كلمة الباحث لتقديم الأطروحة
إنه ليوم سعيد أن أعود لفضاء هذا المدرج المثقل بالرموز والدلالات، لتقديم أطروحة بداية مشوار البحث العلمي، أطروحة لبستني ولبستها، تحدتني وتحديتها، حول موضوع إختارني قبل أن أختاره، عنونته بـ "ظاهرة الجمع بين الانتدابات الانتخابية دراسة في واقع الممارسة البرلمانية بالمغرب".
اسمحوا لي، أساتذتي الكرام أن أقول أنه مهما تهافتت على مساحات واجب الشكر الكلمات، وسبح لساني في بحر العبارات ما وجدت سبيلي في تحصيل واجب الشكر وكمال العرفان، الذي يستحقه أستاذي الدكتور امحمد الداسر، الذي تفضل برعايتي علميا على امتداد زمنية اعداد هذه الاطروحة، فلك مني شكر الشكر وامتنان الامتنان، والشكر كذلك، بنفس النفس وبكل نفيس الكلمات للاستاذ الجليل الدكتور الحسان بوقنطار الذي قبل تحمل عناء رئاسة لجنة مناقشة هذه العمل، حبا منه في البحث العلمي ومن أجل البحث العلمي، والشكر كذلك، بنفس الصدق ونفس الاحساس، للسادة اعضاء لجنة المناقشة أساتذتي الدكتور عبد الرحيم منار السليمي والدكتور عبد العلي حامي الدين والدكتور حسن طارق والدكتور رشيد المدور فجميعهم ساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في بناءات هذا البحث، أشكركم جميعا شكرا خاصا مع التسليم بأني سأظل مقصرا في بلوغ واجب الشكر وتحصيل كمال العرفان.
واسمحولي كذلك، أن أوجه شكري لجميع الحاضرات والحاضرين ولكل من ساهم من قريب أو من بعيد في بناءات هذا البحث حتى صاغ شكله النهائي.
بعد واجب الشكر أقول: أن النظريات التي أخذت من سؤال واقع الممارسة البرلمانية بالمغرب، منطلقها ومحور تحليلاتها، قد تبدو مازالت صالحة لمعالجة واقع الممارسة الراهن، مادامت التربة المغذية لفرضياتها وإشكالياتها تحتفظ بخصوبتها وقابليتها لإعادة إنتاج نفس الخلاصات، لكن دراسة الظواهر السياسية، تتطلب باستمرار الإنفتاح على مقاربات بديلة، من أجل مسايرة دينامية البناء والتشكل التي تعرفه المؤسسات والظواهر، وبذل مجهود فعلي للابتعاد عن حكم القيمة، من أجل الإقتراب من حكم الواقع، واقع الممارسة البرلمانية كما تعبر عنه بنفسها، في لحظة بنائها ولحظة تشكلها من جديد.
فعلى امتداد زمنية من البحث والملاحظة لحركات الفعل والسلوك داخل مجلس النواب،[1] استوقفت الباحث جملة من العناصر الفاعلة في برمجة صورة البرلمان ورسم واقعه، من قبيل الكراسي الفارغة، والترحال من فريق إلى فريق، والحضور اللافت للنزعة المحلية في الخطاب والفعل البرلمانيين...، هذه النماذج شكلت عينة من فيض العناصر العائمة في فضاء برلماني تصنعه الرموز ويصنعها.
