشأن ممارسة حق التقاضي و المساعدة القانونية و المساعدة القضائية، وحماية المبلغين و الضحايا و الشهود و الخبراء و تأمين سلامتهم و سلامة أسرهم و تسهيل ولوج المواطنين للعدالة الجنائية، وتوفير متطلبات النجاعة القضائية على مستوى مختلف درجات التقاضي و أنواع الهيئات القضائية، بما يمكن من توطيد الثقة و المصداقية في قضاء فعال و منصف، باعتباره حصنا منيعا لدولة الحق، و عماد الأمن القضائي، والحكامة الجيدة، ومحفزا للتنمية.
و في الختام نؤكد التزام المملكة المغربية الراسخ بالسير قدما في مضاعفة مجهوداتها المبذولة للوقاية من الجريمة و مكافحتها، في ظل تعاون دولي استراتيجي متضامن و مسؤول.
السيد الأمين العام للمؤتمر؛
السيد الأمين العام التنفيذي للمؤتمر؛
السادة رؤساء الوفود وممثلي الدول؛
حضرات السيدات والسادة؛
يطيب لي بداية أن أتقدم باسم المملكة المغربية بالشكر الجزيل لدولة قطر الشقيقة، على استضافتها لهذا المؤتمر الهام بالعاصمة الدوحة و على المجهودات القيمة التي بدلت من طرف اللجنة الوطنية القطرية لإنجاح هذا المؤتمر.
كما أغتنم هذه الفرصة لأهنأ السيد معالي الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني لانتخابه رئيسا للمؤتمر، كما أهنئ الأمانة العامة للمؤتمر على حسن التنظيم و تسهيل مشاركة المؤتمرين.
حضرات السيدات والسادة،
ينعقد مؤتمر الأمم المتحدة الثالث عشر لمنع الجريمة و العدالة الجنائية، في ظرفية تشهد تطورا ملحوظا للجريمة، إذ لم تعد هذه الأخيرة مجرد نشاط لأفراد وجماعات يهدد الحقوق والممتلكات، بل أصبحت تمثل أكبر تهديد لاستتباب أمن المجتمعات والأمم، وهي بذلك، تمثل التحدي الأبرز لتشريعات الدول ومؤسساتها، لاسيما وأن الجريمة في ظل العولمة ووفرة التكنولوجيا ووسائل الاتصال أصبحت تأخذ أبعادا إيديولوجية وتنتظم في أنساق تتقاطع أفقيا بين أصناف الإجرام المختلفة، كما تتقاطع عموديا حيث يتغذى الإجرام الكبير وينمي أرباحه عبر الإجرام الصغير.
حضرات السيدات والسادة؛
إن هذه التحولات الخطيرة التي تعرفها الجريمة من حيث الوسائل المستعملة ومن حيث صورها ونتائجها الوخيمة التي ما فتئت تزداد خطورة، تقتضي تضافر الجهود الدولية لابتكار حلول ناجعة وفعالة لمواجهتها وتكثيف التعاون الدولي بغية محاصرتها وكشفها قصد الحد من آثارها وأضرارها. في احترام تام للحقوق والحريات، مع المزاوجة بين المقاربة الوقائية والمقاربة الزجرية، والعمل على محاربة أسباب الجريمة قبل التفكير في سبل مواجهتها، لا سيما من خلال توفير شروط التنمية المستدامة وسيادة القانون ومساواة الجميع أمام أحكامه.
وفي هذا الإطار فإن المملكة المغربية ووعيا منها بالتحديات الجديدة التي يفرضها الإجرام المتطور و احتراما لالتزاماتها الدولية باعتبارها قد صادقت على جل اتفاقيات منع الجريمة والوقاية منها، فإنها تؤكد انخراطها الدائم في الجهود الدولية و الإقليمية الرامية إلى تحقيق الأهداف المسطرة من قبل المنتظم الدولي في مجال منع الجريمة و العدالة الجنائية.
و استحضارا لكل ذلك فقد وضعت المملكة المغربية استراتيجية متكاملة لمواجهة الجريمة، تجمع بين تطوير آليات الردع ومحاصرة الجريمة وبين توفير الضمانات وحماية حقوق الإنسان، وكل ذلك في ظل مقاربة شمولية تنبني على تكامل السياسات العمومية، واستحضار البعد الثقافي والاجتماعي والاقتصادي عند رسم خطط الوقاية من الجريمة ومكافحتها.