وفي نفس الاطار، وبمناسبة استعراض حصيلة دورة ابريل 2009 من الولاية التشريعية 2007 -2011، والتي تزامنت مع إجراء الانتخابات الجماعية لـ12 يونيو 2009، صرح الوزير السابق المكلف بالعلاقات مع البرلمان السيد سعد العلمي في حوار له مع أحد المنابر الصحفية قائلا: " إنصرف غالبية البرلمانيين إلى الاهتمام بشكل شبه تام بالاستحقاقات الانتخابية وتخلوا عن القيام ببعض واجباتهم البرلمانية، فكانت النتيجة متواضعة".[2] اعتمادا على الأسلوب التخميني البسيط، بدا للباحث - أن الأمر يتعلق بمنظومة مركبة البناء والرموز، تتمثل في الجمع بين الانتدابات، هي من تصنع صورة البرلمان، وتشكل واقعه، لكن التخمين ليس أسلوب البحث العلمي في التعرف على الظواهر السياسية، التي تتطلب طرح أسئلة محددة ودقيقة،[3] وجمع البيانات والعناصر والوقائع حولها، وتحليلها وفق زوايا نظرية متجددة، ومفاهيم تنبع من نفس المعين النظري، وأدوات منهجية منسجمة مع منطق التحليل للوصول إلى نتائج بعيدة عن حكم القيمة، قريبة من حكم الواقع.
من هذه النقطة، صاغ البحث إشكاليته الرئيسية، وهي على الشكل التالي: تعاني الممارسة البرلمانية في السياق المغربي من انحرافات وظيفية جوهرية أصبحت توجه أدوار البرلمان ووظائفه إلى خدمة مصالح ورهانات منفصلة عن حقل المؤسسة البرلمانية، ومناقضة لمضمون فلسفة تمثيل الأمة، فكيف تساهم منظومة الجمع بين الانتدابات الانتخابية في تشكيل هذا الانحراف وتعزيزه؟
للإجابة عن عناصر الإشكالية المركزية والأسئلة النظرية والوصفية المتفرعة عنها، في ضوء ما حملته القراءة الأولية لمراجع البحث من تصورات وأفكار وعناصر، انطلقت هذه الدراسة من فرضيات أولية ضابطة، أبرزها تلك القائلة بأن: "التهافت على الجمع بين الانتدابات يحمل مخاطر حقيقية بفعل تأثيرات منظومة الجمع على المستوى التمثيلي والتشريعي والرقابي، هذه المخاطر قد تهدد مستقبل الممارسة البرلمانية بالمغرب، وتؤثر على مصداقيتها وصورتها أمام ناخبي الأمة وأمام الرأي العام".
ومن أجل الحيلولة دون سقوط هذا البحث رهينة صعوباته، اخترنا اعتماد مقاربات تفاعلية متنوعة، تتجاوز المقاربات التبسيطية التي تحلل الظواهر السياسية بمعطيات سياسية أو دستورية أو قانونية، وتقترب أكثر من عمق الظواهر، من خلال سبر غور عمق ظاهرة الجمع بين الانتدابات للوصول إلى قاعدتها السوسيولوجية، وإلى منظومتها وتفاعلاتها وتجلياتها وتأثيراتها على المستوى البرلماني
انطلاقا من العناصر المذكورة، فقد اقتضت منا مقتربات البحث وبناءاته تقسيم الموضوع إلى قسمين:
القسم الأول: عنوناه بـ منظومة ظاهرة الجمع بين الانتدابات الانتخابية
القسم الثاني: عنوناه بـ تأثيرات ظاهرة الجمع بين الانتدابات الانتخابية وتجلياتها البرلمانية
***********************
من خلال هذين القسمين وعلى امتداد أربعة فصول وثمانية مباحث وتسعة عشرة مطلبا وثمانية وأربعين فرعا، من الدراسة والتحليل خلصت الأطروحة إلى أن:
إن نمو ظاهرة الجمع بين الانتدابات وتجدرها في تربة المشهد السياسي والانتخابي بالمغرب، كانت له نتائج وتأثيرات، سواء على مستوى بناءات اللعبة السياسية والانتخابية أو على مستوى طبيعة وظائف وأدوار البرلمان.
قبل الختم أقول إن دراسة ظاهرة الجمع بين الانتدابات ليس سوى مدخلا من المداخل الممكنة لتحليل وضع وواقع الممارسة البرلمانية بالمغرب، والمقاربة المعتمدة في التحليل لم تتمكن من رصد سوى جزء من كل العناصر الفاعلة في برمجة صورتها ورسم واقعها. راجيا من الله أن تكون هذه المحاولة قد وفقت في الخروج بتقييم موضوعي وتشريح دقيق لأهم الانحرافات التي تخترق العمل البرلماني والتأثيرات التي تمارسها هذه الانحرافات على صورة المؤسسة البرلمانية وهويتها ومستقبلها.
مرة أخرى، أجدد شكري وامتناني لأساتذتي اعضاء لجنة المناقشة ولجموع الحاضرين على تفاعلهم وحسن اصغائهم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
[1] - في إطار تدريب بمجلس النواب ضمن برنامج دعم أعمال البرلمان تحت إشراف المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية ( NDI ) بشراكة بين مجلس النواب وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس الرباط اكدال.
[2] - سعد العلمي، حوار مع جريدة المساء، عدد 874، بتاريخ 13-07-2009، وجريدة أخبار اليوم المغربية، عدد 118، بتاريخ 16-07-2009.
[3] - أنتوني غدنز: علم الاجتماع، ترجمة وتقديم الدكتور فايز الصياغ، المنظمة العربية للترجمة، مؤسسة ترجمان، توزيع مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، أكتوبر 2005، ص 667.
اسمحوا لي، أساتذتي الكرام أن أقول أنه مهما تهافتت على مساحات واجب الشكر الكلمات، وسبح لساني في بحر العبارات ما وجدت سبيلي في تحصيل واجب الشكر وكمال العرفان، الذي يستحقه أستاذي الدكتور امحمد الداسر، الذي تفضل برعايتي علميا على امتداد زمنية اعداد هذه الاطروحة، فلك مني شكر الشكر وامتنان الامتنان، والشكر كذلك، بنفس النفس وبكل نفيس الكلمات للاستاذ الجليل الدكتور الحسان بوقنطار الذي قبل تحمل عناء رئاسة لجنة مناقشة هذه العمل، حبا منه في البحث العلمي ومن أجل البحث العلمي، والشكر كذلك، بنفس الصدق ونفس الاحساس، للسادة اعضاء لجنة المناقشة أساتذتي الدكتور عبد الرحيم منار السليمي والدكتور عبد العلي حامي الدين والدكتور حسن طارق والدكتور رشيد المدور فجميعهم ساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في بناءات هذا البحث، أشكركم جميعا شكرا خاصا مع التسليم بأني سأظل مقصرا في بلوغ واجب الشكر وتحصيل كمال العرفان.
واسمحولي كذلك، أن أوجه شكري لجميع الحاضرات والحاضرين ولكل من ساهم من قريب أو من بعيد في بناءات هذا البحث حتى صاغ شكله النهائي.
بعد واجب الشكر أقول: أن النظريات التي أخذت من سؤال واقع الممارسة البرلمانية بالمغرب، منطلقها ومحور تحليلاتها، قد تبدو مازالت صالحة لمعالجة واقع الممارسة الراهن، مادامت التربة المغذية لفرضياتها وإشكالياتها تحتفظ بخصوبتها وقابليتها لإعادة إنتاج نفس الخلاصات، لكن دراسة الظواهر السياسية، تتطلب باستمرار الإنفتاح على مقاربات بديلة، من أجل مسايرة دينامية البناء والتشكل التي تعرفه المؤسسات والظواهر، وبذل مجهود فعلي للابتعاد عن حكم القيمة، من أجل الإقتراب من حكم الواقع، واقع الممارسة البرلمانية كما تعبر عنه بنفسها، في لحظة بنائها ولحظة تشكلها من جديد.
فعلى امتداد زمنية من البحث والملاحظة لحركات الفعل والسلوك داخل مجلس النواب،[1] استوقفت الباحث جملة من العناصر الفاعلة في برمجة صورة البرلمان ورسم واقعه، من قبيل الكراسي الفارغة، والترحال من فريق إلى فريق، والحضور اللافت للنزعة المحلية في الخطاب والفعل البرلمانيين...، هذه النماذج شكلت عينة من فيض العناصر العائمة في فضاء برلماني تصنعه الرموز ويصنعها.