ويعد تطوير العدالة الجنائية لبنة أساسية في استراتيجية مواجهة الجريمة والحد من آثارها الوخيمة، لذلك جعل دستور المملكة المغربية من القضاء سلطة مستقلة ووفر مجموعة من الضمانات الكفيلة باضطلاع السلطة القضائية بأدوارها في حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القانوني بتجرد واستقلالية. كما نظمت المملكة المغربية حوارا وطنيا حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، تمخضت عنه مجموعة من التوصيات التي تضمنها ميثاق إصلاح منظومة العدالة، والذي سطر مجموعة من الأهداف الإستراتيجية الخاصة بضمان نجاعة وفعالية العدالة الجنائية.
وفي هذا السياق تم تطوير الآليات القانونية والمؤسساتية الموضوعة رهن إشارة العدالة الجنائية من خلال مراجعة أحكام القانون الجنائي تبعا للتحديات الجديدة التي فرضها تطور الجريمة و رغبة في ملاءمة قواعده مع المواثيق الدولية، فضلا عن وضع قواعد إجرائية فعالة توفر أجوبة للتحديات التي يفرزها التطور المذهل لأساليب الجريمة و استخدامها لمنتوجات تكنولوجيا المعلوميات والصناعات الحديثة، على نحو يوفر ردود إجرائية من نفس النوع بالنسبة لآليات البحث و التحري الجنائي في ظل احترام تام لمبادئ المحاكمة العادلة و حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.
حضرات السيدات والسادة؛
إن هذه المقاربة الشمولية بخصوص تطوير العدالة الجنائية و تطوير الآليات القانونية لمواجهة الجريمة، مكنت المغرب من التحكم في معدلات الجريمة رغم النمو الديمغرافي و التوسع الحضري و التحولات الجذرية التي عرفها النسيج الاقتصادي و الاجتماعي الوطني، في ظل انفتاح المملكة على الخارج.
و في ظل هذه المقاربة الشمولية تبدل المملكة المغربية جهودا أخرى لحماية بعض الفئات أو لمواجهة أنواع خاصة من الإجرام.فعلى مستوى حماية الطفل، تولي المملكة المغربية عناية خاصة لحماية حقوق الطفل في وضعياته الثلاث: الطفل في وضعية مخالفة للقانون، الطفل ضحية الجريمة و الطفل في وضعية صعبة، وذلك من خلال فتح ورش طموح لتطوير الإطار التشريعي المرتبط بحماية الطفل، و ملاءمته مع مبادئ الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل و بروتوكوليها.
حضرات السيدات والسادة؛
بالنظر لما تشكله الجريمة الإرهابية من خطورة استثنائية على أمن المملكة وسلامة مؤسساتها ومواطنيها، واستحضارا للجهود الدولية ذات الصلة بمكافحة الجريمة الإرهابية، بادر المغرب إلى إجراء عدة خطوات عملية سواء على الصعيد المؤسساتي أو القانوني.حيث تم وضع استراتيجية شاملة للوقاية. مع دعم الترسانة القانونية و تحيينها على ضوء المواثيق الدولية و التحديات التي تطرحها الجريمة الإرهابية و لا سيما فيما يتعلق بالمقاتلين الأجانب.
و في هذا الإطار فإن المملكة المغربية تجدد إدانتها المطلقة لكل أشكال الإرهاب، و تؤكد انخراطها التام في تنفيذ أي استراتيجية شاملة لتدعيم التعاون الدولي في مواجهة التهديدات الإرهابية المتنامية، إذ لا بد من استحضار الوضعية المقلقة التي تعرفها العديد من المناطق بالقارة الإفريقية و لا سيما بمنطقة الساحل و الصحراء، في ظل هشاشة الأوضاع الأمنية الناتجة عن الأعمال الإجرامية، الانفصالية و الإرهابية، مما يستدعي المساهمة القيمة للأمم المتحدة و خاصة مكتبها المعني بالجريمة و المخدرات ل مساعدة دول المنطقة على مواجهة هذه الأعمال الإجرامية.
هذا و لا يمكن بلوغ كافة النتائج المرجوة من جهود المنتظم الدولي في مجال مكافحة الإرهاب، ما لم تدرج هذه الجهود في إطار مقاربة شاملة و متعددة الأبعاد، تتجه رأسا إلى الأسباب العميقة للإرهاب و في مقدمتها حل النزاعات الدولية العالقة، و خاصة النزاع العربي الإسرائيلي و النزاعات بكل من سوريا و العراق و اليمن.