وفي نفس الاطار، وبمناسبة استعراض حصيلة دورة ابريل 2009 من الولاية التشريعية 2007 -2011، والتي تزامنت مع إجراء الانتخابات الجماعية لـ12 يونيو 2009، صرح الوزير السابق المكلف بالعلاقات مع البرلمان السيد سعد العلمي في حوار له مع أحد المنابر الصحفية قائلا: " إنصرف غالبية البرلمانيين إلى الاهتمام بشكل شبه تام بالاستحقاقات الانتخابية وتخلوا عن القيام ببعض واجباتهم البرلمانية، فكانت النتيجة متواضعة".[2] اعتمادا على الأسلوب التخميني البسيط، بدا للباحث - أن الأمر يتعلق بمنظومة مركبة البناء والرموز، تتمثل في الجمع بين الانتدابات، هي من تصنع صورة البرلمان، وتشكل واقعه، لكن التخمين ليس أسلوب البحث العلمي في التعرف على الظواهر السياسية، التي تتطلب طرح أسئلة محددة ودقيقة،[3] وجمع البيانات والعناصر والوقائع حولها، وتحليلها وفق زوايا نظرية متجددة، ومفاهيم تنبع من نفس المعين النظري، وأدوات منهجية منسجمة مع منطق التحليل للوصول إلى نتائج بعيدة عن حكم القيمة، قريبة من حكم الواقع.
من هذه النقطة، صاغ البحث إشكاليته الرئيسية، وهي على الشكل التالي: تعاني الممارسة البرلمانية في السياق المغربي من انحرافات وظيفية جوهرية أصبحت توجه أدوار البرلمان ووظائفه إلى خدمة مصالح ورهانات منفصلة عن حقل المؤسسة البرلمانية، ومناقضة لمضمون فلسفة تمثيل الأمة، فكيف تساهم منظومة الجمع بين الانتدابات الانتخابية في تشكيل هذا الانحراف وتعزيزه؟
للإجابة عن عناصر الإشكالية المركزية والأسئلة النظرية والوصفية المتفرعة عنها، في ضوء ما حملته القراءة الأولية لمراجع البحث من تصورات وأفكار وعناصر، انطلقت هذه الدراسة من فرضيات أولية ضابطة، أبرزها تلك القائلة بأن: "التهافت على الجمع بين الانتدابات يحمل مخاطر حقيقية بفعل تأثيرات منظومة الجمع على المستوى التمثيلي والتشريعي والرقابي، هذه المخاطر قد تهدد مستقبل الممارسة البرلمانية بالمغرب، وتؤثر على مصداقيتها وصورتها أمام ناخبي الأمة وأمام الرأي العام".
ومن أجل الحيلولة دون سقوط هذا البحث رهينة صعوباته، اخترنا اعتماد مقاربات تفاعلية متنوعة، تتجاوز المقاربات التبسيطية التي تحلل الظواهر السياسية بمعطيات سياسية أو دستورية أو قانونية، وتقترب أكثر من عمق الظواهر، من خلال سبر غور عمق ظاهرة الجمع بين الانتدابات للوصول إلى قاعدتها السوسيولوجية، وإلى منظومتها وتفاعلاتها وتجلياتها وتأثيراتها على المستوى البرلماني
انطلاقا من العناصر المذكورة، فقد اقتضت منا مقتربات البحث وبناءاته تقسيم الموضوع إلى قسمين:
القسم الأول: عنوناه بـ منظومة ظاهرة الجمع بين الانتدابات الانتخابية
القسم الثاني: عنوناه بـ تأثيرات ظاهرة الجمع بين الانتدابات الانتخابية وتجلياتها البرلمانية
***********************
من خلال هذين القسمين وعلى امتداد أربعة فصول وثمانية مباحث وتسعة عشرة مطلبا وثمانية وأربعين فرعا، من الدراسة والتحليل خلصت الأطروحة إلى أن:
هناك تيارين نظريين يتجاذبان الظاهرة، أحدهما يدعم منظومة الظاهرة ويدافع عن منطقها، يعتمد في مسلكه على جملة من المقولات التبريرية، حيث يرى أنصار هذا التيار أن الجمع بين الانتدابات يساهم في تكريس مبدأ خدمة الدائرة الانتخابية والحفاظ على الاتصال المباشر بينها وبين البرلمان، كما يساهم في تعزيز الخلفية المحلية للبرلمان، وهو ما يجعل البرلمان يتوفر على صورة متكاملة حول السياسات العمومية. في مقابل تيار آخر مناهض للظاهرة، يرى بأن هذه الأخيرة تشكل أكبر خطر يتهدد مستقبل الممارسة البرلمانية، بعلة أن الظاهرة تخفي توجها عاما ممأسسا للحفاظ على المكاسب التي توفرها المحليات خاصة في مجال التنافس الانتخابي، وينبهون إلى أن إقحام البرلمان في صلب الانشغالات المحلية، يؤدي إلى الخلط بين أدوار ووظائف المؤسسات، وهو ما يؤدي إلى صياغة نظرة منحازة حول السياسات العمومية.
وبعيدا عن مساحات التجاذب الفكري والنظري المواكب لتطور ظاهرة الجمع بين الانتدابات، تكشف الدراسة أن منشأ هذه الظاهرة في التجربة المغربية ارتبط أساسا، بجملة من الاختيارات التي تم بها تدبير الفعل السياسي والحدث الانتخابي على امتداد عمر الحياة السياسية، من قبيل الاعتماد على منظومة الأعيان، وتهميش المظلة الحزبية في التنافس الانتخابي، واعتماد نمط اقتراع وتقطيع انتخابي يصب في مصلحة نخب الجمع بين الانتدابات...، دون إغفال باقي العوامل التي ساهمت في توفير الحماية اللازمة لظاهرة الجمع بين الانتدابات بالمغرب.
وقد أدت سياسة اللاحسم تجاه مخاطر منظومة ظاهرة الجمع بين الانتدابات، إلى تجذر الظاهرة في الحياة السياسية بالمغرب، حيث توصل الباحث إلى أن أزيد من ثلثي اعضاء مجلس النواب خلال الولايات التشريعية السابعة والثامنة والتاسعة كانت لهم ارتباطات تمثيلية بالفضاءات المحلية، فخلال الولاية التشريعية السابعة 2002-2007، بلغ معدل الجمع بين الانتدابات نسبة 71.63%، وقد ارتفع هذا المعدل مع اجراء الانتخابات التشريعية لـ 07 شتنبر 2007 إلى نسبة 72.81% ليواصل الارتفاع مع اجراء الانتخابات الجماعية لـ 12 يونيو 2009 مستقرا في معدل 76.85%. ومع اجراء أول انتخابات تشريعية في ظل دستور 2011، كشفت المعطيات تراجع معدل الجمع بين الانتدابات بمجلس النواب ليستقر في معدل 67.84%، قبل أن يعرف هذا المعدل مرة أخرى ارتفاعا مع اجراء الانتخابات الجماعية والجهوية لـ 04 شتنبر 2015 ليصل إلى عتبة 74.17 %.