حضرات السيدات والسادة؛
يعرف المغرب حاليا دينامية وطنية متميزة على مستوى مكافحة الاتجار في البشر و تهريب المهاجرين، إذ بالإضافة للقانون المتعلق بدخول و إقامة الأجانب و بالهجرة غير المشروعة، الذي شكل تنزيلا تشريعيا لمقتضيات البروتوكول الملحق باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية المتعلق بمكافحة تهريب المهاجرين، فقد دشن المغرب سياسة جديدة في مجال الهجرة بعد أن أصبح دولة استقبال و عبور في نفس الوقت، حيث تهدف هذه السياسة إلى تأهيل القانون الوطني من أجل تمكين المملكة من نظام للتدابير يتطابق مع المعايير الدولية ويحترم التزاماته في مجال النهوض بحقوق الإنسان، وكذا مواصلة التصدي لشبكات تهريب المهاجرين والاتجار في البشر.
كما يشكل موضوع مكافحة المخدرات في بلادنا أولوية وطنية، حيث اعتمدت المملكة منذ سنة 2003 و بتنسيق مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات و الجريمة، استرتيجية شاملة، متعددة الأبعاد، و ممتدة في الزمن، تنطلق من المقاربة الصحية و الاجتماعية لمواجهة مشكلة المخدرات، فضلا عن تدعيم المنظومة القانونية، و تقليص المساحات المزروعة بالقنب الهندي بنسبة 65%، و وضع برامج تنموية بديلة على رأسها المشاريع المتعلقة بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تهدف إلى محاربة الفقر و الهشاشة و تعزيز التنمية البشرية ، مع إشراك المجتمع المدني في عملية التحسيس و التوعية و الوقاية.
ووعيا من المملكة المغربية بالعلاقة القائمة بين تجارة المخدرات و مجموعة من الجرائم الخطيرة من جهة و بين غسل الأموال من جهة أخرى، فإن بلادنا ما فتئت تبدل مجهودات جبارة على مستوى مكافحة غسل الأموال و تمويل الإرهاب على رأسها ملاءمة التشريع الوطني مع توصيات مجموعة العمل المالي و إحداث وحدة لمعالجة المعلومات المالية، و هي الجهود التي توجت بإخراج المغرب من اللوائح السلبية لمجموعة العمل المالي سنة 2013.
كما بدلت المملكة المغربية مجهودات مهمة على مستوى مكافحة الفساد ، حيث احتضنت بلادنا سنة 2011 مؤتمر الأمم المتحدة الرابع للدول الأطراف في اتفاقية مكافحة الفساد، و الذي خلصت أشغاله إلى اعتماد إعلان مراكش بشأن الوقاية من الفساد، كما تمت مطابقة النصوص الوطنية بشكل شبه تام مع أحكام الاتفاقية المذكورة استنادا إلى توصيات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات و الجريمة.
و على مستوى مكافحة الجريمة المعلوماتية عملت المملكة المغربية على تحيين الإطار القانوني الوطني لملاءمته مع المعايير الدولية و مواجهة تطورات الجريمة المعلوماتية و زجر استغلال أنظمة و برامج الحاسوب في ارتكاب الجريمة.
كما أولت بلادنا أهمية كبير لقطاع السجون، حيث عملت المملكة المغربية على ملاءمة المنظومة القانونية الوطنية مع المواثيق الدولية ذات الصلة، و خاصة القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، من خلال وضع إطار قانوني ينظم وضعية نزلاء المؤسسات السجنية تحت رقابة القضاء، بما يتلاءم و مبادئ حقوق الإنسان، من أجل تأهيل السجناء و إعادة إدماجهم في المجتمع.
حضرات السيدات والسادة؛
لا يمكن لسياسات واستراتيجيات مكافحة الجريمة أن تحقق الغاية المرجوة منها ما لم يساهم المواطن في إنجاحها، لذلك فقد عملت المملكة المغربية على وضع إطار قانوني و مؤسساتي لتفصيل حقوق المتقاضين و ما يرتبط بها بشأن ممارسة حق التقاضي و المساعدة القانونية و المساعدة القضائية، وحماية المبلغين و الضحايا و الشهود و الخبراء و تأمين سلامتهم و سلامة أسرهم و تسهيل ولوج المواطنين للعدالة الجنائية، وتوفير متطلبات النجاعة القضائية على مستوى مختلف درجات التقاضي و أنواع الهيئات القضائية، بما يمكن من توطيد الثقة و المصداقية في قضاء فعال و منصف، باعتباره حصنا منيعا لدولة الحق، و عماد الأمن القضائي، والحكامة الجيدة، ومحفزا للتنمية.
و في الختام نؤكد التزام المملكة المغربية الراسخ بالسير قدما في مضاعفة مجهوداتها المبذولة للوقاية من الجريمة و مكافحتها، في ظل تعاون دولي استراتيجي متضامن و مسؤول.