وفي وجه آخر لظاهرة الجمع بين الانتدابات كشفت المؤشرات الخاصة بالجمع بين الصفة النيابية والمسؤوليات المحلية، أن 28.86% من النواب الفائزين في الانتخابات التشريعية لـ 25 نونبر 2011 كانوا يشغلون بالاضافة إلى صفتهم النيابية منصب رئيس مجلس جماعي أو مجلس مقاطعة، و13.41% كانوا يشغلون بالاضافة إلى صفتهم النيابية مسؤوليات تنفيدية داخل المكاتب المسيرة للمجالس الجماعية أو مجالس المقاطعات، و9.62% كانوا ينتمون إلى أغلبيات مسيرة على مستوى المجالس الجماعية أو مجالس المقاطعات، بمعنى أن 51.89% من النواب الذين افرزتهم أول انتخابات تشريعية عرفها دستور 2011 كانوا يضطلعون بمهام تنفيذية على الصعيد المحلي بجانب التمثيلية النيابية على الصعيد الوطني، في مقابل 14.43% من النواب كانوا ينتمون إلى فرق المعارضة على الصعيد المحلي.
كما تشير خريطة توزيع الظاهرة مجاليا وسوسيولوجيا إلى أن منظومة الجمع بين الانتدابات، أصبحت تخترق كل البنى الحزبية رغم الاختلافات التي يمكن تسجيلها بين هذه الأخيرة على مستوى مضمون البناء الايديولوجي، وحدود الامتداد السوسيولوجي، وحجم التمثيل النيابي، كما تخترق منظومة الظاهرة كذلك، كل الحقول الجغرافية والمجالية سواء كانت هذه الحقول ذات طبيعة مدينية أو ريفية أو قروية، مما يعني أن ظاهرة الجمع بين الانتدابات لها عمق سوسيولوجي قوي، وتستند على حاضنة ثقافية ومجتمعية صلبة، تغذي حركيتها وتوجه مسار نموها وتشكلها.
إن نمو ظاهرة الجمع بين الانتدابات وتجدرها في تربة المشهد السياسي والانتخابي بالمغرب، كانت له نتائج وتأثيرات، سواء على مستوى بناءات اللعبة السياسية والانتخابية أو على مستوى طبيعة وظائف وأدوار البرلمان.
فعلى مستوى مسلسل الترشيح للانتخابات التشريعية، تؤدي ظاهرة الجمع بين الانتدابات إلى تكريس حالة التهافت على التمثيليات الجاهزة، في مقابل تهميش حضور المناضلين والشباب والنساء الناشطين داخل الأحزاب السياسية، حيث تقوم الظاهرة بإغلاق المشهد السياسي حول نخبة معينة، وهو ما يؤدي إلى فرملة حركية التمثيلية عبر الأجيال وتمديد الزمن التمثيلي للنخبة المحترفة للجمع.
على مستوى هوية الحملة الانتخابية ومضمونها، تؤدي الظاهرة إلى تحويل الحملة الانتخابية من حملة وطنية إلى حملة محلية من أجل انتخابات وطنية، يغيب فيها البعد الوطني مقابل حضور البعد المحلي، وهو ما يؤدي إلى تعميق هوة الخلط بين ما هو برلماني وما هو محلي وبين الرهانات المحلية والرهانات الوطنية.
على مستوى منسوب حضور البعد الايديولوجي واللون السياسي والحزبي داخل اللعبة السياسية والانتخابية، تساهم الظاهرة في تعميق تراجع هذا المنسوب، بفعل بروز محورية محترفي الانتخابات وضمور دور المناضل الحزبي، حيث تظهر لعبة الشخصيات أهم من لعبة الأحزاب السياسية.
على مستوى مبادئ التنافس الديمقراطي وقواعد المساواة وتكافؤ الفرص بين الأحزاب السياسية، يؤدي الظاهرة إلى هيمنة محترفي الانتخابات على مفاصيل العملية الانتخابية، حيث يعمل محترفو الانتخابات على تكوين حلف متراص يتحرك في إطار لعبة سياسية يتم تنظيمها عبر مجموعة من القواعد البرغماتية، من أجل منع بزوغ أي منافس انتخابي سواء على الصعيد الوطني أو المحلي، عمل هذه الاستراتيجية شبيه بوظيفة شجرة الباوباب العملاقة التي لا تسمح للنباتات الصغيرة بأن تنمو في ظلها.
على مستوى أداء المعارضة البرلمانية، وبحكم وجود عدد من النواب في صفوف المعارضة يشغلون مهام ومسؤوليات على الصعيد المحلي، تساهم الظاهرة في الحد من فعلية وفعالية نواب المعارضة، ذلك، أنه في الوقت الذي يفرض عليهم موقعهم النيابي مباشرة العديد من الآليات الرقابية ضد الحكومة، تتدخل مسؤولياتهم التنفيذية محليا لتفرض عليهم منطقا آخر، يحتم عليهم الدخول مع الحكومة في علاقات تفاوضية من أجل تحصيل العوائد، وتحقيق المطالب، وإنجاز المشاريع المبرمجة محليا، وبالتالي، فكيف يمكن القيام بدور المعارضة والوساطة في نفس الوقت؟.
على مستوى سلوكيات النواب البرلمانيين، تساهم الظاهرة، في تعميق حالات الغياب البرلماني في صفوف النواب الذين يفضلون العمل المحلي على العمل الوطني، بجانب مساهمتها في انتشار الترحال البرلماني، حيث أن التحرك عبر أكثر من لون سياسي وحزبي، ما هو في الحقيقة إلا انعكاس لتحرك آخر يتم عبر أكثر من مجال انتخابي، وفي أزمنة انتخابية متفاوتة.
على مستوى الأداء التشريعي للبرلمان، تؤثر الظاهرة على وظائف وأدوار البرلمان، حيث يتحول عضو البرلمان من برلماني التشريع إلى برلماني الدائرة الانتخابية، برلماني يتصرف ليس بوصفه نائبا ممثلا للأمة، وإنما باعتباره ساعي بريد يحمل قوائم ولافتات عليها مطالب خاصة بالجماعة أو القبيلة أو الدائرة الانتخابية التي ينتمي إليها، حيث أصبحت جدية النائب تقاس بمدى الطلبات التي يحققها لا بمردوديته في مجال التشريع.
على مستوى الأداء الرقابي للبرلمان، تساهم الظاهرة في تقويض حركية عدد من الآليات الرقابية مثل آلية الأسئلة الشفوية التي أصبحت مجرد آلية لتحصيل العوائد وتبادل المنافع بين النواب والحكومة والتواصل المباشر مع الدائرة الانتخابية، وخدمة الأهداف المحلية من موقع المؤسسة البرلمانية.
قبل الختم أقول إن دراسة ظاهرة الجمع بين الانتدابات ليس سوى مدخلا من المداخل الممكنة لتحليل وضع وواقع الممارسة البرلمانية بالمغرب، والمقاربة المعتمدة في التحليل لم تتمكن من رصد سوى جزء من كل العناصر الفاعلة في برمجة صورتها ورسم واقعها. راجيا من الله أن تكون هذه المحاولة قد وفقت في الخروج بتقييم موضوعي وتشريح دقيق لأهم الانحرافات التي تخترق العمل البرلماني والتأثيرات التي تمارسها هذه الانحرافات على صورة المؤسسة البرلمانية وهويتها ومستقبلها.
مرة أخرى، أجدد شكري وامتناني لأساتذتي اعضاء لجنة المناقشة ولجموع الحاضرين على تفاعلهم وحسن اصغائهم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
[1] - في إطار تدريب بمجلس النواب ضمن برنامج دعم أعمال البرلمان تحت إشراف المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية ( NDI ) بشراكة بين مجلس النواب وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس الرباط اكدال.
[2] - سعد العلمي، حوار مع جريدة المساء، عدد 874، بتاريخ 13-07-2009، وجريدة أخبار اليوم المغربية، عدد 118، بتاريخ 16-07-2009.
[3] - أنتوني غدنز: علم الاجتماع، ترجمة وتقديم الدكتور فايز الصياغ، المنظمة العربية للترجمة، مؤسسة ترجمان، توزيع مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، أكتوبر 2005، ص 667.